ــ[325]ــ
تشبّه الرجل بالمرأة وتشبّه المرأة بالرجل
هل يجوز تشبّه الرجل بالمرأة وبالعكس ، أو لا ، بأن يلبس الرجل ما يختص بالنساء من الألبسة ، وتلبس المرأة ما يختص بالرجل منها كالمنطقة والعمامة ونحوهما ؟ ولا ريب أنّ ذلك يختلف باختلاف العادات .
فنقول : إنه ورد النهي عن التشبّه في الأخبار المتظافرة(1) ولعن الله ورسوله
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ففي الوسائل 17 : 284 / أبواب ما يكتسب به ب87 ح1 عن جابر عن أبي جعفر (عليه السلام) قال « قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في حديث : لعن الله المتشبّهين من الرجال بالنساء والمشتبّهات من النساء بالرجال » الحديث . وهي ضعيفة بعمرو بن شمر .
وفي المستدرك 13 : 203 / أبواب ما يكتسب به ب70 ح2 عن الطبرسي في مجمع البيان ] 7 : 220 [ عن أبي اُمامة عن النبي (صلّى الله عليه وآله) قال : « أربع لعنهم الله من فوق عرشه وأمّنت عليه الملائكة : الرجل يتشبّه بالنساء وقد خلقه الله ذكراً ، والمرأة تتشبّه بالرجال وقد خلقها الله اُنثى » وهي مرسلة .
وفي المستدرك 3 : 346 / أبواب أحكام الملابس ب9 ح1 ، 3 ، 4 ، 2 عن الصدوق عن جابر بن يزيد الجعفي قال : « سمعت أبا جعفر محمد بن علي الباقر (عليه السلام) يقول : لا يجوز للمرأة أن تتشبّه بالرجال » وهي ضعيفة بجعفر بن محمد بن عمارة وأبيه .
وعن المفيد عن عروة بن عبيدالله بن بشير الجعفي قال : « دخلت على فاطمة بنت علي بن أبي طالب وهي عجوزة كبيرة وفي عنقها خرز ، وفي يدها مسكتان ، فقالت : يكره للنساء أن يتشبّهن بالرجال » الخبر . وهو مجهول بعروة وبغيره .
وعن دعائم الإسلام ] 2 : 162 / 580 [ عن جعفر بن محمد (عليه السلام) : « أنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) نهى النساء أن يكنّ متعطّلات من الحلي ، أن يتشبهنّ بالرجال ولعن من فعل ذلك منهنّ » وهي مرسلة .
وعن فقه الرضا (عليه السلام) ] 252 [ : « قد لعن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) سبعة : ... والمتشبّه من النساء بالرجال والرجال بالنساء » . وهي ضعيفة .
ــ[326]ــ
المتشبّهين من الرجال بالنساء والمتشبّهات من النساء بالرجال .
ولكن هذه الأخبار كلّها ضعيفة السند ، فلا تصلح دليلا للقول بالحرمة . ومع الإغضاء عن ذلك فلا دلالة فيها على حرمة التشبّه في اللباس ، لأنّ التشبّه فيها إمّا أن يراد به مطلق التشبّه ، أو التشبّه في الطبيعة كتأنّث الرجل وتذكّر المرأة ، أو التشبّه الجامع بين التشبّه في الطبيعة والتشبّه في اللباس .
أمّا الأول فبديهي البطلان ، فإنّ لازمه حرمة اشتغال الرجل بأعمال المرأة كالغزل وغسل الثوب وتنظيف البيت والكنس ونحوها من الاُمور التي تعملها المرأة في العادة ، وحرمة اشتغال المرأة بشغل الرجل ، كالاحتطاب والاصطياد والسقي والزرع والحصد ونحوها ، مع أنه لم يلتزم به أحد ، بل ولا يمكن الالتزام به .
وأمّا الثالث فلا يمكن أخذه كذلك ، إذ لا جامع بين التشبّه في اللباس والتشبّه في الطبيعة ، فلا يكون أمراً مضبوطاً .
فيتعيّن الثاني ، ويكون المراد من تشبّه كل منهما بالآخر هو تأنّث الرجل باللواط ، وتذكّر المرأة بالسحق ، وهو الظاهر من لفظ التشبّه في المقام .
ويؤيّد ما ذكرناه تطبيق الإمام (عليه السلام) النبوي على المخنّثين والمساحقات في جملة روايات من الخاصّة(1)
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ففي الوسائل 17 : 284 / أبواب ما يكتسب به ب87 ح2 ، 3 ، 4 ، 20 : 337 / أبواب النكاح المحرّم ب18 ح9 ، 10 ، 11 عن الصدوق في العلل ] 602 / 63 ـ 65 [ عن زيد بن علي عن آبائه عن علي (عليه السلام) « أنه رأى رجلا به تأنيث في مسجد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فقال : اخرج من مسجد رسول الله يامن لعنه رسول الله ، ثم قال علي (عليه السلام) : سمعت رسول الله يقول : لعن الله المتشبّهين من الرجال بالنساء ، والمتشبّهات من النساء بالرجال » وهي ضعيفة بالحسين بن علوان .
وفي حديث آخر : « اخرجوهم من بيوتكم فإنّهم أقذر شيء » وهي مرسلة .
وفي سنن البيهقي 8 : 224 عن ابن عباس : « أخرجوهم من بيوتكم » .
وبهذا الإسناد ] الوارد في العلل [ عن علي (عليه السلام) قال : « كنت مع رسول الله (صلّى الله عليه وآله) جالساً في المسجد حتى أتاه رجل به تأنيث فسلّم عليه فرد عليه ، ثم أكبّ رسول الله إلى الأرض يسترجع ، ثم قال : مثل هؤلاء في اُمّتي ! إنه لم يكن مثل هؤلاء في اُمّة إلاّ عذّبت قبل الساعة » وهي ضعيفة بالحسين بن علوان .
وفي المستدرك 13 : 202 / أبواب ما يكتسب به ب70 ح1 عن الجعفريات : 242 / 976 عن أبي هريرة قال : « لعن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) مخنّثين الرجال المتشبّهين بالنساء والمترجّلات من النساء المتشبّهات بالرجال » الحديث . وهو ضعيف بأبي هريرة وغيره .
وفي الكافي 5 : 550 / 4 ، والوسائل 20 : 346 / أبواب النكاح المحرّم ب24 ح6 ، والوافي 15 : 229 / 5 عن أبي خديجة عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : « لعن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) المتشبّهين من الرجال بالنساء والمتشبّهات من النساء بالرجال ، قال : وهم المخنّثون واللاتي ينكحن بعضهنّ بعضاً » وهي مجهولة بأبي خديجة وغيره . وقال في الوسائل بعد نقل الرواية : ورواه البرقي في المحاسن 1 : 202 / 347 وعليه فلا بأس بالعمل بها .
وفي الكافي 5 : 552 / 4 ، والوافي 15 : 235 / 4 ، والباب المذكور من الوسائل ح5 عن أبي عبدالله في الراكبة والمركوبة قال : « وفيهنّ قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) : لعن الله المتشبّهات بالرجال من النساء ، ولعن الله المتشبّهين من الرجال بالنساء » وهي مجهولة بالحسين بن زياد ، ويعقوب بن جعفر .
ــ[327]ــ
وطرق العامة(1). ولكنّها ضعيفة السند .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) في سنن البيهقي 8 : 224 عن أبي هريرة : أُتي بمخنّث قد خضب يديه ورجليه بالحناء فقال النبي (صلّى الله عليه وآله) : ما بال هذا ؟ فقيل : يارسول الله يتشبّه بالنساء ، فأمر به فنفي إلى النقيع .
ــ[328]ــ
وقد اتّضح ممّا تلوناه بطلان ما ادّعاه المحقّق الإيرواني من : أنّ إطلاق التشبّه يشمل التشبّه في كل شيء ، ودعوى انصرافه إلى التشبّه فيما هو من مقتضيات طبع صاحبه لا ما هو مختص به بالجعل كاللباس ، في حيّز المنع ، بل كون المساحقة من تشبّه الاُنثى بالذكر ممنوع ... بل التخنّث أيضاً ليس تشبّهاً بالاُنثى(1).
وكذلك ما في حاشية السيد من : عدم اختصاص النبوي بالتشبّه في التأنّث والتذكّر ، لإمكان شموله للتشبّه في اللباس أيضاً(2).
والعجب من المحقّق الإيرواني حيث قال في توجيه رواية العلل : لعلّ الرجل الذي أخرجه علي (عليه السلام) من المسجد كان متزيّناً بزينة النساء ، كما هو الشائع في شبّان عصرنا ، وكان هو المراد من التأنّث ، لا التخنّث(3). وهو أعرف بمقاله .
ثم إنه قد ورد في بعض الأحاديث النهي عن التشبّه في اللباس(4)، كرواية سماعة : « في الرجل يجرّ ثيابه ، قال : إنّي لأكره أن يتشبّه بالنساء » . وفي رواية اُخرى : كان رسول الله ينهى المرأة أن تتشبّه بالرجال في لباسها . فإنه يستفاد منهما تحريم التشبّه في اللباس .
وفيه : أنه ليس المراد من التشبّه في الروايتين مجرد لبس كل من الرجل
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) حاشية المكاسب (الإيرواني) 1 : 122 .
(2) حاشية المكاسب (اليزدي) : 16 ، السطر 20 .
(3) حاشية المكاسب (الإيرواني) 1 : 122 .
(4) ففي الوسائل 5 : 25 / أبواب أحكام الملابس ب13 ح1 ، 2 عن الحسن الطبرسي في مكارم الأخلاق ] 1 : 256 / 767 ، 768 [ عن سماعة عن أبي عبدالله وأبي الحسن (عليهما السلام) « في الرجل يجر ثيابه ؟ قال : إنّي لأكره أن يتشبّه بالنساء » وهي مرسلة .
وعن أبي عبدالله عن آبائه (عليهم السلام) قال : « كان رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يزجر الرجل أن يتشبّه بالنساء ، وينهى المرأة أن تتشبّه بالرجال في لباسها » وهي مرسلة .
ــ[329]ــ
والمرأة لباس الآخر ، وإلاّ لحرم لبس أحد الزوجين لباس الآخر لبعض الدواعي كبرد ونحوه ، بل الظاهر من التشبّه في اللباس المذكور في الروايتين هو أن يتزيّا كل من الرجل والمرأة بزي الآخر ، كالمطربات اللاتي أخذن زي الرجال ، والمطربين الذين أخذوا زي النساء ، ومن البديهي أنه من المحرّمات في الشريعة ، بل من أخبث الخبائث وأشد الجرائم وأكبر الكبائر . على أنّ المراد في الرواية الاُولى هو الكراهة إذ من المقطوع به أنّ جرّ الثوب ليس من المحرّمات في الشريعة المقدّسة .
وقد تجلّى ممّا ذكرناه : أنه لا شك في جواز لبس الرجل لباس المرأة لإظهار الحزن ، وتجسّم قضية الطف ، وإقامة التعزية لسيد شباب أهل الجنّة (عليه السلام) . وتوهّم حرمته لأخبار النهي عن التشبّه ناشئ من الوساوس الشيطانية ، فإنّك قد عرفت عدم دلالتها على حرمة التشبّه .
وقد علم ممّا تقدّم أيضاً : أنه لا وجه لاعتبار القصد في مفهوم التشبّه وصدقه بل المناط في صدقه وقوع وجه الشبه في الخارج مع العلم والالتفات كاعتبار وقوع المعان عليه في صدق الإعانة . على أنه قد أطلق التشبّه في الأخبار على جر الثوب والتخنّث والمساحقة ، مع أنه لا يصدر شيء منها بقصد التشبّه . ودعوى أنّ التشبّه من التفعّل الذي لا يتحقّق إلاّ بالقصد دعوى جزافية ، لصدقه بدون القصد كثيراً .
قوله : وفيها (وفيهما) خصوصاً الاُولى بقرينة المورد ظهور في الكراهة .
أقول : قد علم ممّا ذكرناه أنه لا وجه لحمل ما ورد في التشبّه في اللباس على الكراهة بدعوى ظهوره فيها ، إذ لا نعرف منشأ لهذه الدعوى إلاّ قوله (عليه السلام) في رواية سماعة في رجل يجر ثيابه : « إنّي لأكره أن يتشبّه بالنساء » ومن الواضح جدّاً أنّ الكراهة المذكورة في الروايات أعم من الكراهة الاصطلاحية .
على أنّ رواية الصادق (عليه السلام) عن آبائه عن رسول الله (صلّى الله عليه
ــ[330]ــ
وآله) أنه « كان يزجر الرجل أن يتشبّه بالنساء ، وينهى المرأة أن تتشبّه بالرجال في لباسها » كالصريحة في الحرمة ، لعدم إطلاق الزجر في موارد الكراهة الاصطلاحية .
قوله : ثم الخنثى يجب عليها ترك الزينتين الخ .
أقول : اختلفوا في الخنثى هل هو من صنف الرجال ، أو من صنف الإناث ، أو هو طبيعة ثالثة تقابل كلا من الصنفين على أقوال قد ذكرت في محلّها(1). وما ذكره المصنّف (رحمه الله) من أنه : يجب عليها ترك الزينتين المختصتين بكل من الرجل والمرأة ، مبني على كونه داخلا تحت أحد العنوانين : الذكر والاُنثى ، وإلاّ فأصالة البراءة بالنسبة إلى التكاليف المختصّة بهما محكمة .
قوله : ويشكل بناء على كون مدرك الحكم حرمة التشبّه بأنّ الظاهر عن (من) التشبّه صورة علم المتشبّه .
أقول : لا إشكال في اعتبار العلم بصدور الفعل في تحقّق عنوان التشبّه ، إلاّ أنه لا يختص بالعلم التفصيلي ، بل يكفي في ذلك العلم الإجمالي أيضاً ، فهو موجود في الخنثى . ـــــــــــــ
(1) شرح العروة الوثقى 4 : 331 .
|