حرمة بيع آلات القمار
قوله : ومنها آلات القمار .
أقول : قد اتّفقت كلمات الأصحاب على حرمة بيع آلات القمار ، بل في المستند دعوى الإجماع عليها محقّقاً بعد أن نفى عنها الخلاف أولا(1). ثم إنّ مورد البحث هنا ـ سواء كان من حيث حرمة البيع أم من حيث وجوب الإتلاف ـ ما يكون معدّاً للمقامرة والمراهنة كالنرد والشطرنج ونحوهما ممّا يعدّ آلة قمار بالحمل
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) المستند 14 : 88 .
ــ[239]ــ
الشائع ، وإلاّ فلا وجه لحرمة بيعه وإن اتّفقت المقامرة به في بعض الأحيان كالجوز والبيض ونحوهما ، كما لا يجوز إتلافه ، لكونه تصرّفاً في مال الغير بغير إذن منه ولا من الشارع ، نعم يجب نهي المقامرين بذلك عن المقامرة إذا اجتمعت فيه شرائط النهي عن المنكر .
ويظهر حكم هذه المسألة ممّا أسّسناه في المسألة السابقة من الضابطة الكلّية في حرمة بيع ما قصدت منه الجهة المحرّمة ، فلا يحتاج إلى التكرار . على أنّ حرمة البيع هنا قد دلّت عليها جملة من الأخبار منها رواية أبي الجارود الدالّة على حرمة بيع آلات القمار وحرمة الانتفاع بها(1)، ومنها : قوله (عليه السلام) في رواية أبي بصير : « بيع الشطرنج حرام ، وأكل ثمنه سحت »(2) ومنها : ما في حديث المناهي : « نهى
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ففي الوسائل 17 : 321 / أبواب ما يكتسب به ب102 ح12 ، والبحار 76 : 228 / 1 و 100 : 190 / 3 عن علي بن إبراهيم في تفسيره ] 1 : 180 [ عن أبي الجارود عن أبي جعفر (عليه السلام) « في قول الله عزّوجلّ : (إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ) الخ ، أمّا الخمر فكل مسكر من الشراب ـ إلى أن قال : ـ وأمّا الميسر فالنرد والشطرنج ، وكل قمار ميسر ، وأمّا الأنصاب فالأوثان التي كانت تعبدها المشركون ، وأمّا الأزلام فالأقداح التي كانت تستقسم بها المشركون من العرب في الجاهلية ، كل هذا بيعه وشراؤه والانتفاع بشيء من هذا حرام من الله محرّم ، وهو رجس من عمل الشيطان ، وقَرن الله الخمر والميسر مع الأوثان » . وهي ضعيفة بأبي الجارود وهو زياد بن منذر ، يكنّى بأبي النجم أيضاً .
وفي رجال المامقاني 1 : 459 ـ 460 في رواية أبي بصير عن الصادق (عليه السلام) إنّه من الكذّابين والمكذّبين والكفّار ، ثم لعن عليهم . وهو زيدي المذهب ، وكان أعمى القلب والبصر ويسمّى سرحوب وهو اسم الشيطان .
(2) ففي الوسائل 17 : 323 / أبواب ما يكتسب به ب103 ح4 عن محمد بن إدريس في آخر السرائر ] 3 : 577 [ نقلا عن جامع البزنطي عن أبي بصير عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : « بيع الشطرنج حرام ، وأكل ثمنه سحت ، واتّخاذها كفر ، واللعب بها شرك والسلام على اللاهي بها معصية وكبيرة موبقة » . وهي صحيحة .
ــ[240]ــ
رسول الله (صلّى الله عليه وآله) عن بيع النرد »(1). ومورد الخبرين الأخيرين وإن كان خصوص بعض الآلات ، ولكن يتم المقصود بعدم القول بالفصل بين آلات القمار المعدة لذلك .
ثم إنه قد ورد في جملة من أحاديث العامة(2) الأمر بكسر النرد وإحراقها . فتدل على حرمة بيعها ، لأنّ ما لا يجوز الانتفاع به لا يجوز بيعه عندهم(3). وقد تقدّم ذلك في البحث عن جواز الانتفاع بالنجس(4)، وسيأتي التعرّض له في المسألة الآتية .
قوله : وفي المسالك : إنه لو كان لمكسورها قيمة .
أقول : قال في التذكرة : ما أسقط الشارع منفعته لا نفع له فيحرم بيعه ، كآلات
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) فعن الصدوق باسناده عن الحسين بن زيد عن الصادق عن آبائه (عليهم السلام) في حديث المناهي قال : « ونهى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) عن بيع النرد » . الوسائل 17 : 325 / أبواب ما يكتسب به ب104 ح6 ، الفقيه 4 : 4 / 1 .
وفي البحار 100 : 44 / 9 باب حرمة بيع الشطرنج ، أضاف إليه الشطرنج .
وفي المستدرك 22 (الخاتمة 4) : 360 الفائدة الخامسة من الخاتمة في شرح مشيخة الفقيه : فالخبر ضعيف على المشهور ، لجهالة بعض رواته . ولكن تلوح من متنه آثار الصدق ، وليس فيه من آثار الوضع علامة ، والله العالم .
(2) راجع سنن البيهقي 10 : 216 / باب كراهة اللعب بالنرد .
(3) الفقه على المذاهب الأربعة 2 : 149 ـ 153 .
(4) في ص216 الهامش (4) .
ــ[241]ــ
الملاهي وهياكل العبادة المبتدعة كالصليب والصنم ، وآلات القمار كالنرد والشطرنج إن كان رضاضها لا يعدّ مالا ، وبه قال الشافعي ، وإن عدّ مالا فالأقوى عندي الجواز مع زوال الصفة المحرّمة(1).
وذكر المصنّف : إن أراد بزوال الصفة زوال الهيئة فلا ينبغي الاشكال في الجواز ، ولا ينبغي جعله محلا للخلاف بين العلاّمة والأكثر . وفي حاشية السيد : لعلّه أراد بزوال الصفة عدم مقامرة الناس به وتركهم له بحيث خرج عن كونه آلة القمار وإن كانت الهيئة باقية(2).
ويرد على التوجيهين : أنّ ظاهر عبارة العلاّمة أنّ الحرمة الفعلية لبيع الاُمور المذكورة تدور مدار عدم صدق المالية على أكسارها ، وتوجيهها بما ذكره المصنّف أو بما ذكره السيد (رحمهما الله) بعيد عن مساق كلامه جدّاً ، نعم يحتمل وقوع التحريف في كلامه بالتقديم والتأخير ، بأن تكون العبارة : وإن عدّ مالا مع زوال الصفة المحرّمة فالأقوى عندي الجواز . فيكون ملخّص كلامه جواز البيع إذا كانت المادّة من الأموال ، أو يوجّه بتقدير المضاف بين كلمة (مع) وكلمة (زوال) بأن يكون التقدير : فالأقوى عندي الجواز مع اشتراط زوال الصفة المحرّمة .
وكيف كان ، فهو أعرف بمرامه ، ولا ندري ما الذي فهم منه المسالك(3) حتى استحسنه .
قوله : ثم إنّ المراد بالقمار مطلق المراهنة بعوض .
أقول : في مجمع البحرين(4): أصل القمار الرهن على اللعب بشيء ، وربما
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) التذكرة 10 : 36 .
(2) حاشية المكاسب (اليزدي) : 5 ، السطر 25 .
(3) المسالك 3 : 122 .
(4) مجمع البحرين 3 : 463 ، مادّة قمر .
ــ[242]ــ
اُطلق على اللعب بالخاتم والجوز . وسيأتي التعرّض لحقيقة القمار والميسر والأزلام والتعرّض لبيان أنّ المحرّم هو مطلق المراهنة والمغالبة أو المغالبة مع العوض في مسألة حرمة القمار(1). ــــــــــــــــ
(1) في ص569 ـ 570 ، 579 وغيرها .
|