حرمة النجش
قوله : الثالثة والعشرون : النجش ـ بالنون المفتوحة والجيم الساكنة أو المفتوحة ـ حرام(2).
أقول : الظاهر أنّه لا خلاف بين الشيعة والسنّة(3) في حرمة النجش في الجملة
ــــــــــــ (2) المكاسب 2 : 61 .
(3) في الفقه على المذاهب الأربعة 2 : 245 من البيوع المنهي عنها نهياً لا يستلزم بطلانها بيع النجش ، وهو حرام نهى عنه رسول الله (صلّى الله عليه وآله) . وفي شرح فتح القدير 6 : 106 : نهى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) عن النجش . وفي سنن البيهقي 5 : 343 و344 في جملة من الأحاديث نهي عن النجش والتناجش .
ــ[655]ــ
وقد فسّروه بوجهين كما يظهر من أهل اللغة(1):
الأول : أن يزيد الرجل في البيع ثمن السلعة وهو لا يريد شراءها ، ولكن ليسمعه غيره ، فيزيد بزيادته . وهذا هو المروي عن الأكثر .
الثاني : أن تمدح سلعة غيرك وتروّجها ليبيعها ، أو تذمّها لئلاّ تنفق عنه . وظاهر الوجهين هو تحقّق النجش بهما ، سواء أكان ذلك عن مواطاة مع البائع أم لا .
أمّا الوجه الأول : فإن كان غرض الناجش غشّ المشتري وتغريره في المعاملة فإنّ مقتضى القاعدة حينئذ هو حرمة الغش مع تحقّق المعاملة في الخارج . وقد عرفت في البحث عن حرمة الغشّ(2) أنّ غشّ المؤمن في المعاملة حرام ، لاستفاضة الروايات عليه . وإن لم تقع المعاملة في الخارج أو وقعت فيه بغير غشّ وتغرير فلا دليل على حرمته ، إلاّ من حيث التجرّي .
وقد يقال بحرمة النجش بهذا المعنى ، لكونه إضراراً للمشتري ، وهو حرام .
وفيه أولا : أنّ المشتري إنّما أقدم على الضرر بإرادته واختياره ، وإن كان
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) في تاج العروس ] 4 : 354 مادّة نجش [ : النجش أن تواطئ رجلا إذا أراد بيعاً أن تمدحه ، أو هو أن يريد الإنسان أن يبيع بياعة فتساومه فيها بثمن كثير لينظر إليك ناظر فيقع فيها . وقال أبو عبيد : النجش في البيع أن يزيد الرجل ثمن السلعة ، وهو لا يريد شراءها ، ولكن ليسمعه غيره فيزيد بزيادته . وقال ابن شميل : النجش أن تمدح سلعة غيرك ليبيعها ، أو تذمّها لئلاّ تنفق عنه . وقال الجوهري : النجش أن تزايد في المبيع ليقع غيرك ، وليس من حاجتك . وقال إبراهيم الحربي : النجش أن تزيد في ثمن مبيع أو تمدحه فيرى ذلك غيرك فيغترّ بك . والأصل فيه إثارة الصيد من مكان إلى مكان ، أو البحث عن الشيء .
وعن المصباح ] 594 مادّة نَجَشَ [ : نجش الرجل إذا زاد في سلعة أكثر من ثمنها ، وليس قصده أن يشتريها ، بل ليغرّ غيره فيوقعه فيه .
(2) في ص461 وما بعدها .
ــ[656]ــ
الدافع له على الإقدام هو الناجش .
وثانياً : أنّ الدليل أخصّ من المدّعى ، فإنّ الناجش إنّما يوقع المشتري في الضرر إذا كان الشراء بأزيد من القيمة السوقية ، وأمّا إذا وقعت المعاملة على السلعة بأقل من القيمة السوقية أو بما يساويها فإنّ النجش لا يوجب إضراراً للمشتري . إلاّ أن يمنع من صدق مفهوم النجش على ذلك كما يظهر من غير واحد من أهل اللغة كالمصباح وتاج العروس وغيرهما ، وقد تقدّمت كلماتهم في الهامش .
وقد يستدلّ على حرمة النجش في هذه الصورة بقول النبي (صلّى الله عليه وآله) : « لعن الناجش والمنجوش له »(1). وبقوله (صلّى الله عليه وآله) : « ولا تناجشوا »(2).
وفيه أولا : أنّ هذين النبويين ضعيفا السند . ودعوى انجبارهما بالإجماع المنقول ـ كما في المتن ـ دعوى غير صحيحة ، فإنّه إن كان حجّة وجب الأخذ به في نفسه ، وإلاّ فإن ضمّ غير الحجّة إلى مثله لا يفيد الحجّية .
وثانياً : أنّهما مختصّان بصورة مواطاة الناجش مع البائع على النجش ، كما هو الظاهر من لعن المنجوش له في النبوي الأول ، والنهي عن التناجش في النبوي الثاني وكلامنا أعمّ من ذلك .
وأمّا الوجه الثاني : ـ أعني مدح السلعة لترغيب الناس فيها ـ : فإن كان المدح بما ليس فيها من الأوصاف كان حراماً من جهة الكذب ، وإن كان مدحه للسلعة بما
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) قد تقدّم في البحث عن وصل شعر المرأة بشعر غيرها ص321 .
(2) وهو مجهول بعلي بن عبدالعزيز وغيره . راجع الوسائل 17 : 459 / أبواب آداب التجارة ب49 ح4 .
وفي المستدرك 13 : 286 / أبواب آداب التجارة ب37 ح2 : نهى عن النجش . وهو مرسل .
ــ[657]ــ
فيها من الأوصاف ولكن بالغ في مدحها مع قيام القرينة على إرادة المبالغة فلا بأس به ، فقد ذكرنا في مبحث حرمة الكذب(1) أنّ المبالغة جائزة في مقام المحاورة والمحادثة ما لم تجر إلى الكذب .
وأمّا الروايتان المتقدّمتان فمضافاً إلى ضعف السند فيهما كما عرفت ، أنّهما راجعتان إلى الصورة الاُولى ، إذ لا وجه لحرمة مدح السلعة إلاّ إذا انطبق عليه عنوان محرّم من الكذب أو الغش أو غيرهما من العناوين المحرّمة ، فيكون محرّماً من تلك الجهة ، لا من جهة كونه مدحاً للسلعة .
والحاصل : أنّه لا دليل على حرمة النجش في نفسه ، إلاّ إذا انطبق عليه عنوان آخر محرّم ، فإنّه يكون حراماً من هذه الجهة . ــــــــــــــــ
(1) في ص601 .
|