ــ[63]ــ
حرمة بيع شحوم ما لا يؤكل لحمه
قوله : ولا ينافيه النبوي : لعن الله اليهود(1).
أقول : وجه التنافي هو توهّم الملازمة بين حرمة الأكل وحرمة البيع . وأجاب عنه المصنّف بأنّ الظاهر أنّ الشحوم كانت محرّمة الانتفاع على اليهود بجميع الانتفاعات ، لا كتحريم شحوم غير مأكول اللحم علينا .
وفيه : أنه لا منشأ لهذا الظهور لا من الرواية ولا من غيرها ، بل الظاهر منها حرمة أكلها فقط ، كما هو المستفاد من الآية(2) أيضاً ، فإنّ الظاهر من تحريم الشحوم فيها تحريم أكلها ، لكونه منفعة ظاهرة لها . إلاّ أنّك عرفت(3) في البحث عن النبوي المشهور أنّ حرمة الأكل لا تستلزم حرمة البيع وضعاً وتكليفاً باتّفاق من الشيعة ومن العامة .
قوله : والجواب عنه مع ضعفه .
أقول : قال المحقّق الإيرواني : ظاهر النبوي ما حرم أكله من المأكولات
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) روى جابر بن عبدالله أنه سمع رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يقول عام الفتح وهو بمكة : « إنّ الله ورسوله حرّم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام ، فقيل يارسول الله ، أرأيت شحوم الميتة فإنها تطلى بها السفن ويدهن بها الجلود ويستصبح بها الناس ، فقال : لا ، هو حرام ، ثم قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) : قاتل الله اليهود ، إنّ الله لمّا حرّم عليهم شحومها جملوه ـ أي أذابوه ـ ثم باعوه وأكلوا ثمنه » راجع سنن البيهقي 6 : 12 ، وسبل السلام 3 : 6 / 735 ، والبخاري 3 : 107 ، 110 باب لا يذاب شحم الميتة ، وباب بيع الميتة ، وتقدّم أيضاً بعض روايات الشحوم في ص33 ـ 34 .
(2) أي قوله تعالى في سورة الأنعام 6 : 146 : (وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِى ظُفُر وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا) .
(3) لاحظ ص36 .
ــ[64]ــ
أعني ما يقصد للأكل ، دون ما حرم أكله مطلقاً ... ليخالف غرض المصنّف ويلزم تخصيص الأكثر حتى يضطر إلى تضعيفه سنداً ودلالة(1).
وفيه : مضافاً إلى كونه حملا تبرّعياً ، أنه يلزم تخصيص الأكثر أيضاً ، لجواز بيع المأكولات والمشروبات المحرّمة إذا كانت لها منافع محلّلة . ثم إنّ الظاهر من ذيل كلامه استظهار ضعف الرواية من عبارة المصنّف من غير جهة تخصيص الأكثر ، إلاّ أنه ناشئ من غلط النسخة ومن زيادة كلمة (مع) قبل كلمة (ضعفه) .
لا يقال : إنّ الملاك في حرمة بيع الشحوم هو حرمة أكلها ، فيحرم بيعها لكونه إعانة على الاثم .
فإنه يقال : لو سلّمنا حرمة الإعانة على الإثم لكان الظاهر من الرواية هو بيع اليهود شحومهم من غيرهم ، ولم يعلم حرمته على غير اليهود ، بل الظاهر من الآية المباركة اختصاص التحريم بهم ، مع أنه لو قطع النظر عن هذا الظهور لكان تقييد الرواية بما إذا كان البيع للأكل بلا موجب . ــــــــــــــــ
(1) حاشية المكاسب (الإيرواني) 1 : 29 .
|