التطفيف والبخس 

الكتاب : مصباح الفقاهة في المعاملات - المكاسب المحرمة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 20555


ــ[376]ــ

حرمة التطفيف والبخس

قوله : الخامسة : التطفيف حرام(1).

أقول : التطفيف(2) مثل التقليل وزناً ومعنى ، والمراد به هنا أن يجعل الإنسان نفسه كيّالا أو وزّاناً ، فيقلّل نصيب المكيل له في إيفائه واستيفائه على وجه الخيانة . والبخس(3) نقص الشيء عن الحدّ الذي يوجبه الحقّ على سبيل الظلم .

وكيف كان ، فلا إشكال في حرمتهما عند المسلمين قاطبة ، وتدلّ على ذلك الأدلّة الأربعة .

أمّا الكتاب فقوله تعالى : (وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ)(4) وقوله تعالى : (وَلاَ تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ)(5)

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المكاسب 1 : 199 .

(2) في تفسير التبيان للشيخ الطوسي 10 : 295 : المطفّف : المقلّل حقّ صاحبه بنقصانه عن الحق في كيل أو وزن ، والتطفيف : التنقيص على وجه الخيانة في الكيل أو الوزن .

وفي مفردات الراغب ] 521 مادّة طف [ : طفّف الكيل قلّل نصيب المكيل له في إيفائه واستيفائه . وعن المصباح ] 374 ، مادّة الطفيف [ : طفّفه فهو مطفّف ، إذا كال أو وزن ولم يوفِ  .

(3) في مفردات الراغب ] 110 ، مادّة بخس [ : البخس : نقص الشيء على سبيل الظلم . وفي القاموس ] 2 : 317 مادّة البخس [ : البخس : النقص والظلم . وفي المنجد ] 27 ، مادّة بخس  [ : بخسه بخساً نقصه وظلمه .

(4) المطففين 83 : 1 . في تفسير التبيان 10 : 295 ، وسنن البيهقي 6 : 32 عن ابن عباس : لما قدم النبي (صلّى الله عليه وآله) المدينة كانوا من أخبث الناس كيلا ، فأنزل الله (وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ)فأحسنوا الكيل بعد ذلك ] مع تفاوت يسير عمّا في تفسير التبيان [ .

(5) الأعراف 7 : 85 ، وهود 11 : 85 . والشعراء 26 : 183 .

ــ[377]ــ

وقوله تعالى : (وَلاَ تَنقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ)(1).

وأمّا السنّة فقد ورد النهي عن البخس والتطفيف في جملة من الروايات(2).

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) هود 11 : 84 .

(2) في الكافي 5 : 150 / 1 ، والتهذيب 7 : 6 / 16 ، والوافي 17 : 435 / 1 ، والوسائل 17 : 381 / أبواب آداب التجارة ب1 ح1 عن الأصبغ بن نباتة قال : « سمعت أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول على المنبر : يامعشر التجّار الفقه ثم المتجر ـ ثلاثاً ـ إلى أن قال : التاجر فاجر ، والفاجر في النار ، إلاّ من أخذ الحق وأعطى الحق » وهي ضعيفة بأبي الجارود وعثمان ابن عيسى . وغير ذلك من الروايات المذكورة في المصادر المزبورة ، والمستدرك 13 : 249 / أبواب آداب التجارة ب3 .

وفي الوسائل 15 : 329 / أبواب جهاد النفس ب46 ح33 عن عيون الأخبار ]  2 : 127 [عن الرضا (عليه السلام) فإنه (عليه السلام) جعل البخس في المكيال والميزان من الكبائر .

أقول : في الوسائل 30 (الخاتمة / الفائدة الاُولى) : 121 ] ت [ : ومن ذلك طريقه إلى الفضل ابن شاذان عن الرضا (عليه السلام) في كتابه إلى المأمون ، وقد رواه في عيون الأخبار بالسند الأول والثاني جميعاً ، ورواه أيضاً عن حمزة بن محمد العلوي .

أقول : أمّا الطريق الأول فهو مجهول بعبدالواحد بن محمد بن عبدوس النيسابوري ، وعلي بن قتيبة النيسابوري . وأمّا الثاني فهو مجهول بالحاكم أبي محمد جعفر بن نعيم ، وأمّا الثالث فهو مجهول بحمزة بن محمد العلوي .

وفي المستدرك 12 : 334 / أبواب الأمر والنهي ب39 ح5 عن أبي القاسم الكوفي في كتاب الأخلاق عن أبي جعفر محمد بن علي (عليهما السلام) قال : « إذا ظهر الزنا في اُمّتي كثر موت الفجأة فيهم ، وإذا طفّفت المكيال أخذهم بالسنين والنقص » وهي مرسلة .

وفي الوسائل 16 : 273 / أبواب الأمر والنهي ب41 ح2 ، 6 عن الكافي ] 2 : 374 / 2 [باسناده عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : « وجدنا في كتاب رسول الله (صلّى الله عليه وآله) : إذا ظهر الزنا من بعدي كثر موت الفجأة ، وإذا طفّف الميزان والمكيال أخذهم الله بالسنين والنقص » وهي حسنة بإبراهيم بن هاشم .

وفي رواية حمران عن أبي عبدالله (عليه السلام) في حديث طويل عدّ جملة من الأوصاف المحرّمة إلى أن قال : « ورأيت الرجل معيشته من بخس المكيال والميزان » وهي حسنة بإبراهيم بن هاشم ، وحمران ] رواها في الكافي أيضاً 8 : 40 / 7 [ .

ــ[378]ــ

وأمّا الإجماع فإنّه وإن كان قائماً على حرمة التطفيف والبخس ، إلاّ أنه ليس إجماعاً تعبّدياً ، بل من المحتمل القريب أن يكون مدركه الكتاب والسنّة .

وأمّا العقل فلأنّ تنقيص حقّ الناس وعدم الوفاء به ظلم ، وقد استقلّ العقل بحرمته .

وممّا ذكرناه ظهر ما في كلام المحقّق الإيرواني من الوهن حيث قال : الظاهر بل المقطوع به أنّ التطفيف بنفسه ليس عنواناً من العناوين المحرّمة ، أعني الكيل بالمكيال الناقص ، وكذا البخس في الميزان مع وفاء الحق كاملا(1).

ووجه الوهن : أنّ التطفيف قد اُخذ فيه عدم الوفاء بالحق ، والبخس هو نقص الشيء على سبيل الظلم ، وهما بنفسهما من المحرّمات الشرعية والعقلية . على أنه قد ثبت الذم في الآية الشريفة على نفس عنوان التطفيف ، فإنّ الويل كلمة موضوعة للوعيد والتهديد ، وتقال لمن وقع في هلاك وعقاب ، وكذلك نهي في الآيات المتعدّدة عن البخس كما عرفت آنفاً ، وظاهر ذلك كون التطفيف والبخس بنفسهما من المحرّمات الإلهية .

قوله : ثم إنّ البخس في العدّ والذرع يلحق به حكماً وإن خرج عن موضوعه .

أقول : قد عرفت أنّ التطفيف والبخس مطلق التقليل والنقص على سبيل

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) حاشية المكاسب (الإيرواني) 1 : 137 .

ــ[379]ــ

الخيانة والظلم في إيفاء الحق واستيفائه ، وعليه فذكر الكيل والوزن في الآية وغيرها إنّما هو من جهة الغلبة ، فلا وجه لإخراج النقص في العدد والذرع عن البخس والتطفيف موضوعاً وإلحاقهما بهما حكماً .

صحّة المعاملة المطفّف فيها وفسادها

قوله : ولو وازن الربوي بجنسه فطفّف في أحدهما فإن جرت المعاوضة الخ .

أقول : قد عرفت أنه لا إشكال في حرمة التطفيف تكليفاً ، فاجارة نفسه عليه ـ كإجارة نفسه على سائر الأفعال المحرّمة ـ محرّمة وضعاً وتكليفاً كما عرفت مراراً . وأمّا الكلام في صحة المعاملة المطفّف فيها وفسادها فنقول : إنّ المعاملة قد تقع على الكلّي في الذمّة ، وقد تقع على الكلّي في المعيّن الخارجي ، وقد تقع على الشخص المعيّن الموجود في الخارج المشار إليه بالإشارة الحسّية .

أمّا على الصورتين الأوّلتين فلا إشكال في صحة المعاملة وعدم فسادها بالتطفيف الخارجي ، فإنّ المعاملة قد انعقدت صحيحة ، ولكن البائع أو من يباشر الإقباض والتسليم طفّف في الكيل والوزن أو في الذرع والعدد ، وهو لا يوجب فسادها ، بل يكون الدافع مشغول الذمّة بما نقص عن الحق ، ولا يفرق في ذلك بين كون المعاملة ربوية أو غير ربوية كما هو واضح ، وعلى الجملة : إنّ هاتين الصورتين خارجتان عمّا نحن فيه .

وأمّا على الصورة الثالثة فربما يقال ببطلان المعاملة إذا وقعت على المتاع الخارجي بما أنه مقدّر بمقدار كذا فظهر عدم انطباق العنوان الملحوظ في البيع على المشار إليه الخارجي ، ووجه البطلان : أنّ ما هو معنون بعنوان كذا غير موجود في الخارج ، وما هو موجود في الخارج غير معنون بذلك العنوان . وتوهّم إلغاء الإشارة

ــ[380]ــ

أو الوصف فاسد ، فإنّ اللازم هو الأخذ بكليهما ، لتعلّق قصد المتبايعين بهما  .

وفيه : أنه لا وجه للبطلان إذا تخلّف العنوان ، فإنه ليس من العناوين المقوّمة بل هو إمّا أن يكون مأخوذاً على نحو الشرطية أو على نحو الجزئية كما سيجيء  . ولا يقاس ذلك بتخلّف العناوين التي تعدّ من الصور النوعية عند العرف ، كما إذا باع صندوقاً فظهر أنه طبل ، أو باع ذهباً فظهر أنه مذهّب ، أو باع بغلا فظهر أنه حمار فإنّ البطلان في أمثالها ليس من انفكاك العنوان عن الإشارة ، بل من جهة عدم وجود المبيع أصلا ، وقد تقدّم ذلك في البحث عن بيع هياكل العبادة وعن بيع الدراهم المغشوشة(1).

وربما يقال : إنّ المورد من صغريات تعارض الإشارة والعنوان ، وتقديم أحدهما على الآخر يختلف بحسب اختلاف الموارد .

وفيه : أنّ الكبرى وإن كانت مذكورة في كتب الشيعة والسنّة(2) إلاّ أنّها لا تنطبق على ما نحن فيه ، فإنّ البيع من الاُمور القصدية ، فلا معنى لتردّد المتبايعين فيما قصداه ، نعم قد يقع التردّد منهما في مقام الإثبات من جهة اشتباه ما هو المقصود بالذات .

والذي ينبغي أن يقال : إنّ الصور المتصوّرة في المقام ثلاث :

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) راجع ص234 ، 249 .

(2) في شرح فتح القدير 3 : 238 في المهر : إنّ الإشارة والتسمية إذا اجتمعا والمشار إليه من خلاف جنس المسمّى فالعبرة للتسمية ، لأنّها تعرف الماهية والإشارة تعرف الصورة ، فكان اعتبار التسمية أولى ، لأنّ المعاني أحق بالاعتبار . وإن كان المشار إليه من جنس المسمّى إلاّ أنّهما اختلفا وصفاً فالعبرة للإشارة ، لأنّ المسمّى موجود في المشار إليه ذاتاً والوصف يتبعه إلى أن قال : والشأن في التخريج على هذا الأصل .

 
 

ــ[381]ــ

الاُولى : أن يكون إنشاء البيع معلّقاً على كون المبيع متّصفاً بصفة خاصة ، بأن يقول : بعتك هذا المتاع الخارجي على أن يكون منّاً فظهر الخلاف. وهذا لا إشكال في بطلانه، لا من جهة التطفيف ، ولا من جهة تخلّف الوصف ، بل لقيام الإجماع على بطلان التعليق في الإنشاء .

الثانية : أن ينشأ البيع منجزاً على المتاع الخارجي بشرط كونه كذا مقدار ثم ظهر الخلاف . وهذا لا إشكال في صحته ، فإنّ تخلّف الأوصاف غير المقوّمة للصورة النوعية لا يوجب بطلان المعاملة ، غاية الأمر أنه يوجب الخيار للمشتري  .

الثالثة : أن يكون مقصود البائع من قوله : بعتك هذا المتاع الخارجي بدينارين على أن يكون كذا مقدار ، بيعَ الموجود الخارجي فقط ، وكان غرضه من الاشتراط الإشارة إلى تعيين مقدار العوضين ، ووقوع كل منهما في مقابل الآخر بحيث يقسّط الثمن على أجزاء المثمن ، وعليه فإذا ظهر الخلاف صح البيع في المقدار الموجود وبطل في غيره ، نظير بيع ما يملك وما لا يملك ، كالخنزير مع الشاة والخمر مع الخل .

والظاهر هو الصورة الأخيرة ، فإنّ مقصود البائع من الاشتراط المذكور ليس إلاّ بيان مقدار المبيع فقط ، من غير تعليق في الإنشاء ، ولا اعتبار شرط في المعاملة كما هو واضح .

هذا كلّه إذا لم يكن البيع ربوياً ، وأمّا إذا كان ربوياً ، فإن كان من قبيل الصورة الاُولى بطل البيع للتعليق ، مع قطع النظر عن التخلّف وكون المعاملة ربوية  . وإن كان من قبيل الصورة الثانية بطل البيع ، لكونه ربوياً ، مع قطع النظر عن تخلّف الشرط . وإن كان من قبيل الصورة الثالثة قسّط الثمن على الأجزاء ، وصح البيع في المقدار الموجود وبطل في غيره .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net