معنى البيع عند المصنّف - تمييز البائع عن المشتري 

الكتاب : التنقيح في شرح المكاسب - الجزء الاول : البيع-1   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 6441


فإذا عرفت ذلك فنقول : مفهوم البيع مفهوم عقلائي يعرفه كلّ واحد من الناس لارتكاز معناه في أذهانهم من غير اختصاص ذلك بالعرب ، لأنّه مفهوم دائر بين جميع أفراد الناس عرباً كان أو غيره ، غاية الأمر أنّهما يختلفان في التعبير عنه بحسب اختلاف ألسنتهما ، فيعبّر العربي عن ذلك المفهوم الارتكازي المعلوم بالبيع والعجميّ بفروختن وثالث بلغة اُخرى .

ثمّ إنّه لو شككنا في شيء لا نشكّ في أنّ البيع اسم لما يقابل الاشتراء ، وليس اسماً عند العرف لكلّ من البيع والاشتراء في شيء من اللغات ، فالبيع ويعبّر عنه في الفارسية بـ « فروختن » إنّما هو فعل البائع ويعبّر عن فعل المشتري بـ  «  خريدن  » أي الاشتراء لا أنّ البيع اسم لفعلهما معاً وإلاّ فلا يبقى معنى للاشتراء . والبائع هو من

ــ[9]ــ

يكون نظره إلى حفظ مالية ماله برفع اليد عن خصوصية ما بيده كما هو المشاهد من حال التجّار فإنّ التاجر نظره دائماً إلى أنّ رأس ماله أيّ مقدار ولا نظر له إلى خصوصيات ما في دكّانه من القند والسكّر وغيرهما من الأجناس ، والمشتري على عكس ذلك ، فإنّ غرضه هو خصوصية ما يأخذه بدفع ماليته إلى البائع ولا نظر له إلى مالية ما يأخذه حتّى أنّه لو فرضنا أنّ البائع دفع إليه جنساً آخر يساوي قيمته قيمة ما يطلبه المشتري لا يقبله بوجه ، لعدم كون نظره إلى مالية ماله ، بل نظره إلى خصوصية ما يأخذه ، فلا يقبل الاُرز عوضاً عن الدبس مثلا .

والمدّعى أنّ البيع اسم لفعل البائع فقط يعني عبارة عن رفع اليد عمّا بيده والتحفّظ بمالية ماله ، لا أنّه اسم للأعمّ منه ومن فعل المشتري ، ولذا إذا اشترى عباءً بدينارين مثلا لا يصحّ له أن يقول بعت دينارين بالعباء كما لا يصحّ للبائع أن يقول اشتريت دينارين بالعباء فإنّه ممّا يضحك عليه العرف قطعاً ، بل الصحيح أن يقول اشتريت عباء بكذا ويقول البائع بعت عباءً بدينارين.

وعليه فتعريف صاحب المصباح(1) للبيع بأنّه مبادلة مال بمال لشموله لفعل المشتري أيضاً يحمل على المسامحة والتعريف اللفظي كما هو دأب اللغويين دائماً لأنّهم ليسوا في مقام التعريف الحقيقي ، فلذا تراهم يقولون السعدانة نبت مع أنّه لا اطراد فيه كما لا يخفى .

والمتحصّل : أنّ البيع على ما نشاهده في زماننا هذا إنّما هو عبارة عن فعل البائع فقط ، أعني التحفّظ على مالية ماله ورفع اليد عن خصوصيته ، في مقابل فعل المشتري الذي هو عبارة عن الاشتراء والأخذ بخصوصية المال كما عرفت وباستصحاب عدم النقل إلى زمان المعصومين والنبي (عليهم السلام) والمستعملين

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) تقدّم تخريجه في الصفحة3 .

ــ[10]ــ

والواضعين يثبت أنّ البيع موضوع لخصوص فعل البايعين دون المشترين ، وعلى هذا فالبيع شامل بمفهومه لصورة كون أحد العوضين عرضاً والآخر ثمناً ، لأنّ صاحب العرض يتحفّظ على ماليته برفع اليد عن خصوصية العرض في مقابل فعل المشتري وأخذه بالخصوصية ورفع اليد عن المالية ، وقد عرفت أنّ تعريف المصباح للبيع بأنّه مبادلة مال بمال تعريف لفظي ، لأنّه كما عرفت عبارة عن إعطاء العرض والأخذ بماليته كما لا يخفى ، ولعلّه أراد من ذلك أمراً آخر سنشير إليه إن شاء الله تعالى  .

وأمّا صورة كون كل واحد من العوضين من قبيل العروض فهي على قسمين :

إذ ربما يكون أحد العرضين عوضاً عن الثمن والمالية كما إذا أراد شراء كتاب بدينار ولم يكن عنده ذلك فدفع العباء عوضاً وبدلا عن الدينار في مقابل الكتاب وهذا في الحقيقة من قبيل الصورة الاُولى ، والمعاوضة إنّما وقعت بين عرض وثمن فدافع الكتاب هو البائع حقيقةً ، لأنّه رفع اليد عن خصوصية ماله وتحفّظ على ماليته التي هي الدينار ، إلاّ أنّه لمّا لم يكن موجوداً فأخذ العباء عوضاً عنه ، لأنّه يسوى ديناراً واحداً مثلا ، كما أنّ دافع العباء هو المشتري لأخذه بالخصوصية على ما عرفت تفصيله آنفاً ، فالبيع بما له من المفهوم شامل لها كما لا يخفى .

واُخرى لا يكون شيء منهما عوضاً عن الثمن بوجه بل يعطي أحدهما باستقلاله ويأخذ بالآخر كذلك ، كما أنّ الثاني يعطي أحدهما ويأخذ بالآخر ، وهذا خارج عن حقيقة البيع ـ والشاهد على ذلك أنّه إذا أبدل شخص داره بدار اُخرى ثمّ سئل : هل بعت دارك ؟ يقول في الجواب : أبدلتها بدار اُخرى ولا يجيب بأنّي بعت داري كما لا يخفى ـ إذ لم يأخذ أحدهما بالمالية ويرفع اليد عن الخصوصية بوجه ليكون ذلك فعلا للبائع في مقابل المشتري ، وقد عرفت أنّ البيع هو عبارة عن فعل البائع وهو غير متحقّق في المفروض بل كلّ واحد منهما أخذ بخصوصية المال وكلّ ما

ــ[11]ــ

صنعه أحدهما صنعه الآخر أيضاً ، فهما على وتيرة واحدة كالأخوين . ولا يمكن أن يقال إنّ هذا بائع وذاك مشتر لأنّه ليس بأولى من عكسه ، والعجب من شيخنا الاُستاذ(1) (قدّس سرّه) حيث إنّه ذكر أنّ أحدهما لا بعينه بائع في هذه الصورة وأحدهما الآخر لا بعينه مشتر ولا تعيّن لشيء منهما في الواقع .

وفيه : أنّا ذكرنا مراراً أنّ أحدهما لا بعينه لا مصداق له خارجاً ، فهو معاملة مستقلّة يمكن تصحيحها بعموم (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)(2) و (تِجَارَةً عَنْ تَرَاض)(3) ولا يكون بيعاً ، بل هي التي ينبغي أن يقال إنّها مبادلة مال بمال التي ذكرنا أنّها ليست تعريفاً للبيع حقيقة .

ولعلّ مراد صاحب المصباح بقوله : وهو في الأصل مبادلة مال بمال ، أنّه في الابتداء كان البيع بينهم بمبادلة مال بمال وعرض بعرض لما أشرنا إليه سابقاً من أنّهم كانوا يتبادلون مالا بمال ثمّ بعد ذلك اخترعت النقود ، لا أنّ المراد بالأصل في كلامه هو اللغة كما ذكره بعض المحشّين وإلاّ لكان عليه أن يذكر في كلّ كلمة يفسّرها أنّها في اللغة كذا ، مع أنّه بنفسه من كتب اللغة فلا معنى لأن يقال إنّه في اللغة كذا .

وأمّا الصورة الثالثة ، أعني ما إذا كانت المعاوضة بين ثمنين اللذين هما متمحّضان في المالية ، فهي أيضاً على أقسام فربما تكون المعاوضة بين مثل الأوراق النقدية الايرانية (اسكناس) والأوراق النقدية العراقية في العراق ، فإنّ حكمها حينئذ حكم الصورة الاُولى ، إذ الأوراق الايرانية في مملكة العراق لا تعدّ من الأثمان ، وإنّما هي أثمان في مملكة ايران ، ووزانها في العراق كوزان القند والسكّر

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) منية الطالب 1 : 169 .

(2) المائدة 5 : 1 .

(3) النساء 4 : 29 .

ــ[12]ــ

وغيرهما من الأجناس ، فهي بمنزلة العروض ، وإنّما تباع وتشترى بما أنّها من العروض وثمنها هو الأوراق العراقية وهذه الصورة ممّا يشمله البيع بما له من المفهوم .

واُخرى تكون المعاوضة بين مثل دينارين في العراق أو تومانين في إيران ممّا يعدّ كلّ واحد منهما من الأثمان في ذاك المكان كما إذا دفع إلى الصرّاف ورقة دينارية وأخذ ورقة دينارية اُخرى ، لأنّ الاُولى كانت خلِقة والثانية جديدة . وهذه أيضاً خارجة عن البيع مفهوماً ، إذ لم يرفع أحدهما يده عن خصوصية ماله بالتحفّظ على مالية ماله في مقابل أخذ الآخر بالخصوصية ، بل نسبة المعاوضة إلى كلّ واحد منهما على حدّ سواء ، ولا يمكن أن يقال هذا بائع وذاك مشتر ، لعدم أولويته من العكس .

وثالثة تقع المعاوضة بين مثل ورقة دينارية وبين أربعة أوراق أرباعية ، كما إذا دفع إلى الصرّاف ديناراً فدفع إليه أربعة أرباع ، فإنّها أيضاً كسابقتها دفع للمال في مقابل المال والثمن في مقابل الثمن غاية الأمر أنّ أحدهما ورقة مالية انضمامية وثانيهما أوراق مالية تفصيلية مجزّاة ، ونسبة المعاملة حينئذ أيضاً إلى كلّ واحد منهما على حدّ سواء ، وهذه كلّها خارجة عن البيع بما له من المفهوم ، هذا كلّه في شمول مفهوم البيع للأقسام الثلاثة وعدمه .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net