لو رضي المكره بما فعله حال الاكراه 

الكتاب : التنقيح في شرح المكاسب - الجزء الاول : البيع-1   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4259


ــ[349]ــ

      قوله (رحمه الله) : لو رضي المكره بما فعله صح العقد(1).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ذكرنا سابقاً من تقوّم الاكراه بالعجز حتّى عن التورية ، وأنّ مجرد القضية الشرطية لا يحقق عنوان الاكراه ، ولعل هذا مورد حكم العلاّمة بالصحة ومراده من قوله : لو طلّق ناوياً فالأقرب وقوع الطلاق(1).

(1) ربما يقال بعدم ترتّب الأثر على عقد المكره حتى بعد لحوق الرضا به والوجه في ذلك أحد أمرين :

الأوّل : اعتبار مقارنة طيب نفس المالك ورضاه مع العقد في مفهومه ، فلا يصدق عنوان العقد مع عدم مقارنة الرضا .

وفيه : أنّ العقد ليس إلاّ كبقية المفاهيم مثل الأكل والشرب ونحوهما ، ومن الواضح أنّ الداعي لا دخل له في شيء من تلك المفاهيم ، فالأكل يصدق على الأكل الخارجي بأيّ داع حصل من طيب النفس أو الاكراه أو غير ذلك ، وهكذا مفهوم الشرب ، وكذلك مفهوم العقد . ولولا ذلك لزم عدم صدق العقد على بيع الفضولي وعدم صدقه على بيع المكره بحق ، فلابدّ وأن يكون ترتّب الأثر عليه بالتعبّد الشرعي لا بما أنّه عقد ، وهو كما ترى .

الثاني : اعتبار مقارنة رضا المالك في صحة العقد لا في مفهومه . وهذا وإن لم يكن كسابقه بديهي الفساد إلاّ أنّ اعتبار ذلك في الصحة مع صدق العقد بدونه يحتاج إلى دليل ، ولا دليل على اعتباره وإلاّ لزم بطلان عقد الفضولي وإن لحقته الاجازة لعدم اقترانه برضا المالك .

وهناك وجهان آخران ، وهو اعتبار مقارنة رضا العاقد في مفهوم العقد أو في

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) التحرير 4 : 51 .

ــ[350]ــ

صحته . وقد ظهر الجواب عنهما بما تقدّم ، مضافاً إلى أنّ لازمه فساد بيع العاقد المكره على إنشاء الصيغة من قبل المالك ، وقد مرّ صحته .

وبالجملة : صحة بيع الفضولي بلحوق الرضا تستلزم صحة بيع المكره بلحوق طيب نفس المالك ، بل في بيع المكره مرجّح للصحة ، وهو صدور العقد من المالك دون بيع الفضولي ، فانّهما مشتركان في عدم مقارنة العقد لطيب نفس المالك ، إلاّ أنّ الانشاء أيضاً في بيع الفضولي غير ناش من المالك بخلاف بيع المكره . اللهم إلاّ أن يدّعى الفرق بين بيع الفضولي وبيع المكره ، ويدّعى قيام الدليل على اعتبار مقارنة العقد مع الرضا .

أمّا الفرق بين بيع الفضولي والمكره فهو أنّ ظاهر قوله تعالى : (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)(1) توجه الخطاب إلى الملاّك ووجوب وفاء كل مالك بالعقد المستند إليه وليس الخطاب متوجهاً إلى غير الملاّك ولا إلى المالك الذي لم يستند العقد إليه ، كما أنّ ظاهر قوله تعالى : (فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ)(2) وجوب غسل كل شخص وجه نفسه ويديه ، لا أن يغسل كل أحد وجه غيره ويديه ، فالأمر بالوفاء بالعقد أيضاً كذلك لا يراد به لزوم وفاء المالك بالعقد الصادر عن غيره .

ثم إنّ عقد الفضولي لا يكون عقداً للمالك ولا يستند إليه قبل إجازته ورضاه  ، وعليه فخروجه عن عموم (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) قبل لحوق الاجازة به يكون بالتخصص ، لعدم كونه عقداً للمالك ، فإذا لحقته الاجازة يدخل حينئذ في عنوان العقود فيعمّه حكمها ، وهذا بخلاف عقد المكره ، فإنّ خروجه عن عموم الآية إنّما يكون بالتخصيص بمقتضى حديث رفع الاكراه ، لأنّه قبل لحوق الاجازة أيضاً عقد

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المائدة 5 : 1 .

(2) المائدة 5 : 6 .

ــ[351]ــ

مستند إلى المالك ، فإذا خرج عن العموم بالتخصيص ، فرجوعه إليه بعد لحوق الرضا يحتاج إلى دليل ، وهذا هو الفارق بينهما .

ثمّ إذا استفدنا الحصر من قوله تعالى : (إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاض) كما هو الصحيح ، لأن الاستثناء فيه متصل لا منقطع كما زعمه المصنّف في المقام ، والمعنى لا تأكلوا أموالكم بوجه من الوجوه فإنّه باطل إلاّ أن تكون تجارة عن تراض ، فيفيد حصر سبب حل الأكل بالتجارة عن تراض ، ويصدق التجارة عن تراض على بيع الفضولي إذا لحقته الاجازة ، ولا يصدق التجارة الناشئة عن الرضا على بيع المكره بعد لحوق الرضا إليه ، لتأخّر الرضا عن تجارة المالك .

وبالجملة : يمكن الفرق بين بيع المكره وبيع الفضولي بما ذكرناه من أنّ بيع المكره من حين صدوره يستند إلى المالك ، فإذا خرج عن عموم (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)بالتخصيص فعوده إليه بعد لحوق الرضا يحتاج إلى دليل ، وهذا بخلاف بيع الفضولي فانّه إنّما يستند إلى المالك ويدخل في موضوع الآية حين لحوق الاجازة ، فيثبت له الحكم ويترتّب عليه الأثر .

إلاّ أنّ المصنّف(1) استدلّ على صحة بيع المكره بعد لحوق الرضا بوجهين :

أحدهما : أنّ رفع أثر بيع المكره بعد لحوق رضاه ـ أعني صحته حينئذ ـ خلاف الامتنان عليه ، فلا يعمّه حديث الرفع ، إذ لعل البيع يكون صلاحاً له فيرضى به . نعم ] عدم [ ترتّب الأثر عليه قبل لحوق الرضا به موافق للامتنان .

وفيه : أنّ ما أفاده مناف لما أوضحه في بحث الاُصول(2) من أنّ حديث الرفع إنّما يرفع الآثار المترتّبة على الموضوعات بعناوينها إذا كان رفعها موافقاً

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المكاسب 3 : 331 .

(2) فرائد الاُصول 1 : 363 .

ــ[352]ــ

للامتنان ، ولا يعمّ الأثر المترتّب عليها بعنوان العمد أو بعنوان الاكراه ونحوه من الاُمور المذكورة في الحديث ، وعليه فصحة بيع المكره إذا لحقه الرضا إن دلّ عليها دليل يكون حكماً ثابتاً لعنوان الاكراه ، فلا يعمّها حديث الرفع ، سواء كان رفعها موافقاً للامتنان أو مخالفاً له . نعم لا دليل في مقام الاثبات على صحة عقد المكره بعد لحوق الرضا .

ثانيهما : ما أطال فيه الكلام وحاصله : منع حكومة حديث الرفع على أدلّة صحّة البيع ووجوب الوفاء بالعقود ، وذلك لأنّ قوله تعالى : (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)و  (أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ) مخصص بالمرضي بحكم العقل وغيره ، فليس له إطلاق ، وعليه فالعقد غير المرضي به ليس موضوعاً لأدلّة الصحة ليعمّه حديث الرفع ، وأمّا المرضي به ، فإن كان الرضا به مقارناً يستحيل أن يتعلّق به الاكراه أيضاً ويكون مكرهاً عليه أيضاً ، فانّهما متناقضان فلا يعمّه رفع الاكراه ، وأمّا إن كان الرضا به لاحقاً فذات العقد الملحوق بالرضا جزء للسبب وليس موضوعاً للأدلة ليعمّه حديث رفع الاكراه ، فعلى أيّ تقدير ليس حديث الرفع حاكماً على أدلّة صحّة العقود .

وفيه : أنّه إنّما يتمّ لو كان تخصيص دليل الوفاء بالعقد بحديث الرفع في طول تخصيصه بحديث « لا يحل مال امرئ مسلم إلاّ بطيب نفسه »(1) وقوله تعالى (إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاض)(2) وغيره ممّا دلّ على اعتبار الرضا في صحة العقد ، وليس الأمر كذلك ، بل تخصيصه بكل من المخصصين عرضي ، فانّ حديث الرفع أيضاً مخصص لعموم الوفاء بالعقود غايته بلسان الحكومة ، وقد ذكرنا في بحث انقلاب

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 5 : 120 / أبواب مكان المصلّي ب3 ح1 (باختلاف يسير) .

(2) النساء 4 : 29 .

ــ[353]ــ

النسبة(1) أنّه إذا ورد مخصصان على عام واحد يخصص بهما معاً ، وعليه فيخصص عموم الآية بكل من حديث رفع الاكراه وما دلّ على اعتبار طيب النفس  ، ويخرج عنه العقد المكره عليه ، ورجوعه إلى حكم العام بعد لحوق الرضا يحتاج إلى دليل وهو مفقود ، فلا يتم شيء من الوجهين اللذين أطال المصنف الكلام فيهما .

إلاّ أنّ الصحيح مع ذلك كلّه صحّة عقد المكره بعد لحوق الرضا به ، وذلك لأنه ليس المراد من العقد إنشاؤه الذي لا بقاء له ، بل المراد به الأمر الاعتباري من المبادلة وحصول النقل والانتقال الذي له بقاء واستمرار في عالم الاعتبار ، وعليه فما لم يلحق به الرضا يكون العقد مكرهاً عليه فيعمّه حديث رفع الاكراه ، وأمّا إذا لحقه الرضا فليس العقد بقاء مصداقاً للمكره عليه .

ومن الواضح أنّ حديث رفع الاكراه إنّما يرفع الأثر ما دام الاكراه متحققاً ويصدق عليه عنوان المكره عليه ، فإذا رضي به المالك بقاءً صار العقد مصداقاً للتجارة عن تراض ، فيعمّه دليل الصحة .

وبعبارة اُخرى : إذا كان للعام أو المطلق استمرار فورد عليه المخصص في مقدار من الزمان ، لا مانع من التمسك به في الزائد على ذلك المقدار من الزمان فقوله تعالى : (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) له استمرار من حيث الزمان ، وقد خصص ما دام العقد كان مكرهاً عليه ، وأمّا إذا رضي به المالك وخرج عن عنوان المكره عليه فيعمّه الآية المباركة ، ويؤكّده المقابلة بين التجارة عن تراض وأكل المال بالباطل في الآية الشريفة ، فانه إذا غصب أحد من غيره شيئاً فهو مصداق لأكل المال بالباطل ما لم يرض به المالك ، فإذا رضي لم يكن من الأكل بالباطل ، فلا محالة يكون مصداقاً للتجارة عن تراض .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) مصباح الاُصول 3 (موسوعة الإمام الخوئي 48) : 467 .

ــ[354]ــ

والحاصل : أنّ الظاهر صحة عقد المكره إذا لحقه رضا المالك ، إلاّ أنه ربما يستشكل فيها بما ذكر فارقاً بين عقد المكره وعقد الفضولي ، من أنّ عقد الفضولي إنّما يستند إلى المالك مقارناً لحصول طيب نفسه ورضاه ، فيعمّه عموم (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)بخلاف عقد المكره فانّه يكون مستنداً إلى المالك قبل طيب نفسه ورضاه ، ومع ذلك لم يكن مشمولا لعموم الدليل ، فشموله له بعد الرضا يحتاج إلى دليل .

ولكنّك قد عرفت أنّ هذا الفرق ليس بفارق ، فانّ عقد المكره وإن لم يكن مقارناً مع رضا المالك حدوثاً إلاّ أنّه مقارن معه بقاء ، فيعمّه عموم (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)بقاء كما عرفت ، فلا فرق بينه وبين عقد الفضولي .

ثم إنّه يمكن تقريب صحة بيع المكره بوجه آخر يقرب من أوّل الوجهين المذكورين في كلام المصنف : وهو أنّ الآثار المترتّبة على الأفعال بعناوينها الأوّلية منها ما يكون رفعها موافقاً للامتنان مطلقاً كالأحكام التكليفية كحرمة شرب الخمر  ، فانّ رفعها موافق للامتنان في مورد الاكراه والاضطرار والخطأ والنسيان مطلقاً . ومنها : ما يكون رفعها مخالفاً للامتنان كذلك كالآثار الوضعية في مورد الاضطرار ، فانّ رفعها مخالف للامتنان على الاطلاق . ومنها : ما يكون رفعها موافقاً للامتنان في بعض الحالات دون بعض ، فحديث الرفع بناءً على كونه وارداً مورد الامتنان ـ كما هو الظاهر ـ يكون رافعاً لما هو من قبيل الأوّل مطلقاً ، ولا يكون رافعاً لما هو من قبيل الثاني مطلقاً ، وفي الثالث يرفع الأثر في الحال الذي يكون رفعه امتناناً ولا يكون رافعاً له فيما ليس رفعه امتناناً ، ففي المقام ارتفاع أثر بيع المكره قبل لحوق الرضا موافق للامتنان فيرتفع ، وفي حال لحوق الرضا مخالف للامتنان فلا يرتفع .

وبعبارة اُخرى : لدليل (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) إطلاق أزماني ، فيثبت به الملكية مستمرة من زمان تحقق العقد إلى الأبد ، ففي بيع المكره يقيّد إطلاقه بحديث الرفع في




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net