ــ[111]ــ
حكم بيع المذكّى المختلط بالميتة
قوله : إنّه كما لا يجوز بيع الميتة منفردة كذلك لا يجوز بيعها منضمّة إلى المذكّى .
أقول : تارةً تمتاز الميتة من المذكّى ، واُخرى لا تمتاز .
أمّا الصورة الاُولى : فلا إشكال في جواز البيع وصحّته بالنسبة إلى غير الميتة سواء كانت ممتازة عند المتبايعين أم عند المشتري فقط ، لعدم ترتّب الأثر على علم البائع وجهله . وأمّا بالنسبة إلى الميتة فيجري فيها جميع ما تقدّم في بيعها منفردة لأنّ انضمام الميتة إلى المذكّى لا يغيّر حكمها ، نعم بناء على حرمة بيعها يكون المقام من مصاديق بيع ما يجوز وما لا يجوز ، فيقسّط الثمن بالنسبة إليهما ، ويحكم بالصحة فيما يجوز وبالفساد فيما لا يجوز ، ولا خيار للمشتري بالنسبة إلى ما يجوز لأجل تبعّض الصفقة ، لعلمه بالحال كما هو المفروض .
وأمّا الصورة الثانية : فهي محل الكلام ومورد النقض والإبرام ، وتحقيقها في مقامين :
الأول : من حيث القواعد العامّة ، والثاني : من حيث الروايات الخاصّة الواردة في خصوص ذلك .
أمّا المقام الأول : فإن كان المدرك في حرمة بيع الميتة منفردة هي النصوص والإجماعات فلا شبهة في أنّهما لا تشملان صورة الاختلاط ، لأنّه لا يصدق بيع الميتة على ذلك مع قصد المذكّى حتى مع تسليمها إلى المشتري لكونه مقدّمة لإقباض المبيع ، وعلى هذا فلا وجه لما ذهب إليه المصنّف من المنع على الإطلاق بناء على وجوب الاجتناب عن كلا المشتبهين ، نعم لا يجوز أن ينتفع بهما فيما كان مشروطاً بالطهارة والتذكية .
وإن كان المدرك في المنع هو حرمة الانتفاع بالميتة لكونها في نظر الشارع
ــ[112]ــ
مسلوب المالية نظير الخمر والخنزير ، وقلنا بتنجيز العلم الإجمالي ، فغاية ما يترتّب عليه هو عدم جواز بيعهما من شخص واحد ، للعلم الإجمالي بوجود ما لا يجوز الانتفاع به فيهما ، فإنّ العلم الإجمالي يوجب وجوب الاجتناب عن كلا المشتبهين . إذن فيجري هنا ما جرى في الميتة المعلومة تفصيلا من الأحكام التكليفية والوضعية . وأمّا بيعهما من شخصين فلا بأس فيه ، لأنّ حرمة الانتفاع لم تثبت إلاّ على الميتة المعلومة إمّا إجمالا أو تفصيلا على سبيل منع الخلو ، وإذا انتفى أحد العلمين انتفت حرمة الانتفاع أيضاً ، فلم يبق في البين إلاّ الاحتمال فيندفع بالأصل ، فإنّ هذا نظير انعدام أحد المشتبهين أو خروجه عن محل الابتلاء الموجب لسقوط العلم الإجمالي عن التأثير .
قوله : فأكل المال بازائه أكل المال بالباطل .
أقول : قد عرفت ما فيه في بيع الأبوال(1).
قوله : وجوّز بعضهم البيع بقصد بيع المذكّى .
أقول : قد عرفت أنّ هذا هو الصحيح بناء على أنّ المانع عن بيع الميتة هو الإجماع أو النص ، فيبيعهما بقصد المذكّى ثم يسلّمهما إلى المشتري فينتفع بهما في غير ما يشترط فيه التذكية ، نعم لو كان المانع هي حرمة الانتفاع فيجري فيه ما ذكرناه .
قوله : وجواز ارتكاب أحدهما .
أقول : لا دخل للقول بجواز ارتكاب أحدهما في جواز البيع بقصد المذكّى فإنّه بناء على هذا المنهج يجوز بيع أحدهما معيّناً أيضاً لو كان المانع عن البيع عدم جواز انتفاع المشتري ، إذ المفروض حينئذ جواز انتفاع كل شخص بما يشتريه ، نعم
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) في ص52 ، 60 .
ــ[113]ــ
بناء على كون المانع من بيع الميتة هو النصّ أو الإجماع لا يصح البيع إلاّ بقصد المذكّى كما عرفت .
قوله : لكن لا ينبغي القول به في المقام .
أقول : قد منع المصنّف عن جواز بيع أحد المختلطين حتى مع القول بأنّه يجوز ارتكاب أحد المشتبهين وعدم تنجيز العلم الإجمالي ، وذلك لأصالة عدم التذكية الجارية في اللحوم ، فإنّها أصل موضوعي حاكم على سائر الاُصول من أصالتي الحل والطهارة . وفيه : أنّ أصالة عدم التذكية لا تثبت الميتة التي هي أمر وجودي إلاّ على القول بالاُصول المثبتة .
لا يقال : إنّ الميتة عبارة عمّا لم تلحقه الذكاة كما في القاموس(1)، إذن فلا شبهة في ثبوتها بالأصل بلا أن يلزم منه المحذور المذكور .
فإنه يقال : إنّ الأصل المذكور وإن كان متكفّلا لإثبات ذلك العنوان ، إلاّ أنّه أمر يغاير الميتة ويلازمها ، وليس متّحداً معها ، لأنّها في عرف الشرع واللغة(2) إمّا عبارة عمّا مات حتف أنفه ، وإمّا عبارة عمّا فارقته الروح بغير ذكاة شرعية وعلى هيئة غير مشروعة إمّا في الفاعل أو في المفعول ، فلا يثبت شيء منهما بأصالة عدم التذكية إلاّ على القول بحجّية الأصل المثبت ، فالمحذور في محلّه . وأمّا ما في القاموس
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) القاموس المحيط 1 : 158 مادّة مات .
(2) في تاج العروس 1 : 587 ] مادّة مات [ عن أبي عمرو : والميتة ما لم تدرك تذكيته ، وقال النووي في تهذيب الأسماء واللغات : قال أهل اللغة والفقهاء: الميتة ما فارقته الروح بغير ذكاة وفي المصباح : المراد بالميتة في عرف الشرع ما مات حتف أنفه ، أو قتل على هيئة غير مشروعه ، إمّا في الفاعل أو في المفعول.
وفي مفردات الراغب ] 782 مادّة موت [ : والميتة من الحيوان ما زال روحه بغير تذكية .
ــ[114]ــ
فأمر لم تثبت صحّته ، وكذلك ما عن أبي عمرو من أنّها ما لم تدرك تذكيته .
وأمّا المقام الثاني : فالروايات الواردة هنا على طائفتين :
أمّا الطائفة الاُولى : فتدلّ على حرمة بيع المذكّى المختلط بالميتة ، وحرمة الانتفاع بهما ، بل يرمى بهما إلى الكلاب(1).
وفيه أوّلا : أنّ الرمي بهما إلى الكلاب كناية عن حرمة الانتفاع بهما على نحو الانتفاع بالمذكّى ، كما حملنا على ذلك قوله (عليه السلام) في رواية الوشاء المتقدّمة(2): « أما علمت أنه يصيب اليد والثوب ، وهو حرام » وإلاّ فلا مناص من الالتزام بالوجوب النفسي للرمي ، وهو بديهي البطلان ، إذ عمدة ما يكون محطّ النظر ومورد الرغبة من الميتة هو جلدها ، وليس هذا ممّا تأكله الكلاب ، وهذا نظير ما سيأتي(3)في بيع الدراهم المغشوشة من أمره (عليه السلام) بكسر درهم من طبقتين طبقة من نحاس وطبقة من فضّة ، فإنّ المراد بذلك ليس إلاّ إعدام الهيئة الدرهمية لئلاّ يعامل عليها معاملة الدراهم الرائجة ، وإلاّ فكسر الدرهم المغشوش ليس من الواجبات النفسية كالصوم والصلاة ، ومن هذا القبيل أيضاً أمره (عليه السلام) باراقة الإناءين المشتبهين ، وباراقة المرق المتنجّس كما سيأتي(4) في الانتفاع بالمتنجّس .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الجعفريات : 48 / 126 عن علي (عليه السلام) « أنّه سئل عن شاة مسلوخة واُخرى مذبوحة عن عمى على الراعي أو على صاحبها فلا يدري الذكية من الميتة ، قال : يرمي بهما جميعاً إلى الكلاب » وهي موثّقة . راجع المستدرك 13 : 73 / أبواب ما يكتسب به ب7 ح1 .
(2) في ص97 .
(3) في ص246 .
(4) في ص208 ، 206 .
ــ[115]ــ
وثانياً : أنّ حرمة الانتفاع بهما بحسب أنفسهما لا ينافي جواز بيعهما ممّن هو في حكم الكلب أو أضل سبيلا ، ويؤيّده ما ورد في بعض الروايات من إطعام المرق المتنجّس أهل الذمّة أو الكلاب(1) فإنه (عليه السلام) قد جعل سبيلهما واحداً ، وأمّا غير الذمي فهو مثله بل أولى .
وثالثاً : لو أغمضنا عن جميع ما ذكرناه فغاية ما يستفاد من الرواية ليس إلاّ حرمة الانتفاع بكلا المختلطين لوجود الميتة فيهما ، فتكون ممّا تدلّ على حرمة الانتفاع بهما ، وقد تقدّم الكلام في ذلك(2).
وأمّا الطائفة الثانية : فهي تدلّ على جواز بيع المذكّى المختلط بالميتة ممّن يستحلّها(3) وبهما(4) نرفع اليد عن ظاهر رواية الجعفريات لو سلّم لها ظهور في
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) زكريا بن آدم قال : « سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن قطرة خمر أو نبيذ مسكر قطرت في قدر فيه لحم كثير ومرق كثير ، قال : يهراق المرق أو يطعمه أهل الذمّة أو الكلاب » الحديث . وهي مهملة بالحسن بن المبارك . راجع الوسائل 3 : 470 / أبواب النجاسات ب38 ح8 ، والتهذيب 1 : 279 / 820 ، والوافي 20 : 685 / 1 .
(2) في ص95 وما بعدها .
(3) وهو ما رواه الحلبي ، قال : « سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول : إذا اختلط الذكي والميتة باعه ممّن يستحل الميتة ويأكل ثمنه » وهي موثّقة . وعنه عن أبي عبدالله (عليه السلام) « أنّه سئل عن رجل كانت له غنم وبقر وكان يدرك الذكي منها فيعزله ، ويعزل الميتة ، ثم إنّ الميتة والذكي اختلطا ، كيف يصنع ؟ قال : يبيعه ممّن يستحلّ الميتة ويأكل ثمنه فإنّه لا بأس به » وهي حسنة بإبراهيم بن هاشم . راجع الوسائل 17 : 99 / أبواب ما يكتسب به ب7 ح1 ، 2 ، والوافي 19 : 89 / 2 ، 1 ، والكافي 6 : 260 / 2 ، 1 . والتهذيب 9 : 48 / 199 ، 198 .
(4) ] أي بروايتي الطائفة الثانية المذكورتين في الهامش [ .
ــ[116]ــ
حرمة البيع على الإطلاق ، بل يمكن أن يقال : إنّ تخصيص الحكم بالمستحل ليس إلاّ لعدم رغبة غيره إليهما ، فيكونان مسلوبي المالية ، خصوصاً إذا لم يكن المراد بالمستحل إلاّ مستحل الأكل فقط كما هو الظاهر ، دون مستحل البيع وإن كان يحرم أكله ، وأمّا إذا وجد من يرغب إليهما وينتفع بهما في غير ما اعتبرت فيه التذكية والطهارة كمن يشتريهما لينتفع بهما في مثل التسميد أو سد الساقية ، أو يصرفهما في أكل السباع والطيور ، أو كان المشتري ممّن لا يبالي بأكل الميتة كفسّاق المسلمين فيجوز بيعهما من غير المستحل أيضاً . إلاّ أنّ الجزم بذلك مشكل جدّاً ، فلا مناص من تخصيص جواز البيع بالمستحل . نعم لا يبعد القول بجواز بيع الميتة منفردة ومع التميّز من المستحل أيضاً ، ضرورة أنّ الاختلاط والاشتباه لا دخل له في الجواز وعليه فيخصّص بهاتين الروايتين ما دلّ على حرمة بيع الميتة على الإطلاق .
قوله : وعن العلاّمة(1) حمل الخبرين على جواز استنقاذ مال المستحل للميتة بذلك برضاه .
أقول : يرد عليه أولا : أنّ النسبة بين الكافر المستحل وبين ما يجوز استنقاذ ماله عموم من وجه ، فإنّه قد يكون المستحل ممّن لا يجوز استنقاذ ماله إلاّ بالأسباب الشرعية كالذمّي ، وقد يكون غير المستحل ممّن يجوز استنقاذ ماله .
وثانياً : أنّه لم يكن في مكان صدور تلك الأخبار وزمانه كافر حربي يجوز استنقاذ ماله ، فإنّها إنّما صدرت من الصادق (عليه السلام) في الكوفة ، وكانت هي ونواحيها في ذلك الوقت خالية عن الحربيين ، لدخول غير المسلمين فيها بأجمعهم تحت الذمّة والأمان .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) المختلف 8 : 337 .
ــ[117]ــ
قوله : ويمكن حملهما على صورة قصد البائع المسلم أجزاءها التي لا تحلّها الحياة .
أقول : الظاهر أنّ هذا الرأي إنّما نشأ من عدم ملاحظة الروايتين ، فإنه مضافاً إلى إطلاقهما وعدم وجود ما يصلح لتقييدهما ، أنّ الحسنة إنّما اشتملت على اختلاط المذكّى بالميتة من الغنم والبقر ، وبديهي أنه ليس في البقر من الأجزاء التي لا تحلّها الحياة شيء ليمكن الانتفاع به حتى يتوهّم حمل الروايتين على ذلك .
قوله : والرواية(1) شاذّة .
أقول : لا يضرّ شذوذها بحجّيتها بعد فرض صحّتها . والإجماع المحصّل على حرمة التصرف في الميتة غير ثابت ، والمنقول منه مع تصريح جماعة من الفقهاء بالجواز غير حجّة . وأمّا دعوى معارضتها بما دلّ على المنع فقد عرفت الحال فيها(2).
قوله : يرجع إلى عموم ما دل على المنع عن الانتفاع بالميتة .
أقول : قد تقدّم(3) حمل الروايات المانعة على صورة الانتفاع بها كالمذكّى بقرينة الروايات المجوّزة ، أو على الكراهة .
إزاحة وهم : ربما يتخيّل الغافل أنه بناء على تكليف الكفّار بالفروع كتكليفهم بالاُصول ـ كما هو الحق والمشهور ـ يكون بيع المذكّى المختلط بالميتة إعانة على الإثم وهي محرّمة .
وفيه : مضافاً إلى منع كون المقام من صغريات الإعانة على الإثم ، ومنع قيام الدليل على حرمتها لو كان منها ، وإنّما هو كبيع العنب والتمر وعصيرهما ممّن يعلم أنّه
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ] أي رواية البزنطي المتقدّمة في ص100 ، الهامش رقم (1) [ .
(2) ، (3) في ص102 .
ــ[118]ــ
يجعلها خمراً ، الذي لا شبهة في جوازه كما سيأتي(1) أنّه لا ريب في جواز مثل هذا النحو من الإعانة على الإثم ، وإلاّ لم يجز سقي الكافر أيضاً ، لتنجّس الماء بمجرد مباشرته إيّاه ببشرته ، فيحرم عليه شربه ، فيكون سقيه إعانة عليه ، مع أنّه لم يقل أحد بحرمته من جهة الإعانة على الإثم ، كيف وقد ورد جواز إبراد الكبد الحرى وجواز تصدّق غير النسك والزكاة على أهل الذمّة ، وجواز سقي النصراني(2)وأيضاً مقتضى ذلك التوهّم تحريم بيع المأكولات والمشروبات من الكفّار . ولا يلزم من تكليف الكفّار بالاجتناب عن المأكولات والمشروبات لتنجّسها بالمباشرة تكليف بما لا يطاق ، فإنّ الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار .
خلاف بداهة : عن أوّل الشهيدين في الدروس(3) احتمال الرجوع في المقام إلى ما ورد في اللحم غير المعلوم كونه ذكياً أو ميتاً ، من أنّه يطرح على النار ، فكل ما
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) في ص267 وما بعدها .
(2) فعن ضريس عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : « إنّ الله يحبّ إبراد الكبد الحرّى ، ومن سقى كبداً حرّى من بهيمة أو غيرها أظلّه الله يوم لا ظلّ إلاّ ظلّه » وهي موثّقة . في القاموس مادّة حرّ : الحرّان العطشان ، والاُنثى الحرّى مثل عطشى .
وعن مسمع عن أبي عبدالله (عليه السلام) « أفضل الصدقة إبراد كبد حرى » . وهي ضعيفة بعبدالله . وفي رواية اُخرى أمر (عليه السلام) بسقي نصراني من قبيلة الفراسين عند ضعفه من العطش . راجع الكافي 4 : 58 / 6 ، 2 ، 4 .
وعن إسحاق بن عمّار عن جعفر عن أبيه « أنّ علياً (عليه السلام) كان يقول : ولا تصدّقوا بشيء من نسككم إلاّ على المسلمين ، وتصدّقوا بما سواه غير الزكاة على أهل الذمّة » وهي موثّقة ، راجع الوسائل 9 : 410 / أبواب الصدقة ب19 ح6 .
(3) الدروس 3 : 14 .
ــ[119]ــ
انقبض فهو ذكي ، وكل ما انبسط فهو ميّت(1).
وفيه : مضافاً إلى ضعف السند فيه ، أنّ ذلك على خلاف البداهة من الوجدان فإنّ من المقطوع أنّه لا تأثير لانقباض اللحم ولا لانبساطه إذا طرح على النار في وقوع الذكاة عليه وعدم وقوعها ، إذن فردّ علمه إلى أهله طريق الاحتياط وسبيل النجاة ، وإن ادّعى الشهيد (رحمه الله) قيام الشهرة القريبة من الإجماع على العمل به في مورده .
جواز بيع ميتة ما ليس له دم سائل
قوله : الثاني : أنّ الميتة من غير ذي النفس السائلة يجوز المعاوضة عليها .
أقول : المشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة ، بل الإجماع على جواز المعاوضة على ميتة غير ذي النفس السائلة ، وقد ذهب إلى ذلك أكثر العامة وإن كان قد يظهر من بعضهم الآخر خلافه(2). وما ذهب إليه المشهور هو الوجيه ، فإنّ
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) إسماعيل بن عمر عن شعيب عن أبي عبدالله (عليه السلام) « في رجل دخل قرية فأصاب بها لحماً ، لم يدر أذكي هو أم ميت ، قال : يطرحه على النار ، فكلّ ما انقبض فهو ذكي ، وكلّ ما انبسط فهو ميّت » وهي ضعيفة باسماعيل . راجع الوافي 19 : 90 / 3 ، والكافي 6 : 261 / 1 ، والتهذيب 9 : 48 / 200 ، والوسائل 24 : 188 / أبواب الأطعمة المحرّمة ب37 ح1 وفي هذا الباب من الوسائل : محمّد بن علي بن الحسين قال « قال الصادق (عليه السلام) : ... وإذا وجدت لحماً ولم تعلم أذكي هو أم ميتة فألق قطعة منه على النار ، فإن انقبض فهو ذكي وإن استرخى على النار فهو ميتة » وهي مرسلة .
(2) في الفقه على المذاهب الأربعة 1 : 12 الشافعية قالوا بنجاسة ميتة ما لا نفس له سائلة إلاّ ميتة الجراد ، وفي 2 : 208 إنّ كل نجس لا يصح بيعه ، فلا يصح بيعها عندهم ، وأمّا غير الشافعية ففي 1 : 13 ذهبوا إلى طهارة ميتة الحيوان الذي ليس له دم سائل يسيل عند جرحه وقيّدوا في 2 : 208 ـ 209 الميتة التي لا يصح بيعها بالنجاسة ، فيصح بيعها عندهم ] لاحظ رأي الحنفية حيث لم يصرّحوا بقيد النجاسة [ .
ــ[120]ــ
المقتضي لجواز بيعها ـ أعني الانتفاع بها بالمنافع المحلّلة ـ موجود ، خصوصاً في بعض أقسامها كالسمك ، فإنّ دهنه من المنافع المهمّة المقصودة للعقلاء ، والمانع عنه مفقود لعدم ما يصلح للمانعية عن المعاوضة على الميتة الطاهرة وضعاً وتكليفاً . إذن فلا مانع من التمسّك بالعمومات لإثبات صحتها ، بل يمكن التمسّك بها حتى مع الشك في وجود المنافع فيها ، لما عرفته مراراً وستعرفه من عدم اعتبار المالية في المعاوضات .
وتوهّم أنّ بيعها ممّن يعلم البائع أنّه يأكلها إعانة على الإثم فيكون حراماً توهّم فاسد ، فإنّها كبيع التمر والعنب والعصير ممّن يجعلها خمراً ، وسيأتي(1) جوازه وورود الأخبار عليه وإن صدق عليه عنوان الإعانة على الإثم .
وأمّا الروايات الخاصّة التي تدلّ على حرمة بيع الميتة فلا ريب في ظهورها بل صراحة بعضها في الميتة النجسة ، وأمّا الروايات العامة المتقدّمة(2) فمضافاً إلى ما تقدّم فيها ، أنّ الشهرة بل الإجماع على خلافها هنا ، فلا يكون ضعفها منجبراً بعمل الأصحاب . ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) في ص267 وما بعدها .
(2) في أوّل الكتاب .
|