حرمة النميمة(2)
قوله : الرابعة والعشرون : النميمة محرّمة بالأدلّة الأربعة(3).
أقول : لا خلاف بين المسلمين في حرمتها ، بل هي من ضروريات الإسلام وهي من الكبائر المهلكة ، وقد تواترت الروايات من طرق الشيعة(4) ومن طرق
ــــــــــــ (2) فسّروا النميمة في اللغة بأنّها نقل الحديث من قوم إلى قوم على وجهة الإفساد والشرّ ، بأن يقول : تكلّم فلان فيك بكذا . وهي مأخوذة من نمَّ الحديث ، بمعنى السعي لإيقاع الفتنة وإثارة الفساد .
(3) المكاسب 2 : 63 .
(4) ففي صحيحة عبدالله بن سنان عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال « قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) : ألا اُنبئكم بشراركم ؟ قالوا : بلى يارسول الله ، قال : المشّاؤون بالنميمة المفرّقون بين الأحبّة » . راجع الكافي 2 : 369 / 1 ، والوافي 5 : 981 / 1 ، والوسائل 12 : 306 / أبواب أحكام العشرة ب164 ح1 ، والمستدرك 9 : 149 / أبواب أحكام العشرة ب144 ح1 وغيره .
ــ[658]ــ
العامّة(1) على حرمتها ، وعلى كونها من الكبائر ، بل يدلّ على حرمتها جميع ما دلّ على حرمة الغيبة . وقد استقلّ العقل بحرمتها ، لكونها قبيحة في نظره .
وأمّا الإجماع فهو بقسميه وإن كان منعقداً على حرمتها ، ولكنّ الظاهر أنّ مدرك المجمعين هو الوجوه المذكورة في المسألة ، وليس إجماعاً تعبّدياً ، وقد تقدّم نظيره مراراً .
وقد يستدلّ على حرمتها بجملة من الآيات : منها قوله تعالى : (وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الاَْرْضِ أُوْلَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ)(2)بدعوى أنّ النمّام قاطع لما أمر الله بصلته ، ويفسد في الأرض فساداً كبيراً ، فتلحق له اللعنة وسوء الدار .
وفيه : أنّ الظاهر من الآية ولو بمناسبة الحكم والموضوع هو توجّه الذمّ إلى الذين اُمروا بالصلة والتوادد فأعرضوا عن ذلك . ومن هنا قيل(3): إنّ معنى الآية أنّهم اُمروا بصلة النبي والمؤمنين فقطعوهم ، وقيل : اُمروا بصلة الرحم والقرابة فقطعوها ، وقيل : اُمروا بالإيمان بجميع الأنبياء والكتب ففرّقوا وقطعوا ذلك ، وقيل : اُمروا أن يصلوا القول بالعمل ففرّقوا بينهما .
وقيل : معنى الآية أنّهم اُمروا بوصل كل من أمر الله بصلته من أوليائه والقطع والبراءة من أعدائه ، وهو الأقوى ، لأنّه أعم ، ويدخل فيه جميع المعاني . وعلى كل حال فالنمّام لم يؤمر بالقاء الصلة والتوادد بين الناس لكي يحرم عليه قطع ذلك . فالآية غريبة عنه .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) راجع سنن البيهقي 10 : 246 .
(2) الرعد 13 : 25 .
(3) راجع مجمع البيان 1 : 170 .
ــ[659]ــ
وأمّا الاستدلال على الحرمة بقوله تعالى : (وَيُفْسِدُونَ فِي الاَْرْضِ) إلخ ، فإنّه وإن كان صحيحاً في الجملة ، كما إذا كانت النميمة بين العشائر والسلاطين ، فإنّها كثيراً ما تترتّب عليها مفسدة مهمّة ، ولكن الاستدلال بها أخصّ من المدّعى ، إذ لا تكون النميمة فساداً في الأرض في جميع الموارد ، وإن أوجبت العداوة والبغضاء غالباً .
ومن هنا ظهر الجواب عن الاستدلال بقوله تعالى : (وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ)(1) فإنّ النميمة قد تجرّ إلى قتل النفوس المحترمة وهتك الأعراض ونهب الأموال ، ولكنّها ليست كذلك في جميع الأحوال ، بل المراد من الفتنة هو الشرك ـ كما ذكره الطبرسي ـ وإنّما سمّي الشرك فتنة لأنّه يؤدّي إلى الهلاك ، كما أنّ الفتنة تؤدّي إلى الهلاك(2).
ثمّ إنّ النسبة بين النميمة والغيبة هي العموم من وجه ، ويشتدّ العقاب في مورد الاجتماع . وقد تزاحم حرمةَ النميمة عنوانٌ آخر مهم في نظر الشارع ، فتجري فيها قواعد التزاحم المعروفة ، فقد تصبح جائزة إذا كان المزاحم أهم منها ، وقد تكون واجبة إذا كانت أهميته شديدة ، ويتّضح ذلك بملاحظة ما تقدّم(3). ــــــــــــــــ
(1) البقرة 2 : 191 .
(2) راجع مجمع البيان 2 : 511 .
(3) في نصح المستشير من مستثنيات الغيبة ص534 .
|