التنبيه الثالث : في تمييز البائع عن المشتري في المعاطاة 

الكتاب : التنقيح في شرح المكاسب - الجزء الاول : البيع-1   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4616


التنبيه الثالث

في تمييز البائع عن المشتري في باب المعاطاة . الشكّ في البائع والمشتري تارةً من جهة الشبهة المصداقية مع العلم بمفهوم كلّ واحد منهما وأنّ البائع هو من أعطى ماله بعنوان المعوّضية وكان نظره إلى حفظ مالية ماله برفع اليد عن خصوصية المال والمشتري هو من أعطى ماله بعنوان العوضية وكان نظره إلى خصوصية المال برفع اليد عن ماليّة ماله ، إلاّ أنّ أحدهما اشتبه بالآخر ولا يعلم أنّ أيّهما أعطى ماله بعنوان العوضية وأيّهما أعطاه بعنوان المعوّضية .

وهذا الشكّ ممّا لا رافع له في المقام بوجه ، ولا يمكن إزالته بدعوى أنّ من

ــ[134]ــ

أعطى أوّلا فهو بائع ومن أعطى ماله ثانياً فهو مشتر ، إذ ربما يعطي المشتري ماله أوّلا إلى البائع وبعده يعطيه البائع المبيع .

ولو تداعيا فلابدّ من إثبات أنّه بائع أو مشتر ليترتّب آثار خصوص البائع أو المشتري عليه من إقامة البيّنة ، كما أنّ الاشتباه من تلك الجهة خارجة عن محطّ كلام شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه) .

واُخرى من جهة الاشتباه في الصدق أي من أجل الشبهة المفهومية والشكّ في سعة المفهوم وضيقه ، فإنّا نعلم أنّ للبائع والمشتري أفراداً متيقّنة خارجاً وأفراداً مشكوكة يشكّ في صدقهما عليه .

وفي هذه الصورة إذا كان أحد المالين من العروض والآخر من النقود فدافع النقود هو المشتري ومعطي العروض هو البائع عرفاً ما لم يصرّح بالخلاف ، لأنّ دافعها يأخذ بماليتها ويرفع يده عن خصوصية المال ، كما أنّ دافع الأثمان يأخذ بخصوصية المال ويرفع يده عن مالية ماله .

وأمّا إذا كان المالان كلاهما من قبيل العروض أو كلاهما من قبيل النقود فإن كان غرض أحدهما متعلّقاً بمالية ما يأخذه بحيث يلاحظ فيما يأخذه بدليته عن النقود وكان غرض الآخر متعلّقاً بخصوصية ما يأخذه كان الأوّل بائعاً والثاني مشترياً ، فإذا دفع نصف أوقية من الشاي وأخذ نصف حقّة من القند الذي يسوى أربعين فلساً لكن لا بما أنّه شاي بل من جهة أنّ قيمته أربعون فلساً في مقابل القند الذي هو أيضاً يسوى أربعين فلساً ، فالمالك لما أعمل فيه عناية زائدة ولاحظ قيمته هو المشتري ، ومالك المال الذي لم يعمل فيه عناية ولم يلحظ قيمته من النقود بائع لدى العرف فيقال اشتريت كذا مقداراً من القند بكذا مقدار من الشاي ، ولا يصحّ أن يقال بعت كذا مقداراً من الشاي بكذا مقدار من القند .

وأمّا إذا تعلّق غرض كليهما بالمالية أو بالخصوصية فهناك احتمالات أربعة

ــ[135]ــ

احتملها شيخنا الأنصاري(1) وزاد عليها شيخنا الاُستاذ احتمالا خامساً .

الاحتمال الأوّل الذي هو الصحيح المختار : أنّه معاملة مستقلّة خارجة عن البيع وغيره من المعاملات المعروفة . أمّا أنّه معاملة ومعاوضة فبالوجدان ، وأمّا أنّه ليس بيعاً فلما سيأتي .

الثاني : أنّه بيع وأنّ من دفع ماله أوّلا هو البائع منهما ومن دفع ماله ثانياً يكون مشترياً . وفيه : أنّ المشتري كثيراً ما يعطي ماله أوّلا وبعده يأخذ المال من البائع ولم ترد في آية ولا دليل أنّ من دفع كذلك يصير بائعاً .

الثالث : أنّه صلح . وفيه : أنّه إن اُريد كونه متعلّقاً للمصالحة وواقع التسالم فهو وإن كان كذلك لما ذكرناه في أوائل البيع إلاّ أنّه لا يختصّ بالمقام ، بل الاجارة والبيع الحقيقي وغيرهما من المعاملات أيضاً متعلّقات للمصالحة لأنّ كلّ واحد منها وقع التسالم عليه . وإن اُريد أنّه صلح إنشائي وإنشاء للتسالم ففيه : أنّه لم ينشأ مصالحة ماله بمال الآخر أبداً فلا يكون صلحاً إنشائياً . نعم يوجد في مورده واقع المصالحة نظير الاجارة وغيرها من المعاملات .

الرابع : أنّ كلّ واحد منهما بائع ومشتر وأنّه معاملة بيعية . وفيه : أنّه إن اُريد بالبائع من بدّل ماله بمال آخر ، فهو يصدق في حقّ المشتري أيضاً في كلّ بيع لأنّه أيضاً بدّل ماله بمال الآخر ، كما أنّه إن اُريد بالمشتري مطلق من ترك شيئاً وأخذ شيئاً آخر فهو يصدق في حقّ البائع أيضاً في كلّ بيع ، وإن اُريد بالبائع من تعلّق غرضه بالمالية دون الخصوصية وبالمشتري من تعلّق غرضه بالخصوصية لم يصدق العنوانان على شخص واحد .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المكاسب 3 : 78 .

ــ[136]ــ

وأمّا الاحتمال الذي ذكره شيخنا الاُستاذ(1) في المقام وقد نقلناه عنه في أوائل البيع(2) أيضاً وتعجّبنا منه ، فهو أنّ أحدهما لا بعينه بائع والآخر مشتر بلا تعيّن لهما لا واقعاً ولا ظاهراً . وهذا ممّا لم نفهمه فعلا كما لم نفهمه حين البحث في درسه وذلك أوّلا : أنّه لا معنى لكون أحدهما بائعاً بلا تعيّن أو لكون أحدهما مشترياً كذلك . وثانياً : أنّ نسبة المعاملة إلى كلّ واحد منهما على حدّ سواء فلا معنى لصيرورة أحدهما بائعاً والآخر مشترياً ، وهل هذا إلاّ من قبيل الترجّح بلا مرجّح لأنّ كليهما واجدان لما هو موجود في الآخر ومعه كيف صار هذا بائعاً دون الآخر .

فالمتحصّل من جميع ذلك أنّ المتعيّن من هذه الاحتمالات هو الاحتمال الأوّل الذي تقدّم وعرفت .
ـــــــــــــــــ

(1) منية الطالب 1 : 169 .

(2) في الصفحة 11 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net