1 ـ اشتراط البلوغ \ معاملات الصبي 

الكتاب : التنقيح في شرح المكاسب - الجزء الاول : البيع-1   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 8730


شرائط المتعاقدين

المشهور بين الأصحاب بطلان عقد الصبي بل ادّعي الإجماع عليه كما عن الغنية(1) فلابدّ لنا من التكلّم في أفعال الصبي ، لأنّ فعله تارةً يكون من اُصول الدين واُخرى من فروعه . والثاني تارة لا يحتاج إلى القصد واُخرى يحتاج إليه والثالث تارة يكون في العبادات واُخرى في المعاملات .

أمّا الأوّل فكالإسلام فربما يقال بأنّ إسلامه ككفره في حكم العدم ، ولا أثر لهما ، إلاّ أنّه خرج منه إسلام علي بن أبي طالب (عليه السلام) هذا .

ولكنّه لا يمكن المساعدة على ذلك ، لأنّ الإسلام والكفر من الاُمور الواقعية يثبتان بتحقّق موضوعهما ، فلو أقرّ الصبي بالإسلام فهو مسلم حقيقة ويترتّب عليه آثار الإسلام ، ولا ريب أنّ الاطلاقات المتوجّهة إلى المسلمين شاملة للصبي أيضاً إلاّ ما ارتفع عنه بحديث رفع القلم مثل وجوب قتل المرتدّ الفطري وحبس المرتدّة في أوقات الصلاة حتّى تتوب ونحوهما ، وإنّما حكمنا بنجاسة صبيان اليهود والنصارى من أجل ذلك ، وهو شمول الاطلاقات لهم ، إذ لا دليل للتبعية ، فحينئذ يكون إسلام علي (عليه السلام) على وفق القاعدة ومشمولا للأدلّة لا من خواصه وعلى خلاف القاعدة .

وأمّا ما يرجع إلى فروع الدين ولا يحتاج إلى القصد فكالطهارة والنجاسة وصيرورته محدثاً بالنوم والبول ومحكوماً بالجنابة بالجماع والدخول ، فلا ريب أنّ سبب الحدث إذا تحقّق فيه يصير محكوماً بالمحدثية ، لاطلاق من جامع يجب عليه

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الغنية : 210 .

ــ[298]ــ

الغسل(1) المستفاد من الأدلّة ، غاية الأمر لا يكلّف برفع الحدث في زمان الصباوة حتّى يبلغ فيجب عليه الغسل لما في طهارة الوسائل عن الخصال مسنداً عن ابن ظبيان قال « اُتي عمر بامرأة مجنونة قد زنت فأمر برجمها فقال (عليه السلام) أما علمت أنّ القلم يرفع عن ثلاثة : عن الصبي حتّى يحتلم وعن المجنون حتّى يفيق وعن النائم حتّى يستيقظ »(2) حيث تدلّ على أنّ الصبي ليس بمكلّف .

وأمّا ما يصدر عن الصبي ممّا يعتبر فيه القصد فما كان من العبادات المستحبّة فيكون الصبي مشمولا لاطلاق أدلّتها مثل قوله « من زار الحسين (عليه السلام) عارفاً بحقّه كمن زار الله تعالى في عرشه »(3). ولا ترتفع بحديث رفع القلم ، لوروده في مقام الامتنان ، فلا يرتفع به إلاّ ما كان في رفعه امتناناً ويكون ثبوته كلفة والاستحباب ليس كذلك .

وأمّا الواجبات فأدلّتها في نفسها مطلقة أيضاً بالاضافة إلى غير البالغين ولذا ذكروا أنّ المرفوع بحديث رفع القلم بالاضافة إلى الصبي هو خصوص الالزام وأمّا أصل المطلوبية فهو باق على حاله .

ولكن فيه : أنّ الوضع الواحد للحكم إمّا يكون إلزامياً بالاضافة إلى جميع أفراد موضوعه وإمّا يكون ترخيصياً كذلك ، وأمّا أن يكون إلزامياً بالنسبة إلى بعض أفراد موضوعه وترخيصياً بالنسبة إلى البعض الآخر فغير ممكن ، وعليه فمقتضى حديث رفع القلم خروج الصبي عن أدلّة الواجبات بالكلّية فلا يستفاد منها أصل المشروعية أيضاً .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) راجع الوسائل 2 : 182 / أبواب الجنابة ب6 .

(2) الوسائل 1 : 45 / أبواب مقدّمة العبادات ب4 ح11 .

(3) كامل الزيارات : 149 ، بحار الأنوار 101 : 77 .

ــ[299]ــ

فلابدّ لمشروعية عبادات الصبي من التماس دليل آخر وهو ما في صلاة الوسائل عن الحلبي عن أبي عبدالله (عليه السلام) عن أبيه « قال : إنّا نأمر صبياننا بالصلاة إذا كانوا بني خمس سنين فمروا صبيانكم بالصلاة إذا كانوا بني سبع سنين  »(1) حيث إنّ الأمر بالأمر أمر ، ففي الحقيقة يكون الصبي مأموراً بأمر الشارع  ، وبعد ضمّ حديث رفع القلم إلى ذلك ورفع الالزام تثبت المطلوبية وبضميمة عدم القول بالفصل بين الصلاة وغيرها من العبادات تثبت المطلوبية في الجميع .

وأما معاملات الصبي فتارةً يقع الكلام في تصرّف الصبي بنحو الاستقلال في مال نفسه أو وليّه أو الغير واُخرى في تصرّفه بنحو الآلة للغير .

أمّا تصرّفه في مال نفسه بنحو الاستقلال فلا ريب في عدم نفوذه ولا يترتّب عليه الأثر ، وذلك لقوله تعالى (وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ)(2) وتقريبه أنّ الله سبحانه علّق جواز تصرف الصبي في أمواله على أمرين : الأوّل بلوغ النكاح الذي هو كناية عن البلوغ . والثاني  : إيناس الرشد ، فلا يجوز له التصرف قبل البلوغ والرشد أي لا ينفذ معاملته  .

وأمّا دعوى أبي حنيفة(3) من أنّ المناط حصول الرشد فهو خلاف الظاهر وإلاّ لزم أن يكون تحديده ببلوغ النكاح لغواً ، وأمّا وجه لزوم الابتلاء قبل البلوغ مع عدم وجوب دفع المال إلاّ بعده فواضح ، لأنّه لو كان ظرف الابتلاء بعد البلوغ

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 4 : 19 / أبواب أعداد الفرائض ب3 ح5 .

(2) النساء 4 : 6 .

(3) بدائع الصنائع 5 : 135 ، الفقه على المذاهب الأربعة 2 : 363 ، التفسير الكبير 9 : 187  .

ــ[300]ــ

لزم منعه عن ماله في برهة من الزمان حتّى يتمّ الابتلاء وهو لا يجوز .

ثمّ إنّ الآية الشريفة وإن كانت مختصّة بتصرّف اليتيم في أموال نفسه ولا تعمّ تصرّفه في مال غيره ، إلاّ أنّ تصرّفه في مال الغير بنحو الاستقلال كالوكلاء المفوّض إليهم الأمر غير نافذ أيضاً للأولوية أو لعدم القول بالفصل بين التصرف في ماله ومال الآخر . مضافاً إلى الروايات الواردة في المقام كما ورد في مقدّمة عبادات المستدرك عن عبدالله بن سنان عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال « سأله أبي وأنا حاضر عن اليتيم متى يجوز أمره ؟ فقال : حين يبلغ أشدّه ، قلت : وما أشدّه ؟ قال : الاحتلام ، قلت : قد يكون الغلام ابن ثماني عشر سنة لا يحتلم أو أقلّ أو أكثر ، قال : إذا بلغ ثلاث عشر سنة كتب له الحسن وكتب عليه السيّء وجاز أمره إلاّ أن يكون سفيهاً أو ضعيفاً »(1) حيث إنّ الرواية دلّت باطلاقها على أنّ كلّ ما يصدق عليه أمره من بيع أو صلح أو إجارة لا ينفذ قبل البلوغ ، سواء كان في مال نفسه أو مال غيره .

وأمّا تصرّف الصبي في مال نفسه أو مال الغير لا بالاستقلال بل بأن يكون بمنزلة الآلة في إنشاء الصيغة فقط أو في المعاطاة الخارجية ، فلا دليل على عدم جواز مثل هذا التصرف .

أمّا الرواية فظاهر ، لأنّ المراد بالأمر فيها بقرينة إسناد الجواز ما يكون قابلا للمضي ، وليس هو إلاّ البيع ونحوه ، ولا يشمل إجراء الصيغة ، والبيع في الفرض ليس أمراً للصبي ، بل أمر غيره من الولي والمالك .

وأمّا الآية فدلالتها أيضاً غير تامّة ، فإنّها في مقام بيان أنّ جواز دفع أمواله

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المستدرك 1 : 88 / أبواب مقدّمة العبادات ب4 ح12 . ورواها في الوسائل 18 : 412 / كتاب الحجر ب2 ح5 .

 
 

ــ[301]ــ

واستقلاله في التصرف إنّما يكون بعد البلوغ والرشد ، وأمّا لغوية عبارته فلا تدلّ عليها .

وأمّا قوله (عليه السلام) « رفع القلم عن الصبي حتّى يحتلم »(1) فلا ريب أنّ معناه ليس رفع المؤاخذة كما ذهب إليه الشيخ (قدّس سرّه)(2) لأنّ الرفع لابدّ أن يتعلّق بما يكون أمر رفعه ووضعه بيد الشارع ابتداءً وهي الأحكام ، بل معناه رفع الالزام أي كلّ حكم يكون فيه إلزام فهو مرفوع عنه ولا يلزم بشيء ، فليس فيه دلالة على رفع الأحكام عن البالغين لكون الصبي آلة .

فتحصّل إلى هنا عدم دلالة الأدلّة المتقدّمة على عدم العبرة بانشاء الصبي .

بقي في المقام الروايات المتضمّنة لكون عمد الصبي خطأ وهي ثلاث طوائف :

الاُولى : ما ورد فيها ذلك مطلقاً من غير تقييد بشيء ، وهي ما رواه محمّد بن مسلم عن أبي عبدالله (عليه السلام) « قال : عمد الصبي وخطؤه واحد »(3). وهذه مطلقة تشمل الجنايات وغيرها .

والثانية : ما ورد فيها ذلك مقيّداً بحمل العاقلة المقتضي لاختصاصها بباب الجنايات ، وهي رواية إسحاق بن عمّار عن جعفر عن أبيه (عليهما السلام) « أنّ علياً (عليه السلام) كان يقول : عمد الصبيان خطأ تحمله العاقلة »(4).

والثالثة : ما اقترن فيها ذلك بالتقييد بحمل العاقلة ورفع القلم ، وهي ما رواه أبو البختري عن جعفر عن أبيه عن علي (عليهم السلام) « أنّه كان يقول : في المجنون

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 1 : 45 / أبواب مقدّمة العبادات ب4 ح11 .

(2) المكاسب 3 : 278 .

(3) الوسائل 29 : 400 / أبواب العاقلة ب11 ح2 .

(4) الوسائل 29 : 400 / أبواب العاقلة ب11 ح3 .

ــ[302]ــ

والمعتوه الذي لا يفيق والصبي الذي لم يبلغ عمدهما خطأ تحمله العاقلة وقد رفع عنهما القلم »(1).

ثمّ إنّ حمل المطلق على المقيّد غير جار فيها بعد كونهما مثبتين ، لأنّه لا منافاة بين كون عمد الصبي بمنزلة الخطأ في باب الجنايات وكونه كذلك في سائر الأبواب أيضاً ، ولكن نقطع بأنّ الاطلاق ليس بمراد من الرواية الاُولى لوجهين : وجود المانع وعدم المقتضي .

أمّا وجود المانع فهو أنّه لو كانت هذه القضية عامّة في جميع الموارد يلزم صحّة صلاة الصبي وصومه لو صلّى إلى غير جهة القبلة عمداً أو أفطر عمداً في أثناء صوم شهر رمضان أو لم يأت بغير الأركان في الصلاة عمداً وقس على ذلك ، وذلك كلّه من جهة أنّ عمده خطأ ، مع أنّه لم يلتزم فقيه بصحّة هذه الأعمال ، وأمّا عدم المقتضي فلأنّ ظاهر قوله (عليه السلام) « عمده وخطؤه واحد » أنّه لابدّ أن يكون للعمد أثر وللخطأ أثر ، فيقال لو صدر عنه الفعل في حال العمد يترتّب عليه أثر الخطأ وهو منحصر في باب الجنايات ، لأنّ القتل على ثلاثة أقسام : إمّا عمدي وأثره القصاص  ، أو خطأ وأثره ثبوت الدية على العاقلة ، أو شبه العمد وأثره ثبوت الدية على الجاني ، فنقول في الصبي لو قتل عمداً يترتّب عليه حكم الخطأ ، وأمّا ما لا يكون لخطائه أثر كالبيع فإنّ العمدي من البيع يترتّب عليه الأثر وأمّا البيع الخطائي فلا ، لأنّ فساده من جهة عدم العقد الصحيح لا من أجل العقد الخطائي فحينئذ لا تشمله الرواية ، ولو سلّمنا وجود مورد في الفقه في غير باب الجنايات يكون فيه للخطأ من الفعل أثر أيضاً كإتيان الزيادة في الصلاة عمداً أو سهواً فإنّه يؤثّر في البطلان في الأوّل ولزوم سجدة السهو في الثاني أو في بعض موجبات الكفّارة في

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 29 : 90 / أبواب القصاص في النفس ب36 ح2 .

ــ[303]ــ

الحجّ لا يكون مشمولا للحديث أيضاً ، لأنّ التكليف فيها متوجّه إلى فاعل الفعل الخطئي ، وقد عرفت أنّ التكليف مرفوع عن الصبي بحديث رفع القلم ، فبعد ضمّ حديث رفع القلم إلى تلك الروايات أعني روايات عمد الصبي خطأ ينحصر موردها فيما إذا كان الفعل الخطئي موضوعاً لتكليف متوجّه إلى غير الفاعل من البالغين ، وهو مختصّ بباب الجنايات .

فتحصّل : أنّ شيئاً من حديث أمر اليتيم وحديث رفع القلم وغيرهما لا يدلّ على سلب عبارته ، كما أنّ عدم نفوذ تصرّفه لا ينافي ترتّب الأثر عليه بعد بلوغه ولذا نقول : بأنّ الصبي لو أتلف مال الغير وإن لم يكن ملزماً بالتدارك في زمان الصباوة لحديث الرفع ، إلاّ أنّه يلزم بالضمان بعد البلوغ لشمول من أتلف له .

بقي الكلام في استدلال الشيخ (قدّس سرّه)(1) برواية أبي البختري على إلغاء عبارة الصبي وتقريبه : أنّ قوله (عليه السلام) في ذيل الرواية « وقد رفع عنهما القلم  » لا يرتبط بسابقه إلاّ بأن يكون علّة لقوله (عليه السلام) « تحمله العاقلة » أو معلولا لقوله (عليه السلام) « عمده خطأ » بمعنى أنّ الصبي بما أنّه غير ملزم يكون دية جنايته على عاقلته ، أو بما أنّ عمده خطأ عند الشارع قد رفع عنه الالزام ، ومقتضى عموم رفع الالزام عن الصبي أن يكون مسلوب العبارة أيضاً لا مجرد نفي الأثر عن صورة استقلاله وإلاّ لزم تقييد الرفع بصورة الاستقلال في التصرف ، والمفروض أنّ رفع القلم يعمّ صورة عدم الاستقلال ، هذا ملخّص استدلاله على إلغاء سلب عبارة الصبي .

وفيه : أنّ رفع القلم لا يكون علّة لاثبات الدية على العاقلة ، لأنّ نفي الحكم عن الصبي كيف يكون علّة لاثبات الحكم على الآخر ، إذ لا يرتبط أحدهما بالآخر

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المكاسب 3 : 282 .

ــ[304]ــ

ولا ملازمة بين ارتفاع القلم عن الصبي وثبوت الدية على عاقلته فضلا عن العلّية إذ يمكن ارتفاع الدية رأساً ، وعلى فرض ثبوت الدية من جهة عدم ذهاب دم المسلم هدراً ، يمكن أن تكون ثابتة على بيت المال أو على جميع المسلمين لا خصوص العاقلة .

وعلى أيّ حال لا يصحّ جعل رفع القلم عن الصبي في الرواية علّة لثبوت الدية على العاقلة كما لا يصحّ جعله معلولا لكون عمده خطأ ، لأنّ قوله (عليه السلام) « عمدهما خطأ » تنزيل بلسان الحكومة أي توسعة في موضوع الخطأ حتّى يشمل عمد الصبي أيضاً ويكون معنى التنزيل نفي حكم المنزّل عنه وإثبات حكم المنزل عليه ، كقوله لا شكّ لكثير الشكّ بمعنى أنّ آثار الشك منتفية وآثار القطع ثابتة له فمعنى « عمده خطأ » أن يثبت الدية وهو حكم الخطأ ويرفع حكم العمد وهو القصاص وهذا معنى رفع القلم ، فيكون رفع القلم مقوّماً ومتمّماً لمعنى التنزيل ومبيّناً لكون عمده خطأ لا معلولا له ، فلا يمكن استفادة سلب عبارته من هذه الرواية ، فلابدّ أن تختصّ بباب الجنايات .

وعلى تقدير تسليم أنّ معنى رفع القلم في هذه الرواية رفع مطلق الالزام والالتزام عن الصبي سواء كان بنحو الاستقلال أو بإذن الولي كما ذكره الشيخ (قدّس سرّه) فلا دلالة فيها على سلب عبارة الصبي ، إذ لا منافاة بين رفع الالزام وعدم كون عبارته مسلوبة الأثر .

ثمّ إنّه يقع الكلام في سائر الأفعال التي تصدر عن الصبي ، منها مسألة الاتلاف وأنّه إذا أتلف شيئاً هل يكون ضامناً أم لا ؟ فنقول : أمّا قوله (عليه السلام) «  عمده وخطؤه واحد » فلا ريب في خروج الاتلاف عنه تخصّصاً ، لأنّ الاتلاف لا يتوقّف على القصد ولا يكون من الأفعال القصدية حتّى يرفع أثره بالرواية . وأمّا رواية عدم جواز أمر اليتيم فلا تشمله أيضاً  ، لعدم صدق أمر اليتيم على إتلافه

ــ[305]ــ

خصوصاً بعد إسناد عدم الجواز إليه .

وأمّا حديث رفع القلم فهو أيضاً غير رافع للضمان عنه ، لأنّ مقتضى الحديث رفع الالزامات الدنيوية والاُخروية عن الصبي ، والضمان ليس منها ، نعم هو يوجب وجوب الأداء بعد البلوغ من جهة الاتلاف الذي صدر منه قبل البلوغ ، للقاعدة المسلّمة بينهم من أنّ من أتلف مال الغير فهو له ضامن ، نظير الجنابة الحاصلة قبل البلوغ حيث لا إلزام عليه بالاغتسال قبله إلاّ أنّه يلزم به بعد البلوغ فيما يشترط فيه الطهارة لقوله تعالى (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا)(1).

ومنها : مسألة التعزير وأنّه هل يعزّر الصبي أم لا ؟ فإن قلنا إنّ المراد من حديث رفع القلم عن الصبي ومن قوله (عليه السلام) « عمده خطأ » أنّ الآثار الثابتة للبالغين في عمدهم ليست ثابتة للصبي كما ذهب إليه الشيخ (قدّس سرّه)(2) فلا مانع من ثبوت التعزير له ، وخروجه عن تلك الأحكام يكون بنحو التخصّص ، إذ لا يكون التعزير ثابتاً للبالغين حتّى يرفع في ناحية الصبي ، فلا مانع من تعزير الصبي بحسب مصلحة الحاكم . وأمّا لو كان المراد رفع مطلق الآثار الالزامية فيكون التعزير ثابتاً للصبي بعنوان التخصيص في تلك الأدلة كما اُمر في الشريعة بضرب الصبيان للصلاة ، وهذا تخصيص لأدلة رفع مطلق الالزام عنهم ، فيثبت لهم التعزير حسب ما يراه الحاكم الشرعي من المصالح .

ومنها : ما لو حاز شيئاً أو سبق إلى شيء لم يسبق إليه غيره كاصطياد سمكة من البحر أو وجد لقطة دون الدرهم أو شاة في البرّ فهل يملك أو لا ، لأنّ عمده خطأ  ؟ فنقول : إنّ إثبات عدم الملك في تلك الموارد للصبي متوقّف على إثبات

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المائدة 5 : 6 .

(2) المكاسب 3 : 282 .

ــ[306]ــ

أمرين  :

الأوّل : اعتبار قصد التملّك في حصول الملكية ، وبما أنّ قصده كلا قصد لا يملك  . وفيه : أنّ الأدلة مطلقة كقوله (عليه السلام) « من سبق إلى مكان فهو أحق به  »(1) أو « من أحيى أرضاً ميتة فهي له »(2) إذ ليس فيها اعتبار القصد .

والثاني : إثبات أنّ قصده كلا قصد . وهو ممنوع أيضاً ، لأنّ المراد من قوله «  عمده وخطؤه واحد » أنّ ما كان من افعال البالغين لعمده أثر ولخطئه أثر آخر ينزّل عمد الصبي فيه منزلة الخطأ ويترتّب أحكام المنزل عليه على المنزل بعد رفع أثر المنزّل ، وهو مختص بباب الجنايات فلا يكون معناه أنّ قصده كلا قصد .

فقد تحصّل من جميع ما ذكرنا : أنّ شيئاً من معاملات الصبي لا ينفذ إلاّ خصوص الوصية ، حيث ورد النصّ بصحّتها كما سيأتي .

وأمّا ما كان خارجاً عن العقود والايقاعات كالقبض والقصد في الحيازات بناءً على اعتباره فهو صحيح ونافذ من الصبي ، فلو أقبض شخص الصبي شيئاًيكون قبضه نافذاً ويترتّب عليه الأثر ، لأنّ عمدة الدليل على عدم نفوذ الأمر من الغلام هو قوله : متى يجوز أمر اليتيم ؟ قال (عليه السلام) إذا بلغ أشدّه(3) وهو مختصّ بما يصدق عليه أمر اليتيم وهي العقود والايقاعات .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 5 : 278 / أبواب أحكام المسجد ب56 ح1 و2 (مع اختلاف يسير) .

(2) الوسائل 25 : 413 / كتاب إحياء الموات ب2 ح1 (مع اختلاف يسير) .

(3) الوسائل 18 : 412 / كتاب الحجر ب2 ح5 (مع اختلاف) .

ــ[307]ــ

   قوله (رحمه الله) : ووصيته وايصال الهدية وإذنه في الدخول(1) .

   قوله (رحمه الله) : بين أن تكون في الأشياء اليسيرة أو الخطيرة(2) .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1)(1) أمّا الوصية من الصبي البالغ عشر سنين فمنصوص عليها(2) وأمّا إيصال الهدية وإذنه في الدخول فلم نعرف وجهاً لاستثنائهما لعدم دخولهما في المستثنى منه ، فانّه تصرّفات الصبي التي تكون موضوعاً لأثر شرعي وليس شيء من الأمرين كذلك . أمّا إيصال الهدية فلعدم كونه مقوّماً لعقد الهبة ولذا يمكن تحققه بواسطة حيوان ونحوه  . وأمّا الاذن في الدخول إلى دار الغير فليس في نفسه موضوعاً لجواز الدخول  ، فان حصل منه الاطمئنان برضى المالك كما هو الغالب فهو المعتبر وإلاّ فلا يجوز التصرف في مال الغير سواء كان الآذن بالغاً أو صبياً ، فلا معنى لاستثنائهما بعد عدم دخولهما في مورد البحث .

(2) استدلّ على التفصيل بين الاُمور الحقيرة وغيرها بقيام السيرة على نفوذ معاملة الصبي في الاُولى ، وبقوله (عليه السلام) « نهى النبي (صلّى الله عليه وآله) عن

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) ] من هنا إلى ص398 لم يوجد في مخطوطة المؤلّف نقلناها من محاضرات في الفقه الجعفري مع تصحيح وتحقيق منّا [ .

(2) روي عن أبي بصير عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : « إذا بلغ الغلام عشر سنين وأوصى بثلث ماله في حق جازت وصيته » وعن منصور بن حازم عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : «  سألته عن وصية الغلام هل تجوز ؟ قال : إذا كان ابن عشر سنين جازت وصيته » وعن عبدالرحمن بن أبي عبدالله عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : « إذا بلغ الصبي خمسة أشبار اُكلت ذبيحته وإذا بلغ عشر سنين جازت وصيته » وعن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : « إذا أتى على الغلام عشر سنين فانّه يجوز له في ماله ما أعتق أو ما تصدّق أو أوصى على حدّ معروف وحق فهو جائز » ] الوسائل 19 : 361 ـ 363 / كتاب الوصايا ب44 ح2 ، 7 ، 5 ، 4 [ .

ــ[308]ــ

كسب الصبي ما لم يحسن صنعة بيده معلّلا بأنّه إن لم يجد سرق »(1) بدعوى ظهور التعليل بالأمر العرضي في ذلك ، فانّ عقد الصبي لو لم يكن نافذاً كان الأنسب أن يعلّل النهي به .

ولكن الظاهر عدم دلالة شيء منهما . أمّا السيرة فان كان المدّعى قيامها على نفوذ معاملة الصبي فيما إذا كان آلة لاجراء العقد أو القبض فهو وإن كان حقاً كما عرفت إلاّ أنّه غير مختص بالأشياء اليسيرة ، فانّا بيّنا في المعاطاة عدم توقفها على الأخذ والاعطاء أصلا على ما هو المتعارف كما في دخول الحمّام ووضع الثمن في دخل الحمّامي ، ولا يقلّ قبض الصبي عن عدمه ولا عن دخل الحمّامي .

وبالجملة : ما عليه السيرة من نصب الصبي على الدكان إنّما هو من جهة أن لا يسرق أحد من الدكان شيئاً لا من جهة المعاملة معه مستقلا فانّه بمنزلة كوز الحمامي  . نعم فيما إذا كان القبض مقوّماً للعقد كما في الهبة لا اعتبار بقبض الصبي ، لا بما أنّه قبض بل من حيث كونه التزاماً مقوّماً لقبول العقد وهو مرفوع عن الصبي .

وإن كان المدّعى قيام السيرة على نفوذ معاملة الصبي مطلقاً فهو ممنوع من المتديّنين . وأمّا الاستدلال بالخبر فهو مضافاً إلى ضعفه بالسكوني ، أنّ المراد بالكسب إن كان معناه المصدري فلا محالة يكون النهي تنزيهيّاً متوجّهاً إلى أولياء الصبي للحكمة المذكورة فيه وعليه فهو أجنبي عن المقام ، وإن كان المراد به المكسوب فالمنهي عنه هو أخذ مطلق ما يحصل في يد الصبي نظير النهي عن كسب الاماء معلّلا بأنهنّ إن لم يجدن زنين(2).

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 17 : 163 / أبواب ما يكتسب به ب33 ح1 .

(2) نفس المصدر السابق .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net