الشكّ في قابلية حكم للاسقاط أو النقل والانتقال 

الكتاب : التنقيح في شرح المكاسب - الجزء الاول : البيع-1   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4581


وأمّا إسقاطه وسقوطه فلأنّهما أيضاً لا يصلحان للدخول في ملك مالك المعوّض لأنّ الاسقاط والسقوط بدون ملاحظة ما اُضيفا إليه من الحقّ لا مالية لهما فلا يصلحان لأن يدخلا في ملك البائع ويقعا طرفاً للاضافة الملكية ، ومع ملاحظة ما اُضيفا إليه وإن كانا مالين إلاّ أنّ المضاف إليه وهو الحقّ الذي جاءت من قبله المالية لا يصلح لأن يدخل في ملك البائع كما عرفت . فلا يقاس الاسقاط بسائر الأعمال كالخياطة فإنّها في نفسها مال تصلح لأن تقع طرفاً للاضافة الملكية ، بخلاف الاسقاط كما عرفت .

وفيه : أنّ ما ذكره في الحقّ إن أراد به ما ذكرنا فهو حقّ .

وأمّا ما ذكره في الاسقاط والسقوط ففيه : أنّهما بعد إضافتهما إلى الحقّ يصيران بنفسهما مالين لا أنّ المال هو الحقّ ويسند إلى الاسقاط والسقوط مجازاً فالاضافة إلى الحقّ واسطة في ثبوت المالية لهما لا واسطة في العروض . وعليه فهما بعد الاضافة يكونان مالين كالخياطة ونحوها فيصلحان لوقوعهما ثمناً بناءً على اعتبار المالية في العوضين ، هذا حكم وقوع الحقّ ثمناً .

ثمّ إذا شكّ في قابلية حكم للاسقاط أو النقل أو الانتقال فما هو مقتضى القاعدة ؟

نقول : أمّا إذا شكّ في قبوله للاسقاط فإن كان لدليله إطلاق يعمّ ثبوته فيما بعد الاسقاط جاز التمسّك به كما إذا شككنا في جواز أكل المارة بعد إسقاطه فإنّه يتمسّك باطلاق دليله .

وإن لم يكن لدليله إطلاق كما إذا ثبت بالاجماع ونحوه ، فإن قلنا بجريان الاستصحاب في الأحكام الكلّية كما هو المشهور فلا مانع من التمسّك به وإثبات الحكم بعد إسقاطه أيضاً ، ويكون نتيجته نتيجة عدم قابلية الحكم للاسقاط ، هذا إذا

ــ[36]ــ

كان الحكم تكليفياً ، وإن كان وضعياً فجريان الاستصحاب يتوقّف مضافاً إلى ذلك على القول بجريانه في الأحكام التعليقية ، وأمّا إذا قلنا بعدم جريان الاستصحاب في الأحكام كما هو المختار ولم يكن لدليل ثبوته إطلاق كما هو المفروض ، فلا محيص من الرجوع إلى سائر الاُصول لفظية كانت أو عملية وهي تختلف حسب اختلاف الموارد ولكن النتيجة نتيجة السقوط وأنّ الحكم المشكوك قابليته للاسقاط وعدمه قابل له ، ففي مثل ما إذا شككنا في أنّ حقّ القصاص هل يقبل الاسقاط أو لا يقبل الاسقاط ، فبعد عدم إطلاق الدليل المثبت له وعدم جريان الاستصحاب على الفرض فلابدّ من الرجوع إلى سائر الاُصول اللفظية والعملية ومقتضاها في المقام عدم جواز قتل أحد في الإسلام ، وإنّما جعل الاقتصاص للوارث على خلاف مقتضى القاعدة ، والمتيقّن من ذلك الحكم المخالف للقاعدة هو ما إذا لم يسقط الوارث حقّه فإنّه لا يجوز مزاحمة أحد له في قتل قاتل أبيه ، وأمّا بعد إسقاطه فمقتضى القاعدة أن لا يجوز له قتله ويجوز للآخر مزاحمة الوارث في قتل القاتل لحرمة دم المسلم في الإسلام ، وله أن يمتنع من القتل ولا يمكن للآخر إلزامه به بوجه .

وكذا الحال فيما إذا شككنا في سقوط الخيار باسقاطه بعد فرض عدم الاطلاق في دليله وعدم جريان الاستصحاب فيرجع إلى عموم قوله : (لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاض)(1) فإنّه بعد ما أسقط حقّه لا يمكنه أخذ المبيع من المشتري لأنّه ماله ، والفسخ بعد الاسقاط لم يدلّ دليل على صحّته وليس بتجارة عن تراض ، فيكون أخذه من أكل المال بالباطل ونتيجته أنّه يسقط بالاسقاط ، والسرّ في ذلك أنّ تلك الأحكام المجعولة إنّما هي على خلاف القاعدة فيقتصر فيها على المتيقّن وهو ما قبل الاسقاط وبعد إسقاطها فالمرجع هو العمومات

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) النساء 4 : 29 .

ــ[37]ــ

اللفظية والعملية ومقتضاها عدم ثبوت تلك الأحكام كما لا يخفى ، هذا كلّه فيما إذا شككنا في قابليته للاسقاط .

وأمّا إذا شككنا في أنّه قابل للانتقال فينتقل من المورّث إلى وارثه أم لا فالصحيح فيه الحكم بعدم الانتقال ، لأنّ ما ينتقل إلى الوارث هو ما تركه الميت والمراد به بحسب الفهم العرفي ما يبقى بعد ذهاب الميت ولا يكون قائماً بشخصه ، فإنّ ما يكون قائماً بشخص الميت يذهب بذهابه ولا يصدق عليه عنوان ما تركه الميت فإذا شككنا في قابلية الحكم للانتقال وعدمها يشكّ في شمول ما تركه الميت له والأصل عدم انتقاله إليه .

وبما ذكرنا ظهر أنّ القابلية للانتقال من شؤون قابلية الشيء للنقل ، فإنّه على فرض قبوله للنقل يدخل في جملة ما ترك ، لأنّه يكشف عن أنّه ليس حكماً شخصيّاً ليذهب بذهابه ، وعليه فالمهمّ صرف عنان الكلام إلى بيان أنّه يقبل النقل إلى الغير أو لا يقبل النقل .

فنقول : أمّا إذا شككنا في أنّه هل يقبل النقل إلى الغير أو لا يقبله ، فالنتيجة نتيجة عدم القبول والتحاقه بالأحكام المحضة ، وذلك لما عرفت من أنّ تلك الأحكام المجعولة إنّما هي على خلاف القاعدة ولابدّ من الاقتصار فيها على مواردها المتيقّنة وهي ثبوتها لنفس الشخص الذي يريد نقلها إلى الغير ، وأمّا ثبوتها في حقّ ذلك الغير بنقلها إليه فهو غير معلوم ، مثلا المتيقّن من عدم جواز المزاحمة في حقّ التحجير هو عدم جوازها في حقّ نفس المحجّر للأرض ، وأمّا عدم جواز المزاحمة للمشتري من المحجّر فلا ، فيجوز مزاحمته ما لم يقم دليل على عدمه ، وكذلك حقّ الخيار فإنّ الثابت منه على خلاف القاعدة ثبوته في حقّ نفس البائع ، وأمّا المشتري منه ذلك الحقّ فلا ، وكذلك حقّ القصاص فلا يحرم مزاحمة غير الوارث في القصاص من القاتل كما لا يحرم مزاحمة غير البائع في فسخ المعاملة ، ونتيجة ذلك عدم قبول

ــ[38]ــ

المشكوك للنقل ، على خلاف الشكّ في الاسقاط فإنّ النتيجة فيه قبوله الاسقاط كما عرفت .

وبالجملة : أنّ مقتضى القاعدة الاقتصار على الموارد المتيقّنة وعدم ثبوت تلك الأحكام في حقّ غير من ثبت في حقّه أوّلا .

ودعوى أنّ مقتضى عمومات (أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ)(1) و (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)(2)و  (تِجَارَةً عَنْ تَرَاض)(3) وغيرها من أدلّة التجارة ونحوها صحّة نقل الحكم إلى الغير وثبوت آثاره في حقّ المشتري ، مدفوعة بأنّ هذه العمومات لم ترد في مقام تشريع أنحاء السلطنة كالسلطنة على النقل ، بل هي ناظرة إلى نفوذ أسباب النقل في موارد ثبوت السلطنة التامّة لكلّ من المتعاقدين على ماله ولو عند العرف والعقلاء ولذا لو فرضنا أحداً آجر نفسه للغناء أو جعل فعله هذا عوضاً في البيع ونفرض أنّا نشكّ في حرمة الغناء وكونه تحت سلطنته وضعاً ـ فإنّ الحرام لا يجوز جعله عوضاً ولا تقع المعاملة عليه ـ لا يمكننا التمسّك بعموم (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) والحكم بدلالته بالالتزام على صحّة العقد وجواز الغناء تكليفاً ، وليس هذا إلاّ لما ذكرناه من أنّ هذه العمومات لا تثبت السلطنة على أصل النقل ، بل هي ناظرة إلى أسبابه .

فالصحيح أنّ مقتضى الأصل عند الشكّ في قابلية الحكم للنقل هو العدم .

فالمتحصّل : أنّ مقتضى القاعدة في كلّ ما شككنا في قابليته للاسقاط هو كونه قابلا للاسقاط ، كما أنّ مقتضى القاعدة في كلّ ما شككنا في قابليته للنقل عدم قابليته له ، هذا تمام الكلام فيما يتعلّق بالحقوق .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) البقرة : 2 : 275 .

(2) المائدة 5 : 1 .

(3) النساء 4 : 29 .

ــ[39]ــ

ثمّ إنّ البيع كما تقدّم عبارة عن إنشاء تبديل عين بمال فيعتبر أن يكون المعوّض عيناً بخلاف العوض فإنّه كما يصحّ جعله من الأعيان كذلك يصحّ أن يكون من قبيل المنافع أو الأعمال .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net