حرمة الغناء 

الكتاب : مصباح الفقاهة في المعاملات - المكاسب المحرمة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 17402


حرمة الغناء

قوله : الثالثة عشرة : الغناء ، لا خلاف في حرمته في الجملة(2).

أقول : لا خلاف في حرمة الغناء في الجملة بين الشيعة ، وأمّا العامّة فقد التزموا بحرمته لجهات خارجية(3)، وإلاّ فهو بنفسه أمر مباح عندهم .

ــــــــــــــ
(2) المكاسب 1 : 285 .

(3) في الفقه على المذاهب الأربعة 2 :41 : فالتغنّي من حيث كونه ترديد الصوت بالألحان مباح لا شيء فيه ، ولكن قد يعرض له ما يجعله حراماً أو مكروهاً . وعلى هذا المنهج تفصيل المذاهب الأربعة . ثم قال ] في الهامش [ : فما عن أبي حنيفة من أنّه يكره الغناء ويجعل سماعه من الذنوب فهو محمول على النوع المحرّم منه . وفي ص42 نقل الغزالي في الإحياء عن الشافعي : لا أعلم أحداً من علماء الحجاز كره السماع  . وقد استدلّ الغزالي على الجواز برقص الحبشة والزنوج في المسجد النبوي يوم عيد ، وأقرّهم الرسول (صلّى الله عليه وآله) . ثم ذكر أنّ حرمة الغناء من جهة المحرّمات الخارجية ] المذكور في المصدر هو الاستدلال على جواز الرقص ، فلاحظ [ . أقول  : قد تظافرت الأحاديث من طرقهم حول الغناء إثباتاً ونفياً . راجع سنن البيهقي 10 : 221 ـ 230.

ــ[470]ــ

قال في المستند بعد أن ذكر موضوع الغناء : فلا خلاف في حرمة ما ذكرنا أنّه غناء قطعاً ... ولعلّ عدم الخلاف بل الإجماع عليه مستفيض ، بل هو إجماع محقّق قطعاً ، بل ضرورة دينية(1).

وفي متاجر الرياض : بل عليه إجماع العلماء ، كما حكاه بعض الأجلاّء ، وهو الحجّة(2) وغير ذلك من كلمات الأصحاب المشتملة على دعوى الإجماع والضرورة على حرمة الغناء .

ويدلّ على حرمته وجوه :

الوجه الأول : قيام الإجماع عليها محصّلا ومنقولا .

وفيه : أنّ دعوى الإجماع على الحرمة في الجملة وإن لم تكن جزافية ، بل في كلمات غير واحد من الأعلام دعوى الضرورة عليها ، إلاّ أنّه ليس إجماعاً تعبّدياً فإنّ من المحتمل القريب استناد المجمعين إلى الآيات والروايات الدالّة على حرمة الغناء .

الوجه الثاني : جملة من الآيات الكريمة ولو بضميمة الروايات :

منها : قوله تعالى : (وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ)(3) ومنه الغناء ، للروايات(4)

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المستند 14 : 126 .

(2) الرياض 8 : 155 .

(3) الحج 22 : 30 .

(4) ففي الكافي 6 : 431 / 1 ، والوافي 17 : 208 / 9 ، والوسائل 17 : 305 / أبواب ما يكتسب به ب99 ح9 عن أبي بصير قال : « سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن قول الله : (وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ) قال : هو الغناء » وهي ضعيفة بسهل .

وفي الباب المزبور من الوسائل ح2 في رواية زيد الشحّام عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : «  قول الزور الغناء » وهي ضعيفة بدرست بن منصور . وعن ابن أبي عمير مثله مرسلا ، راجع الوسائل : الباب المذكور ح8 .

وعن معاني الأخبار ] 349 / 1 [ : « قول الزور الغناء » . وهو ضعيف بمظفّر العلوي . وعن تفسير علي بن إبراهيم ] 2 : 84 [ مثله . وهي حسنة بإبراهيم بن هاشم . والوسائل : الباب المتقدّم ح26 .

وفي المستدرك 13 : 214 / أبواب ما يكتسب به ب78 ح13 ، 16 عن الصدوق مثله مرسلا .

ــ[471]ــ

الواردة في تطبيقه عليه . ولا فرق في هذه النتيجة بين كون الغناء نفسه من مقولة الكلام أو هو كيفية مسموعة تقوم به ، لاتّحادهما في الخارج على كل حال ، فلا وجه للخدشة في الروايات الواردة في تفسير الآية بأنّ مقتضاها أنّ الغناء من مقولة الكلام ، مع أنّه كيفية تقوم به .

ومنها : قوله تعالى : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ)(1) فقد ذكرت عدّة من الروايات(2) أنّ الغناء من مصاديق لهو الحديث الذي

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) لقمان 31 : 6 .

(2) في المصادر المتقدّمة من الكافي والوافي والوسائل ح6 ، 7 ، 11 عن محمّد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : « الغناء ممّا وعد الله عليه النار ، وتلى هذه الآية » وهي حسنة بإبراهيم ، وعلي بن إسماعيل .

وعن مهران بن محمّد عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : « سمعته يقول : الغناء ممّا قال الله : (وَمِنَ النَّاسِ) الآية . وهي مجهولة بمهران .

وعن الوشّاء قال : « سمعت أبا الحسن (عليه السلام) يقول : سئل أبو عبدالله (عليه السلام) عن الغناء ؟ فقال : هو قول الله : (وَمِنَ النَّاسِ) الآية » وهي ضعيفة بسهل .

وفي سنن البيهقي 10 : 223 عن ابن مسعود قال : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي) الآية ، قال : هو والله الغناء .

وفي المستدرك 13 : 212 / أبواب ما يكتسب به ب78 أخرج جملة من الروايات في تطبيق الآية على الغناء ] وهي ح2 ، 9 ، 16 ، 18 [ ولكنّها ضعيفة السند .

ــ[472]ــ

حرّمته الآية الكريمة ، بل نسبه الطبرسي(1) إلى أكثر المفسّرين . ولفظ الاشتراء في الآية يجري على ضرب من المجاز ، أو على بعض التعاريف التي يذكرها فريق من اللغويين ، وقد تقدّم ذلك فيما سبق(2)، فلا ضير في أن يتعلّق بلهو الحديث وبالغناء كما ذكرته الروايات ، وإن لم يكونا من الأعيان .

ومنها : قوله تعالى : (وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ)(3) بضميمة ما في تفسير القمّي من تطبيق الآية على الغناء(4).

ومنها : قوله تعالى : (وَالَّذِينَ لاَ يَشْهَدُونَ الزُّورَ)(5) فإنّه قد ورد في بعض الأحاديث تفسير الزور في الآية بالغناء(6)، ويؤيّده ما تقدّم من الروايات في قوله

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) مجمع البيان 8 : 490 .

(2) في ص303 .

(3) المؤمنون 23 : 3 .

(4) في تفسير القمّي 2 : 88 : (وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ) يعني الغناء والملاهي .

(5) الفرقان 25 : 72 .

(6) في المواضع المتقدّمة من الكافي والوافي والوسائل ] ح3 [ عن أبي الصباح عن أبي عبدالله (عليه السلام) « في قول الله تعالى : (وَالَّذِينَ لاَ يَشْهَدُونَ الزُّورَ) قال : الغناء » وهي صحيحة  . وفي رواية اُخرى ] ح5 [ عنه مثلها ، ولكنّها حسنة بإبراهيم .

وفي تفسير القمّي 2 : 117 طبّق الآية على الغناء .

ــ[473]ــ

تعالى : (وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ) . والروايات المذكورة في تفسير الآيات المزبورة وإن كان أكثرها ضعيف السند إلاّ أنّ في المعتبر منها غنىً وكفاية .

وقد أورد في المستند على دلالة الآيات على حرمة الغناء بأنّ الروايات الواردة في تفسيرها بالغناء معارضة بما ورد في تفسيرها بغيره(1).

وفيه : أنّ الأحاديث المذكورة في تفسير القرآن كلّها مسوقة لتنقيح الصغرى وبيان المصداق ، فلا تدل على الانحصار بوجه حتّى تقع المعارضة بينهما ، وقد أشرنا إلى هذا فيما سبق مراراً ، وتكلّمنا عنه في البحث عن مقدّمات التفسير(2) مفصّلا .

الثالث : الروايات(3) الدالّة على حرمة الغناء وحرمة تعليمه وتعلّمه وحرمة التكسّب به واستماعه ، وأنّه ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء الخضرة . وأنّه يورث الفقر والقساوة وينزع الحياء . وأنّه رقية الزنا ، ويرفع البركة وينزل البلاء كما نزل البلاء على المغنّين من بني إسرائيل . وأنّه ممّا وعد الله عليه النار وبئس المصير . وأنّه عشّ النفاق ، وأنّ الغناء مجلس لا ينظر الله إلى أهله ، وأنّ استماع الغناء نفاق وتعلّمه كفر ، وأنّ صاحب الغناء يحشر من قبره أعمى وأخرس وأبكم وأنّ من ضرب في بيته شيئاً من الملاهي أربعين يوماً فقد باء بغضب من الله فإن

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المستند 14 : 134 .

(2) البيان في تفسير القرآن : 22 .

(3) راجع الكافي 6 : 431 / باب الغناء ، والوافي 17 : 205 / باب 34 ، والوسائل 17 : 303 / أبواب ما يكتسب به ب99 ، 100 ، 101 ، والمستدرك 13 : 212 / أبواب ما يكتسب به ب78 ، 79 ، 80 ، والبحار 76 : 239 وما بعدها / باب الغناء .

ــ[474]ــ

مات في أربعين مات فاجراً فاسقاً مأواه النار وبئس المصير ، وأنّ من أصغى إلى ناطق يؤدّي عن الشيطان فقد عبد الشيطان ، وأنّ الغناء أخبث ما خلق الله وشرّ ما خلق الله ، وأنّه يورث الفقر والنفاق ، وأنّ من استمع إلى الغناء يذاب في اُذنه الإفك . وغير ذلك من المضامين المدهشة التي اشتملت عليها الأخبار المتواترة .

والروايات الواردة في حرمة الغناء وإن كان أكثرها ضعيف السند ، ولكن في المعتبر منها غنىً وكفاية . والعجب من المحقّق الأردبيلي حيث قال في محكي شرح الإرشاد : ما رأيت رواية صحيحة صريحة في التحريم(1). وهو أعرف بمقاله .

رأي المحدّث الكاشاني في حرمة الغناء والجواب عنه

قال في الوافي ما حاصله : الذي يظهر من مجموع الأخبار الواردة في الغناء هو اختصاص حرمته وحرمة التكسّب به وحرمة تعليمه وتعلّمه واستماعه بما كان متعارفاً زمن بني اُمية وبني العباس ، من دخول الرجال على النساء ، وتكلّمهنّ بالأباطيل ، ولعبهنّ بالملاهي على أقسامها ، وأمّا غير ذلك فلا محذور فيه ، وعليه فلا بأس بسماع الغناء بما يتضمّن ذكر الجنّة والنار ، والتشويق إلى دار القرار ، والترغيب إلى الله وإلى عبادته وطاعته(2). ثم حمل على هذا كلام الشيخ في الاستبصار(3).

وقد استشهد على رأيه هذا بوجوه :

الأول : مرسلة الفقيه « سأل رجل علي بن الحسين (عليه السلام) عن شراء

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) مجمع الفائدة والبرهان 8 : 59 .

(2) الوافي 17 : 218 .

(3) الاستبصار 3 : 62 / ذيل 207 .

ــ[475]ــ

جارية لها صوت ؟ فقال : ما عليك ، لو اشتريتها فذكّرتك الجنّة »(1).

الثاني : رواية أبي بصير قال « قال أبو عبدالله (عليه السلام) : أجر المغنّية التي تزفّ العرائس ليس به بأس ، وليست بالتي يدخل عليها الرجال »(2).

الثالث : الروايات(3) المشتملة على مدح الصوت الحسن ، وعلى استحباب قراءة القرآن به وبألحان العرب ، وأنّ لكل شيء حلية وحلية القرآن الصوت الحسن وأنّ الإمام علي بن الحسين (عليه السلام) كان أحسن الناس صوتاً بالقرآن(4) . فإنّ المستفاد من جميعها جواز الغناء في نفسه ، بل استحبابه في خصوص القرآن ، وأنّ حرمته إنّما تكون للاُمور الخارجية التي قد تقارنه في الوجود .

أقول : يرد عليه اُمور :

الأول : أنّ الظاهر من الروايات المتظافرة ، بل المتواترة ـ من حيث المعنى ـ الناهية عن الغناء ، وعن جميع ما يتعلّق به هو تحريمه بنفسه مع قطع النظر عن اقترانه بسائر العناوين المحرّمة ، وقد عرفت جملة منها في الهامش ، وعرفت مصادرها فراجع .

الثاني : أنّه إذا كان تحريم الغناء إنّما هو للعوارض المحرّمة كان الاهتمام بالمنع عنه في هذه الروايات لغواً محضاً ، لورود النهي عن سائر المحرّمات بأنفسها .

الثالث : أنّ ما استشهد به على مقصده لا يفي بمراده ، أمّا مرسلة الفقيه فمضافاً إلى ضعف السند فيها ، أنّها أجنبية عن الغناء نفياً وإثباتاً ، كما تقدّم في بيع الجارية

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الفقيه 4 : 42 / 139 ، الوسائل 17 : 122 / أبواب ما يكتسب به ب16 ح2 .

(2) الوسائل 17 : 121 / أبواب ما يكتسب به ب15 ح3 .

(3) سنشير إلى مصادرها في البحث عن مستثنيات الغناء ] في ص486 وما بعدها [ .

(4) الوسائل 6 : 211 / أبواب قراءة القرآن ب24 ح4 .

ــ[476]ــ

المغنّية(1).

وأمّا رواية أبي بصير فإنّها وإن كانت صحيحة ، إلاّ أنّها لا دلالة فيها على مقصد المحدّث المذكور ، فإنّ غاية ما يستفاد منها ومن رواية اُخرى لأبي بصير(2)أنّه لا بأس بأجر المغنّية التي تدعى إلى العرائس ولا يدخل عليها الرجال ، وأمّا الغناء في غير زفّ العرائس فلا تعرّض في الروايتين لحكمه .

وأمّا الروايات الواردة في قراءة القرآن بصوت حسن فلا صلة لها بالمقام ، إذ لا ملازمة بين حسن الصوت وبين الغناء ، بل بينهما عموم من وجه ، فيقع التعارض في مورد الاجتماع ، وتحمل الطائفة المجوّزة على التقيّة ، لما عرفت من ذهاب العامّة إلى جواز الغناء في نفسه . على أنّ هذه الروايات ضعيفة السند ، وستأتي الإشارة إلى ذلك .

ويضاف إلى ذلك كلّه أنّ ما ذهب إليه المحدّث المذكور مخالف للإجماع ، بل الضرورة من مذهب الشيعة ، وقد عرفت ذلك في أوّل المسألة .

ثم إنّ هذا القول نسب إلى صاحب الكفاية(3)، ولكنّه بعيد ، فإنّ المتأخّرين عنه نسبوا إليه استثناء الغناء في القرآن ، ومن الواضح أنّ ذلك فرع الالتزام بحرمة الغناء .

وقد يستدل على ما ذهب إليه الكاشاني برواية قرب الإسناد عن علي بن جعفر عن أخيه قال : « سألته عن الغناء هل يصلح في الفطر والأضحى والفرح ؟

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) ص265 .

(2) قد تعرّضنا لهاتين الروايتين في ص266 .

(3) راجع كفاية الأحكام : 86 ، السطر 13 وما بعده .

ــ[477]ــ

قال : لا بأس به ما لم يعص به »(1) وهي وإن كانت مجهولة بعبدالله بن الحسن ، ولكن رواها علي بن جعفر في كتابه ، إلاّ أنّه قال : « ما لم يزمر به »(2) وعليه فهي صحيحة فتدلّ على جواز الغناء في نفسه ، وحرمته إذا اقترن بالمعاصي الخارجية .

وفيه : أنّ الظاهر من قوله (عليه السلام) : « ما لم يزمر به » أنّ الصوت بنفسه صوت مزماري ، ولحن رقصي ، كألحان أهل الفسوق ، ويعبّر عنها في الفارسية بكلمة (پسته وسرود ودو بيت وآوازه خواندن) لا أنّه صوت يكون في المزمار وإلاّ لقال ما لم يكن في المزمار أو بالنفخ في المزمار ، وعليه فتدل الرواية على تحقّق الغناء بالصوت المزماري ، واللحن الرقصي لا مطلقاً ، وسيأتي ، وعلى هذا يحمل قوله (عليه السلام) : « ما لم يعص به » في رواية قرب الإسناد على تقدير صدورها من المعصوم .

وأمّا إطلاق الغناء على غير هذا القسم في هاتين الروايتين في قول السائل : «  سألته عن الغناء » ، وتقرير الإمام (عليه السلام) صحّة الإطلاق بالجواب عن حكمه بقوله : « لا بأس به » فهو كاطلاق نوع أهل اللغة لفظ الغناء على المعنى الأعمّ .

تحقيق موضوع الغناء

قوله : وإن اختلفت فيه عبارات الفقهاء واللغويين .

أقول : عرّفوا الغناء بتعاريف مختلفة(3) إلاّ أنّها ليست تعاريف حقيقية ، لعدم

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) قرب الإسناد 294 / 1158 ، الوسائل 17 : 122 / أبواب ما يكتسب به ب15 ح5 .

(2) مسائل علي بن جعفر : 156 / 219 .

(3) ففي لسان العرب ] 15 : 136 ، مادّة غنا [ : كل من رفع صوته وولاه فصوته عند العرب غناء ، وقال بعد ثلاث صفحات : الغناء من الصوت ما طرب به .

وفي مجمع البحرين ] 1 : 321 مادّة غنا [ : الغناء ـ ككساء ـ الصوت المشتمل على الترجيع المطرب ، أو ما يسمّى في العرف غناء وإن لم يطرب ، سواء كان في شعر أو قرآن أو غيرهما .

وفي المنجد ] 561 مادّة غنّى [ الغناء من الصوت ما طرب به . وعن الصحاح ] 6 : 2449 مادّة غنى [ : الغناء من السماع .

وعن المصباح أنّه مدُّ الصوت المشتمل على الترجيع المطرب ] لاحظ المصباح : 455 مادّة غنن ، ثمّ أنّ المصنّف أسند التعريف المذكور إلى مشهور الفقهاء ، راجع المكاسب 1 : 291 [ .

وعن الشافعي : إنّه تحسين الصوت وترقيقه . وفي الفقه على المذاهب الأربعة 2 : 41 إنّه ترديد الصوت بالألحان .

وفي ص43 عن الحنابلة : إنّه تحسين الصوت والترنّم .

وفي المستند 14 : 124 أشار إلى جميع ما قيل في معنى الغناء ، وقال : إنّ كلمات العلماء من اللغويين والاُدباء والفقهاء مختلفة في تفسير الغناء ، 1 ـ فسّره بعضهم بالصوت المطرب 2 ـ وآخر بالصوت المشتمل على الترجيع ، 3 ـ بالصوت المشتمل على الترجيع والإطراب معاً ، 4  ـ  بالترجيع ، 5 ـ بالتطريب ، 6 ـ بالترجيع مع التطريب ، 7 ـ برفع الصوت مع الترجيع ، 8  ـ  بمدّ الصوت ، 9 ـ بمدّه مع أحد الوصفين أو كليهما ، 10 ـ بتحسين الصوت ، 11 ـ بمدّ الصوت وموالاته  ، 12 ـ بالصوت الموزون المفهم المحرّك للقلب ، ذكره الغزالي .

ــ[478]ــ

الاطّراد والانعكاس ، بل هي بين إفراط وتفريط ، فقد عرّفه في المصباح بأنّه مدّ الصوت المشتمل على الترجيع المطرب ، وعلى قوله هذا يخرج أكثر أفراد الغناء ممّا لم يحتو على القيدين المذكورين ، فإنّ من أظهر أفراده الألحان التي يستعملها أهل الفسوق ، وهي لا توجب الطرب إلاّ أحياناً ، ولذا التجأ الطريحي في المجمع وبعض آخر في غيره إلى توسعة التعريف المذكور بقولهم : أو ما يسمّى في العرف غناء . نعم قد يحصل الطرب لحسن الصوت وإن لم يشتمل على ترجيع . وعرّفه آخرون بأنّه

ــ[479]ــ

مجرّد مدّ الصوت ، أو رفعه مع الترجيع أو بدونه ، وبأنّه تحسين الصوت فقط ، أو ترجيعه كذلك .

ويلزم من هذه التعاريف أن يدخل في الغناء ما ليس من أفراده قطعاً ، كرفع الصوت لنداء أحد من البعيد ، ورفع الصوت أو تحسينه لقراءة القرآن والمراثي والمدائح والخطب ، بل التكلّم العنيف ، مع أنّ الشارع قد ندب إلى قراءة القرآن بصوت حسن ، وبألحان العرب ، بل في بعضها « كان علي بن الحسين (عليه السلام) أحسن الناس صوتاً بالقرآن »(1) وفي بعضها : أنّه « كان يقرأ القرآن فربما مرّ به المار فصعق من حسن صوته » وفي بعضها : « ورجّع بالقرآن صوتك ، فإنّ الله تعالى يحبّ الصوت الحسن يرجع به ترجيعاً » وستأتي الإشارة إلى هذه الروايات(2) فإنّ جميع هذه الأفراد ممّا يصدق عليه الغناء على التفاسير المذكورة ، وهي ليست منه قطعاً .

وأيضاً ثبت في الشريعة المقدّسة استحباب رفع الصوت بالأذان ، ولم يتوهّم أحد أنّه غناء . وقد ورد أنّه « ما بعث الله نبيّاً إلاّ حسن الصوت »(3) ومن الواضح جدّاً أنّ حسن الصوت لا يعلم إلاّ بالمدّ والرفع والترجيع .

وقد دلّت السيرة القطعية المتّصلة إلى زمان المعصوم (عليه السلام) على جواز رفع الصوت بقراءة المراثي ، بل ورد الحثّ على قراءة الرثاء للأئمّة وأولادهم ، ودلّت الروايات على مدح بعض الراثين كدعبل وغيره ، فلو كان مجرد رفع الصوت غناء

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) وقد تقدّم في ص475 .

(2) في ص486 .

(3) راجع الكافي 2 : 616 / 10 ، والوافي 9 : 1741 / 8 ، وهي مرسلة ، وضعيفة بسهل وموسى بن عمر الصيقل .

ــ[480]ــ

لما جاز ذلك كلّه . وتوهّم خروج جميع المذكورات بالتخصيص تكلّف في تكلّف .

والتحقيق : أنّ المستفاد من مجموع الروايات بعد ضمّ بعضها إلى بعض هو ما ذكره المصنّف من حيث الكبرى ، وتوضيح ذلك : أنّ الغناء المحرّم عبارة عن الصوت المرجّع فيه على سبيل اللهو والباطل والإضلال عن الحقّ ، سواء تحقّق في كلام باطل أم في كلام حقّ ، وسمّاه في الصحاح بالسماع ، ويعبّر عنه في لغة الفرس بكلمة (دو بيت وسرود وپسته وآوازه خواندن) . ويصدق عليه في العرف أنّه قول زور وصوت لهوي . فإنّ اللهو المحرّم قد يكون بآلة اللهو من غير صوت كضرب الأوتار ، وقد يكون بالصوت المجرّد ، وقد يكون بالصوت في آلة اللهو كالنفخ في المزمار والقصب وقد يكون بالحركات المجرّدة كالرقص ، وقد يكون بغيرها من موجبات اللهو .

وعلى هذا فكل صوت كان صوتاً لهوياً ومعدوداً في الخارج من ألحان أهل الفسوق والمعاصي فهو غناء محرّم ، ومن أظهر مصاديقه الأغاني الشائعة بين الناس في الراديوات ونحوها ، وما لم يدخل في المعيار المذكور فلا دليل على كونه غناء فضلا عن حرمته ، وإن صدق عليه بعض التعاريف المتقدّمة .

ثم إنّ الضابطة المذكورة إنّما تتحقّق بأحد أمرين على سبيل مانعة الخلو :

الأول : أن تكون الأصوات المتّصفة بصفة الغناء مقترنة بكلام لا يعدّ عند العقلاء إلاّ باطلا ، لعدم اشتماله على المعاني الصحيحة ، بحيث يكون لكل واحد من اللحن وبطلان المادّة مدخل في تحقّق معنى السماع والغناء .

ومثاله الألفاظ المصوغة على هيئة خاصّة المشتملة على الأوزان والسجع والقافية ، والمعاني المهيّجة للشهوة الباطلة والعشق الحيواني ، من دون أن تشتمل على غرض عقلائي ، بل قد لا تكون كلماتها متناسبة ، كما تداول ذلك كثيراً بين شبّان العصر وشابّاته ، وقد يقترن بالتصفيق وضرب الأوتار وشرب الخمور وهتك الناس وغيرها من الاُمور المحرّمة .

 
 

ــ[481]ــ

وعليه فلو وجد اللحن المذكور في كلام له معنى صحيح عند العقلاء لما كان غناء . ومثاله قراءة القرآن والأدعية والخطب ، والأشعار المشتملة على الحكم والمواعظ ، ومدائح الأنبياء والأوصياء وأعاظم الدين ومصائبهم ورثائهم .

نعم قد يتوهّم صدق الغناء على رفع الصوت وترجيعه بالاُمور المذكورة لجملة من التعاريف المتقدّمة ، فيكون مشمولا لإطلاقات حرمة الغناء . ولكنّك قد عرفت أنّها تعاريف لفظية ، وإنّما سيقت لمجرد شرح الاسم فقط وإن كان بلفظ أعمّ فلا تكون مطردة ولا منعكسة . وعليه فلا وجه لما ذكره بعضهم من عدّ المراثي من المستثنيات من حرمة الغناء ، فإنّها خارجة عنه موضوعاً كما عرفت ، وإذا ثبت كونها غناء فلا دليل على الاستثناء الذي يدّعيه هؤلاء القائلون ، وسيأتي بيانه إن شاء الله .

الثاني : أن يكون الصوت بنفسه مصداقاً للغناء وقول الزور واللهو المحرّم كألحان أهل الفسوق والكبائر التي لا تصلح إلاّ للرقص والطرب ، سواء تحقّقت بكلمات باطلة أم تحقّقت بكلمات مشتملة على المعاني الراقية ، كالقرآن ونهج البلاغة والأدعية . نعم هي في هذه الاُمور المعظّمة وما أشبهها أبغض ، لكونها هتكاً للدين بل قد ينجر إلى الكفر والزندقة ، ومن هنا نهي في بعض الأحاديث عن قراءة القرآن بألحان أهل الفسوق والكبائر(1)، أو بألحان أهل الكتابين كما في بعض

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الكافي 6 : 614 / 3 ، والوافي 9 : 1742 / 12 ، والوسائل 6 : 210 / أبواب قراءة القرآن ب24 ح1 عن عبدالله بن سنان عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال « قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) : اقرأوا القرآن بألحان العرب وأصواتها ، وإيّاكم ولحون أهل الفسق وأهل الكبائر ، فإنّه سيجيء بعدي أقوام يرجّعون القرآن ترجيع الغناء والنوح والرهبانية » وهي ضعيفة بإبراهيم الأحمر .

ــ[482]ــ

الأحاديث(1)، ويريدون بأهل الكتابين اليهود والنصارى .

ومن هذا القبيل ما ذكر في غناء جواري الأنصار : « جئناكم جئناكم ، حيّونا حيّونا ، نحييكم »(2) ومنه أيضاً الرجز الذي يشبه ما جاء في غناء جواري الأنصار(3)، فإنّ التكلّم العادي بذلك ليس من المحرّمات في الشريعة المقدّسة ، بل هو مطلوب ، لكونه مصداقاً للتحيّة والإكرام ، وإنّما يكون حراماً إذا تكيّف في الخارج بكيفية لهوية ، وظهر في صورة السماع والغناء .

وعلى الجملة : لا ريب أنّ للصوت تأثيراً في النفوس ، فإن كان إيجاده للحزن والبكاء وذكر الجنّة والنار بقراءة القرآن ونحوه لم يكن غناء ليحكم بحرمته ، بل يكون القارئ مأجوراً عند الله ، وإن كان ذلك للرقص والتلهّي كان غناءً وسماعاً ومشمولا للروايات المتواترة الدالّة على حرمة الغناء ، والله العالم .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) راجع المستدرك 4 : 272 / أبواب قراءة القرآن ب20 ح3 .

(2) ففي الكافي 6 : 433 / 12 ، والوافي 17 : 213 / 21 ، والوسائل 17 : 307 / أبواب ما يكتسب به ب99 ح15 عن عبدالأعلى قال : « سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الغناء وقلت : إنّهم يزعمون أنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) رخّص في أن يقال : جئناكم ، إلى أن قال (عليه السلام) : كذبوا » الحديث . وهو مجهول بعبدالأعلى .

والإنكار في هذه الرواية إشارة إلى ما في مصابيح السنّة للبغوي 2 : 418 / 2346 باب إعلان النكاح والخطبة عن عائشة : « إنّ جارية من الأنصار زوّجت ، فقال النبي (صلّى الله عليه وآله) : ألا أرسلتم معهم من يقول : أتيناكم أتيناكم فحيّانا وحيّاكم » .

(3) في الفقه على المذاهب الأربعة 2 : 43 : أتيناكم أتيناكم فحيّونا نحييكم . ولولا الحبّة السمراء لم نحلل بواديكم .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net