حرمة بيع السلاح من أعداء الدين
قوله : القسم الثالث : ما يحرم لتحريم ما يقصد منه شأناً ، بمعنى أنّ من شأنه أن يقصد منه الحرام(1).
أقول : هذا العنوان يعم جميع الأشياء ولو كانت مباحة ، إذ ما من شيء إلاّ وله شأنية الانتفاع به بالمنافع المحرّمة ، فلا يصح أن يجعل عنواناً للبحث ، ولابدّ من
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) المكاسب 1 : 147 .
ــ[292]ــ
تخصيصه بالموارد المنصوصة ، ولذا خصّه الفقهاء ببيع السلاح من أعداء الدين .
ثم إنّ تحقيق هذه المسألة يقع في ناحيتين :
الناحية الاُولى : في حرمة بيعه وجوازه في الجملة أو مطلقاً ، والأقوال في ذلك وإن كانت كثيرة قد أنهاها السيد في حاشيته(1) إلى ثمانية إلاّ أنّ الأظهر منها هي حرمة بيعه من الكفّار مطلقاً ومن المخالفين عند محاربتهم مع الشيعة الناجية ، وذهب بعض العامّة إلى حرمة بيعه في حال الفتنة(2).
وفصّل المصنّف (رحمه الله) بين حالتي الحرب والصلح ، فذهب إلى الحرمة في الاُولى وإلى الجواز في الثانية ، وملخّص كلامه : أنّ الروايات الواردة في المقام على طوائف ، الاُولى : ما دل على جواز بيعه من أعداء الدين في حال الهدنة(3).
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) حاشية المكاسب (اليزدي) : 10 ، السطر 32 .
(2) في الهداية 4 : 94 : ويكره بيع السلاح في أيّام الفتنة ممّن يعرف أنه من أهل الفتنة ، لأنه تسبيب إلى المعصية . وفي 2 : 139 : ولا ينبغي أن يباع السلاح من أهل الحرب ولا يجهّز إليهم ، لأنّ النبي (صلّى الله عليه وآله) نهى عن بيع السلاح من أهل الحرب وحمله إليهم ولأنّ فيه تقويتهم على قتال المسلمين فيمنع من ذلك ، وكذا الكراع لما بيّنا ، وكذلك الحديد لأنه أصل السلاح ، وكذا بعد الموادعة .
وفي سنن البيهقي 5 : 327 عن عمران بن حصين قال : « نهى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) عن بيع السلاح في الفتنة » .
(3) في الكافي 5 : 122 / 1 ، 2 ، 4 . والتهذيب 6 : 354 / 1005 ، 1004 ، 1007 . والوافي 17 : 173 / باب بيع السلاح منهم . والوسائل 17 : 101 / أبواب ما يكتسب به ب8 ح1، 2 ، 4 عن الحضرمي قال : « دخلنا على أبي عبدالله (عليه السلام) فقال له حكم السراج : ما ترى فيما يحمل إلى الشام من السروج وأداتها ؟ فقال : لا بأس ، أنتم اليوم بمنزلة أصحاب رسول الله ، إنّكم في هدنة ، فإذا كانت المباينة حرم عليكم أن تحملوا إليهم السروج والسلاح » وهي ضعيفة بالحضرمي .
وعن هند السراج قال « قلت لأبي جعفر (عليه السلام) : أصلحك الله ، إنّي كنت أحمل السلاح إلى أهل الشام فأبيعه منهم ، فلمّا أن عرّفني الله هذا الأمر ضقت بذلك وقلت لا أحمل إلى أعداء الله ، فقال لي : احمل إليهم ، فإنّ الله عزّوجلّ يدفع بهم عدوّنا وعدوّكم ـ يعني الروم ـ وبعهم ، فإذا كانت الحرب بيننا فلا تحملوا ، فمن حمل إلى عدوّنا سلاحاً يستعينون به علينا فهو مشرك » وهي مجهولة بأبي سارة .
أقول : قد كثر من الرواة خطاب الأئمّة (عليهم السلام) بكلمة أصلحك الله ، والمراد بذلك هو مطالبة إصلاح الشؤون الدنيوية ، لا الاُمور الاُخروية وتغيير حال الجور والظلم إلى حال العدل والإنصاف لكي يلزم منه جهل القائل بمقامهم ، وإلاّ لم يقدر أحد على خطاب سلاطين الجور بذلك مع أنه كان مرسوماً في الزمن السابق .
وعن السراد عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال « قلت له : إنّي أبيع السلاح ، قال : لا تبعه في فتنة » .
أقول : إن كان المراد بالسراد هو ابن محبوب المعروف فهو لا يروي عن الصادق (عليه السلام) بلا واسطة ، وإن كان المراد منه غيره فلابدّ وأن يبحث في حاله ، هذا على نسخة الكافي والتهذيب ، وفي الاستبصار ] 3 : 57 / 186 [ عن السراد عن رجل ، وعليه فلا شبهة في ضعف الرواية . وفي الوسائل ـ نسخة عين الدولة ـ عن السراج ، وهو غلط جزماً لاتّفاق جميع النسخ على خلافه .
ــ[293]ــ
الثانية : ما دل على جواز بيعه منهم مطلقاً(1). الثالثة : ما دل على حرمة بيعه منهم
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) في التهذيب 6 : 382 / 1128 ، والباب المتقدّم من الوافي والوسائل ح5 عن أبي القاسم الصيقل قال : « كتبت إليه : إنّي رجل صيقل أشتري السيوف وأبيعها من السلطان ، أجائز لي بيعها ؟ فكتب (عليه السلام) : لا بأس به » وهي مجهولة بأبي القاسم .
ــ[294]ــ
كذلك(1). ويمكن الجمع بينها بحمل الطائفة المانعة على صورة قيام الحرب بينهم وبين المسلمين ، وحمل الطائفة المجوّزة على صورة الهدنة في مقابل المباينة والمنازعة وشاهد الجمع الطائفة الاُولى المفصّلة بين الحالتين : الهدنة والمنازعة .
وعن الشهيد في حواشيه(2) أنه لا يجوز مطلقاً ، لأنّ فيه تقوية الكافر على المسلم ، فلا يجوز على كل حال .
ويرد عليه أولا : أنه لا يمكن المساعدة على دليله ، لأنّ بيع السلاح عليهم قد لا يوجب تقويتهم على المسلمين ، لإمكان كونه في حال الصلح ، أو عند حربهم مع الكفّار الآخرين ، أو كان مشروطاً بأن لا يسلّمه إيّاهم إلاّ بعد الحرب .
وثانياً : أنّ رأيه هذا شبه اجتهاد في مقابل النص ، فإنه أخذ بظهور المطلقات الدالّة على المنع ، وترك العمل بالمقيّد الذي هو نص في مفهومه ، وهو وإن لم يكن اجتهاداً في مقابل النص ، ولكنّه شبيه بذلك . انتهى حاصل كلام المصنّف .
ولكن الظاهر أنّ ما ذهب إليه الشهيد (رحمه الله) وجيه جدّاً ، ولا يرد عليه شيء ممّا ذكره المصنّف لوجوه :
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) في البحار 100 : 61 / 1 ، والباب المتقدّم من الوسائل ح6 ، 7 عن علي بن جعفر في كتابه ]176 / 320 [ عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السلام) قال : « سألته عن حمل المسلمين إلى المشركين التجارة ، قال : إذا لم يحملوا سلاحاً فلا بأس » وهي صحيحة .
وعن الصدوق ] في الفقيه 4 : 257 / 821 [ فيما أوصى به النبي (صلّى الله عليه وآله) « ياعلي كفر بالله العظيم من هذه الاُمة عشرة : (1) القتّات (2) والساحر ، (3) والديوث (4) وناكح المرأة حراماً في دبرها ، (5) وناكح البهيمة ، (6) ومن نكح ذات محرم منه (7) والساعي في الفتنة ، (8) وبائع السلاح من أهل الحرب ، (9) ومانع الزكاة ، (10) ومن وجد سعة فمات ولم يحجّ » وهي مجهولة بحماد بن عمرو ، وأنس بن محمد ، وأبيه .
(2) حكاه عنه السيد العاملي في مفتاح الكرامة 4 : 35 .
ــ[295]ــ
الأول : أنّ ما جعله وجهاً للجمع بين المطلقات لا يصلح لذلك ، فإنّ مورده هم الجائرون من سلاطين الإسلام كما دلّ عليه السؤال في روايتي الحضرمي وهند السرّاج عن حمل السلاح إلى أهل الشام ـ وقد ذكرناهما في الهامش ـ إذ لا شبهة في إسلامهم في ذلك الزمان وإن كانوا مخالفين ، فتكون الطائفة الاُولى المفصّلة بين الهدنة وقيام الحرب مختصّة بغير الكفّار من المخالفين ، فلا يجوز بيعه منهم عند قيام الحرب بينهم وبين الشيعة . وأمّا في غير تلك الحالة فلا شبهة في جوازه خصوصاً عند حربهم مع الكفّار ، لأنّ الله يدفع بهم أعداءه . وأمّا المطلقات فأجنبية عن الطائفة المفصّلة لاختصاصها بالمحاربين من الكفّار والمشركين .
الثاني : أنه لا وجه لرد كلام الشهيد تارةً برميه إلى شبه الاجتهاد في مقابل النص ، واُخرى بتضعيف دليله . أمّا الأول فلأنّه لا مناص هنا من العمل بالمطلقات لما عرفت من عدم صلاحية الطائفة المفصّلة للتقييد ، فلا يكون ترك العمل بها والأخذ بالمطلقات شبه اجتهاد في مقابل النص . وأمّا الثاني فلأنّ تقوية شخص الكافر بالسقي ونحوه وإن كان جائزاً ، إلاّ أنّ تقويته لجهة كفره غير جائزة قطعاً ومن الواضح أنّ تمكين المشركين والمحاربين من السلاح يوجب تقويتهم على المسلمين ، بل ربما يستقل العقل بقبح ذلك ، لأنّ تقويتهم تؤدّي إلى قتل النفوس المحترمة .
ثم إنّ هذا كلّه لو تقارن البيع مع التسليم والتسلّم الخارجي ، وإلاّ فلا شبهة في جوازه ، لما عرفت من أنّ بين البيع وعنوان الإعانة عموماً من وجه ، فلا يلزم من البيع المجرّد تقوية للكافر على المسلم .
الثالث : أنه قد أُمر في الآية الشريفة(1) بجمع الأسلحة وغيرها للاستعداد
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) قوله تعالى : (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّة وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمْ اللهُ يَعْلَمُهُمْ) الأنفال 8 : 60 .
ــ[296]ــ
والتهيئة إلى إرهاب الكفّار وقتالهم ، فبيعها منهم ولو في حال الهدنة نقض للغرض فلا يجوز .
وأمّا ما دل على الجواز فإنه لضعف سنده لا يقاوم الروايات المانعة ، ويضاف إليه أنه ظاهر في سلاطين الجور من أهل الخلاف.
ثم إنّ السيد (رحمه الله) في حاشيته(1) احتمل دخول هذا القسم الذي هو مورد بحثنا تحت الإعانة على الإثم ، بناء على عدم اعتبار القصد فيها وكون المدار فيها هو الصدق العرفي ، لحصول الصدق في المقام ، وحينئذ فيتعدّى إلى كل ما كان كذلك ، ويؤيّده قوله (عليه السلام)(2): « يستعينون به علينا » .
وفيه : أنّ الإعانة على الإثم وإن لم يعتبر في مفهومها القصد ، إلاّ أنّك قد عرفت أنّها ليست محرّمة في نفسها ، وعلى القول بحرمتها فبينها وبين ما نحن فيه عموم من وجه كما هو واضح ، وأمّا قوله (عليه السلام) في رواية هند السراج المتقدّمة في الهامش : « فمن حمل إلى عدوّنا سلاحاً يستعينون به علينا فهو مشرك » فخارج عن حدود الإعانة على الإثم ، وإنّما يدل على حرمة إعانة الظلمة ، ولا سيّما إذا كانت على المعصومين (عليهم السلام) الموجبة لزوال حقوقهم .
قوله : بل يكفي مظنّة ذلك بحسب غلبة ذلك مع قيام الحرب .
أقول : قد علمت أنّ الروايات المانعة تقتضي حرمة بيع السلاح من أعداء الدين ولو مع العلم بعدم صرفه في محاربة المسلمين ، أو عدم حصول التقوّي لهم بالبيع ، وعليه فلا وجه لما ذكره المصنّف من تقييد حرمة البيع بوجود المظنّة بصرف السلاح في الحرب لغلبة ذلك عند قيامها بحيث يصدق حصول التقوّي لهم بالبيع .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) حاشية المكاسب (اليزدي) 10 ، السطر 23 .
(2) في رواية هند السراج المتقدّمة في ص293 .
ــ[297]ــ
الناحية الثانية : الظاهر شمول التحريم لمطلق آلة الحرب وحديدتها ، سواء كانت ممّا يدافع به في الحرب أم ممّا يقاتل ، وذلك لوجوه :
الأول : أنّ السلاح في اللغة(1) اسم لمطلق ما يكن ، فيشمل مثل المجن(2)والدرع والمغفر(3) وسائر ما يكن(4) به في الحرب .
الثاني : أنه تعالى أمر في الآية المتقدّمة بالتهيئة والاستعداد إلى قتال الكفّار وإرهابهم ، فبيع السلاح منهم ولو بمثل المغفر والدرع نقض لغرضه تعالى .
الثالث : أنّ تمكين الكفّار من مطلق ما يكن به في الحرب تقوية لهم ، فهو محرّم
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) في تاج العروس 2 : 165 ] مادّة السلاح [ : السلاح بالكسر والسلح كعنب والسلحان بالضم : آلة الحرب ، وفي المصباح : ما يقاتل به في الحرب ويدافع . أو حديدتها ، أي ما كان من الحديد ، كذا خصّه بعضهم ، يذكّر ويؤنّث ، والتذكير أعلى ، لأنه يجمع على أسلحة ، وهو جمع المذكّر ، مثل حمار وأحمرة ، ورداء وأردية ... والسلاح القوس بلا وتر ، والعصا تسمّى سلاحاً .
وفي مجمع البحرين ] 2 : 373 ، مادّة سلح [ قوله تعالى : (وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ) هي جمع سلاح بالكسر ، وهو ما يقاتل به في الحرب ويدافع ، والتذكير فيه أغلب من التأنيث ، ويجمع في التذكير على أسلحة ، وعلى التأنيث سلاحات .
(2) في القاموس ] 4 : 210 مادّة جنّة [ : المجن والمجنة ـ بكسرهما ـ الترس ، والجنة ـ بالضم ـ كل ما وقى .
(3) في القاموس ] 2 : 103 مادّة غَفَره [ : المغفر كمنبر : زرد من الدرع يلبس تحت القلنسوة أو حلق يتقنّع بها المتسلّح .
(4) في تاج العروس 9 : 323 مادّة كنّ : الكن ـ بالكسر ـ وقاء كل شيء وستره ، وكن أمره عنه أخفاه . وقال بعضهم : أكن الشيء ستره ، وفي التنزيل العزيز : (أَوْ أَكْنَنتُمْ فِي أَنفُسِكُمْ)أي أخفيتم .
ــ[298]ــ
عقلا وشرعاً كما علمت .
الرابع : أنه يحرم حمل السروج وأداتها إلى أهل الشام وبيعها منهم وإعانتهم عند قيام الحرب بينهم وبين الشيعة ، لروايتي الحضرمي وهند السراج(1)، فبيعها من الكفّار أولى بالتحريم . ولكن هذا الوجه يختص بحال الحرب ، على أنّ كلتا الروايتين ضعيفة السند .
وهم ودفع : قد يتوهّم أنّ المراد بالسروج المذكورة في رواية الحضرمي هي السيوف السريجية ، فلا تكون لها دلالة ولو بالفحوى على حرمة بيع ما يكن من أعداء الدين .
ولكن هذا التوهّم فاسد ، فإنه مضافاً إلى أنّ الظاهر من كون السائل سرّاجاً أنّ سؤاله متصل بصنعته ـ وهي عمل السروج ونقلها ـ فلا ربط له بالسيوف وبيعها أنّ حمل السروج ـ بالواو ـ على السيوف السريجية لا تساعده القواعد اللغوية ، لأنّ السريجي يجمع على سريجيات لا على سروج ، وإنّما السروج جمع سرج . على أنه لا يساعده صدر الرواية ، لاشتماله على كلمة الأداة ، وليست للسيف أدوات ، بخلاف السرج . وحملها على أدوات السيف من الغمد ونحوه بعيد جدّاً .
قوله : بمقتضى أنّ التفصيل قاطع للشركة .
أقول : قد يقال بجواز بيع ما يكن من الكفّار ، لصحيحة محمد بن قيس(2) عن
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) المتقدّمتين في ص292 ، 293 .
(2) في الكافي 5 : 113 / 3 ، والتهذيب 6 : 354 / 1006 ، والوافي 17 : 174 / 3 والوسائل 17 : 102 / أبواب ما يكتسب به ب8 ح3 قال : « سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الفئتين تلتقيان من أهل الباطل ، أبيعهما السلاح ؟ فقال : بعهما ما يكنهما الدرع والخفّين ونحو هذا » وهي صحيحة . في القاموس ] 4 : 372 ـ 373 مادّة الفَأْو [ : الفئة كعِدَة الجماعة ، الجمع فئون وفئات .
ــ[299]ــ
بيع السلاح من فئتين تلتقيان من أهل الباطل ؟ فقال : بعهما ما يكنهما .
وفيه : ما ذكره المصنّف من عدم دلالتها على المطلوب ، وتوضيح ذلك : أنّ الإمام (عليه السلام) فصّل بين السلاح وبين ما يكن ، فلابدّ وأن يكون بيع السلاح حراماً بعد ما جوّز الإمام بيع الثاني ، لأنّ التفصيل قاطع للشركة في الحكم ، وإلاّ لكان التفصيل لغواً ، وعليه فترفع اليد عن ظهور الصحيحة ، وتحمل على فريقين محقوني الدماء من أهل الخلاف ، إذ لو كان كلاهما أو أحدهما مهدور الدم لم يكن وجه لمنع بيع السلاح منهم ، وحينئذ فيجب أن يباع منهما ما يكن ليتحفّظ كل منهما عن صاحبه ، ويتترّس به عنه ، بل لو لم يشتروا وجب إعطاؤهم إيّاه مجاناً ، فإنّ اضمحلالهم يوجب اضمحلال وجهة الإسلام في الجملة ، ولذا سكت علي (عليه السلام) عن مطالبة حقّه من الطغاة خوفاً من انهدام حوزة الإسلام ، ومن هنا أفتى بعض الأعاظم في سالف الأيّام بوجوب الجهاد مع الكفّار حفظاً للدولة العثمانية .
قوله : ثم إنّ مقتضى الاقتصار على مورد النص عدم التعدّي إلى غير أعداء الدين كقطّاع الطريق .
أقول : بيع السلاح من السَرَقة وقطّاع الطريق ونحوهم خارج عن حريم بحثنا وإنّما هي من صغريات المسألة المتقدّمة ، فإن قلنا بحرمة الإعانة على الإثم فلا يجوز بيعه منهم ، وإلاّ جاز ، كما هو الظاهر .
قوله : إلاّ أنّ المستفاد من رواية تحف العقول إناطة الحكم بتقوّي الباطل ووهن الحق .
أقول : لم يذكر ذلك في رواية تحف العقول ، بل المذكور فيها هي حرمة وهن
ــ[300]ــ
الحق وتقوية الكفر ، وعليه فلا يمكن التمسّك بها على حرمة بيع السلاح من قطّاع الطريق ونحوهم ، نعم يجوز الاستدلال على ذلك بقوله (عليه السلام) فيها : « أو شيء فيه وجه من وجوه الفساد » . إلاّ أنّك علمت في أوّل الكتاب أنّ الرواية ضعيفة السند .
قوله : ثم إنّ النهي في هذه الأخبار لا يدل على الفساد .
أقول : لا شبهة في أنّ الحرمة الوضعية متقوّمة بكون النهي إرشادياً إلى الفساد ولا نظر له إلى مبغوضية المتعلّق . كما أنّ قوام الحرمة التكليفية بكون النهي مولوياً تكليفياً ناظراً إلى مبغوضية متعلّقه ، ولا نظر له إلى فساده وعدم تأثيره ، فهما لا يجتمعان في استعمال واحد .
وأيضاً النهي من حيث هو تحريم بحت لا يقتضي الفساد لا شرعاً ولا عرفاً ولا عقلا ، سواء تعلّق بذات المعاملة أو بوصفها أو بأمر خارج منطبق عليها . إذن فلا ملازمة بين الحرمة الوضعية والحرمة التكليفية على ما عرفت مراراً عديدة .
وعليه فإن كان المراد بالنهي المتوجّه إلى المعاملة هو النهي التكليفي المولوي ـ كما هو الظاهر منه بحسب الوضع واللغة ـ دلّ على خصوص الحرمة التكليفية كالنهي عن البيع وقت النداء لصلاة الجمعة ، إذ ليس الغرض منه إلاّ بيان مبغوضية البيع .
وإن لم تُرد منه المولوية التكليفية كان إرشاداً إلى الفساد كالنهي المتوجّه إلى سائر المعاملات ، أو إلى المانعية كالنهي المتوجّه إلى أجزاء الصلاة .
إذا عرفت ذلك فنقول : إنّ النهي عن بيع السلاح من أعداء الدين ليس إلاّ لأجل مبغوضية ذات البيع في نظر الشارع ، فيحرم تكليفاً فقط ، ولا يكون دالا على الفساد ، ويتّضح ذلك جلياً لو كان النهي عنه لأجل حرمة تقوية الكفر ، لعدم تعلّق النهي به ، بل بأمر خارج يتّحد معه .
|