حرمة التكسّب بالخنزير
والجهة الثانية : في بيع الخنزير . المشهور بل المجمع عليه بين الخاصة والعامّة(1) هو عدم جواز بيعه ، قال في التذكرة : ولو باع نجس العين كالخنزير لم يصح إجماعاً(2).
ثم إنّ الروايات الواردة في هذه المسألة على طائفتين :
الاُولى : ما دلّ على حرمة بيعه وضعاً وتكليفاً ، منها : قوله (عليه السلام) في رواية قرب الإسناد(3) في نصرانيين باع أحدهما الخنزير إلى أجل ثم أسلما : « إنّما له الثمن ، فلا بأس أن يأخذه » فإنّ مفهومه أنّ غير أخذ الثمن لا يجوز له بعد الإسلام وعليه فيستفاد من الرواية أمران : الأول : حرمة بيع الخنزير بعد الإسلام ، وإلاّ لكان الحصر فيها لغواً . والثاني : صحّة المعاملة عليه قبل الإسلام ، وإلاّ لكان أخذ ثمنه بعد الإسلام حراماً وأكلا للمال بالباطل .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) في الفقه على المذاهب الأربعة 2 : 208 ـ 209 حكى عن المذاهب الأربعة إجماعهم على بطلان بيع الخنزير . وفي شرح فتح القدير 6 : 45 بيع الخنزير فاسد .
(2) التذكرة 10 : 25 .
(3) علي بن جعفر عن أخيه ، قال : « سألته عن رجلين نصرانيين باع أحدهما خمراً أو خنزيراً إلى أجل ، فأسلما قبل أن يقبضا الثمن ، هل يحل لهما ثمنه بعد الإسلام ؟ قال : إنّما له الثمن ، فلا بأس أن يأخذه » . وهي مجهولة بعبدالله بن الحسن . ورواه علي بن جعفر في كتابه ] 134 / 130 [ ، إذن فهي موثّقة . راجع الوسائل 17 : 234 / باب ما يكتسب به ب61 ح1 وقرب الإسناد : 267 / 1065 ، والبحار 100 : 72 / 1 .
ــ[124]ــ
ومنها : روايتا الجعفريات ودعائم الإسلام(1) حيث جعل الإمام (عليه السلام) ثمن الخنزير فيهما من السحت .
ومنها : جملة من الروايات الدالّة على حرمة بيعه(2)، بل في بعضها نهى عن إمساكه . وقد ذكر ذلك في أحاديث أهل السنّة أيضاً(3).
والثانية : ما دلّ على صحّة بيع الخنزير وضعاً(4)، بدعوى أنّها صريحة في
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) راجع المستدرك 13 : 69 / أبواب ما يكتسب به ب5 ح1 ، الجعفريات : 299 / 1235 ] لم نعثر عليه في الدعائم [ .
(2) معاوية بن سعيد عن الرضا (عليه السلام) قال : « سألته عن نصراني أسلم وعنده خمر وخنازير وعليه دَين ، هل يبيع خمره وخنازيره فيقضي دَينه ؟ فقال: لا » . وهي ضعيفة بمعاوية . ومثلها رواية ابن أبي عمير عن الرضا (عليه السلام) إلاّ أنّها مرسلة .
إسماعيل بن مرار عن يونس : « في مجوسي باع خمراً أو خنازير إلى أجل مسمّى ، ثمّ أسلم قبل أن يحلّ المال ، قال : له دراهمه ، وقال : إن أسلم رجل وله خمر وخنازير ثم مات وهي في ملكه وعليه دَين ، قال : يبيع ديّانه أو ولي له غير مسلم خمره وخنازيره ويقضي دَينه وليس له أن يبيعه وهو حي ولا يمسكه » وهي مجهولة بإسماعيل . راجع الوسائل 17 : 226 / أبواب ما يكتسب به ب57 ح1 ، 2 ، والكافي 5 : 231 / 5 ، 14 ، 13 ، والوافي 17 : 251 / 5 ، 6 ، 15 ، والتهذيب 7 : 138 / 612 .
(3) جابر عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) : « إنّ الله حرّم بيع الخنزير » . وأبو هريرة عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) : « إنّ الله حرّم الخنزير وثمنه » . راجع سنن البيهقي 6 : 12 والبخاري 3 : 110 / باب بيع الميتة .
(4) ففي الكافي عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) : « في رجل كانت له على رجل دراهم ، فباع خمراً أو خنازير وهو ينظر فقضاه ، فقال : لا بأس به ، أمّا للمقتضي فحلال ، وأمّا للبائع فحرام » وهي حسنة بإبراهيم بن هاشم . وفي التهذيب 6 : 195 / 429 عن داود بن سرحان عن أبي عبدالله (عليه السلام) مثله بطريق صحيح .
وفي الكافي عن زرارة عن أبي عبدالله (عليه السلام) : « في الرجل يكون لي عليه الدراهم فيبيع بها خمراً وخنزيراً ثم يقضي عنها (منها) ، قال : لا بأس ، أو قال : خذها » وهي حسنة بإبراهيم .
وفي التهذيب عن الخثعمي قال : « سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الرجل يكون لنا عليه الدَين فيبيع الخمر والخنازير فيقضينا ، فقال : لا بأس به ، ليس عليك من ذلك شيء » وهي مجهولة بالقاسم بن محمد .
وفي التهذيب عن أبي بصير قال : « سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الرجل يكون له على الرجل مال فيبيع بين يديه خمراً وخنازير ، يأخذ ثمنه ؟ قال : لا بأس به » وهي ضعيفة بعبدالله بن بحر . راجع الكافي 5 : 231 / 9 ، 11 ، والوسائل 17 : 232 / أبواب ما يكتسب به ب60 ح2 ـ 5 ، 18 : 370 / أبواب الدَين والقرض ب28 ح1 ، والتهذيب 7 : 137 / 607 ، 608 ، والوافي 17 : 252 / 10 ، 13 ، 19 ، 20 .
ــ[125]ــ
جواز استيفاء الدَين من ثمن الخنزير ، فلازم ذلك هو نفوذ بيعه وضعاً وإن كان للبائع حراماً تكليفاً ، وإلاّ فيلزم استيفاء الدَين من مال الغير وهو حرام لكونه أكلا للمال بالباطل .
ومن هنا يظهر الوجه في دلالة قوله (عليه السلام) في رواية محمد بن مسلم : « أمّا للمقتضي فحلال ، وأمّا للبائع فحرام » على صحة بيع الخنزير وضعاً وحرمته تكليفاً .
وجمع بينهما في الوسائل بحمل المجوّزة على فرض كون البائع ذمّياً ، واستشهد عليه بموثّقة منصور(1) لدلالتها على جواز خصوص بيع الذمّي الخنزير ، فتكون
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) قال « قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : لي على رجل ذمّي دراهم فيبيع الخمر والخنزير وأنا حاضر ، فيحل لي أخذها ؟ فقال : إنّما لك عليه دراهم فقضاك دراهمك » وهي موثّقة . راجع الأبواب المتقدّمة من الوسائل والكافي والوافي .
ــ[126]ــ
مقيّدة لما يدل على جواز بيعه مطلقاً .
وفيه : أنّ حمل المطلق على المقيّد وإن كان من المسلّمات ، إلاّ أنّه فيما كان بينهما تناف وتعاند ، نظير أعتق رقبة ولا تعتق رقبة كافرة ، ولو لم يكن بينهما تناف كما في المقام فلا وجه لذلك الحمل .
والصحيح أن يقال : إنّ الظاهر من خبر منصور ، ومن قوله (عليه السلام) في رواية قرب الإسناد : « إنّما له الثمن ، فلا بأس أن يأخذه » ومن رواية عمّار بن موسى(1) هو جواز بيع الذمّي الخنزير قبل الإسلام ، فيقيّد بها ما يدل على حرمة بيعه مطلقاً . إذن فتنقلب النسبة وتصير المانعة أخص من المجوّزة ومقيّدة لها ، وعليه فلا يجوز لغير الذمّي بيع الخنزير . وقد اتّضح ممّا ذكرناه حكم بيع الخمر أيضاً ، لأنّها مذكورة في الأخبار المتقدّمة مع الخنزير .
ثم إنّه استدل غير واحد من الأعاظم على حرمة بيعه بالأخبار العامّة المذكورة في أول الكتاب ، وقد عرفت ما فيها من ضعف السند والدلالة . ثم لا ينقضي العجب من المصنّف حيث اقتصر في الاستدلال على حرمة بيع الخنزير بالإجماع فقط ، ولم يتعرّض للروايات ، وهو أعرف بالحال .
قوله : وكذلك أجزاؤهما .
أقول : ظاهر النصوص والإجماعات إنّما تمنعان عن بيع الكلب والخنزير
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) عن أبي عبدالله (عليه السلام) « أنّه سئل عن رجلين نصرانيين باع أحدهما من صاحبه خمراً أو خنازير ثم أسلما قبل أن يقبض الدراهم ، هل تحل له الدراهم ؟ قال : لا بأس » وهي موثّقة . راجع الوافي 17 : 255 / 22 ، والتهذيب 9 : 116 / 502 .
ــ[127]ــ
بوصفهما العنواني وبصورتهما النوعية التي بها شيئية الأشياء في دار تحقّقها وصقع تكوّنها ، وبما أنّ الأحكام الشرعية إنّما تترتّب على الموضوعات العرفية فلا مانع من شمول المنع للميتة منهما ، لصدق عنوان الكلب والخنزير عليها ولو بالمسامحة العرفية . إذن فتكون المعاملة عليها أيضاً حراماً .
وأمّا أجزاؤهما فلا شبهة في أنه لا يصدق عليها عنوان الكلب والخنزير ، لا بالدقة العقلية ولا بالمسامحة العرفية ، وعليه فإن كانت ممّا تحلّه الحياة شملتها أدلّة حرمة بيع الميتة لصدقها عليها ، وإن جاز الانتفاع بها في غير ما هو مشروط بالطهارة والتذكية ، وإن كانت ممّا لا تحلّه الحياة كالشعر ونحوه فحرمة البيع والانتفاع هنا متوقّفة على مانعية النجاسة عنهما ، إذ من الواضح جدّاً أنّ نجاسة الكلب والخنزير لا تختص بما تحلّه الحياة فقط ، وحيث علمت أنها لا تصلح للمانعية عن البيع ولا عن الانتفاع ، فلا مانع عن بيعها للعمومات ، ولا عن الانتفاع بها بالمنافع المحلّلة لأصالة الإباحة ، ومن هنا أفتى بعضهم بجواز بيع شعر الخنزير والانتفاع به في غير ما هو مشروط بالطهارة ، وإن منع عن بيعه بعض فقهاء العامّة(1) لأنّه نجس العين فلا يجوز بيعه إهانة له ، نعم بناء على طهارة الخنزير كما ذهب إليه مالك(2)يجوز بيع شعره ، لعدم نجاسته المانعة عنه .
على أنّه ورد في جملة من الأحاديث جواز الانتفاع بشعر الخنزير في غير ما
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) شرح فتح القدير 6 : 62 .
(2) في الفقه على المذاهب الأربعة 1 : 10 المالكية قالوا كل حي طاهر العين ولو كلباً أو خنزيراً . ومعه نقل في الفقه على المذاهب الأربعة 2 : 208 عن المالكية حرمة بيع النجس ومثله بالخمر والخنزير .
ــ[128]ــ
هو مشروط بالطهارة(1)، وعلى هذا فهو من الأموال عند الشارع أيضاً . ــــــــــــــ
(1) ففي التهذيب عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال « قلت له : إنّ رجلا من مواليك يعمل الحمائل بشعر الخنزير ، قال : إذا فرغ فليغسل يده » وهي موثّقة .
وعن برد الإسكاف قال : « سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن شعر الخنزير يعمل به فقال : خذ منه فاغسله (فاغله) بالماء حتّى يذهب ثلث الماء ويبقى ثلثاه ، ثم اجعله في فخارة جديدة ليلة باردة ، فان جمد فلا تعمل به ، وإن لم يجمد فليس له دسم فاعمل به ، واغسل يدك إذا مسسته عند كل صلاة » وهي ضعيفة ببرد . في القاموس ] 2 : 108 مادّة الفخر [الفخارة كجبانة الجرّة ، الجمع الفخار .
وروى برد الإسكاف قال « قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : إنّي رجل خزاز ، ولا يستقيم عملنا إلاّ بشعر الخنزير ، نخرز به ؟ قال : خذ منه وبرة فاجعلها في فخارة ثم أوقد تحتها حتى يذهب دسمها ، ثم اعمل به » وهي ضعيفة ببرد . راجع التهذيب 6 : 382 / 1129 ، 1130 والوسائل 17 : 227 / أبواب ما يكتسب به ب58 ح1 ـ 3 .
|