حكم المسابقة بغير رهان فيما عدا الموارد المنصوصة
قوله : الرابعة : المغالبة بغير عوض في غير ما نصّ على جواز المسابقة فيه .
أقول : المشهور بين الأصحاب هو عدم جواز المسابقة بغير رهان فيما عدا الموارد المنصوصة ، كالمصارعة وحمل الأثقال والجري على الأقدام ، وكالمسابقة على السفن والبقر والكلاب والطيور ، والمكث في الماء ، وحفظ الأخبار والأشعار ورمي البنادق ، والوقوف على رجل واحدة وغيرها . وقد ذهب بعض الأصحاب وجمع من العامّة(2) إلى الجواز .
ويمكن الاستدلال على الحرمة بوجوه :
الأول : دعوى الإجماع عليها ، وقد ادّعاه غير واحد من الأصحاب .
وفيه : أنّ من المحتمل القريب استناده إلى الوجوه الآتية ، فليس هنا إجماع تعبّدي ، ومن هنا علّله بعض الأعاظم من الأصحاب بعموم النهي عن المسابقة إلاّ
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) منها ما ذكر في الكافي 1 : 256 ـ 258 .
(2) في الفقه على المذاهب الأربعة 2 : 49 ـ 50 نقل عن المذاهب الأربعة جواز المسابقة بدون رهن .
ــ[580]ــ
في ثلاثة .
الثاني : ما ورد في جملة من الأحاديث من نفي السبق إلاّ في خفّ أو حافر أو نصل(1) بدعوى أنّ السبق ـ بالسكون ـ مصدر لكلمة سبقه إلى كذا ، أي تقدّمه وخلفه وغلبه على كذا ، فيراد من نفيه نفي مشروعية المسابقة والمغالبة وإن لم يكن فيها رهان ، فيكون مفاده كمفاد لا رهبانية ولا نجش في الإسلام .
وفيه : أنّ ذلك إنّما يتم لو كان المذكور هو السبْق بسكون الباء ، ولم يثبت ذلك ، بل في المسالك أنّ قراءة الفتح هي المشهور(2)، والسبَق ـ بالفتح ـ هو العوض الذي يتراهن عليه المتسابقون ، وعليه فلا تدلّ الرواية إلاّ على تحريم المراهنة فقط . بل قال المصنّف : إنّها غير ظاهرة في التحريم أيضاً ، لاحتمال إرادة فسادها ، بل هو الأظهر ، لأنّ نفي العوض ظاهر في نفي استحقاقه ، وإرادة نفي جواز العقد عليه في غاية البعد .
ومع الإغضاء عن ثبوت قراءة الفتح فالرواية مجملة ، فلا يجوز التمسّك بها إلاّ في الموارد المتيقّنة ، على أنّها ضعيفة السند .
ثم إنّه أورد المصنّف ـ على قراءة السكون ـ بأنّه على تقدير السكون فكما
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ففي الكافي 5 : 48 / 6 ، والوافي 15 : 152 / 12 ، والوسائل 19 : 253 / كتاب السبق والرماية ب3 ح2 عن عبدالله بن سنان عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : « سمعته يقول : لا سبق إلاّ في خفّ أو حافر أو نصل ، يعني النضال » وهي ضعيفة بمعلّى بن محمد . وقد ذكرت هذه الرواية في جملة من أحاديث العامّة . راجع سنن البيهقي 10 : 16 .
وفي المستدرك 14 : 80 / كتاب السبق والرماية ب3 ح3 عن دعائم الإسلام ] 1 : 345 [ : « لا سبق إلاّ في ثلاث : في خفّ أو حافر أو نصل » وهي مرسلة . وعن الشهيد الثاني ] في شرح البداية في علم الدراية : 59 [ إضافة الجناح .
(2) المسالك 6 : 69 ـ 70 .
ــ[581]ــ
يحتمل نفي الجواز التكليفي يحتمل نفي الصحّة ، لوروده مورد الغالب من اشتمال المسابقة على العوض .
وفيه أولا : أنّ المسابقة بدون المراهنة كثيرة في نفسها . وثانياً : أنّ غلبة الوجود بمجرّدها لا توجب الانصراف .
الثالث : أنّ مفهوم القمار صادق على مطلق المغالبة ولو بدون العوض ، كما يدلّ عليه ما تقدّم(1) في بعض الروايات من تسمية اللعب بالشطرنج بدون المراهنة قماراً ، وعليه فتشمله الإطلاقات الدالّة على حرمة القمار .
وفيه : أنّك قد عرفت فيما سبق آنفاً أنّ الرهان مأخوذ في مفهوم القمار، سواء كان اللعب بالآلات المعدّة له أم لا، فالمسابقة بغير المراهنة خارجة عن القمار موضوعاً . وإطلاق القمار عليها أحياناً لا يدلّ على الحقيقة ، فإنّه أعمّ من الحقيقة والمجاز . وحرمة اللعب بالنرد والشطرنج من جهة الأدلّة الخاصّة ، لا من جهة صدق مفهوم القمار عليه .
ولو سلّمنا أنّ إطلاق القمار على المسابقة الخالية عن العوض على سبيل الحقيقة فإنّ السيرة القطعية قائمة على جوازها ، كالسباحة والمصارعة والمكاتبة والمشاعرة وغيرها ، خصوصاً إذا كان الفعل أمراً قربياً ، كبناء المساجد والقناطر والمدارس ، فإنّ في ذلك فليتنافس المتنافسون .
الرابع : أنه قد علّل تحريم اللعب بالنرد والشطرنج في بعض الأخبار المتقدّمة(2) بأنّه من اللهو والباطل ، وهو جار فيما نحن فيه أيضاً ، بل ورد من طرق
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) في ص565 ، 570 ، 574 .
(2) في ص567 ، 568 ] وقد عُدّ الشطرنج في الأخير من اللعب [ .
ــ[582]ــ
الخاصّة والعامّة أنّ كل لهو المؤمن باطل إلاّ في ثلاث ـ وقد تقدّم في الحاشية(1)ـ وهو بإطلاقه شامل للمقام ، وقد تقدّم أيضاً أنّ « كل ما ألهى عن ذكر الله فهو من الميسر » ومن الواضح أنّ المسابقة وإن كانت بغير عوض تلهي عن ذكر الله .
وفيه : أنه لا دليل على حرمة مطلق اللهو كما عرفت وستعرفه في البحث عن حرمة اللهو(2) فإنّ كثيراً من الأُمور لهو وهو ليس بحرام ، كاللعب بالأحجار والأشجار والسبحة واللحية وأزرار الثوب ونحوها . على أنّه لا ملازمة بين ما نحن فيه وبين اللهو ، فإنّ النسبة بينهما هي العموم من وجه ، إذ كثيراً ما تكون المسابقة للأغراض العقلائية من تربية البدن ومعالجته والتنزّه والتفريح كما هو واضح . ــــــــــــــ
(1) في ص567 .
(2) في ص641 وما بعدها .
|