وفي قبالها ما يدل بظاهره على طهارة الكلب ولأجله قد يتوهم حمل الأخبار المتقدِّمة على التنزّه والاستحباب منها : صحيحـة ابن مسكان عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : «سألته عن الوضوء مما ولغ الكلب فيه والسنور أو شرب منه جمل أو دابّة أو غير ذلك أيتوضّأ منه أو يغتسل ؟ قال : نعم إلاّ أن تجد غيره فتنزّه عنه»(3) وقد حملها الشيخ (4) على ما إذا كان الماء بالغاً قدر كر مستشهداً له برواية أبي بصير عن الصادق (عليه السلام) في حديث «ولا تشرب من سؤر الكلب إلاّ أن يكون حوضاً كبيراً يستقى منه» (5) ونفى المحقق الهمداني (قدس سره) البعد عن حملها عليه ، لقوة احتمال ورودها في مياه الغدران التي تزيد عن الكر غالباً (6) .
والتحقيق أ نّه لا مناص من تقييد إطلاق صحيحة ابن مسكان بما دلّ على انفعال الماء القليل بملاقاة الكلب التي منها رواية أبي بصير المتقدمة وذلك لأن النسبة بينهما هي العموم المطلق ، فان الصحيحة دلت على طهارة الماء الذي باشره الكلب مطلقاً قليلاً كان أم كثير ، والأخبار المتقدمة قد دلت على انفعال الماء القليل بملاقاة الكلب وعليه فمقتضى الصناعة العلمية وقانون الاطلاق والتقييد حمل الصحيحة على ما إذا كان الماء بالغاً قدر كر فهو جمع دلالي وليس من الجمع التبرّعي في شيء كما يظهر من كلام الشيخ وغيره .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ورد في صحيحة أبي العباس المروية في الوسائل 1 : 225 / أبواب الأسآر ب 1 ح 1 وكذا في 3 : 414 / أبواب النجاسات ب 12 ح 1 .
(2) ورد في صحيحة محمد بن مسلم المروية في الوسائل 1 : 225 / أبواب الأسآر ب 1 ح 2 ، 227 ب 2 ح 3 .
(3) الوسائل 1 : 228 / أبواب الأسآر ب 2 ح 6 .
(4) راجع التهذيب 1 : 226 / ذيل الحديث 649 .
(5) الوسائل 1 : 226 / أبواب الأسآر ب 1 ح 7 .
(6) مصباح الفقيه (الطهارة) : 544 السطر 36 .
ــ[29]ــ
ثم لو سلمنا أنّ الصحيحة واردة في خصوص القليل فغاية ما يستفاد منها عدم انفعال الماء القليل بالملاقاة، وهي إذن من الأدلة الدالة على اعتصام الماء القليل وقد عرفت الجـواب عنها في محلّها(1) ، ولا تنافي بينها وبين الأخـبار الدالة على نجاسـة الكلب بوجه .
هذا وقد نسب إلى الصدوق (قدس سره) القول بطهارة كلب الصيد حيث حكي عنه : أنّ من أصاب ثوبه كلب جاف فعليه أن يرشه بالماء ، وإن كان رطباً فعليه أن يغسله ، وإن كان كلب صيد فان كان جافاً فليس عليه شيء وإن كان رطباً فعليه أن يرشه بالماء (2) .
وتدفعه النصوص المتقدِّمة الظاهرة في نجاسة الكلب على وجه الاطلاق مضافاً إلى حسنة محمد بن مسلم قال : «سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الكلب السلوقي قال : إذا مسسته فاغسل يدك»(3) فانّها ظاهرة في نجاسة الكلب السلوقي بخصوصه .
|