3 ـ تلف الأجزاء والأوصاف \ 4 ـ زوال الملكية 

الكتاب : التنقيح في شرح المكاسب - الجزء الاول : البيع-1   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4612


الثالث : تلف الأجزاء والأوصاف الدخيلة في المالية دون الملكية فبتلفها تزول المالية دون الملكية ، وتكون الغرامة بدلا عن مالية العين مع بقائها في ملك مالكها .


ــ[293]ــ

الرابع : ما إذا زالت الملكية أيضاً كما لو صار الخلّ خمراً فإنّ الشارع قد ألغى ماليتها وملكيتها إلاّ أنّه يبقى مجرد حقّ الأولوية للمالك مع ثبوت بدل الخلّ على الضامن .

ونقول : أمّا القسم الأوّل فالأمر كما ذكر غاية الأمر بعد دفع البدل تعتبر العين التالفة ملكاً للضامن إذا ترتّب عليه أثر كما في مسألة تعاقب الأيدي .

وأمّا الثاني فقد ذكرنا أنّه كالتلف الحقيقي فلابدّ من بذل عوض تمام المال بدلا عن العين المحكومة بالتلف عرفاً مع اعتبار العين ملكاً للضامن ، ولا يكون المورد مورد بدل الحيلولة ، بل مورد بدل الحيلولة على فرض ثبوته ما إذا تعذّر الوصول إلى المال لكنّه يوجد بعد مدّة ، فلابدّ من إعطاء البدل عوضاً عن الحيلولة .

وأمّا القسم الثالث فقد أشكل السيّد (قدّس سرّه)(1) في حاشيته فيه بأنّ الشيء بعد زوال وصفه لو كان ممّا ينتفع به فهو مال وإلاّ فلا تبقى الملكية أيضاً . ولكن الظاهر أنّ مراد الشيخ فيما يمكن الانتفاع به ، وذلك لأنّ زوال الوصف تارةً يوجب قلّة الانتفاع بالعين كالقصعة المكسورة بالنسبة إلى القصعة الصحيحة ، حيث إنّ نفعها أقلّ فيكون الكسر موجباً لنقصان المالية لا زوال المالية رأساً ، فلابدّ من تأدية الأرش ، إلاّ أن يدلّ دليل خاصّ على خلاف ذلك كما في البهيمة الموطوءة ، واُخرى يوجب سقوط العين عن قابلية الانتفاع بها مستقلا مع إمكان الانتفاع بها منضمّاً كأقلام من القصب إذا شقّت إلى شقوق ، أو صفحة قد كتبت فيها القصيدة فاُلقيت في الماء فانتشر حبرها ولا تقرأ بعده ، فإنّ القرطاس وإن لم ينتفع به مستقلا إلاّ أنّه لو انضمّ إليه مثله من القراطيس حتّى تبلغ حقّة أو وزنة يمكن الانتفاع به ، لأنّه يصرف في مصارف منها الاحراق ، وهكذا القلم المشقوق لو انضمّ إليه أخشاب اُخر

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) حاشية المكاسب (اليزدي) : 108 .

ــ[294]ــ

يستعمل لاشتعال النار ، ومن هذا القبيل الحبّة الواحدة من الحنطة أو الاُرز فإنّه لا يمكن الانتفاع بها مستقلّة ولكن إذا انضمّت إلى غيرها يمكن الانتفاع بها ، فزوال الوصف في كلّ هذه الأمثلة ـ ممّا لا ينتفع به مستقلا ولكن يمكن الانتفاع به منضمّاً إلى الغير ـ يوجب سقوط العين عن المالية دون الملكية ، ولعلّ هذا هو مراد الشيخ (رحمه الله) في القسم الثالث ، فلا منافاة بين بقاء الملكية وقابلية الانتفاع بالعين وبين سقوطها عن المالية . وثالثة يوجب سقوط العين عن قابلية الانتفاع مطلقاً بحيث لا يمكن الانتفاع بها لا مستقلا ولا منضمّا فيدخل في :

القسم الرابع : وهو ما إذا زالت الملكية أيضاً كما لو صار الخلّ خمراً فإنّه تزول ماليته وملكيته بحكم الشارع ، ولذا لو أتلفه شخص لم يكن ضامناً ، وهذا لا إشكال فيه إنّما الكلام يقع في بقاء حقّ الأولوية والاختصاص للمالك كما ذكره الشيخ (قدّس سرّه) وأنّ هذا الحقّ ثابت له أم لا ، فلابدّ من البحث في جهات :

الاُولى : في دليل إثبات أصل الحقّ ، فربما يقال بأنّ المالك كان له في المال إضافتان : الملكية والحقّ ، فإنّ المالك أحقّ بماله من غيره ، فإذا زالت الملكية بصيرورته خمراً بحكم الشارع يبقى الحقّ بحاله ، لكنّه دعوى بلا دليل . وهكذا دعوى أنّ الحقّ عبارة عن المرتبة الضعيفة من الملكية فتبقى بعد زوال المرتبة القوية منها ، لأنّ الملكية واحدة وقد زالت .

وقد يستدلّ بالاستصحاب حيث إنّ التصرف في ملك الغير حرام في الشريعة المقدّسة ، فبعد زوال الملكية لو شككنا في بقاء حرمة التصرف في العين يجري الاستصحاب . وفيه : أنّ موضوع حرمة التصرف هو ملك الغير أو مال الغير ، فمع سقوط العين عن المالية والملكية لا يبقى الحكم المذكور ، فلا مجال للاستصحاب هذا  .

ولكن عمدة الدليل لاثبات الحقّ للمالك هو السيرة العقلائية الممضاة عند

ــ[295]ــ

الشارع المقدّس فإنّه إذا ماتت شاة أحد يرى العقلاء المالك أولى بها من الغير ، لا أنّه والغير شرع سواء في التصرف والانتفاع بها ، ويشهد لذلك أنّ الخمر لو صار خلا أو الشاة عادت إلى الحياة بإذن الله تعالى فلا يشكّ أحد في كون هذا ملكاً للمالك لا أنّه من المباحات الأصلية ، فهذا شاهد على أنّ الحقّ فيما خرج عن الملكية ثابت للمالك دون غيره .

ثمّ إنّه ذكر بعض مشايخنا المحقّقين(1) في ردّ هذا الشاهد كلاماً وهو أنّ دخول الخلّ في ملك المالك كان معلولا عن سبب ومقتض كالبيع وأمثاله ، فإذا حصل المقتضي يؤثّر ، غاية الأمر عرض عليه المانع بقاءً وهو انقلابه إلى الخمر ، فإذا زال المانع أثّر المقتضي أثره فيكون ملكاً للمالك .

ولكنّه يردّه أمران : الأوّل أنّ المقتضي والمانع مجرّد اصطلاح ولا طريق لهما في الأحكام الشرعية ، بل الأحكام الشرعية تابعة لموضوعاتها وتدور مدارها وجوداً وعدماً ، وقد دلّ الدليل على أنّ الخلّ يملك بالشراء أو الارث ونحوهما ، فإذا فرضنا زوال الملكية بصيرورة الخلّ خمراً فإثباتها بعد صيرورة الخمر خلا ـ لأنّ هذا الخل مباين للخل السابق ـ يحتاج إلى دليل .

الثاني : أنّ السبب إنّما كان يقتضي الملكية الواحدة المستمرّة لا الملكية في كلّ آن ، فإذا زالت الملكية بالمانع فلا يقتضي السبب ملكية اُخرى بعد زوال المانع .

الجهة الثانية : أنّ حقّ الأولوية بالعين التي سقطت عن المالية والملكية يكون للمالك قبل أخذ البدل من الضامن ، وأمّا بعد أخذ البدل فينتقل الحقّ إلى الضامن بناءً على ما سبق من كون البدل عوضاً عن نفس العين بعد إغماض المالك

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) حاشية المكاسب (الأصفهاني) 1 : 445 .

ــ[296]ــ

عن الخصوصيات ، خلافاً لظاهر الشيخ (قدّس سرّه)(1).

الجهة الثالثة : أنّ الخل بعد صيرورته خمراً لو صار خلا فهل يجب على الضامن زائداً على ردّ الخلّ غرامة نقصانه وتعيّبه قبل ذلك أم لا ؟ الظاهر كما ذكرنا سابقاً أنّ مقتضى على اليد ردّ العين بتمامها وقد أدّاها ، فلا وجه لضمان نقصان القيمة أو خروجه عن الملكية في زمان .

بقي الفرع السابع من فروع بدل الحيلولة : وهو أنّ البدل لو أعطاه الضامن ثمّ زال التعذّر ووجد العين فهل يكون المالك بمجرد طروّ التمكّن من العين ممنوع التصرف في البدل أم يبقى في ملكه وله التصرف إلى أن يسلّط على ماله ؟ ذهب الشيخ (قدّس سرّه)(2) في المقام إلى أنّ البدل ملك للمالك وله التصرف فيه حتّى يرد الضامن ماله .

والإنصاف أنّه لا يمكن الجمع بين كلمات الشيخ (قدّس سرّه) حيث إنّه بناءً على مسلكه من أنّ البدل إنّما يكون عوضاً عن السلطنة الفائتة جمعاً بين الحقّين لا أنّه عوض عن نفس العين ، إذا زال التعذّر خرج البدل عن ملك المالك ولا يجوز له التصرّف ، لأنّه كان بدلا عن السلطنة الفائتة وقد حصلت ، مع أنّه يفتي بعدم خروج البدل عن ملك المالك بمجرد طروّ التمكّن ، وأمّا على ما سلكناه من أنّ البدل بدل عن العين فقد برئت ذمّة الضامن بأداء البدل وانقطع ملكه عن البدل كما انقطع ملك المالك عن العين ، فليس له حقّ مطالبة العين ، هذا .

وقد تحصّل من جميع ما ذكرنا إلى هنا : أنّ بدل الحيلولة لا دليل عليه إلاّ أن يقوم إجماع تعبّدي عليه فيعمل به في مورده ، هذا تمام الكلام في المقبوض بالعقد

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المكاسب 3 : 259 .

(2) المكاسب 3 : 268 .

ــ[297]ــ

الفاسد .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net