ــ[223]ــ
شرائط الأراضي الخراجية
الأمر التاسع : الأراضي الخراجية إنّما تثبت بشرائط ثلاثة :
الشرط الأول : أن تكون الأرض مفتوحة عنوة أو صلحاً ، أو تكون من الأنفال على الاحتمال المتقدّم(1) ويثبت ذلك بالشياع المفيد للعلم ، وبشهادة العدلين ، وكذا يثبت بالشياع المفيد للظنّ المتاخم للعلم إذا قلنا بكفايته في كل ما تعسّرت إقامة البيّنة عليه ، كالنسب والوقف والملك المطلق ونحوها ، وبقول العدل الواحد إذا قلنا بحجّيته في الموضوعات . وهذه الأمارات حاكمة على أصالة عدم كون الأرض مفتوحة عنوة .
وقد يقال بثبوت الفتح عنوة بالسيرة ، وبحمل فعل الجائر على الصحّة ، فإنّ أصالة الصحّة لا تختصّ بفعل العادل .
أمّا السيرة فإن كان المراد بها سيرة الجائرين فهي مقطوعة البطلان ، لأنّهم لا يلتزمون بالأحكام الشرعية ، بل يرتكبون الأفعال الشنيعة ، ولا يفرقون بين الحلال والحرام ، فكيف يبقى مع ذلك اطمئنان بالسيرة الدائرة بينهم ، ويزداد ذلك وضوحاً بمراجعة التواريخ ، وملاحظة أحوال الخلفاء السابقين وأفعالهم .
وإن كان المراد بها سيرة الفقهاء على معاملة جملة من الأراضي ـ كمعاملة الأراضي الخراجية ـ فهو متين ، ولكن الإشكال في الصغرى ، فأيّ أرض ثبت كونها مفتوحة عنوة أو صلحاً لكي يحكم بكونها خراجية ؟
ومن هنا يتّضح أنّ البحث في ذلك خال عن الفائدة ، فإنّ الجائرين في يومنا هذا لا يأخذون الخراج بعنوان الولاية والاستحقاق ، بل لا يعتقدون بذلك ، ومعه يأخذون فريقاً من أموال الناس باسم الخراج ، كالمكوس والگمارك وغيرهما .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) في ص819 .
ــ[224]ــ
وأمّا حمل فعل الجائر على الصحّة فسيأتي التعرّض له عند بيان الضابطة للأراضي .
والتحقيق : أنّ تحرير البحث في المقام يقع في ثلاث نواح :
الناحية الاُولى : أنّ الأرض التي تكون بيد الزارع قد توجد فيها علامة تدلّ على كونها مسبوقة باليد ، وقد لا تكون كذلك . وعلى الأول فقد تمضي مدّة يطمئن الزارع بعدم بقاء المالك عادةً ، وقد لا يكون كذلك .
فعلى الأول : تكون الأرض وخراجها للإمام (عليه السلام) لأنّه وارث من لا وارث له ، ومع الشكّ في وجود الوارث فالأصل عدمه إذا كان هنا علم عادي بموت الأبوين .
وعلى الثاني : تعامل الأراضي وخراجها معاملة مجهول المالك . ومن هنا يتّضح ما في كلام المصنّف من إثبات عدم الفتح عنوة وعدم تملّك المسلمين وغيرهم بأصالة العدم ، ووجه الضعف هو أنّ كون الأرض معلمة بما يدلّ على أنّها مسبوقة باليد مانع عن الرجوع إلى الأصل .
وعلى الثالث ـ وهو ما إذا لم تكن في الأرض علامة تدلّ على كونها مسبوقة باليد ـ : فإن ثبت كونها خراجية فلا كلام لنا فيه ، وإن لم يثبت ذلك فهل يمكن إثبات ذلك بحمل فعل الجائر على الصحّة أم لا ؟ الظاهر هو الثاني ، فقد عرفت فيما سبق(1)أنّ معنى حمل فعل المسلم على الصحّة في غير المعاملات هو أن لا يعامل معاملة الكاذب ، ومن المعلوم أنّه لا دلالة في ذلك على ترتيب آثار الصدق عليه . على أنّ الحمل على الصحّة إنّما هو فيما إذا كان الفاعل على الصلاح والسداد ، وإلاّ فلا موجب
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) في ص760 .
ــ[825]ــ
له ، كما في الخبر(1) ولكنّه ضعيف السند .
وقد يقال بحمل فعل الجائر على الصحّة من ناحية وضع يده عليها وأخذه الخراج منها ، ولكن يرد عليه : أنّ وضع اليد إنّما يحمل على الصحّة فيما إذا احتملت صحّته ، وأحرز واضع اليد جواز ذلك ، ومن المعلوم جزماً أنّ الجائر لم يحرز كون الأراضي التي هي تحت تصرّفه خراجية ، فتكون يده عليها يد غصب وعدوان . وعلى هذا فمقتضى القاعدة أنّ الأرض ملك للزارع ، لأنّ من أحيا أرضاً فهي له .
الناحية الثانية : أنّ الأرض التي بيد الزارع إمّا أن تكون معمورة قبل أخذها من الجائر ، أو مواتاً . وعلى الثاني فهي لمن أحياها ، للأخبار الدالّة على أنّ من أحيا أرضاً فهي له ـ وقد ذكرت هذه الأخبار في كتاب إحياء الموات ـ(2) وعلى الأول فامّا أن يحتمل بقاء المالك ، أو لا . وعلى الأول تكون الأرض من مجهول المالك وعلى الثاني فهي ملك للإمام ، لأنّه وارث من لا وارث له . واحتمال وجود وارث غيره مدفوع بالأصل ، إلاّ إذا احتمل بقاء العمودين فتكون الأرض أيضاً من مجهول المالك .
الناحية الثالثة : أخذ الخراج ممّن أخذه من الجائر حكمه حكم أخذه من نفس الجائر ، فإن احتمل في حقّه أنّه يعرف الأراضي الخراجية ، ويعلم أنّ ما أخذه الجائر من تلك الأراضي حمل فعله على الصحّة ، وعومل معاملة المالك ، وإلاّ كان المقام من
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) عن الجلاّب قال : « سمعت أبا الحسن (عليه السلام) يقول : إذا كان الجور أغلب من الحقّ لم يحل لأحد أن يظنّ بأحد خيراً حتّى يعرف ذلك منه » . وهو ضعيف بسهل ، ومحمّد بن الحسن بن شمّون ، ومجهول بالجلاّب . راجع الكافي 5 : 298 / 2 ، والوسائل 19 : 87 / كتاب الوديعة ب9 ح2 .
(2) الوسائل 25 : 411 / كتاب إحياء الموات ب1 .
|