4 ـ ضمان المثل بالمثلي والقيمة بالقيمي 

الكتاب : التنقيح في شرح المكاسب - الجزء الاول : البيع-1   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 6563


الأمر الرابع


 

ــ[261]ــ

أنّه لو كان المبيع التالف مثلياً يجب ردّ مثله بالاتفاق ، وليس في المسألة مخالف إلاّ الاسكافي(1) حيث إنّه التزم بجواز ردّ القيمة مطلقاً على ظاهر ما حكاه الشيخ (قدّس سرّه) عنه . والكلام في المقام تارة يقع في الكبرى وأنّه هل يدلّ دليل على ضمان المثلي بالمثل أم لا ، واُخرى في الصغرى وأنّ المثلي ماذا ؟

أمّا المقام الأوّل : فقد استدلّ على اثبات ضمان المثلي بالمثل بوجوه لا ينهض شيء منها للدلالة عليه .

منها : رواية على اليد . ولكنّها مضافاً إلى ضعف السند وأنّها غير مجبورة بعمل المشهور لا تتمّ دلالتها في المقام فإنّها تدلّ على أصل الضمان ، وأمّا الضمان بالمثل فلا .

ومنها : قوله (عليه السلام) « حرمة ماله كحرمة دمه » أو « لا يحلّ مال امرئ مسلم إلاّ بطيب نفسه » ولكنّهما أيضاً لا يدلاّن على أزيد من عدم جواز التصرف في مال الغير ، وأمّا الضمان بالمثل فلا يستفاد منهما .

ومنها : القاعدة المستفادة من الروايات وهي « من أتلف مال الغير فهو له ضامن » وهي أيضاً لا تدلّ على الضمان بالمثل كما لا تدلّ عليه نفس الروايات المتفرّقة في موارد الضمانات بطريق أولى . نعم ذكر في بعض النصوص كقضية الأمة المسروقة(2) ردّ القيمة في القيمي ، وأمّا الضمان بالمثل فلا .

ومنها : قوله تعالى (فَمَنْ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ)(3). وفيه : أنّ هذه الآية إن خصّصناها بمسألة قتال المشركين في أشهر الحرم

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) حكاه عنه العلاّمة في مختلف الشيعة 6 : 96 ، المسألة 84 .

(2) الوسائل 21 : 204 / أبواب أحكام العبيد والإماء ب88 ح3 .

(3) البقرة 2 : 194 .

ــ[262]ــ

فهي أجنبية عن مقامنا ، وإن قلنا بأنّها قاعدة كلّية فلابدّ من اختصاصها بمورد الاعتداء فقط ، بمعنى أنّه لو ضربه أو شتمه شخص فهو يعتدي بمثله فلا دلالة فيها على ضمان المثلي بالمثل مطلقاً .

ومنها : الإجماع على ضمان المثل في المثلي والقيمة في القيمي . وفيه : منع خصوصاً مع اختلاف الأصحاب في تعيين المثلي والقيمي ، ولو تنزّلنا واقتصرنا في مورده على القدر المتيقّن فليس إجماعاً تعبّدياً ، للظنّ القوي باستناد المجمعين إلى الوجوه السابقة .

فتحصّل : أنّ شيئاً من الوجوه المذكورة لا يصلح دليلا في المقام . والعمدة في الدليل هو السيرة العقلائية على أنّ من أتلف شيئاً من أموال الغير يلزم عليه أداء مثله ، ولعلّه لم يتعرّض في النصوص لضمان المثل إيكالا إلى الارتكاز العقلائي وأنّ هذا ممّا يفهمه كلّ أحد ، فلو تلف المبيع بالعقد الفاسد وكان مثليّاً لزم أداء مثله للسيرة العقلائية كما ذكرنا .

وأمّا الكلام في المقام الثاني : وأنّ المثلي ما هو ، فقد عرّفوه بتعاريف ذهب المشهور إلى أنّ المثلي عبارة عمّا يتساوى أجزاؤه من حيث القيمة ، وبعضهم عرّفه بأنّه عبارة عمّا يكون فيه السلم وغير ذلك ، والمراد بالأجزاء هو الأفراد وإنّما عبّر بالأجزاء من جهة فرض جميع أفراد هذه الطبيعة شيئاً واحداً فيكون كلّ فرد بالاضافة إليه جزءاً . وأمّا المراد بالتساوي بحسب القيمة فقد فسّره الشيخ (قدّس سرّه)(1) بمساواة نسبة قيمة كلّ بعضين لنسبة كمّهما ، بأن يسوى نصف الشيء نصف قيمة المجموع وثلث الشيء ثلث قيمة المجموع وهكذا ، وقد قرّر الشيخ (رحمه الله) في هذا التفسير الأجزاء على ظاهره . وفيه : أنّه لا إشكال في تأثير الكمّ في القيمة ، بمعنى

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المكاسب 3 : 210 .

ــ[263]ــ

أنّ الشيء في الكمّ الكبير يباع أرخص منه في الكم الصغير ، فإنّ المنّ من الحنطة إذا قوّم بستّ دراهم فالحقّة منها لا تقوّم بدرهم واحد ، بل بأكثر من درهم مع أنّها سدس المنّ .

فالصحيح ما ذكرناه من إرادة الأفراد من الأجزاء وأنّ المراد من التساوي تساوي الأفراد من حيث القيمة، مثلا الحنطة إذا كان المنّ منها بدرهم فالمنّ الآخر منها يقوّم بدرهم ، بخلاف القيمي فان أفراده مختلفة القيمة ، وتوضيح ذلك : أنّ الصفات تارة تكون من قبيل الخصوصيات الشخصية التي لا دخل لها في القيمة وفي رغبات الناس فهي خارجة عن المقام ولا تعتبر في تشخيص المثلي عن القيمي ولهذا لا تكون مضمونة مع التلف فلو تلفت العين وفرض امكان إعادتها لم يجب ردّها نعم يجب ردّها ما دامت موجودة ، وأمّا الصفات التي يختلف بها الرغبات والقيم فهي تارة تكون شائعة في أفراد تلك الطبيعة كالحنطة والاُرز من أرض واحدة فان اُرز كل واحد من أطراف هذه الأرض مساو للاُرز في الطرف الآخر فيكون الاُرز مثلياً ، وهكذا الحنطة ، ومن المثليات جميع ما يخرج من المكائن من الأواني والأقمشة وغيرهما . وما قيل من أنّ الثوب من القيميات إنما عني به الثوب المخيط المنسوج باليد لا الأقمشة الجديدة غير المخيطة . وأمّا لو كان الوصف ممّا تختلف به القيم لكنّه لم يكن بشائع في جميع أفراد هذه الطبيعة بل كان موجوداً في الفرد الخاص دون الفرد الآخر فهو يعدّ من القيميّات كمقدار حمّصة من الفيروزج له خصوصيات تزيد بها القيمة وليست في غير هذا الفرد ، فربما يكون مقدار العدسة منه ديناراً والعدسة الاُخرى منه دينارين فهذا من القيميات دون المثليات .

ثم إنه لو أحرزنا كون شيء من القيميات أو المثليات فلابدّ من أداء المثل أو القيمة ، وأمّا لو شككنا في كون الشيء من المثلي أو القيمي فماذا يقتضيه الأصل ، هل الواجب أداء القيمة أو المرجع تخيير الضامن أو تخيير المالك أو غيرهما ؟ وجوه .

ــ[264]ــ

أمّا القول بوجوب أداء القيمة فهو يكون مبنيّاً على كون المقام من باب الأقل والأكثر ، لأن الأمر يدور بين كون الواجب أداء المالية فقط أو هي مع الخصوصيات المثلية ، فالقدر المتيقن هو الأقل وهو أداء المالية والزائد على ذلك محل للبراءة فيجب رعاية القيمة فقط .

وفيه : انّه لو كانت القيمة المعتبرة في ضمان القيميات عبارة عن المالية المشتركة بين جميع الأشياء لكان لما ذكره مجال ، ولكنه ليس كذلك لأن المراد من القيمة هو خصوص النقدين لأنهما متمحّضان في المالية وسائر الأشياء يقوّم بهما فاذا كان كذلك فيدور أمر تكليفه بين أداء القيمة أي النقدين وأداء المثل أي المالية مع الصفات المثلية ، فدوران الأمر بين المتباينين لا الأقل والأكثر .

وأمّا القول بتخيير الضامن فمتوقف على كون المقام من قبيل المتباينين وقيام الاجماع أو قاعدة لا ضرر على عدم وجوب الموافقة القطعية في الماليات فلا يجب عليه أداء المثل والقيمة معاً ، فلا محالة تصل النوبة إلى الموافقة الاحتمالية وهو أداء أحدهما فينتج التخيير في مقام الردّ ، فمدرك التخيير إمّا الاجماع أو قاعدة لا ضرر .

وأمّا مدرك تخيير المالك فهو عبارة عن قاعدة الاشتغال ، مع دوران الأمر بين المتباينين ، فإنّ الاشتغال اليقيني يقتضي الفراغ اليقيني وهو يحصل بدفع ما يختاره المالك ويرضاه .

ويرد على القولين معاً : أنّ الاجماع أو لا ضرر أو قاعدة الاشتغال لا ينحصر أثرها في التخيير ، بل يمكن أن يرجع إلى القرعة فانها لكل أمر مشكل ، أو يرجع إلى المصالحة القهرية فلا وجه للتخيير لهما ، كما لا وجه للالتزام بردّ القيمة من جهة دوران الأمر بين الأقل والأكثر ، بل يمكن القول بضمان المثل لوجهين : الأول رواية على اليد بناءً على صحتها . والثاني : السيرة العقلائية في الاستيلاء على مال الغير فإنّهما يقتضيان ردّ الأوصاف التي استولى عليها الضامن إلاّ فيما قام الدليل على عدم

ــ[265]ــ

وجوب ردّها وهو ما ثبت كونه قيمياً ، فما لم يثبت ذلك يجب ردّ الأوصاف بأداء المثل .

وبالجملة : القول بتخيير المالك أو الضامن مبني على كون المقام من قبيل المتباينين ، بأن يكون ما استقرّ في ذمّة الضامن مردّداً بين المثل والقيمة ، وليس كذلك ، فإنّ المستقرّ في ذمّة الضامن هو نفس العين بما لها من المالية والأوصاف النوعية والشخصية ، فإن أمكن ردّها بردّ العين وجب وإلاّ فيجب ردّ الأوصاف النوعية إلاّ فيما اُحرز عدم وجوبه فيجب ردّ المالية فقط بدفع القيمة . ولو تنزّلنا عن ذلك فالمرجع هو القرعة ، فإنّها لكلّ أمر مشكل ، ولا وجه للتخييرين .

ثم إنّه لو نزلت قيمة التالف المثلي يوم الردّ فالظاهر أنه يجب ردّ المثل دون القيمة، لأن حاله حال العين إذا كانت باقية وتنزّلت قيمتها السوقية ، فلا إشكال في أنّ ردّ الزائد عن المثل غير واجب على الضامن لأنه ضامن للمثل ولا ربط لنقصان القيمة في السوق به ، ويؤيّده ما عن محمد بن الحسن الصفّار عن محمد بن عيسى عن يونس قال « كتبت إلى أبي الحسن الرضا (عليه السلام) أنه كان لي على رجل (عشرة) دراهم وأنّ السلطان أسقط تلك الدراهم وجاء بدراهم أغلى (أعلى) من تلك الدراهم الاُولى ولها اليوم وضيعة ، فأي شيء لي عليه ، الاُولى التي أسقطها السلطان ، أو الدراهم التي أجازها السلطان ؟ فكتب (عليه السلام) : لك الدراهم الاُولى»(1) فإنّ الإمام (عليه السلام) حكم بأنّ له الدراهم الاُولى مع فرض تنزّل قيمتها وأنّ لها وضيعة ، ولا يتوهّم دلالتها على اشتغال الذمّة بالمثل حتّى مع فرض سقوطه عن المالية بالمرّة ، لأن الدراهم المتعارفة في تلك الأعصار كانت من الفضة فكانت لموادها مالية فاسقاط السلطان كان موجباً لنقصان ماليتها لا زوال ماليتها

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 18 : 206 / أبواب الصرف ب20 ح2.

ــ[266]ــ

رأساً ، فلو سقط المثل عن القيمة بالمرّة كما لو أخذ الثلج في الصيف ويريد أن يعطيه في الشتاء فالظاهر أنه يرجع إلى القيمة ولو كان المثل موجوداً أيضاً ، لأنّ مقتضى على اليد وسائر أدلة الضمان هو الضمان بالمال ولابدّ في مقام الردّ أن يكون مالا ، وبما أنّ المالية قد سقطت فلابدّ من أداء القيمة ، هذا في المثلي .

وأمّا لو تلف القيمي وكان المثل ميسوراً للضامن ، فالظاهر أنه يجب أداء المثل دون القيمة ، لأن الدليل على ضمان القيمي بالقيمة مطلقاً مقطوع العدم ، وإنما نقول في القيميات بضمان القيمة لأجل تعذّر المثل ، وأمّا إذا فرضنا وجود المثل للقيمي وإمكان أداء المثل في مقام الخروج عن عهدة الضمان فلا مجال إلاّ للمثل للسيرة العرفية كما ذكرنا .

فتلخّص ممّا ذكرنا : أنّ ما في الذمّة عبارة عن نفس العين غاية الأمر بما أنّ خصوصيات الفرد ليست قابلة للردّ ، لا بنفسها لكونها تالفة ولا ببدلها حيث لا بدل لها ، فلا محالة تصل النوبة إلى المثل وهو كلّي هذا الفرد مع الصفات النوعية أو الصنفية .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net