اعتبار التنجيز في العقود - اعتبار التطابق بين الايجاب والقبول 

الكتاب : التنقيح في شرح المكاسب - الجزء الاول : البيع-1   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 8428


الكلام في اشتراط التنجيز في العقود

ذكر جماعة أنّ التنجّز معتبر في العقود مطلقاً وأنّ تعليقها على شيء يوجب البطلان ، من دون فرق في ذلك بين التعليق الصريح كما إذا قال : بعتك هذا إن كان كذا ، وبين التعليق غير الصريح كما إذا قال : أنت وكيلي يوم الجمعة ، لأنّه في حكم التعليق واقعاً ومعناه أنّ الوكالة معلّقة على مجيء يوم الجمعة وأنّه لا وكالة قبل مجيئه . نعم لو كان التوكيل مطلقاً وكان التعليق راجعاً إلى متعلّقه فهو ممّا لا إشكال في صحّته ، وهذا كما إذا قال : أنت وكيلي من الآن ولكن لا تبع عبدي إلاّ في يوم الجمعة  ، أو قال أنت وكيلي في بيع داري يوم الجمعة بأن يكون يوم الجمعة قيداً للبيع الذي هو متعلّق الوكالة ، وهذا نظير الاجارة لأنّها تارةً تكون مطلقة واُخرى مقيّدة بشيء وثالثة تكون الاجارة مطلقة ولكن متعلّقها يكون مقيّداً بشيء على نحو الواجب المعلّق .

وكيف كان ، فقد وقع الخلاف في كلمات الأصحاب في المقام ، فذكر بعضهم أنّ التعليق مطلقاً يوجب الفساد ، وذهب آخر إلى التفصيل بين التعليق على شيء معلوم الحصول والتعليق على شيء مشكوك الحصول ، وثالث إلى التفصيل بين التعليق على شيء يتوقّف صحّة العقد عليه شرعاً وبين غيره ، ولأجل ذلك ذكر شيخنا الأنصاري(1) أقسام التعليق في المقام وقسّمه إلى ثمانية أقسام فأفاد : إنّ التعليق إمّا

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المكاسب 3 : 166 .

ــ[215]ــ

أن يكون على شيء معلوم الحصول أو على شيء مشكوك الحصول ، وأمّا ما نعلم بعدم حصوله فالتعليق عليه يوجب البطلان قطعاً إمّا لاخلاله بالتنجّز على تقدير اعتباره في العقود ، وإمّا لعدم حصول المعلّق عليه فرضاً على تقدير عدم اعتبار التنجيز وصحّة التعليق ، فلذا لم يذكره الشيخ أيضاً في المقام .

وكيف كان ، فعلى كلا التقديرين إمّا أن يكون المعلّق عليه أمراً حاليّاً وإمّا أن يكون استقبالياً ، وعلى جميع التقادير الأربعة إمّا أن يكون المعلّق عليه ممّا تتوقّف صحّة العقد عليه شرعاً ، وإمّا أن لا يكون متوقّفاً عليه صحّته فهذه ثمانية أقسام . وإن كان الأولى أن يجعل الأقسام اثنى عشر قسماً ، لأنّ المعلّق عليه إمّا أن يكون معلوم الحصول أو يكون مشكوك الحصول ، وعلى كلا التقديرين إمّا أن يكون أمراً حالياً وإمّا أن يكون أمراً استقبالياً ، وعلى جميع التقادير الأربعة ، إمّا أن يكون ممّا يتوقّف حقيقة ما أنشأه المنشئ عليه عقلا وإمّا أن لا يكون ممّا يتوقّف عليه حقيقة المنشأ عقلا ، وعلى الثاني إمّا أن يكون ممّا يتوقّف صحّة العقد عليه شرعاً وإمّا أن لا يكون كذلك ، فهذه اثنا عشر قسماً .

فأمّا ما يتوقّف حقيقة المنشأ عليه عقلا فالظاهر أنّ التعليق عليه لا يوجب البطلان ، لأنّ الفرض أنّ المنشأ متوقّف عليه عقلا ، سواء تلفّظ به في العقد أم لم يتلفّظ به ، وهذا كما إذا قال : هذه المرأة هي طالق إن كانت زوجتي أو أنّ هذا الرجل حرّ لوجه الله إن كان عبداً ، وذلك لأنّ الطلاق في غير الزوجة أمر لا معنى له ، لأنّه بمعنى الخلوّ وغير الزوجة مخلاة من الابتداء فلا معنى لطلاقها ، كما أنّ التحرير متوقّف عقلا على أن يكون المحرّر عبداً ، إذ الحرّ لا يحرّر .

وكيف كان فالتلفّظ بأداة التعليق لا يكون مانعاً قطعاً ، لأنّه تلفّظ به أم لم يتلفّظ به معلّق عليه واقعاً ، وإن احتاط شيخنا الأنصاري بعدم ذكر ألفاظ التعليق إلاّ أنّه لا وجه له بعد عدم دلالة الدليل على أنّ التلفّظ بها مانع عن صحّة الانشاء

ــ[216]ــ

وهذا من دون فرق بين أن يكون ما يتوقّف عليه المنشأ عقلا أمراً حاليا أو يكون أمراً استقبالياً ، وسواء كان معلوم الحصول أو مشكوك الحصول ، فهذه الأقسام الأربعة ممّا لا إشكال فيه بوجه .

وأمّا إذا كان المعلّق عليه ممّا يتوقّف صحّة العقد عليه شرعاً من دون أن يكون متوقّفاً عليه عقلا ، كما إذا قال : بعتك هذا إن كنت بالغاً أو أسلفتك كذا إن كنت قادراً على تسليمه في وقته وغير ذلك من القيود المعتبرة شرعاً ، فهل يكون التعليق فيه موجباً للبطلان أو لا ؟

الظاهر أنّه أيضاً ملحق بالقسم الأوّل ، وأنّ التعليق عليه لا يوجب البطلان وذلك لأنّ عمدة الدليل على مبطلية التعليق هو الاجماع ، وشموله لهذا القسم غير معلوم بل هو معلوم العدم كما يظهر من كلام الشيخ حيث أرسل جواز التعليق عليه على نحو إرسال المسلّمات فراجع . وهذا أيضاً من دون فرق بين أن يكون المعلّق عليه أمراً حالياً أو يكون أمراً استقبالياً كما لا يفرق فيه أيضاً بين كونه معلوم الحصول وكونه مشكوك الحصول ، فهذه الأقسام الأربعة ملحقة بالأقسام الأربعة المتقدّمة في أنّ التعليق فيها غير موجب للبطلان .

وأمّا الأقسام الأربعة الباقية أعني ما يكون معلوم الحصول أو مشكوك الحصول وعلى كلا التقديرين يكون حالياً أو استقبالياً من دون أن يكون ممّا يتوقّف العقد عليه شرعاً أو عقلا ، فأمّا القسم الأوّل منها أعني ما يكون معلوم الحصول في الحال كما إذا قال : بعتك هذا إن كان اليوم جمعة مع علمهما بأنّ اليوم يوم الجمعة ، فلا ينبغي الإشكال في صحّته لأنّه غير مناف للتنجيز ويعلمان بتحقّق ما علّق عليه العقد حسب الفرض .

وأمّا الأقسام الثلاثة الباقية فهي المقدار المتيقّن من الإجماع المدّعى على بطلان التعليق في العقود ، وهذه الأقسام الثلاثة عبارة عمّا إذا كان أمراً حالياً

ــ[217]ــ

مشكوك الحصول كما إذا قال : بعتك هذا المال إن كانت الساعة الساعة الخامسة ولم يعلما أنّ الساعة هي الخامسة أو غيرها ، وما إذا كان أمراً استقبالياً مشكوك الحصول أو معلوم الحصول كما إذا قال : أنت وكيلي في بيع داري إذا جاء يوم الجمعة بأن يكون مجيؤه شرطاً لحصول الوكالة على نحو الواجب المشروط ، وأمّا إذا كان العقد منجّزاً وكان القيد راجعاً إلى متعلّق العقد على نحو الواجب المعلّق فقد عرفت أنّه ممّا لا إشكال في صحّته كما إذا قال : أنت وكيلي في بيع داري يوم الجمعة على أن يكون يوم الجمعة قيداً للبيع . هذا تمام الكلام في الأقسام الاثني عشر .

بقي الكلام في مدرك بطلان الأقسام الثلاثة المتقدّمة ، والإنصاف أنّ المسألة من العويصات ، لأنّ الأدلّة العامّة والخاصّة غير قاصرة الشمول لها لأنّها أيضاً بيع وعقد وتجارة عن تراض ، مضافاً إلى أنّها واقعة في العرف أيضاً بكثير وليست عندهم أمراً مستبشعاً ، إذ لا مانع عندهم من أن يبيع أحد ماله بشرط أن تجيئه البرقية على أنّ وكيله اشترى مثله له كما هو واقع بين التجّار ، أو يشتري شيئاً بشرط أن يرضى به أبوه وهكذا .

وعليه فيقع الكلام فيما يمنع عن شمول الاطلاقات والعمومات لها .

المانع الأوّل : الاجماع المدّعى في المقام . ولكنّه لا يمكن الاعتماد عليه لأنّه لا يفيد القطع برأي المعصوم (عليه السلام) خصوصاً بعد التعليلات المذكورة في كلماتهم .

هذا كلّه مضافاً إلى أنّ كلمات المجمعين غير متطابقة على مطلب واحد ، وذلك لأنّ بعضهم ذكر اعتبار التنجيز في العقود وعلّله بأنّه لا يحصل بدونه الجزم في الانشاء ، ولازمه صحّة تعليق العقد على أمر معلوم الحصول في المستقبل لأنّه لا ينافي الجزم ، وبعضهم ذكر أنّ المعتبر في صحّة العقود هو عدم التعليق تعبّداً ، ولازمه بطلان العقد فيما إذا علّق على ما يتوقّف صحّة العقد عليه عقلا أو شرعاً ، كما إذا قال : بعتك هذا إن قبلته أو إن كنت بالغاً ، لأنّه معلّق في مقام الاثبات وهو موجب

ــ[218]ــ

للبطلان ، ومن أجل ذلك احتاط شيخنا الأنصاري بذكر العقد على صورة الجزم وإن كان في الواقع معلّقاً ، ومع هذا الاختلاف كيف يصحّ دعوى القطع برضا الإمام (عليه السلام) مع أنّه أمر وجداني نعلم بعدم حصوله ، هذا أحد الموانع التي ادّعيت في المقام  .

المانع الثاني : أنّ الانشاء غير قابل للتعليق بوجه ، لأنّه نظير سائر الأفعال كالأكل والضرب ونحوهما ، فكما لا يعقل أن يضرب أحداً معلّقاً على أمر كذا أو يأكل معلّقاً على أن يكون كذا لأنّه يأكل ويضرب فعلا فما معنى كونه معلّقاً على شيء  ، فالانشاء والإخبار أيضاً كذلك لأنّه إمّا أن ينشئ ويخبر أو لا ينشئ ولا يخبر  ، وأمّا أنّه ينشئ معلّقاً فهو غير متصوّر أبداً كما في الأكل والضرب ، هذا .

والجواب عن ذلك : ما ذكرناه في الواجب المشروط(1) من أنّ المعلّق ليس هو الانشاء أو الاخبار اللذين هما من قبيل الأفعال ، بل المعلّق هو المنشأ كالملكية ونحوها مع كون الانشاء فعلياً ، فالمعلّق متعلّق الانشاء أو الاخبار ولا مانع من أن يكون المنشأ أو المخبر به أمراً استقبالياً ومعلّقاً على شيء كما في الوصية فإنّ المنشأ فيها هو الملكية المعلّقة على الموت ، هذا .

وقد أجاب عنه شيخنا الأنصاري(2) بأنّ التعليق أمر متصوّر وواقع في العرف والشرع كثيراً كما في الوصية والوقف ونحوهما ممّا هو مقيّد ومعلّق على الموت أو على شيء آخر ، وكالتدبير المعلّق على وفاة المعتق وكالصرف ونحوه ممّا يشترط فيه القبض ، ونظائرها كثيرة ، وهذا كاشف عن عدم استحالة التعليق في العقود والانشاءات .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) محاضرات في اُصول الفقه 2 (موسوعة الإمام الخوئي 44) : 146 .

(2) المكاسب 3 : 170 .

ــ[219]ــ

المانع الثالث : أنّ ظاهر الأدلّة الدالّة على سببية العقود لمسبّباتها وترتّب المسبّبات عليها إنّما هو ترتّبها عليها وكونها سبباً للمسبّبات في حال إنشاءاتها وفي ظرف وقوعها ، لا في الأزمنة الآتية ، فكون العقد سبباً للبيع إنّما هو فيما إذا كان موجباً للملكية الفعلية ، وأمّا إذا كان موجباً للملكية الاستقبالية فهو على خلاف ظواهر الأدلّة الدالّة على أنّ عقد البيع سبب للملك مثلا ، هذا .

ولا يخفى أنّ مفاد الأدلّة هو وجوب ترتيب الأثر على كلّ عقد على طبق مدلوله منجّزاً كان أو معلّقاً نظير النذر المعلّق على أمر متأخّر .

وأجاب عنه شيخنا الأنصاري(1) مضافاً إلى ما ذكرنا : بأنّ دليل الصحّة واللزوم غير منحصر في قوله تعالى : (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) لأنّ دليل حلّية البيع وتسلّط الناس على أموالهم كاف في إثبات ذلك ، هذا .

ولا يخفى أنّ ما ذكر من المانع كما يأتي في قوله تعالى (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)(2)كذلك يأتي في قوله تعالى (أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ)(3) و (تِجَارَةً عَنْ تَرَاض)(4) والجواب الجواب فلا تغفل .

ثمّ أجاب عنه ثالثاً : بأنّ ذلك لو تمّ فإنّما يتمّ في خصوص البيع دون غيره من العقود ، لأنّ العقود يتأخّر مقتضاها عنها غالباً . هذا ولكّنا لم نفهم مراده (قدّس سرّه) من هذا الجواب وأنّ العقود التي يتأخّر مقتضاها عنها ماذا ، وأي عقد يكون مقتضاه متأخّراً عنه في الشرع ، فإن أراد به الوصية والتدبير فهما خارجان عن محلّ النزاع

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المكاسب 3 : 170 .

(2) المائدة 5 : 1 .

(3) البقرة : 2 : 275 .

(4) النساء 4 : 29 .

ــ[220]ــ

لأنّ صحّتهما من ناحية الدليل الخاص ، وإن أراد به الاجارة كما قيل ففيه أنّ الأثر فيها أعني الملكية فعلية غير متأخّرة عن العقد وإنّما المتأخّر عنه هو متعلّقها أعني المنفعة المستقبلة كما لا يخفى .

المانع الرابع : أنّ الأسباب الشرعية توقيفية وهذا موجب لوجوب الاقتصار فيها على المتيقّن وهو العقد العاري عن التعليق وصحّة المعلّق مشكوكة وقد تكرّر ذلك في كلماتهم جدّاً حتّى أنّي رأيت في كلام القاضي في جواهره(1) في مقام الاستدلال على بطلان المضاربة بغير الدرهم والدينار أنّه استدلّ عليه بأنّ الأسباب توقيفية ، والترخيص إنّما ثبت في خصوص الدرهم والدينار دون غيرهما فيكون باطلا .

وفيه : أنّه أيّ دليل أحسن من عموم قوله تعالى (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) و (أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ) و (تِجَارَةً عَنْ تَرَاض) وغيره من العمومات ، وهي كافية في الترخيص كما هو واضح .

المانع الخامس : ما ذكره شيخنا الاُستاذ(2) من أنّ أدلّة صحّة البيع والنكاح وغيرهما من العقود إنّما تنصرف إلى العقود المتعارفة ، والبيع المتأخّر عنه الملكية بأيّام أو الاجارة كذلك غير متعارف جدّاً ، وهذا هو السرّ في بطلان التعليق في العقود ، هذا .

ولا يخفى ما فيه صغرى وكبرى . أمّا الكبرى فلأنّ العمومات والمطلقات الواردة في الأدلّة والأخبار لا يعتبر في شمولها لشيء إلاّ صدق الطبيعي عليه وكونه فرداً من أفراده ، وأمّا كونه متعارفاً أيضاً فلا ، نعم ، ربما يتوهّم في خصوص

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) جواهر الفقه : 124 .

(2) منية الطالب 1 : 255 .

 

 
 

ــ[221]ــ

المطلقات عدم شمولها لغير المتعارف ، فإنّ الاطلاق موقوف على عدم بيان القيد فربما يتخيّل كفاية التعارف الخارجي في البيان ، فلا يتمّ الاطلاق . ولكن العمومات لا يجري فيها هذا التوهّم .

وأمّا الصغرى فلمنع عدم تعارف العقود التعليقية عندهم ، فإنّا نراهم يهبون المال للغير بعد أيّام لحاجتهم إليه في تلك الأيّام .

فالمتحصّل من جميع ذلك : أنّ التنجيز غير معتبر في العقود وإن كان الاحتياط ممّا لا ينبغي تركه سيّما في النكاح إلاّ ما خرج بالدليل كالتزويج الانقطاعي معلّقاً على مضيّ زمان الانقطاعي الموجود فعلا مع عدّته كما إذا بقي من أيّام انقطاعه عشرة أيّام فزوّجت نفسها من آخر بعقد انقطاعي أو دائمي معلّقاً على مضي العشرة أيّام الباقية من الانقطاعي الموجود بالفعل ومضيّ أيّام عدّته ، لما ورد من أنّ المزوّجة لا تزوّج(1) وذلك ظاهر .

ومن جملة شروط البيع التطابق بين الايجاب والقبول

وهذا ليس اشتراطاً خارجياً في المعاملات وإنّما هو ممّا يقتضيه نفس مفهوم المعاقدة ، لتوقّفها على وحدة المورد واتّحاد المحلّ لا محالة وإلاّ فلا يصدق المعاقدة بوجه ، فلابدّ من تطابق الايجاب والقبول في صدق مفهوم المعاقدة كما هو واضح فإذا اختلفا فلا يكون أحدهما مربوطاً بالآخر أبداً .

والاختلاف تارةً من جهة المثمن واُخرى من جهة الثمن وثالثة من جهة البائع أو المشتري كما إذا قال : بعتك هذا العباء بكذا ، فقال المشتري : اشتريت هذا الفراش بكذا ، أو قال : بعتك هذا المال بمائة ، وقال الآخر : اشتريت هذا المال

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) لاحظ الوسائل 20 : 446 / أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب16 .

ــ[222]ــ

بخمسين ديناراً ، أو قال : بعتك هذا بكذا ، فقال المخاطب : اشتريته بكذا لموكّلي ، ولا تصدق المعاقدة على شيء من هذه الموارد بوجه .

أمّا الأوّلان فواضحان . وأمّا في الثالث أعني عدم التطابق في المشتري ، فلأنّا وإن ذكرنا في محلّه أنّ البيع ليس إلاّ مبادلة مال بمال ولا نظر فيه إلى خصوصية البائع أو المشتري ولذا لا يسأل المشتري أنّك تشتريه لنفسك أو لشخص آخر ، إلاّ أنّ هذا كلّه في الأعيان الخارجية دون ما في الذمم من الثمن أو المثمن لاختلافهما باختلاف الذمم ، فإذا قال : بعتك هذا المال بمائة دينار كلّي وقال المخاطب : اشتريته بكذا لموكّلي على وجه الكلّي ، فلا محالة يقع باطلا ، لأنّ ما في ذمّة المخاطب مغاير لما في ذمّة موكّله وقد تعلّق غرض البائع بخصوصية ما في ذمّة المخاطب ، فإذا قبله المخاطب لموكّله وبدّل ما في ذمّته إلى ما في ذمّة الموكّل فلا محالة يقع باطلا ، وفي الحقيقة يرجع هذا إلى التطابق في الثمن أو المثمن .

وأمّا التطابق من حيث الشروط وعدم الاختلاف فيها كما إذا قال : بعتك هذا المال بكذا على أن يكون كذا فقال المشتري قبلته بكذا من دون اشتراط ، فهل هو أيضاً لازم في صحّة المعاملة وعدمه يوجب البطلان أو لا يوجب بطلانها ؟

الظاهر أنّ التطابق في الشروط غير معتبر في صحّة المعاملات ، لأنّ الشرط لا يرجع إلى نفس العقد وأصل البيع بحيث لا بيع في صورة تخلّف الشرط لأنّه باطل لا محالة للإجماع على بطلان التعليق في العقود ، مع أنّه لا خلاف نصّاً ولا فتوىً في جواز الاشتراط في المعاملات لعموم « المؤمنون عند شروطهم »(1) وفتوى الأصحاب بصحّته . بل الشرط التزام آخر في ضمن التزام وقد شرحناه في محلّه باشتراط شيء في الالتزام بالمعاملة وتوضيحه : أنّ ما يصدر عن البائع أمران :

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 21 : 276 / أبواب المهور ب20 ح4 .

ــ[223]ــ

أحدهما نفس المعاملة والبيع . وثانيهما : التزامه بما فعله ووقوفه عليه وعدم رجوعه عنه ، وقد يشترط في ذلك على أن يخيط له المشتري ثوباً بحيث لو لم يف المشتري بذلك فله أن لا يقف على فعله ولا يلتزم بعقده ويرجع عنه ، فالشرط راجع إلى الالتزام بالعقد ومعناه جعل الخيار لنفسه على تقدير عدمه .

وكيف كان ، فالشروط خارجة عن المعاملات والبيع ، وعليه فإذا قبله المشتري مجرّداً عن الشرط فقد تطابق قبوله للايجاب وتمّت المعاملة ، فإن رضي البائع حينئذ برفع اليد عمّا جعله لنفسه من الخيار على تقدير تخلّف الشرط فالمعاملة صحيحة ولا يلزمه إعادة الايجاب والقبول ، نعم إن لم يرض برفع اليد عن الاشتراط وفسخ فالبيع باطل ، هذا كلّه في التطابق في الشروط .

وأمّا التطابق من حيث أجزاء الثمن أو المثمن أو أجزاء البائع أو المشتري كما إذا قال : بعتك هذه الدار بمائة دينار وقال المشتري اشتريت نصفها بخمسين ديناراً أو قال مخاطباً للاثنين : بعتكما هذه الدار بمائة وقال أحدهما اشتريت نصفها بخمسين ولم يقبل الآخر ، فهل هو ملحق بالتطابق في الشروط أو أنّ التطابق في الأجزاء لازم وعدمه يوجب بطلان المعاملة ؟

الظاهر هو الأوّل ، لأنّ بيع الدار بمائة ينحلّ إلى بيع كلّ نصف منها بخمسين ديناراً  ، غاية الأمر مشروطاً بانضمام أحد النصفين إلى الآخر ، فإذا قبله المشتري بقوله اشتريت نصفها بخمسين ديناراً فقد طابق فعله الايجاب ، وذلك لما عرفت من أنّ الشروط خارجة عن البيع ، فعدم قبوله للنصف الآخر لا يضرّ بصحّة البيع في النصف الآخر فيما إذا رضي البائع برفع اليد عن اشتراطه الانضمام ، ولا يحتاج إلى إعادة الايجاب والقبول . وأمّا إذا لم يرض برفع اليد عن الانضمام وفسخ فالمعاملة فاسدة ، كما أنّ بيع الدار للاثنين ينحلّ إلى بيعين مستقلّين أحدهما بيع النصف من هذا الشخص بخمسين ديناراً وثانيهما بيع النصف الآخر من الثاني بخمسين ديناراً

ــ[224]ــ

أيضاً ، نظير بيع ما يملك وما لا يملك في صفقة واحدة فهو بيعان في الواقع فإذا قبل أحدهما أحد النصفين بخمسين فقد طابق قبوله الايجاب ، غاية الأمر أنّه مجرد عن الشرط الذي هو الانضمام ، وقد عرفت أنّ الشروط خارجة عن المعاملة فلذا نقول بعدم فساد المعاملة بفساد الشرط ، وعدم التطابق فيها غير موجب لعدم التطابق في أصل البيع فيما إذا رضي البائع برفع اليد عن الشرط ، وهذا ظاهر واضح .

ثمّ إنّ ما ذكرناه إنّما هو فيما إذا كانت المعاملة بالنسبة إلى مجموع العوضين أو كلا المشتريين بانشاء واحد ، وأمّا إذا كانت بانشائين كما إذا باع نصف داره بخمسين ديناراً من أحد ونصفها الآخر من الآخر فقبل أحدهما دون الآخر ، فهو ممّا لا إشكال في صحّته وخارج عن محلّ الخلاف بيننا وبين الشيخ(1) لا محالة .
 
ــــــــــــــ

(1) المكاسب 3 : 175 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net