تنبيهات المعاطاة
وينبغي التنبيه على اُمور : الأوّل : أنّه هل يعتبر في المعاطاة ما اعتبر في البيع من الشروط ، وهل يجري فيها أحكام البيع ، فهنا مسألتان قد تعرّض لهما الشيخ (رحمه الله)(3) في التنبيه الأوّل . والكلام في المسألة الاُولى يقع في مقامات ثلاث :
ــــــــــــــ (3) المكاسب 3 : 66 .
ــ[117]ــ
الأوّل : في المعاطاة التي قصد بها الاباحة وأنّ شروط البيع هل تعتبر فيها أو لا تعتبر . الثاني : في المعاطاة التي قصد بها التمليك على القول بافادتها الملك الجائز . والثالث : في المعاطاة المقصود بها التمليك على القول بأنّها تفيد الاباحة وأنّ الشرائط المعتبرة في البيع من عدم الغرر أو الربا معتبرة فيها أم لا ، وأمّا بناءً على ما ذكرناه من أنّها تفيد الملك اللازم فلا إشكال في أنّها بيع حقيقي ويعتبر فيها جميع ما اعتبر في صحّة البيع من الشرائط .
أمّا المقام الأوّل : أعني المعاطاة المقصود بها الاباحة ، فلا ينبغي الإشكال في أنّها خارجة عن البيع ولا يشملها ما دلّ على اعتبار الشرائط في البيع ، كقوله (عليه السلام) نهى النبي (صلّى الله عليه وآله) عن بيع الغرر ، وذلك لأنّها إباحة محضة ولا مانع من أن تكون غررية أو ربوية بأن يبيح منّاً من الحنطة في مقابل منّين منها وبعبارة اُخرى مرجع اشتراط شيء في صحّة البيع إلى اعتباره في حصول الملك والمفروض أنّ هذه المعاطاة لا يحصل بها الملك أصلا سواء وجدت تلك الشروط أم فقدتها .
وأمّا صحّة هذه الاباحة ومشروعيتها عند الشكّ في اعتبار شيء فيها فقد ذكر شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه)(1) أنّه لابدّ من المراجعة حينئذ إلى الدليل الذي دلّ على صحّة هذه الاباحة ، فإن كان المستند لها عموم قوله « الناس مسلّطون على أموالهم »(2) فيمكن نفي شرطية ما شكّ في شرطيته للاباحة بهذا العموم ، فله أن يتصرّف في أمواله كيف شاء بأن يعطي منّاً في مقابل منّين وهكذا .
وأمّا إذا كان مستندها السيرة المتشرّعية الجارية على التصرف فيما أخذ
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) المكاسب 3 : 67 .
(2) عوالي اللآلي 3 : 208 ح49 ، بحار الأنوار 2 : 272 .
ــ[118]ــ
بالمعاطاة فينعكس الأمر ، لأنّ السيرة دليل لبّي يقتصر فيها على المقدار المتيقّن وهو الاباحة الواجدة للشرط المحتمل ، هذا .
والتحقيق أنّه لا يجوز الرجوع إلى حديث السلطنة ولا إلى السيرة لنفي اعتبار ما يحتمل اعتباره ، أمّا السيرة فلأنّها وإن كانت ثابتة في الجملة إلاّ أنّها دليل لبّي يقتصر على المتيقّن منه ، وأمّا الحديث فلضعفه سنداً ودلالة ، لما عرفت من أنّه ناظر إلى رفع الحجر والمنع عن المالك في التصرفات المفروغ عن جوازها ومشروعيتها وأمّا إذا شككنا في أصل مشروعية شيء من التصرفات كما في المعاطاة الفاقدة لشروط البيع فلا يمكن التمسّك به في تصحيحها أبداً .
بل المدرك في إباحة التصرفات في المعاطاة المقصود بها الاباحة هو عموم ما دلّ على إباحة ذلك التصرف كعموم ما دلّ على إباحة شرب الماء أو أكل الخبز مثلا فإذا أباح بالمعاطاة ماءً أو خبزاً أو نحوهما فمقتضى العمومات حلّية الأكل والشرب وسائر التصرّفات من دون اشتراطها بشيء ، وذلك لأنّه لا مانع من أكل مثل الرمّان أو غيره إلاّ عدم رضا مالكه ، والمفروض أنّ مالكه راض ، فلا مانع من التصرّف فيه ، وبه ندفع شرطية كلّ ما شكّ في شرطيته من عدم الغرر والربا ونحوهما ، هذا كلّه في التصرفات غير الموقوفة على الملك .
وأمّا التصرف الموقوف على الملك كالوطء والعتق والبيع ونحوها ، فلا يمكن إثبات أنّه جائز لغير المالك أيضاً بالعمومات وذلك لأنّها خصّصت بما دلّ على اعتبار الملك ، وأمّا ما شكّ في توقّفه على الملك ، فالأصل يقتضي عدم التوقّف فيلحق بالفرض الأوّل ويجوز التصرّف .
أمّا المقام الثاني : أعني المعاطاة المقصود بها الملك بناءً على إفادتها الملك المتزلزل شرعاً ، فلا ينبغي الشكّ في شمول ما دلّ على اعتبار الشرائط في البيع لها
ــ[119]ــ
لأنّها بيع عرفي وشرعي ، لأنّ البيع ليس إلاّ تبديل مال بمال وهو صادق في المقام ولا دخل للجواز واللزوم في حقيقة البيع لأنّهما حكمان يعرضان على البيع ، ولا ينافي الجواز كونها بيعاً ، ومن الواضح أنّ ظاهر اشتراط شيء في البيع اشتراطه في حصول الملكية لا اللزوم ، والمفروض حصول الملكية في المقام ، فيعتبر فيها جميع ما اعتبر في البيع من الشرائط ، وهذا ممّا لا كلام فيه ولا إشكال ، وإنّما الكلام في المقام الثالث .
وأمّا المقام الثالث : أعني المعاطاة المقصود بها الملك المفيدة للاباحة شرعاً دون الملك ، فهي وسط بين القسمين المتقدّمين ، لأنّ الاُولى ليست بيعاً لا عرفاً ولا شرعاً ، والثانية بيع عرفاً وشرعاً ، وهذه بيع عرفاً لا شرعاً ، لأنّها قصد بها التمليك فتكون بيعاً عرفاً ولم يترتّب عليها الأثر المقصود في نظر الشارع فلا تكون بيعاً شرعاً . ويمكن أن يقال باعتبار شروط البيع في هذا القسم من المعاطاة لوجهين :
أحدهما : ما هو مبني على ما اخترناه من أنّ المعاطاة المبحوث عنها بيع عرفاً وشرعاً فيشملها الأدلّة الدالّة على اعتبار الشرائط في البيع . أمّا أنّها بيع عرفاً فلوضوح أنّها مبادلة مال بمال عند العرف ، وأمّا كونها بيعاً عند الشرع فلأجل أنّها تفيد الملك بعد طروء أحد الملزمات ، فالشارع أمضاها على نحو الانفصال وإن لم يمضها متّصلا بوقوعها ، ولكن ذلك لا يضرّ بصحّة المعاطاة وكونها بيعاً شرعياً أبداً كما وقع نظيره في مثل بيع السلم والصرف والهبة فإنّ إفادتها الملك متوقّفة على القبض فلا يمضيها الشارع متّصلا بوقوع العقد كما هو واضح ، إلاّ أنّه لا يوجب خروجها عن مفهوم البيع أو الهبة .
وفي المعاطاة المقصود بها التمليك المفيدة للاباحة شرعاً وإن لم يمضها الشارع متّصلا بوقوعها ولكنّه أمضاها بعد مدّة وهو ما إذا طرأ عليها أحد الملزمات من التلف والتصرف ونحوهما ، فهي بيع شرعي وعرفي فلابدّ من اعتبار شرائط البيع
ــ[120]ــ
فيها لا محالة . هذا كلّه بالاضافة إلى زمان حصول الملك ، وأمّا من حيث إباحة التصرف قبل ذلك فيظهر الحال فيه من الوجه الثاني .
وثانيهما : أنّ مقتضى القاعدة بعد عدم إمضاء الشارع للمعاطاة على نحو ما قصده المتعاطيان كما هو المفروض في المقام أن تكون فاسدة ولا يجوز التصرف في العوضين كما هو الحال في جميع المعاملات الفاسدة ، وقصد التمليك لا يوجب جواز التصرفات وإلاّ فلازمه حلّية التصرفات الواقعة على العوضين في جميع البيوع الفاسدة لوجود القصد فيها لا محالة ، وعليه فنسأل عن أنّ المرخّص في التصرفات وما يقتضي حلّيتها في المقام مع عدم إمضاء الشارع لها ماذا ، وبأيّ وجه يجوز التصرفات في المعاطاة المقصود بها التمليك المترتّبة عليها الاباحة ، مع أنّ الاباحة غير مقصودة لهما وما قصداه وهو التمليك غير ممضى حسب الفرض .
ولا دليل على حلّية التصرفات لدى الخصم إلاّ الإجماع والسيرة القطعيتان القائمتان على جواز التصرفات في المال المأخوذ بالمعاطاة ، وهما دليلان لبّيان لابدّ من الاقتصار فيهما على المقدار المتيقّن وهو صورة اجتماع جميع شرائط البيع في المعاطاة .
وهذا بلا فرق بين كون دليل اعتبار الشرط لفظياً أو لبّياً ، بل لابدّ من اعتبار الشروط الخلافية المشكوك شرطيتها في البيع ، لأنّ القدر المتيقّن إنّما هو الجامع لجميع ذلك ، فهذا الفرض أسوأ حالا من المعاطاة المقصود بها الملك المفيدة للملك الجائز وذلك لأنّا إذا شككنا في اعتبار شرط آخر غير شروط البيع اللفظي في إفادتها الملك نتمسّك بعمومات (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)(1) و (تِجَارَةً عَنْ تَرَاض)(2) وغيرهما من
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) المائدة 5 : 1 .
(2) النساء 4 : 29 .
ــ[121]ــ
الأدلّة اللفظية وبها ندفع شرطيته وهو واضح ، وهذا بخلاف المقام أعني المعاطاة المقصود بها التمليك المفيدة للاباحة فإنّا إذا شككنا في اعتبار شيء وشرطيته في إفادتها للاباحة فلا يمكننا دفعه وإثبات عدم كونه شرطاً ، بل لابدّ من الاتيان بها بجميع شرائط البيع وما شكّ في اعتباره في إفادتها للاباحة ، لأنّ دليل إفادة المعاطاة الاباحة في المقام منحصر بالاجماع والسيرة وهما دليلان لبّيان يقتصر فيهما على المقدار المتيقّن لا محالة .
ثمّ إنّ في هامش بعض نسخ المكاسب حاشية من المصنّف (قدّس سرّه) حاصلها جريان الربا في المعاطاة المقصود بها الاباحة أيضاً . وفيه أنّا لم نعثر في الربا على إطلاق يعمّ جميع المعاوضات حتّى الاباحة المشروطة بمثلها .
هذا كلّه في المسألة الاُولى التي ذكرها شيخنا الأنصاري في التنبيه الأوّل .
جريان الخيار في المعاطاة
بقي الكلام في المسألة الثانية التي نبّه عليها أيضاً في هذا التنبيه أعني جريان الخيار الذي هو من أحكام البيع في المعاطاة .
ذكر شيخنا الأنصاري(1) أنّه يمكن نفي الخيار في المعاطاة بناءً على أنّها تفيد الاباحة لأنّها جائزة فلا معنى للخيار ، ولا يخفى ما في التعليل ، فإنّ مجرّد الجواز لا ينافي الخيار كما ستعرف ، والمناسب تعليله بأنّها إباحة . ثمّ قال : « وأمّا إذا قلنا بافادتها الملك فيمكن القول بثبوت الخيار فيه بناءً على صيرورتها بيعاً بعد اللزوم » وفيه : أنّ المعاطاة بناءً على أنّها تفيد الملك بيع من الابتداء ولا معنى لكونها بيعاً بعد اللزوم ، إذ اللزوم والجواز حكمان شرعيّان يعرضان على البيع ولا مدخلية للزوم في
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) المكاسب 3 : 72 .
ــ[122]ــ
تحقّق البيع بوجه ، فهذا محمول على سهو القلم .
وتحقيق الحال في المقام يقع في ثلاثة مقامات : المقام الأوّل : في المعاطاة المقصود بها الاباحة التي تفيد الاباحة أيضاً . والمقام الثاني : في المعاطاة المقصود بها الملك المفيدة للملك أيضاً لازماً كان أو جائزاً . والمقام الثالث : في المعاطاة المقصود بها الملك المفيدة للاباحة .
أمّا المقام الأوّل : أعني المعاطاة التي قصد بها الاباحة فلا يجري فيها شيء من الخيارات لعدم المقتضي له لا ثبوتاً ولا إثباتاً ، أمّا ثبوتاً فلأنّ الخيار ملك فسخ العقد ، وليست هذه المعاطاة عقداً . ولأنّ الخيار إنّما يجعل فيما يكون ثبوته توسعة لذي الخيار ويكون انتفاؤه كلفة عليه ، ولا كلفة في هذه المعاطاة بعد عدم كونها عقداً لازماً ، فلا معنى لجعل الخيار فيها لا شرعاً ولا بجعل المتعاطيين . وأمّا إثباتاً فلأنّه إذا لم يمكن الثبوت لم يمكن الاثبات ، ولأنّ أدلّة الخيار المختصّة بالبيع لا تشمل هذه المعاطاة لأنّها ليست بيعاً ، والخيار المستند إلى ثبوت الضرر في اللزوم لا يثبت في المقام ، لانتفاء موضوع الضرر وهو الملك .
وأمّا المقام الثاني : أعني المعاطاة المقصود بها الملك المفيدة للملك أيضاً على نحو اللزوم أو الجواز . فإن أفادت الملك اللازم فلا ينبغي الإشكال في أنّها بيع حقيقة ويجري فيها جميع أحكام البيع ومنها الخيار بلا نكير فلذا لم يتعرّض له شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه) في عبارته .
وأمّا إذا قلنا بافادتها الملك الجائز والمتزلزل ، ففي جريان خيارات البيع فيها مطلقاً ، وعدم جريانها فيها كذلك ، أو التفصيل بين الخيارات المختصّة بالبيع كخيار المجلس الثابت بقوله « البيّعان بالخيار » وكخيار الحيوان ، وبين الخيارات العامّة كخيار العيب والغبن ونحوهما ، وجوه .
وربما يقال بأنّه لا معنى لجعل الخيار في هذا القسم من المعاطاة لأنّها جائزة
ــ[123]ــ
بذاتها فجعل الخيار فيها من اللغو الظاهر ، فلا يجري فيها شيء من الخيارات مطلقاً .
ويندفع ذلك بأنّه لا مانع من جعل الخيار فيما هو جائز في حدّ ذاته ولا تنافي بينهما ولا يلزم هناك لغوية أبداً ، وسيتّضح ذلك في ضمن بيان الوجه المختار وهو جريان خيارات البيع في هذا القسم من المعاطاة مطلقاً ، وتوضيحه : أنّ المراد بالجواز الثابت في المعاطاة ذاتاً إمّا أن يكون هو الجواز الحكمي كما في الهبة ، وإمّا أن يكون المراد به هو الجواز الحقّي كما في خيارات البيع كخيار المجلس أو الحيوان ونريد بالجواز الحكمي ما لا يكون إسقاطه باختيار المتبايعين لأنّه حكم شرعي كما في الهبة فإنّها جائزة بحكم الشارع ولا يمكن إسقاطه أبداً ، وهو نظير اللزوم الحكمي كاللزوم في باب النكاح فإنّه لا يرتفع بتراضي الزوجين على فسخه ، بخلاف اللزوم في باب البيع فإنّه لزوم حقّي وللمتبايعين أن يتراضيا على رفع ما أنشآ من المعاملة .
كما أنّ المراد بالجواز الحقّي هو ما يكون باختيار المتبايعين كما في خياري الغبن والعيب فإنّ إسقاطهما باختيار من له الخيار ، وذلك ظاهر .
وعلى كلا تقديري كون الجواز في المعاطاة حقّياً أو حكميّاً ، فإمّا أن يكون متعلّقاً بالعقد وإمّا أن يكون متعلّقاً بترادّ العينين كما ذكره شيخنا الأنصاري في التنبيه السادس وسيأتي تحقيقه هناك ، فإن قلنا بأنّ الجواز في المعاطاة حقّي ومتعلّق بالعقد فيجتمع في المعاطاة خياران أحدهما بنفسها ، وثانيهما من جهة الخيار المجعول فيها ولا مانع من اجتماع خيارين في مورد واحد أبداً ولا يلزم اللغوية أصلا ، لفائدة إمكان إسقاطه وإعماله بعد إسقاط الخيار الأوّل نظير اجتماع خياري المجلس والحيوان والغبن والعيب في مورد واحد ، إذ لا مانع من أن يجعل له حقّان أبداً .
وأمّا إذا قلنا بأنّ الجواز المعاطاتي متعلّق بترادّ العينين فالأمر حينئذ أوضح من الأوّل ، لأنّ الخيار يتعلّق بالعقد والجواز المعاطاتي متعلّق بترادّ العينين فهما أمران متعلّقان بموضوعين مختلفين .
ــ[124]ــ
وأمّا إذا قلنا بأنّ الجواز المعاطاتي حكمي فإن كان متعلّقاً بترادّ العينين فلا اجتماع أيضاً ، لأنّ أحدهما متعلّق بالعقد وثانيهما بترادّ العينين وذلك ظاهر . وأمّا إذا كان متعلّقاً بنفس العقد فحينئذ وإن لزم اجتماع جوازين في مورد واحد ، إلاّ أنّ الجواز المعاطاتي لا يلزم اللغوية منه أصلا ، لأنّ ذلك لا يبقى إلى أبد الآباد ليكون جعل الخيار الآخر فيه لغواً ، وإنّما يرتفع بطروء أحد الملزمات ويتحقّق للخيار بعد طروّه محلّ ، والنسبة بينهما عموم من وجه ، إذ ربما يتلف أحد العوضين في المجلس فيسقط الخيار الحكمي ويبقى خيار المجلس بحاله ، واُخرى يطرأ التلف أو التغيّر في أحد العوضين بعد انقضاء الخيار كخيار المجلس ونحوه ، فلا يلزم هناك لغوية أبداً . نعم لو كان الجواز المعاطاتي ممتدّاً وباقياً إلى الأبد كان جعل الخيار في مثله من اللغو الواضح كما في المعاطاة المقصود بها الاباحة .
ثمّ إنّ التفصيل بين الخيارات الخاصّة بالبيع كخيار المجلس وبين الخيارات العامّة بدعوى أنّ الاُولى مختصّة بالبيع اللازم من غير ناحية الخيار والمعاطاة في المقام غير لازمة من غير ناحية الخيار ، لأنّ المفروض أنّها جائزة لذاتها ، ممّا لا يمكن المساعدة عليه ، لأنّ الخيار والجواز حكم شرعي كاللزوم وموردهما البيع وليس حكمه بالجواز مقيّداً بما إذا كان البيع لازماً من غير جهة الخيار ، أفيمكن أن يقال إنّ جعل الخيار مع خيار المجلس في البيع غير ممكن من جهة أنّ البيع غير لازم من غير جهة الخيار حينئذ . مضافاً إلى ما عرفت من أنّ المعاطاة مبنيّة على اللزوم بحسب قصد المتعاطيين ، غاية الأمر ثبت فيها الجواز ما لم يحصل التصرف بالسيرة ونحوها .
فالمتحصّل من جميع ذلك : أنّ الخيارات جارية في المعاطاة المفيدة للملك ويقع الكلام بعد ذلك في :
المقام الثالث : أعني ما إذا قصد بالمعاطاة التمليك ولكنّها أفادت الاباحة
ــ[125]ــ
وهل يجري فيها أحكام البيع من الخيار ونحوه أو لا ؟
نقول : إن كان الخيار حقّاً متعلّقاً بردّ العين فلا ينبغي الريب في عدم ثبوته فيها لانتفاء موضوعه ، لأنّ العين لم تخرج عن ملك مالكها ولم يحصل النقل والانتقال وإنّما اُبيح التصرّف فيها شرعاً . وإن كان الخيار بمعنى ملك فسخ العقد فالظاهر ثبوته فيها ، لما بيّنا من أنّها بيع عرفاً وشرعاً ، غاية الأمر توقّف تأثيره في الملك على حصول أحد الملزمات ، فتعمّها أدلّة الخيار ، إذ لا يشترط في ثبوته التأثير الفعلي للبيع ، بل تكفي قابليته للتأثير ، وأثر الخيار حينئذ التمكّن من رفع تلك القابلية ، فإذا أمضى المعاطاة وأسقط خياره ترتّب عليه إباحة التصرف فعلا والملك بعد التصرف ، وإذا فسخها انتفت الاباحة بانحلال موضوعها وهو المعاطاة ولا يحصل الملك بعد التصرف . ونظير ذلك بيع الصرف قبل القبض ، فإنّه تشمله أدلّة الخيار مع عدم فعلية تأثيره في الملك لتوقّفه على القبض ، فإذا أسقط الخيار وجب الاقباض وترتّب عليه الملك ، وإذا فسخ العقد سقط عن قابلية التأثير بعد الاقباض .
فالمتحصّل من جميع ذلك : أنّ الخيارات تجري في جميع أقسام المعاطاة إلاّ في القسم الأوّل منها وهو صورة قصد الاباحة بالمعاطاة المفيدة للاباحة أيضاً .
|