جواز بيع الأرواث
قوله : الأقوى جواز بيع الأرواث الطاهرة(2).
أقول : المشهور بين أصحابنا جواز بيع الأرواث الطاهرة ، وفي المستند : يجوز الاكتساب بها مطلقاً وفاقاً للأكثر ، بل عن السيد الإجماع عليه ، لطهارتها وعظم الانتفاع بها ، فيشملها الأصل والعمومات(3). وفي الخلاف : سرجين ما يؤكل لحمه يجوز بيعه ، دليلنا على جواز ذلك أنه طاهر عندنا ، ومن منع منه فإنّما منع لنجاسته ويدلّ على ذلك بيع أهل الأمصار في جميع الأعصار لزروعهم وثمارهم ، ولم نجد أحداً كره ذلك ، ولا خلاف فيه ، فوجب أن يكون جائزاً(4). نعم حكم في النهاية بحرمة بيع العذرة والأبوال إلاّ بول الإبل خاصّة ، فإنه لا بأس بشربه والاستشفاء به عند الضرورة(5). وفي المراسم حكم بحرمة التكسّب بالعذرة والبول إلاّ بول الإبل
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) كما تقدّم في ص66 ، الهامش رقم (2) .
(2) المكاسب 1 : 26 .
(3) المستند 14 : 83 .
(4) الخلاف 3 : 185 .
(5) النهاية : 364 .
ــ[80]ــ
خاصة(1). وكذلك ذهبت الشافعية(2) إلى نجاسة فضلة مأكول اللحم بلا تفصيل بين الطيور وغيرها ، مع ذهابهم(3) إلى عدم صحة بيع كل نجس إلاّ إذا كان مخلوطاً بشيء طاهر لا يمكن فصله منه .
والظاهر أنه لا فرق بين العذرة والأرواث في جواز البيع وعدمه من جهة مدرك الحكم إلاّ نجاسة الاُولى وطهارة الثانية ، فإنّ الأخبار الخاصة الواردة في حرمة بيع العذرة لم تتم كما عرفت(4)، والأخبار العامة المتقدّمة(5) إنّما تدلّ على حرمة بيع ما يكون منهيّاً عن أكله ، فتكون شاملة للأرواث والعذرة كلتيهما ، وحيث عرفت أنّه لا يصلح شيء من ذلك لإثبات حرمة بيع العذرة فتعرف عدم جريانه في الأرواث أيضاً . وأمّا ما في رواية تحف العقول من قوله (عليه السلام) : « أو شيء من وجوه النجس » فلا تدل على مانعية النجاسة عن البيع ، لما عرفت في بيع الأبوال(6)أنّ مقتضى التعليل المذكور فيها هو كون منافع النجس بأجمعها محرّمة ، وأمّا إذا كانت له منفعة محلّلة فلا تدل الرواية على حرمة بيعه . إذن فلا وجه لما التزم به شيخنا الأنصاري من التفريق بين العذرة والأرواث .
وأمّا دعوى الإجماع على التفريق بينهما فهي دعوى جزافية ، للاطمئنان بأنّ مدرك المجمعين تلك الوجوه المذكورة لمنع بيع العذرة دون الأرواث ، وإلاّ فالإجماع
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) المراسم : 170 .
(2) الفقه على المذاهب الأربعة 1 : 15 .
(3) الفقه على المذاهب الأربعة 2 : 208 ـ 209 .
(4) في ص75 .
(5) في أوّل الكتاب .
(6) في ص51 .
ــ[81]ــ
التعبّدي الكاشف عن رأي الحجّة معلوم العدم ، وقيام السيرة على جواز الانتفاع والمعاوضة لا يختص بالأرواث ، بل يعمّ العذرة أيضاً ، كشمول العمومات لهما .
وما في الجواهر(1) من الاستدلال على جواز بيع الأرواث فقط بخبر ابن مضارب وبذيل رواية سماعة(2) بعدما حملهما عليها فاسد ، لما عرفت من أنه لا يصح إطلاق العذرة على الأرواث بوجه ، وأنّ الأرواث في اللغة(3) لا تطلق إلاّ على رجيع ذي الحافر .
وقد يتوهّم تحريم بيعها لآية تحريم الخبائث(4) بدعوى أنّ عموم التحريم المستفاد من الجمع المحلّى باللام يشمل البيع أيضاً .
وفيه أوّلا : ما أجاب به المصنّف من أنّ المراد من تحريم الخبائث هو تحريم أكلها ، لا مطلق الانتفاعات بها .
وثانياً : أنّه قد تقدّم في بيع الأبوال(5) أنّ الخبيث عبارة عن مطلق ما فيه نقص ودناءة ولو كان من قبيل الأفعال ، ويرادف في الفارسية بلفظ (پليد) فمثل الزنا
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الجواهر 22 : 18 .
(2) المتقدمتين في ص66 .
(3) في تاج العروس 1 : 626 مادة راث : الروثة واحدة الروث والأرواث ، وقد راث الفرس وغيره ، وفي المثل أحشك وتروثني ، قال ابن سيده : الروث رجيع ذي الحافر . وفي التهذيب : يقال لكل ذي حافر قد رأث يروث روثاً . وفي المجمع ] 2 : 255 مادّة روث [راث الفرس يروث روثاً من باب قال ، والخارج روث ، ومنه الحديث « نهى عن الروث » يعني رجيع ذات الحافر .
(4) وهي قوله تعالى في الأعراف 7 : 157 : (وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ) .
(5) في ص58 ـ 59 .
ــ[82]ــ
والافتراء والغيبة والنميمة وغيرها من الأفعال المحرّمة التي عبّر عنها في قوله تعالى بالفواحش(1) من الخبائث أيضاً .
إذن فليس المراد من تحريم الخبائث في الآية إلاّ بيان الكبرى الكلّية من تحريم ما فيه مفسدة ، وأمّا تشخيص الصغرى وبيان أنّ في هذا مفسدة أو في ذاك فخارج عن حدود الآية ، وإلاّ فيلزم التمسّك بالعام في الشبهات المصداقية ، وهو لا يجوز كما نقّح في الاُصول(2). وإن أبيت إلاّ عن اختصاصها بما يكون الطبع متنفّراً عنه ، فندفعه بعدم الملازمة بين تحريم الأكل وحرمة البيع ، كما سبق(3) في بيع الأبوال وغيره ، إلاّ إذا كان الأكل من المنافع الظاهرة . ـــــــــــــــ
(1) الأعراف 7 : 33 ، وهي قوله تعالى : (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّي الْفَوَاحِشَ) .
(2) محاضرات في اُصول الفقه 4 (موسوعة الإمام الخوئي 46) : 334 وما بعدها .
(3) في ص50 .
|