جواز بيع المتنجّس
قوله : يحرم المعاوضة على الأعيان المتنجّسة الغير القابلة للطهارة(4).
أقول : المشهور بين الخاصّة والعامة(5) حرمة المعاوضة على الأعيان
ــــــــــــــ (4) المكاسب 1 : 43 .
(5) في الفقه على المذاهب الأربعة 2 : 208 ـ 209 عن المالكية لا يصح بيع المتنجّس الذي لا يمكن تطهيره على المشهور ، أمّا الذي يمكن تطهيره فإنّه يجوز بيعه مع الإعلام بالنجاسة وإلاّ فللمشتري حقّ الخيار . وعن الحنابلة : لا يصح بيع الدهن المتنجّس ، أمّا النجس الذي يمكن تطهيره فإنّ بيعه يصح . وعن الحنفية : يصح بيع المتنجّس والانتفاع به في غير الأكل .
ــ[137]ــ
المتنجّسة غير القابلة للتطهير ، قال في التذكرة : ما عرضت له النجاسة إن قبل التطهير صحّ بيعه ويجب إعلام المشتري بحاله ، وإن لم يقبله كان كنجس العين(1).
وقال في المبسوط ما حاصله : إن كان المتنجّس جامداً وكانت النجاسة العارضة رقيقة وغير مانعة عن النظر إليه جاز بيعه ، وإلاّ فلا يجوز ، وإن كان مائعاً فإن قبل التطهير صحّ بيعه ، وإلاّ فلا يصح(2). بل في بعض الحواشي : إنّ هذا الحكم ممّا لا خلاف فيه ، بل هو ممّا قام عليه الإجماع . ولا إشكال في كونه مجمعاً عليه .
ثم إنّ محصّل كلام المصنّف : أنّ المتنجّس إذا توقّف الانتفاع به بالمنافع المحلّلة على الطهارة نظير المائعات المتنجّسة المعدّة للشرب والمأكولات المتنجّسة المعدّة للأكل ، فإنّ بيعه لا يجوز ، للأخبار العامّة المتقدّمة(3) لظهورها في أنّ حرمة الشيء تستلزم حرمة بيعه وثمنه ، ومن هذا القبيل المتنجّس . وإن لم يتوقّف الانتفاع به على الطهارة أو كان قابلا للتطهير مع توقّف الانتفاع به عليها فإنّ بيعه يجوز ، نعم لا يجوز الاستدلال بقوله (عليه السلام) في رواية تحف العقول : « أو شيء يكون فيه وجه من وجوه النجس » على حرمة بيعه ، لأنّ الظاهر من وجوه النجس العنوانات النجسة فإنّ وجه الشيء إنّما هو عنوانه ، فلا يشمل الأعيان المتنجّسة ، فإنّ النجاسة فيها ليست إلاّ أمراً عرضياً ، فلا تكون وجهاً وعنواناً لها .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) التذكرة 10 : 25 .
(2) المبسوط 2 : 167 .
(3) في أوّل الكتاب .
ــ[138]ــ
وفيه : مضافاً إلى ما تقدّم في تلك الروايات من ضعف السند والدلالة وعدم انجبارهما بشيء ، أنّه إن كان المراد بالحرمة فيها هي الحرمة الذاتية فلا تشمل المتنجّس ، بداهة أنّها مختصّة بالأعيان النجسة ، إذن فيكون المتنجّس خارجاً عنها بالتخصّص . وإن كان المراد بها ما يعمّ الحرمة الذاتية والحرمة العرضية فيلزم على المصنّف أن لا يفرّق حينئذ بين ما يقبل التطهير وما لا يقبله ، فإنّ موضوع حرمة البيع على هذا التقدير ما يتّصف بالنجاسة ، سواء كانت ذاتية أم عرضية ، فإمكان التطهير لا يؤثّر في زوال الحرمة الفعلية عن موضوعها الفعلي .
ومع الإغضاء عمّا ذكرناه لا دلالة فيها على حرمة بيع المتنجّس ، لأنّه إن كان المراد بالحرمة فيها حرمة جميع منافع الشيء أو منافعه الظاهرة فلا تشمل المتنجّس ضرورة جواز الانتفاع به في غير ما يتوقّف على الطهارة ، كإطعامه الصبي لو قلنا بجوازه ، أو البهائم ، أو ينتفع به في غير ذلك من الانتفاعات المحلّلة . وإن كان المراد بها حرمة الأكل والشرب فقط فإنّها لا تستلزم حرمة البيع ، لما عرفت مراراً من أنّه لا ملازمة بين حرمة الأكل والشرب وبين حرمة البيع ، فإنّ كثيراً من الأشياء يحرم أكلها وشربها ومع ذلك يجوز بيعها . وأمّا دعوى الإجماع التعبّدي على ذلك فجزافية فإنّ مدرك المجمعين هي الوجوه المذكورة على حرمة بيع المتنجّس .
|