التنبيه الرابع
ذكر شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه)(3) أنّ المعاطاة بحسب مقصود المتعاطيين يتصوّر على وجوه :
أحدها : أن يكون قصد كلّ واحد من المتعاطيين تمليك ماله بمال الآخر وأن تكون المبادلة بين المالين فيكون الآخر في أخذه قابلا ومتملّكاً بازاء ما يدفعه ، فلا يكون في دفعه العوض إنشاء تمليك بل دفع لما التزمه على نفسه بازاء ما تملّكه فيكون الايجاب والقبول بدفع العين الاُولى وقبضها ، هذا .
ولا يخفى أنّ ما أفاده من أنّ المعاملة تحصل بالاعطاء من جانب واحد
ـــــــــــ (3) المكاسب 3 : 80 .
ــ[137]ــ
والأخذ من الجانب الآخر فيكون الاعطاء الثاني وفاءً لما التزمه على نفسه بأخذه لا مقوّماً للمعاطاة ، أجنبيّ عمّا نحن بصدده من بيان أقسام المعاملة المعاطاتية بحسب مقصود المتعاطيين ، وأمّا أنّها تحصل بأيّ شيء فقد مرّ في التنبيه الثاني ، إذ المعاملة اعتبار نفساني يحتاج إلى مبرز خارجي ولا مانع من جعل الاعطاء من جانب واحد مبرزاً له كما هو واضح إلاّ أنّه غير مربوط بما نحن بصدده ، وكيف كان فهذا أعني قصد المبادلة بين المالين أحد الوجوه المتصوّرة في المعاطاة .
وثانيها : أن تكون المبادلة بين تمليك وتمليك لا بين مال ومال كما في الصورة الاُولى ، فالمقابلة بين فعلين وتمليكين لا المالين والملكين . واستشكل (قدّس سرّه) في كون هذه الصورة من المعاملات البيعية بأنّ البيع عبارة عن التبديل بين المالين لا التبديل بين فعلين وتمليكين ، فهذه خارجة عن البيع ، كما أنّها خارجة عن الهبة المشروطة ، لأنّ التمليك فيها يحصل بمجرد الهبة غاية الأمر أنّ الموهوب له إذا لم يف بشرطه يكون الواهب مختاراً بين أن يفسخ أو يمضيها ، وهذا بخلاف المقام فإنّ التمليك لا يحصل فيه إلاّ بتمليك الآخر بحيث لو لم يملّك الآخر ماله له لا يصحّ تمليك الأوّل له فلا يكون من قبيل الهبة المشروطة ولا المعاملة البيعية ، وذكر أنّها مصالحة أو معاوضة مستقلّة .
وثالثها : أن يقصد الأوّل اباحة ماله بعوض فيقبلها الآخر بتمليك ماله له فيكون الصادر من الأوّل الاباحة ومن الثاني التمليك.
ورابعها : أن تكون المبادلة بين إباحة وإباحة ، كما إذا قصد إباحة ماله في مقابل إباحة الآخر ماله له ، فتكون المقابلة بين الاباحتين .
واستشكل في هذين القسمين من جهتين : إحداهما : صحّة إباحة جميع التصرفات حتّى المتوقّفة على ملك المتصرف بأن يقول : أبحت لك كلّ تصرف من دون أن يملّكه العين . وثانيتهما : صحّة الاباحة بالعوض الراجعة إلى عقد مركّب من
ــ[138]ــ
إباحة وتمليك . ثمّ أطال الكلام في هذين الإشكالين .
أقول : أمّا الصورة الاُولى ممّا أفاده في المقام فهي الاباحة المصطلحة التي وقع الكلام في كونها مفيدة للاباحة أو الملك الجائز أو اللازم أو هي فاسدة لا يترتّب عليها شيء ، وقد عرفت المختار .
وأمّا الصورة الثانية : فهي غير معقولة جدّاً فضلا من أن تكون مصالحة أو معاوضة مستقلّة ، وذلك لما مرّ في أوائل الكتاب(1) على نحو الاشارة من أنّ المراد بالمبادلة في البيع هو أن يكون أحد المالين في مقابل الآخر وعوضاً عنه وينوب منابه في عالم الاعتبار ، وهذا إنّما يتصوّر في الاُمور الموجودة خارجاً أو فيما هو فيه شائبة الوجود كما في الذمم ، وأمّا ما مضى وانعدم فلا يعقل أن يكون قائماً مقام مال الآخر بوجه ، وعليه فلا يعقل أن يكون تمليكه هذا في مقابل تمليك الآخر لأنّه بمجرد إنشاء التمليك حصلت الملكية وانعدم التمليك ، وما لا وجود له كيف يقع في مقابلة شيء آخر في عالم الملكية والاعتبار . هذا بحسب مقام الواقع والثبوت .
وأمّا بحسب مقام الدلالة والاثبات فلا يمكن إنشاؤه بمثل « ملّكتك الدار » بل لابدّ من وقوع عقد آخر على نفس التمليك كأن يقول « آجرتك على أن تملّكني دارك بازاء تمليكي البستان لك » . والحاصل أنّ جعل التمليك بازاء التمليك ممنوع ثبوتاً وإثباتاً فما يحتمل في هذا القسم أمران : أحدهما أن يكون التمليك مشروطاً بتمليك الثاني كالهبة المعوّضة .
ثانيهما : أن يكون تمليك الأوّل بداعي تمليك الآخر فتخلّفه لا يوجب الخيار أيضاً ، وعلى أيّ تقدير لابدّ وأن يكون الفرض خارجاً عن باب المعاوضات رأساً .
وأمّا احتمال كونه مصالحة فمدفوع بما تقدّم من أنّ الصلح عبارة عن إنشاء
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) في الصفحة 17 .
ــ[139]ــ
التسالم ، وأمّا واقعه فمتحقّق في ضمن كلّ عقد .
وممّا ذكرناه في المقام يظهر الحال في القسمين الأخيرين وأنّ الاباحة في مقابلة التمليك أو في مقابلة الاباحة غير معقول ، وإنّما المعقول أحد اُمور ثلاثة ، أحدها : أن يبيح ماله بداعي تمليك الآخر له أو بداعي إباحة الآخر . وثانيها : أن يبيح ماله مشروطاً بتمليك الآخر أو إباحته ، فيجب على الآخر بعد قبوله العمل بالشرط بناءً على شمول قوله (صلّى الله عليه وآله) : « المؤمنون عند شروطهم » لمثل المقام وأمّا على الوجه الأوّل فلا يجب على الآخر التمليك أو الاباحة .
وثالثها : أن يعلّق إباحته على إباحة الآخر أو تمليكه ، وهذا صحيح ، فإنّ التعليق إنّما يكون مفسداً في التمليك لا الاباحة ، فتكون الاباحة ثابتة لمن يملّك ماله أو يبيحه له ، فيكون موضوع الاباحة مقيّداً بذلك لا يدخل فيه من لا يفعل ذلك وهذا نظير الحمّامي ، فإنّه يبيح التصرف لكل من يضع الفلوس في الدخل .
ثمّ إنّه (قدّس سرّه) تكلّم في المناقشتين الواردتين على القسمين الأخيرين وأنّ إباحة جميع التصرفات حتّى المتوقّفة على الملك صحيحة أو أنّها غير مشروعة ، وأنّ الاباحة بالعوض المركّبة من إباحة وتمليك ممضاة في الشريعة المقدّسة أو غير ممضاة وذكر أنّ إباحة جميع التصرّفات حتّى المتوقّفة على الملك غير جائزة ، لأنّ المالك لا يمكنه أن يرخّص فيما لم يرخّص فيه الشارع بوجه ، لأنّ إذنه ليس مشرّعاً وإنّما يمضي فيما يجوز شرعاً . نعم يصحّ ذلك بأحد وجوه كلّها منتفية في المقام :
أحدها : أن يقصد المبيح بإباحته إنشاء توكيل المخاطب في بيع ماله ثمّ نقل ثمنه إلى نفسه ، أو في نقل ماله إلى نفسه ثمّ بيعه لنفسه ، أو أن يقصد التمليك بلفظة أبحت فيكون قوله ذلك تمليكاً للآخر واقعاً غاية ما هناك أنّه إنشاء التمليك بصيغة أبحت ويكون تصرف الآخر بمنزلة القبول ، فيكون داخلا في النزاع الآتي في أنّ إيقاع التمليك بالألفاظ المجازية صحيح أو أنّه باطل ، وهذا منتف في المقام إذ المفروض أنّه
ــ[140]ــ
يقصد إباحة ماله لا التوكيل ولا التمليك ، وعليه فلا يكون المقام من قبيل اعتق عبدك عنّي في الدلالة على التمليك بالدلالة الاقتضائية التي هي عبارة عن دلالة الكلام على أمر مقصود للمتكلّم يتوقّف صحّة كلامه عليه عقلا أو شرعاً ، وقد مثّلوا في الكتب الاُصولية للعقلي بقوله تعالى (وَاسْأَلْ الْقَرْيَةَ)(1) فإنّ سؤال القرية غير ممكن عقلا فيدلّ ذلك على إرادة الأهل لا محالة ، وللشرعي بهذا المثال وهو قوله : أعتق عبدك عنّي ، إلاّ أنّ المقام خارج عن ذلك لعدم قصد المتعاملين التمليك وإنّما المفروض أنّه قصد إباحة ماله فقط .
وثانيها : أن يدلّ دليل شرعي على صحّة إباحة جميع التصرفات فإنّه بمقتضى الجمع العرفي بينه وبين ما دلّ على عدم جواز بعض التصرفات لغير المالك يدلّ على حصول الملك للمتصرف عند إرادة التصرف آناً ما فيقع التصرف في ملكه أو على ملك الثمن بعد التصرف بلا فصل ، أو يكون ذلك الدليل تخصيصاً للأدلّة الدالّة على اشتراط الملك في التصرفات المتوقّفة على الملك ، وهذا الوجه الأخير وهو كون الدليل مخصّصاً لم يذكره الشيخ في المتن وإنّما احتملناه نحن فنبني بعده على عدم اشتراط التصرفات بالملك ، وهذا أيضاً مفقود في المقام إذ لم يدلّ دليل شرعي خاصّ على صحّة إباحة التصرفات عند قوله أبحت ، ولا يصحّ الاستدلال على ذلك بعموم قوله (عليه السلام) « الناس مسلّطون » الخ(2) ما لم يرد دليل خاصّ على صحّة تلك الاباحة ، لما ذكرناه وذكره الشيخ من أنّ معنى الحديث أنّ الناس مسلّطون على أموالهم لا أنّهم مسلّطون على أحكامهم ، هذا كلّه مع الاغماض عمّا في سنده من الضعف .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) يوسف 12 : 82 .
(2) عوالي اللآلي 3 : 208 ح49 ، بحار الأنوار 2 : 272 .
ــ[141]ــ
وثالثها الذي ذكره في أواخر كلامه : أن يكون التصرف كاشفاً عن ثبوت الملك له واقعاً بحيث يقع تصرفه ذلك في ملكه ، وهذا نظير بيع الواهب ما وهبه للآخر أو عتقه فيما إذا كان الموهوب عبداً ، فإنّ بيعه ذلك أو عتقه كاشف عن رجوعه في هبته ووقوع تصرّفاته في ملكه ، وقد سمّى ذلك بالملك التحقيقي والقسم الثاني بالملك التقديري ، ولكنّه أيضاً غير موجود في المقام ، لأنّ التصرف فيما أباحه المبيح لا يكشف عن سبق سبب الملك وهو واضح . هذا ملخّص ما أفاده في المقام ولابدّ لنا من بيان كيفية توقّف التصرفات على الملك .
فنقول : إن الكلام فيها من جهتين :
الجهة الاُولى : في التصرّف من حيث صدوره من المالك ، وتوضيحه أنّه من هذه الجهة على ثلاثة أقسام :
أحدها : التصرفات التي دلّ الدليل على جواز صدورها عن المالك فقط ولا تقبل الوكالة والنيابة وهذا نظير الوطي وغيره من التصرفات الخارجية فانّه دلّ قوله تعالى (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ)(1) الآية ، وغيره من الأخبار على اختصاص جواز صدور الوطي بالمالك أو الزوج ، ففي مثله لا يجوز التصرف لغيرهما بالإذن والاباحة ، لأنّ غير المالك لا يصير مالكاً بهما .
وتوهّم الاستدلال لحلّ أمثال ذلك من التصرفات بعموم « الناس مسلّطون » الخ(2) مندفع بما عرفت من المناقشة في دلالته وسنده . نعم قد ورد على عموم ذلك في الوطي تخصيص وهو التحليل بالصيغة الخاصّة فلذا صار موارد جواز الوطي
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) المؤمنون 23 : 5 ـ 6 .
(2) عوالي اللآلي 3 : 208 ح49 ، بحار الأنوار 2 : 272 .
ــ[142]ــ
ثلاثة : النكاح والملك والتحليل .
ثانيها : التصرفات التي دلّ الدليل على اعتبار صدورها من المالك بالمباشرة أو بالتسبيب أي بنفسه أو بوكيله ، وهذا كالعتق والابراء وغيرهما من الايقاعات نظير الطلاق في اختصاص صدوره بالزوج لقوله (عليه السلام) « الطلاق بيد من أخذ بالسّاق »(1) وإن كان خارجاً عن المقام إذ لا ملك ولا مالك في الطلاق إلاّ أنه كما يختص بالزوج أو بمن وكّله في طلاق زوجته لأنّ الوكيل كالموكّل وفعله فعله وكأنّه آلة له والطلاق يصدر من الزوج بسبب الوكيل ، كذلك الحال في غيره من الايقاعات نظير العتق والابراء فانّهما لابدّ وأن يصدرا من المالك فقط ولا يكفي في صحّتهما إذن المالك أو طيب نفسه مع صدورهما من الغير إلاّ أن يكون المنشئ وكيلا من قبله فانّ الاُمور الاعتبارية تقبل الوكالة .
ثالثها : التصرفات التي يصحّ أن تصدر من المالك ووكيله ونائبه وممّن أذن له قبلها أو بعدها أو مقارناً لها ، وهذا كالبيع وغيره من المعاملات فانّها لا تختصّ بالمالك فقط وتصحّ فيما إذا صدرت من الغير أيضاً ، لعدم اعتبار أن يكون المنشئ للبيع خصوص نفس المالك ، وبهذا صحّحنا البيع الصادر من الفضولي وقلنا إنّا استفدنا من أدلّة البيع اشتراط البيع برضا المالك وإذنه مطلقاً لاحقاً أو مقارناً أو سابقاً على العقد ، ولا دليل على اشتراط مقارنة الاذن للعقد في صحّة المعاملات هذا كلّه في الجهة الاُولى من الكلام .
الجهة الثانية : في بيان التصرّفات من جهة اعتبار وقوعها للمالك بحيث ترجع نتيجته إليه مع قطع النظر عمّن صدرت منه وهي كالبيع ونحوه ، فانّ مفهوم المبادلة بنفسه يقتضي دخول المعوّض في ملك من خرج عنه العوض وبالعكس وإلاّ
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) المستدرك 15 : 306 / كتاب الطلاق أبواب مقدّماته وشرائطه ب25 ح3 .
ــ[143]ــ
فلا تتحقّق المبادلة في عالم الملكية والاعتبار ، سواء كان المنشئ هو نفس المالك أو غيره ، وهو لا يقع إلاّ للمالكين ولا يقع للغير ولو بتصريح المالك بوقوعه للغير كما إذا صرّح بقوله : بع مالي لنفسك .
ثم إنّ الدليل الدالّ على اعتبار وقوعها للمالك تارة يكون عقلياً واُخرى دليلا شرعياً .
أمّا الأوّل فكالبيع فانّ نفس المبادلة ومفهومها يتوقف عقلا على دخول كل واحد من المالين في ملك مالك الآخر وإلاّ فلا تتحقّق المبادلة كما هو ظاهر . وفي مثل ذلك إذا قام دليل خارجي على خلافه كما في شراء العمودين والمحارم فانّها لا تدخل في ملك الابن المشتري ، فلابدّ في مثله من الالتزام بحصول الملك آناً ما في حق المشتري ثم انعتاقها عليه قهراً لأجل الجمع بين ذلك الدليل العقلي والدليل الدالّ على صحّة شراء العمودين والمحارم وما دلّ على أنّ الانسان لا يملك عموديه ولا محارمه ، إلاّ أنّ هذا الملك ملك حقيقي غاية الأمر أنّ مدّته قصيرة لا يقبل غير العتق لما عرفت ، فلا وجه لتسمية ذلك بالملك التقديري كما وقع ذلك في كلمات شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه) كما أنّه لا فرق بين الملك في المقام وبينه في بيع الواهب للمال الموهوب فلا وجه للتفرقة بينهما وتسمية الملك في بيع الواهب بالملك الحقيقي كما صرّح به(1) وتسمية الملك في المقام بالملك التقديري.
وهذا الذي ذكرناه من الالتزام بالملك آناً ما جمعاً بين الأدلّة لا يختص بالبيع ويجري في مثل ما إذا انتقل أحد محارمه إليه بالارث أو بالهبة فانّه أيضاً يملكه آناً ما فينعتق عليه قهراً .
وأمّا الثاني فكالعتق فانّه لا مانع عقلا من أن يقع لغير المالك بوجه ، إلاّ أنّ
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) المكاسب 3 : 88 .
ــ[144]ــ
الروايات تطابقت على أنه لا عتق إلاّ في ملك ، فدليل وقوع العتق للمالك دليل شرعي وفي مثل ذلك إذا قام دليل شرعي آخر على أن العتق في المورد الفلاني يقع لغير المالك أيضاً كما وقع ذلك في خصوص عتق الولد عبده عن والده والتزم به في المسالك(1) أيضاً ، لا وجه للالتزام بالملك آناً ما ، بل نلتزم بالتخصيص وأنّ العتق يقع للمالك دائماً إلاّ في المورد الفلاني ، إذ لا مانع من التخصيص في الأحكام الشرعية .
وهذا لا يقاس بما إذا كان دليل وقوعه للمالك عقلياً ، فانّ الالتزام بالملك التقديري أو التحقيقي حينئذ من جهة أنّ الحكم العقلي غير قابل للتخصيص كما هو واضح ، وأمّا في المقام فبما أنّ دليل ذلك شرعي فأيّ مانع من أن نلتزم بالتخصيص هذا كلّه في كبريات المسألة .
بقي الكلام في بعض صغرياتها : منها : ما إذا قال المالك لغيره اعتق عبدي عنك ، فإنّه يكون مورداً لكلتا الجهتين ، فمن حيث اعتبار كون العتق فعل المالك لابدّ وأن يكون الأمر بالعتق توكيلا أو تمليكاً ، وإلاّ فلا يكون المعتق هو المالك ، وأمّا من الجهة الثانية فلا يكفي التوكيل بناءً على اعتبار وقوع العتق عن المالك ، فلابدّ في صحّته من أن يكون الأمر بالعتق تمليكاً للمخاطب ، وإلاّ فلا يكون العتق عن المالك .
ومنها : ما لو قال اعتق عبدي عنّي ، ولا تجري فيه إلاّ الجهة الاُولى ، فلابدّ من الالتزام فيه بالتوكيل ليكون العتق فعل المالك .
ومنها : ما لو قال اعتق عبدك عنّي ، والكلام فيه يكون من الجهة الثانية فقط فإنّ العتق على أي تقدير يكون فعل المالك ، فإن جوّزنا العتق عن غير المالك جاز
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) لاحظ المسالك 10 : 55 ـ 57 ، 318 .
ــ[145]ــ
ذلك من دون حاجة إلى حمله على استدعاء التمليك ، وإلاّ فلابدّ وأن يكون السؤال استدعاء له والعتق جواباً كما أفاده الشيخ (قدّس سرّه)(1).
فتحصّل من جميع ما تقدّم أنّ البيع ونحوه من الجهة الاُولى يعتبر فيه أن يكون منتسباً إلى المالك ليصدق عليه عنوان التجارة عن تراض ، ويحصل ذلك بالرضا اللاحق فضلا عن الاذن والاباحة السابقة . وأمّا من الجهة الثانية فالعقل يستقلّ باعتبار كونه عن المالك كما عرفت ، فإذا ثبت خلافه في مورد كما في شراء العمودين وانعتاقهما مع خروج الثمن عن كيس الولد فلا محيص من الالتزام بالملك آناً ما ، وهو ملك حقيقي ، لاستحالة تخصيص الحكم العقلي .
وأمّا الوطء فالمستفاد من الآية توقّفه على الملك ، ولا يجوز لغير المالك إلاّ بالتحليل بصيغة خاصّة ، ولا مانع من التخصيص فيه ، لأنّ التوقّف شرعي .
وأمّا العتق ونحوه من الايقاعات فإن ثبت إجماع على توقّفه على الملك واعتبار كون المعتق مالكاً مباشرة أو تسبيباً فهو ، وإلاّ فقوله (عليه السلام) « لا عتق إلاّ فيما يملك »(2) لا يستفاد منه ذلك ، كما لا يستظهر من قوله (عليه السلام) « لا بيع إلاّ في ملك »(3)، فإنّها ناظرة إلى نفي العتق والبيع قبل الملك ، مثل قوله (عليه السلام) « لا طلاق قبل النكاح »(4)، فالمرجع حينئذ عمومات العتق و (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)(5) لشموله الايقاع أيضاً وهكذا في الطلاق .
ثمّ لو تنزّلنا وسلّمنا دلالته على اعتبار كون المعتق مالكاً فمن الجهة الثانية لا
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) المكاسب 3 : 83 .
(2) الوسائل 23 : 15 / كتاب العتق ب5 .
(3) المستدرك 13 : 230 / أبواب عقد البيع وشروطه ب1 ح3 .
(4) المستدرك 15 : 292 / كتاب الطلاق ، أبواب مقدّماته وشرائطه ب12 .
(5) المائدة 5 : 1 .
ــ[146]ــ
ينبغي الشكّ في عدم دلالته على اعتبار كون العتق عن المالك ، فيصحّ العتق عن غيره ويثاب عليه .
وينبغي التنبيه على أمرين : أحدهما : أنه إذا قلنا بصحّة وقوع العتق لغير المالك هل يسقط بعتق المالك عبده عن الغير ما في ذمة ذلك الغير من التكليف كوجوب العتق الثابت عليه كفّارة أو نذراً أو لا يسقط به ذلك وإنما يقع له ويثاب بعتق المالك عبده عنه ؟ ظاهر كلمات شيخنا الاُستاذ(1) والسيد اليزدي (قدّس سرّه)(2) تسلّم ذلك وأنه يسقط به ما في ذمّته من التكليف ، ولكن التحقيق أنّ سقوط وجوب العتق عن ذمته بفعل الغير يحتاج إلى دليل وهو مفقود كما ذكرناه في مبحث التعبّدي والتوصّلي(3) من أنّ سقوط تكليف أحد بفعل الغير يحتاج إلى دليل وإلاّ فظاهر كل تكليف وجوب إتيان نفس المكلف به وإنه لا يسقط إلاّ بفعله لا بفعل الغير ، فالعتق عن الغير وان كان صحيحاً إلاّ انه لا يسقط الوجوب عن ذمته .
وأمّا ما استدلّ به السيّد (قدّس سرّه) ـ من فحوى قوله : « دَين الله أحق أن يقضى »(4) حيث طبّق الإمام (عليه السلام) الدَين على قضاء الفوائت ثمّ أمر بقضائه .
ففيه أوّلا : أنّ تلك الرواية ضعيفة السند . وثانياً : أنّ مفادها حكم على خلاف القاعدة فيقتصر فيه على موردها ، وهو أداء الدَين القربي عن الميّت لا عن الحي .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) منية الطالب 1 : 173 .
(2) حاشية المكاسب (اليزدي) : 79 .
(3) محاضرات في اُصول الفقه 1 (موسوعة الإمام الخوئي 43) : 495 .
(4) سنن النسائي 5 : 118 .
ــ[147]ــ
وثانيهما : أنه إذا قلنا بصحة وقوع العتق عن غير المالك فهل الأمر بالعتق يوجب الضمان أم لا ؟ أمّا إذا قصد المالك التبرّع أو أقام الآمر قرينة على المجّانية فلا إشكال في عدم الضمان ، لأنّ المالك أتلف ماله مجّاناً ، وإلاّ فان ذكر قيمة للعبد في كلامه كما إذا قال : أعتق عبدك عنّي بمائة فأعتقه فيلزمه أداء ما عيّنه ، زاد عن قيمة مثله أو نقص، لأنّ المالك رضي به فلذا أعتقه حسب الفرض ، وأمّا إذا لم يعيّن شيئاً ولم يكن هناك قرينة على إرادة المجانية فيلزمه أداء قيمة مثله ، لأنّ مال المسلم وعمله محترم كما هو الحال في جميع الموارد التي أمر فيها الآخر بشيء كما إذا قال : احلق رأسي أو أعط للفقير قرصين من الخبز فانّه يجب عليه قيمة مثله فيما إذا لم يظهر عليه أمارة المجّانية. فالعبد إنما يتلف من مال مالكه ولكن يضمنه الآمر، لا أنّ العبد يدخل في ملك الآمر ويخرج منه كما أفاده شيخنا الاُستاذ (قدّس سرّه)(1) هذا .
بقي الكلام في أمثلة اُخرى للتصرفات المتوقفة على الملك التي تعرّض لها الشيخ وهي ثمن الهدي والزكاة والخمس .
أمّا ثمن الهدي فقد ذكر أنّه لابدّ وأن يكون من مال من وجب عليه الهدي فلا يجزي المال المباح له في ثمن الهدي مثلا، ثم نقل كلاماً عن الشهيد من أنّه قال : إنّ المال المأخوذ بالمعاطاة لا يخرج في الزكاة والخمس وثمن الهدي الخ .
ولا يخفى أنّ نقل كلام الشهيد في المقام غير مناسب جدّاً ولم يكن مترقّباً من الشيخ (قدّس سرّه) وذلك لأنه إنما منع عن المال الذي قصد المتعاطيان التمليك بالمعاطاة والشارع رغماً لأنفهما حكم بالاباحة الشرعية فمنع عن وقوع مثله ثمناً للهدي الواجب ، والمقام خارج عن ذلك لأن الكلام فيه إنما هو في المعاطاة التي قصد بها المتعاطيان الاباحة وكانت الاباحة مالكية لا شرعية ، وأيّ مانع من وقوع مثله
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) منية الطالب 1 : 173 .
ــ[148]ــ
ثمناً كما سيأتي . نعم المال المباح بالاباحة الشرعية لا يمكن فيه ذلك ، لأنه تابع لملاحظة مقدار ما قامت عليه السيرة بين المتشرعين والعقلاء كما مرّ توضيحه سابقاً .
والحاصل : أنّ الشهيد (قدّس سرّه) إنّما منع عن حصول إباحة التصرفات المتوقّفة على الملك بالمعاطاة المقصود بها الملك بعد الفراغ عن صحّة التصرف لو فرض حصول الاباحة بها ، وكلامنا في صحّة التصرف بعد الفراغ عن تعلّق الاباحة به ، فهما متعاكسان .
ثم إنّا لم نجد دليلا على وجوب كون الثمن ملكاً لمن وجب عليه الهدي ، لأنّ غاية ما ثبت هناك وجوب سوق الهدي في القران وذبحه في التمتع وأمّا أنه من مال أيّ شخص فلا دليل على تعيينه كما هو ظاهر لو لم نقل بقيام الدليل على جواز كونه من مال الغير ، وذلك لأنّ من بذل له الزاد والراحلة الذي يحتاج إلى الهدي مثلا إنما يشتريه بذلك المال المبذول له وحجّه صحيح بلا كلام وهو نظير المهر في الزواج لأن وجوده شرط في صحّته من دون فرق بين أن يكون ملكاً للزوج أو لغيره وقد أباحه له ، هذا .
مضافاً إلى أنّه لا يعقل إخراج ثمن الهدي من مال الغير ، وذلك أنّ الهدي قد يشتريه من وجب عليه بالثمن الكلّي في ذمته ثم يؤدّيه من المال المباح له وعليه يكون الثمن مال نفسه وإنّما أوفاه من مال الغير ولا إشكال في صحّته ، إذ لا مانع من أداء الدَين من مال الغير باذنه وإباحته ، وقد يشتريه بشخص مال الغير المباح له فان قصد الشراء للمالك المبيح فالهدي بنفسه يكون ملكاً للمبيح ولا مانع منه أيضاً لما ذكرنا من عدم الدليل على اعتبار كون الهدي ملكاً لمن وجب عليه ، وإن قصد الشراء لنفسه فهو وإن كان يأتي فيه إشكال المبادلة من أنّ مفهومها يقتضي عقلا أن يكون المعوّض داخلا في ملك من خرج عنه العوض فكيف يعقل أن يكون الهدي ملكاً له مع كون العوض ملكاً للمبيح ، إلاّ أنّ هذا الاشكال لا يختصّ بثمن الهدي
ــ[149]ــ
حينئذ ويأتي في جميع البيوع إذا كان المعوّض فيها داخلا في ملك من لم يخرج منه العوض كما هو ظاهر، فلا وجه لتخصيص ثمن الهدي بالذكر ، وكيف كان فلم نفهم الوجه في الاستشكال في ثمن الهدي ، هذا كلّه في ثمن الهدي .
وأمّا الزكاة والخمس فان قلنا بتعلّقهما بالأعيان الشخصية بماليتها ، فوجه عدم صحة دفع الغير لهما عمّن وجبا عليه ظاهر ، لأن حق الامام والفقراء إنما تعلّق بذلك العين الخارجية فجواز تبديلها بشيء آخر يحتاج إلى دليل وهو مفقود ، نعم للمالك أن يبدلها لأنه الشريك الأعظم كما في الروايات(1) وأمّا غيره فلا .
وأمّا إذا قلنا بتعلّقهما بالذمم دون الأعيان الخارجية فهما في هذه الصورة وإن كانا دَيناً إلاّ أنّهما لمّا كانا من الواجبات القربيّة كان سقوطهما بفعل الغير محتاجاً إلى الدليل وهو مفقود في المقام ، هذا كلّه فيما إذا كان المخرج للزكاة والخمس من مال نفسه شخصاً آخر غير المالك الذي وجب عليه الخمس والزكاة .
وأمّا إذا كان الدافع لهما نفس المالك ولكن لا من مال نفسه بل من مال آخر أباحه له مالكه ، فهل يجزي ذلك عمّا وجب عليه من الخمس والزكاة أو لا ؟ إن قلنا بتعلّقهما بالذّمم فيكونان دَيناً على المالك حينئذ ولا مانع له من أن يؤدّي دَينه بمال شخص آخر كما هو ظاهر ، والمفروض أنه يدفعه بقصد القربة فيبرأ بذلك ذمّته .
وأمّا إذا قلنا بتعلّقهما بالأعيان الخارجية فدفعه المال المباح عوضاً عن حصة الفقراء والامام تبديل يحتاج إلى دليل وهو مفقود ، وتوضيحه : أنّ المالك بتبديله ذلك إن قصد التبديل لمالك المال المباح بأن يريد المالك دفع مال المبيح للفقراء والامام (عليه السلام) ويعوّضه بحصة الفقراء والامام ويقيمه مقامهما ، فهذا تبديل لا دليل عليه ، لأنّ المالك وإن جاز له تبديل حقوق الفقراء أو الامام بمال آخر إلاّ أنّه
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ورد بهذا المضمون في الوسائل 9 : 129 / أبواب زكاة الأنعام ب14 .
ــ[150]ــ
مختصّ بما إذا أراد تبديله بمال نفسه ولا يشمل ما إذا أراد تبديله بمال غيره ، وإن أراد تبديل حصّة الفقراء والامام لنفسه بمال الغير المباح له فيأتي فيه إشكال المبادلة من أنّ نفس مفهومها يحتاج عقلا إلى دخول المعوّض في ملك من خرج عنه العوض فكيف يعقل دخول حصّتهم في ملك المالك في مقابل مال الآخر نظير الاشكال المتقدّم في قوله: بع مالي لنفسك ، فراجع .
ثمّ إنّ الشيخ(1) عدّ من موارد الملك التقديري دية الميت فيما إذا قتله أحد خطأً أو عمداً فصولح بالدية فانّها تنتقل إلى ورثة الميت عن الميت ، وفيها أيضاً لابدّ من تقدير كونها ملكاً للميت آناً ما ثم انتقالها منه إلى ورثته . وكذا الحال في الديّات المنتقلة إلى الميّت كما إذا قطع أحد يد الميت أو اُذنه أو رجله فإنّ ديتها تصل إلى الميت ثم تنتقل منه إلى ورثته ، فلابدّ من تقدير كونها ملكاً للميت آناً ما حتى تنتقل منه إلى الورثة ، هذا .
ولا يخفى أنّ الحاجة إلى الالتزام بملك الميّت آناً ما إنما هي فيما إذا قام دليل على أن الوارث يتلقّى الدية من الميّت كما هو ظاهر جملة من الروايات ، ومع قيامه فلابدّ من الالتزام بالملكية الحقيقية للميت آناً ما لا التقديرية لعدم ترتّب الأثر عليها وأمّا إذا قلنا بأنّ الوارث يملك الدية ابتداء كما يستظهر من قوله تعالى: (فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ)(2) فلا حاجة حينئذ إلى الملك التحقيقي ولا التقديري أبداً ، هذا تمام الكلام في الاشكال الأوّل من الاشكالين اللذين ذكرهما الشيخ في القسمين الأخيرين من المعاطاة .
وأمّا الإشكال الثاني وهو صحّة الاباحة بالعوض الراجعة إلى العقد المركّب
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) المكاسب 3 : 88.
(2) النساء 4 : 92.
ــ[151]ــ
من الاباحة والتمليك فلابدّ من التكلّم في صحّته أوّلا ثمّ في لزومه أو جوازه . ذهب الشيخ (رحمه الله) إلى الصحّة واللزوم من الجانبين . أمّا الصحّة فإمّا لأجل أنّه نوع من الصلح أو لكفاية عموم « الناس مسلّطون على أموالهم » و « المؤمنون عند شروطهم » . وأمّا اللزوم فلعموم « المؤمنون عند شروطهم » .
والتحقيق أنّ التمليك والاباحة قد يقعان مورداً لعقد آخر كالصلح أو الاجارة أو البيع ، كما إذا تصالحا على الاباحة والتمليك وأنشآه بعنوان الصلح ، أو استأجر كلّ منهما الآخر على ذلك ، أو باع أحدهما شيئاً وجعل ثمنه الاباحة ، وقد تنشأ الاباحة في مقابل التمليك من دون تعلّق عقد بها .
أمّا الفرض الأول فلا إشكال في صحّته ، فيجب على كلّ منهما العمل بما التزم به ويملك كلّ منهما ذلك على الآخر ، نعم ، الاباحة من طرف المبيح إنّما تجب تكليفاً ولا تلزم وضعاً ، فله الرجوع متى شاء ، بخلاف التمليك على الطرف الآخر ، وعليه فإن أباح المبيح وكان مورد العقد الاباحة في الجملة لا يجوز للمملّك الرجوع ، لأنّه من أكل المال بالباطل ، وأمّا إذا لم يبح أو كان مورد العقد الاباحة المستمرّة كما هو الظاهر ورجع في الأثناء ثبت للمملّك خيار تخلّف الشرط .
وأمّا الفرض الثاني أعني إنشاء الاباحة والتمليك من دون تعلّق عقد بهما فقد عرفت خروجه عن المعاوضات المالية ، وإنّما هو إباحة مشروطة بالتمليك أو معلّقة عليه ، ولكنّه مع ذلك صحيح على القاعدة ، ويؤيّده قوله (صلّى الله عليه وآله) « الناس مسلّطون على أموالهم » ، فإنّ مقتضاه تسلّط المالك على إباحة ماله للغير مشروطاً أو معلّقاً ، وأمّا من حيث اللزوم والجواز فإن كانت الاباحة مشروطة أي فعلية غير معلّقة على التمليك ، وإنّما شرط التمليك على المباح له في ضمنها ، جاز للمبيح الرجوع عن إباحته متى ما أراد ، ولكن ليس للمملّك الرجوع ابتداءً ، لأنّ تمليكه لم يكن هبة مجّانية كي تكون جائزة ، بل كان في مقابل الاباحة ، فهو هبة معوّضة لازمة ، نعم ، لو
ــ[152]ــ
رجع المبيح عن اباحته فلا يبعد جواز رجوع المملّك لتخلّف الشرط .
وإن كانت الاباحة ـ شخصية أو نوعية ـ معلّقة بأن تكون فعليتها منوطة بالتمليك من دون أن يجب التمليك على الطرف الآخر لعدم اشتراطه والتزامه به فيجوز للمملّك أيضاً الرجوع ابتداءً ، لأنّ تمليكه كان هبة مجّانية جائزة ، إلاّ إذا كانت لذي رحم ، فتكون لازمة لا يجوز له الرجوع إلاّ إذا رجع المبيح ، فيثبت له خيار تخلّف الشرط ، ولا ينافيه إطلاق ما دلّ على لزوم الهبة لذي رحم ، فإنّه ناظر إلى لزومها من حيث كونها هبة ، فلا مانع من ثبوت الخيار فيها من جهة اُخرى .
|