حرمة الغيبة 

الكتاب : مصباح الفقاهة في المعاملات - المكاسب المحرمة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 23085


حرمة الغيبة

قوله : الرابعة عشرة : الغيبة حرام بالأدلّة الأربعة(1).

أقول : لا إشكال في حرمة الغيبة في الجملة ، للآية والروايات المتظافرة المتواترة من طرق الشيعة(2) ومن طرق العامّة(3) وأكثر هذه الروايات وإن كان ضعيف السند ، ولكن في المعتبر منها غنىً وكفاية . على أنّها متواترة معنى . بل حرمتها من ضروريات الدين ، وممّا قام عليه إجماع المسلمين . وقد حكم العقل بحرمتها أيضاً ، لكونها ظلماً للمغتاب ـ بالفتح ـ وهتكاً له .

ويكفي في إثبات الحرمة قوله تعالى : (وَلاَ يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ)(4) فإنّه تعالى بعد نهيه عن الغيبة صريحاً أراد بيان كونها من الكبائر الموبقة والجرائم المهلكة ، فشبّه المغتاب ـ  بالكسر ـ بآكل الميتة إمّا لأنّه يأكل الجيف في الآخرة كما في بعض الروايات(5) أو لتشبيهه بالسباع

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المكاسب 1 : 315 .

(2) راجع الكافي 2 : 356 / باب الغيبة والبهت ، والوافي 5 : 977 / ب167 (الغيبة) ، والوسائل 12 : 278 / أبواب أحكام العشرة ب152 ، والمستدرك 9 : 113 / أبواب أحكام العشرة ب132 ، والبحار 72 : 220 باب الغيبة .

(3) راجع سنن البيهقي 10 : 245 ـ 247 . وإحياء العلوم للغزالي 3 : 141 .

(4) الحجرات 49 : 12 .

(5) في المصدر المتقدّم من المستدرك ح43 عن القطب الراوندي عن النبي (صلّى الله عليه وآله) « إنّه نظر في النار ليلة الإسراء فإذا قوم يأكلون الجيف ، فقال: ياجبرئيل مَن هؤلاء ؟ قال : هؤلاء الذين يأكلون لحم الناس » وهي مرسلة .

ــ[491]ــ

والكلاب ، أو لكون حرمة الغيبة كحرمة أكل الميتة ، بل أعظم كما في رواية العسكري (عليه السلام)(1).

وقد شبّه عرض المؤمن باللحم ، فإنّه ينتقص بالهتك ، كما ينتقص اللحم بالأكل . وشبّه الاغتياب بالأكل ، لحصول الالتذاذ بهما . ووصف المؤمن بأنّه أخ فإنّ المؤمنين إخوة ، ومن طبيعة الاُخوّة أن يكون بينهم تحابب وتوادد . وشبّه المغتاب ـ بالفتح ـ بالميّت ، لعدم حضوره في أكثر حالات الاغتياب .

وصدّر سبحانه وتعالى الجملة بالاستفهام الإنكاري ، إشعاراً للفاعل بأنّ هذا العمل يقبح أن يصدر من أحد ، إذ كما لا يحبّ أحد أن يأكل لحم أخيه الميّت لاشمئزاز طبعه عنه وشدّة رأفته به ، كذلك لابدّ وأن يشمئز عقله عن الغيبة ، لكونها هتكاً لعرض أخيه المؤمن .

وقد استدلّ على حرمة الغيبة بآيات اُخر ، ولكن لا دلالة في شيء منها على ذلك إلاّ بالقرائن الخارجية ، فلا يكون الاستدلال عليها بالآيات ، بل بتلك الاُمور الخارجية .

منها : قوله تعالى : (لاَ يُحِبُّ اللهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنْ الْقَوْلِ)(2). وفيه أولا : أنّه ليس في الآية ما يدلّ على أنّ الغيبة من الجهر بالسوء ، إلاّ بالقرائن الخارجية .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في المصدر المتقدّم من المستدرك ح1 عن الإمام أبي محمد العسكري (عليه السلام) في تفسيره : « اعلموا أنّ غيبتكم لأخيكم المؤمن من شيعة آل محمّد (عليهم السلام) أعظم في التحريم من الميتة ، قال الله : (وَلاَ يَغْتَبْ) الآية » . أقول : لم يثبت لنا اعتبار هذا التفسير .

(2) النساء 4 : 148 .

ــ[492]ــ

وثانياً  : لا يستفاد منها التحريم ، فإنّ عدم المحبوبية أعم منه ومن الكراهة المصطلحة  .

ومنها : قوله تعالى : (وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَة لُمَزَة)(1). وفيه : أنّ الهمزة واللمزة بمعنى كثرة الطعن على غيره بغير حقّ ، سواء كان في الغياب أم في الحضور ، وسواء كان باللسان أم بغيره ، وسيأتي أنّ الغيبة عبارة عن إظهار ما ستره الله ، وبين العنوانين عموم من وجه .

ومنها : قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)(2). وفيه : أنّ الآية تدل على أنّ حبّ شيوع الفاحشة من المحرّمات وقد أوعد الله عليه النار ، والغيبة إخبار عن الفاحشة والعيب المستور ، وهما متباينان . إلاّ أن يكون الإخبار عن العيوب المستورة بنفسه من الفواحش ، كما هو مقتضى الروايات الدالّة على حرمة الغيبة ، بل في بعض الروايات عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : « من قال في مؤمن ما رأته عيناه وسمعته اُذناه فهو من الذين قال الله (عزّوجلّ) : (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ) الآية »(3).

ويرد عليه أولا : أنّه خروج عن الاستدلال بالآية إلى الرواية .

وثانياً : أنه أخص من المدّعى ، فإنّ الآية لا يندرج فيها حينئذ إلاّ نشر الغيبة  ، لا مطلقاً . ويضاف إلى ذلك أنّ الرواية ضعيفة السند .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الهمزة 104 : 1 .

(2) النور 24 : 19 .

(3) وهي مرسلة ، ورواها الصدوق ] في أماليه : 417 / 549 [ بطريق آخر ، ولكنّها مجهولة بمحمد بن حمران . وتوجد الرواية في الكافي 2 : 357 / 2 ، والوافي 5 : 977 / 2 ، والوسائل 12 : 280 / أبواب أحكام العشرة ب152 ح6 .

ــ[493]ــ

الغيبة من الذنوب الكبيرة

قوله : ثم ظاهر هذه الأخبار كون الغيبة من الكبائر .

أقول : وجه الظهور ما ذكره في مبحث الكبائر من رسالته في العدالة(1)، وأنّ عدّ المعصية كبيرة يثبت باُمور ، قال : الثاني : النص المعتبر على أنّها ممّا أوجب الله عليها النار ، سواء أوعد في الكتاب ، أو أخبر النبي (صلّى الله عليه وآله) أو الإمام بأنه ممّا يوجب النار ، لدلالة الصحاح المروية في الكافي وغيرها على أنّها ما أوجب الله عليه النار(2) ومن الواضح أنّ الغيبة كذلك .

وتوضيح المسألة على نحو الإجمال : أنه اشتهر بين الفقهاء التفصيل بين الكبيرة والصغيرة حكماً وموضوعاً ، واختلفت كلماتهم في تفسيرهما على نحو لا يمكن الجمع بينها ، فقيل : إنّ الكبيرة كل ذنب توعّد الله عليه بالعذاب في كتابه العزيز ، بل ربما نسب هذا القول إلى المشهور . وقيل : إنّها كل ذنب رتّب الشارع المقدّس عليه حدّاً أو صرّح فيه بالوعيد . وقيل : إنّها كل معصية تؤذن بقلّة اعتناء فاعلها بالدين . وقيل : كل ما علمت حرمته بدليل قاطع فهو من الكبائر . وقيل : كل ما توعّد عليه توعّداً شديداً في الكتاب أو السنّة فهو من الكبائر ، إلى غير ذلك من التفاسير . ثم قالوا : إنّ الكبائر تنافي العدالة دون الصغائر.

والتحقيق : ما ذكرناه في مبحث العدالة من كتاب الصلاة(3) من أنّ المعاصي كلّها كبيرة ، وإن كان بعضها أكبر من بعضها الآخر ، كالشرك بالله العظيم فإنه من أعظم المعاصي ، وقتل النفوس المحترمة فإنّه أعظم من بقية الذنوب ، وهكذا . وإنّما

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) رسالة في العدالة (ضمن رسائل فقهية) : 45 .

(2) الكافي 2 : 276 / باب الكبائر .

(3) شرح العروة الوثقى 17 : 381 ، 1 : 227 .

ــ[494]ــ

اُطلقت الكبيرة عليها بالتشكيك على اختلاف مراتبها شدّة وضعفاً ، وعليه فلا وجه للنزاع في أنّ الغيبة من الكبائر أم من الصغائر .

وقد اختار هذا الرأي جمع من الأصحاب ، بل ظاهر ابن إدريس في كتاب الشهادة من السرائر دعوى الإجماع عليه ، فإنه بعد ما نقل كلام الشيخ في المبسوط(1) الظاهر في أنّ الذنوب على قسمين : صغائر وكبائر ، قال : وهذا القول لم يذهب إليه (رحمه الله) إلاّ في هذا الكتاب ـ أعني المبسوط ـ ولا ذهب إليه أحد من الأصحاب ، لأنّه لا صغائر عندنا في المعاصي إلاّ بالإضافة إلى غيرها(2).

ومن هنا يتّضح أنّ الأخبار الواردة في عدّ الكبائر إنّما هي مسوقة لبيان عظمها بين سائر الذنوب لا لحصر المعاصي الكبيرة بالاُمور المذكورة ، وعليه يحمل قوله تعالى : (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ)(3).

ومع الإغضاء عمّا ذكرناه فلا ثمرة للنزاع في الفرق بين الكبائر والصغائر ، فإنّ الذنوب كلّها تضرّ بالعدالة وتنافيها ، فإنّ العدالة هي الاعتدال في الدين والاستقامة على طريقة سيّد المرسلين ، وارتكاب أيّة معصية وإن كانت صغيرة يوجب الانحراف في الدين ، والخروج عن الصراط المستقيم ، لكون ذلك هتكاً للمولى وجرأة عليه ، كما أنّ الخروج عن الطرق التكوينية انحراف عنها .

ولو سلّمنا أنّ الصغائر لا تنافي العدالة إلاّ أنّ الغيبة من الكبائر ، فإنّ الكبيرة ليست لها حقيقة شرعية لنبحث فيها ، بل المراد بها هو معناها اللغوي ، وهو الذنب العظيم عند الشارع . ويعرف عظمه تارة بالنصّ على كونه من الكبائر كالشرك

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المبسوط 8 : 217 .

(2) السرائر 2 : 118 .

(3) النساء 4 : 31 .

ــ[495]ــ

والزنا وقتل النفس المحترمة وغيرها من الكبائر المنصوصة ، واُخرى بالتوعّد عليه في الكتاب أو السنّة المعتبرة ، وثالثة بترتيب آثار الكبيرة عليه ، ورابعة بالقياس إلى ما ثبت كونه من الكبائر الموبقة ، كقوله تعالى : (وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنْ الْقَتْلِ)(1) وقد ثبت في السنّة المعتبرة التوعيد على الغيبة ، فتكون من الكبائر .

وتدل على ذلك أيضاً الروايات الدالّة على أنّ الخيانة من الكبائر ، وبديهي أنّ الغيبة من أعظم الخيانات . ويدلّ على كون الغيبة من الخيانة قول النبي (صلّى الله عليه وآله) في وصيته لأبي ذرّ : « ياأبا ذرّ المجالس بالأمانة ، وإفشاء سرّ أخيك خيانة فاجتنب ذلك ، واجتنب مجلس العشرة » ولكنّها ضعيفة السند(2).

وقد يستدل أيضاً على كون الغيبة كبيرة بالروايات الدالّة على أنّ الغيبة أشدّ من الزنا(3)، وهو من الكبائر ، فالغيبة أولى منه بأن تكون كبيرة .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) البقرة 2 : 191 .

(2) بأبي المفضل ، ورجاء بن يحيى ، ومحمد بن الحسن بن ميمون ، وغيرهم . راجع مكارم الأخلاق 2 : 379 ، والوافي 26 : 198 .

(3) في الوافي 26 : 198 ، ومكارم الأخلاق 2 : 378 ، والوسائل 12 : 280 / أبواب أحكام العشرة ب152 ح9 عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في وصيته لأبي ذرّ قال : « ياأبا ذرّ إيّاك والغيبة ، فإنّ الغيبة أشدّ من الزنا ، قلت : يارسول الله ولِمَ ذاك بأبي أنت واُمّي ؟ قال : لأنّ الرجل يزني فيتوب إلى الله فيتوب الله عليه ، والغيبة لا تغفر حتّى يغفرها صاحبها » وهي ضعيفة بأبي المفضل ، ورجاء ، وابن ميمون . راجع المستدرك 9 : 114 / أبواب أحكام العشرة ب132 ح8 .

وهذه الرواية وإن نقلها غير واحد من حملة الحديث مسنداً ومرسلا ، ولكنّ الظاهر أنّها رواية واحدة مأخوذة من وصية النبي (صلّى الله عليه وآله) لأبي ذرّ (رحمه الله) . وذكر الرواية الغزالي في الإحياء 3 : 141 .

ــ[496]ــ

ولكن يرد عليه أولا : أنّ ما ورد بهذا المضمون كلّه ضعيف السند . وثانياً : أنّ هذه الروايات علّلت ذلك بأنّ الغيبة لا تغفر حتّى يغفرها صاحبها ، بخلاف بعض أقسام الزنا .

ويؤيّد ما ذكرناه أنّ كل واحد من الذنوب فيه جهة من المبغوضية لا توجد في غيره من المعاصي ، فلا عجب في كونه أشدّ من غيره في هذه الخصوصية ، وإن كان غيره أشدّ منه من جهات شتّى ، واختلافها في ذلك كاختلاف المعاصي في الآثار . نعم هذه الأخبار صالحة لتأييد ذلك .

ويصلح لتأييده أيضاً ما روي مرسلا : أنّ أربى الربا عرض المؤمن(1) فيكون تناول عرضه بالغيبة كبيرة ، فإنه ثبت في الشريعة المقدّسة أنّ الربا من الذنوب الكبيرة ، بل في جملة من الروايات أنه أشدّ من ثلاثين أو سبعين زنية كلّها بذات محرم(2).

حرمة الغيبة مشروطة بالإيمان

قوله : ثم إنّ ظاهر الأخبار اختصاص حرمة الغيبة بالمؤمن .

أقول : المراد من المؤمن هنا من آمن بالله وبرسوله وبالمعاد وبالأئمّة الاثني

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) وفي المصدر المتقدّم من المستدرك ح25 عن الشيخ ورّام عن أنس قال : « خطبنا رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فذكر الربا وعظّم شأنه ، إلى أن قال : وأربى الربا عرض الرجل المسلم  » وهي مرسلة . وذكره الغزالي في الإحياء 3 : 142 .

وفي سنن البيهقي 10 : 241 عن النبي (صلّى الله عليه وآله) أنه قال : « من أربى الربا الاستطالة في عرض المسلم بغير حقّ » .

(2) راجع الوسائل 18 : 117 / أبواب الربا ب1 .

ــ[497]ــ

عشر (عليهم السلام) أوّلهم علي بن أبي طالب (عليه السلام) وآخرهم القائم الحجّة المنتظر عجّل الله فرجه ، وجعلنا من أعوانه وأنصاره . ومن أنكر واحداً منهم جازت غيبته ، لوجوه :

الوجه الأول : أنه ثبت في الروايات(1) والأدعية والزيارات جواز لعن المخالفين ، ووجوب البراءة منهم ، وإكثار السبّ عليهم ، واتّهامهم ، والوقيعة فيهم ـ  أي غيبتهم ـ لأنّهم من أهل البدع والريب(2). بل لا شبهة في كفرهم ، لأنّ إنكار الولاية والأئمّة حتّى الواحد منهم ، والاعتقاد بخلافة غيرهم ، وبالعقائد الخرافية كالجبر ونحوه يوجب الكفر والزندقة ، وتدلّ عليه الأخبار المتواترة الظاهرة في كفر منكر الولاية ، وكفر المعتقد بالعقائد المذكورة وما يشبهها من الضلالات(3).

ويدلّ عليه أيضاً قوله (عليه السلام) في الزيارة الجامعة : « ومن جحدكم كافر  » وقوله (عليه السلام) فيها أيضاً : « ومن وحّده قبل عنكم » فإنّه ينتج بعكس النقيض أنّ من لم يقبل عنكم لم يوحّده ، بل هو مشرك بالله العظيم .

وفي بعض الأحاديث الواردة في عدم وجوب قضاء الصلاة على المستبصر

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) لاحظ الوافي 1 : 243 / ب22 (البدع والرأي والمقاييس) والكافي 1 : 54 / باب البدع ، والوسائل 16 : 267 / أبواب الأمر والنهي ب39 .

(2) مورد البحث هنا عنوان المخالفين ، ومن الواضح أنّ ترتّب الأحكام المذكورة عليه لا يرتبط بالأشخاص على ما ذكره الغزالي (في إحياء العلوم 3 : 123) فإنه جوّز لعن الروافض كتجويزه لعن اليهود والنصارى والخوارج والقدرية بزعم أنه على الوصف الأعم . ] لاحظ ذلك [ .

(3) راجع الوسائل 28 : 339 / أبواب حدّ المرتدّ ب10 .

ــ[498]ــ

«  إنّ الحال التي كنت عليها أعظم من ترك ما تركت من الصلاة »(1).

وفي جملة من الروايات(2) الناصب لنا أهل البيت شرّ من اليهود والنصارى وأهون من الكلب ، وأنه تعالى لم يخلق خلقاً أنجس من الكلب ، وأنّ الناصب لنا أهل البيت لأنجس منه . ومن البديهي أنّ جواز غيبتهم أهون من الاُمور المذكورة  . بل قد عرفت جواز الوقيعة في أهل البدع والضلال ، والوقيعة هي الغيبة . نعم قد ثبت حكم الإسلام على بعضهم في بعض الأحكام فقط تسهيلا للأمر ، وحقناً للدماء  .

الوجه الثاني : أنّ المخالفين بأجمعهم متجاهرون بالفسق ، لبطلان عملهم رأساً كما في الروايات المتظافرة(3)، بل التزموا بما هو أعظم من الفسق كما عرفته وسيجيء أنّ المتجاهر بالفسق تجوز غيبته .

الوجه الثالث : أنّ المستفاد من الآية والروايات هو تحريم غيبة الأخ المؤمن ومن البديهي أنه لا اُخوّة ولا عصمة بيننا وبين المخالفين . وهذا هو المراد أيضاً من مطلقات أخبار الغيبة ، لا من جهة حمل المطلق على المقيّد ، لعدم التنافي بينهما بل لأجل مناسبة الحكم والموضوع .

على أنّ الظاهر من الأخبار الواردة في تفسير الغيبة هو اختصاص حرمتها بالمؤمن فقط ، وسيأتي ، فتكون هذه الروايات مقيّدة للمطلقات ، فافهم .

وقد حكي عن المحقّق الأردبيلي تحريم غيبة المخالفين(4). ولكنّه لم يأت بشيء

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) راجع الوسائل 1 : 127 / أبواب مقدّمة العبادات ب31 ح4 .

(2) الوسائل 1 : 218 / أبواب الماء المضاف ب11 .

(3) راجع الوسائل 1 : 118 / أبواب مقدّمة العبادات ب29 .

(4) مجمع الفائدة والبرهان 8 : 76 ـ 78 .

ــ[499]ــ

تركن إليه النفس .

الوجه الرابع : قيام السيرة المستمرّة بين عوام الشيعة وعلمائهم على غيبة المخالفين ، بل سبّهم ولعنهم في جميع الأعصار والأمصار ، بل في الجواهر أنّ جواز ذلك من الضروريات(1).

حرمة غيبة الصبي المميّز

قوله : ثم الظاهر دخول الصبي المميّز المتأثّر بالغيبة لو سمعها .

أقول : لم يشترط في حرمة الغيبة كون المغتاب ـ بالفتح ـ مكلّفاً ، بل المستفاد من الروايات المتقدّمة وغيرها أنّ المناط في حرمة الغيبة صدق المؤمن على المغتاب ـ بالفتح ـ كما أنّ الظاهر من معنى الغيبة هي كشف أمر قد ستره الله ، وسيأتي .

ومن الضروري أنّ الصبي المميّز ممّن يصدق عليه عنوان المؤمن إذا أقرّ بما يعتبر في الإيمان ، بل قد يكون أكمل إيماناً من أكثر البالغين .

وأيضاً لا شبهة أنّ الله قد ستر عيوب الناس حتّى الصبيان المميّزين ، فذكرهم بالمساوئ الموجودة فيهم كشف لما ستره الله عليهم ، نعم لا بأس بذكر الاُمور التي هي من مقتضيات الصباوة بحيث لا تعدّ من العيوب والمساوئ ، كاللعب بالجوز والكعاب والكرة ونحوها .

أمّا الصبيان أو المجانين غير المميّزين فلا شبهة في جواز اغتيابهم ، لأنّ الاُمور الصادرة منهم لا تعدّ عيباً حتّى يكون ذكرها كشفاً لما ستره الله عليهم .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الجواهر 22 : 62 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net