أدلّة بطلان بيع الفضولي للمالك 

الكتاب : التنقيح في شرح المكاسب - الجزء الاول : البيع-1   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 5007


ما استدلّ به على بطلان بيع الفضولي للمالك

ثمّ إنّهم استدلّوا على بطلان الفضولي بالأدلّة الأربعة .

أمّا الكتاب : فقد استدلّوا بقوله تعالى (لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَنْ

ــ[405]ــ

تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاض)(1) والاستدلال بالآية من وجهين :

أحدهما : بدلالة الاستثناء على انحصار حلّية الأكل في التجارة عن تراض والفضولي ليس عن تراض .

وثانيهما : بمفهوم الوصف المستفاد من تقييد التجارة بكونها عن تراض ، فإنّه بمفهومه يقتضي حرمة الأكل فيما إذا لم تكن عن تراض .

وقد أجاب شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه)(2) عن الوجه الأوّل : بأنّ الاستثناء منقطع ، لأنّ التجارة عن تراض غير داخلة في المستثنى منه حتّى تخرج منه ، والاستثناء المنقطع ممّا لا يدلّ على الحصر ، وإنّما ادّعوا ذلك في الاستثناء المتّصل فقط ، لأنّا إذا قلنا بأنّه ما جاءنا من العلماء إلاّ حمار فلا يستفاد منه أنّه لم يجئنا غير الحمار شيء آخر كالفرس ونحوه .

والجواب عن ذلك : أنّا ذكرنا في محلّه وأشرنا إليه في بحث الاكراه(3) وقلنا إنّ الاستثناء المنقطع ممّا لا يقبله الذوق بل ربما يعدّ من الأغلاط كما إذا قيل : ما رأيت أحداً من العلماء إلاّ بطيخاً ، إذ لا ربط بين العلماء والبطيخ ، فلا يصحّ الاستثناء إلاّ إذا كان المستثنى داخلا في المستثنى منه بوجه ولو على نحو المسامحة كما إذا قيل : ما رأيت أحداً من العلماء إلاّ أبناءهم أو خدّامهم ، وكيف كان فالانقطاع في الاستثناء يحتاج إلى مؤونة زائدة والأصل فيه هو الاتّصال .

والاستثناء في الآية أيضاً من قبيل المتّصل دون المنقطع ، إذ قد يحذف من الجملة شيء ويقام شيء آخر مقامه نظير قوله تعالى (وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِىٌّ عَنْ

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) النساء 4 : 29 .

(2) المكاسب 3 : 364 .

(3) في ص351 .

ــ[406]ــ

الْعَالَمِينَ)(1) فإنّ التعليل ليس مترتّباً على الشرط المذكور فيه ، لأنّه تعالى غنيّ على أي حال كفروا أم آمنوا ، وإنّما هو تعليل لما حذف عن الآية وهو فلا تحزن ولا تهتمّ ونحوهما ، وفي المقام أيضاً كذلك فكأنّ الآية كذا : ولا تأكلوا أموالكم بينكم بشيء من الأسباب كالنهب والقمار والبيع فإنّها باطلة إلاّ إذا كان ذلك السبب تجارة عن تراض ، وعليه فالاستثناء متّصل مفرغ .

ثمّ إنّه (قدّس سرّه) أورد على الوجه الثاني من الاستدلال تارةً بأنّه لا مفهوم للوصف كما بيّناه في محلّه ، واُخرى بأنّ كون (عَنْ تَرَاض) وصفاً غير معلوم ، إذ لعلّه خبر بعد خبر وكأنّه قيل لا تأكلوا ... إلاّ إذا كان السبب تجارة وكان السبب عن تراض ، ومن المعلوم أنّ السبب الموجب لحلّ الأكل في الفضولي ناش عن تراض .

وفي كلا الوجهين نظر ، أمّا الأوّل فلأنّه وإن لم يكن للوصف مفهوم إلاّ أنّ ذلك لا يجري في المقام ، لأنّه تعالى في مقام التحديد ولا ينبغي الإشكال في أنّ ما يؤتى به في الكلام في مقام التحديد يدلّ على انتفاء الحكم عند انتفائه نظير قوله (عليه السلام) في جواب السائل عمّا لا ينفعل بالملاقاة « كرّ من الماء » وهذا ظاهر .

وأمّا الثاني : فلأنّه في حدّ نفسه خلاف ظاهر الآية ، لأنّ ظاهر الآية الشريفة أنّ الجميع كلام واحد متّصل لا أنّه خبر بعد خبر ، وقد اعترف (قدّس سرّه) بأنّ غلبة وصف النكرة تؤيّد التقييد ، هذا أوّلا .

وثانياً : فلو سلّمنا أنّه خبر بعد خبر فهل ذلك يرفع الإشكال ، لأنّ معنى الآية حينئذ كما مرّ أنّ السبب لابدّ أن يكون تجارة ولابدّ أن يكون عن تراض فبانتفاء كلّ واحد من الأمرين يرتفع الحلّية والمفروض أنّ الفضولي ليس عن تراض .

فالتحقيق في الجواب : ما ذكره أخيراً من أنّ الخطاب في الآية إنّما هو للمالكين

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) آل عمران 3 : 97 .

ــ[407]ــ

فلابدّ أن يكون تجارتهم عن تراض ، والانشاء الصادر من الفضولي إنّما يصير تجارة المالك بعد الاجازة ، فتكون تجارته عن تراض .

وأمّا السنّة فهي كثيرة عمدتها النبويّ المشهور الذي رواه الفريقان وهو قوله (صلّى الله عليه وآله) « لا تبع ما ليس عندك »(1) والمراد ممّا ليس عندك هو ما لا يكون تحت يدك كناية عن الملك وهو تعبير متعارف ، وليس المراد عدم جواز بيع الملك فيما إذا كان بينه وبين المالك فاصل مكاني ، وكيف كان فقد استدلّ بذلك على بطلان الفضولي بدعوى أنّه من قبيل بيع ما ليس عنده . ولابدّ أن يراد من الموصول الأعيان الشخصية الخارجية وإلاّ فمن البديهي عند الإمامية جواز بيع الكلّي مطلقاً حالا وسلفاً مع عدم كونه مالكاً له حين المعاملة ، وكذا عند العامّة(2) في خصوص بيعه سلفاً لأنّهم لا يرخّصون بيع الكلّي حالا .

ومنه يظهر أنّ ما وقع في تقرير شيخنا الاُستاذ (قدّس سرّه)(3) من أنّ جواز بيع الكلّي سلفاً أو حالا ممّا اتّفق عليه الفريقان غير خال عن السبق في اللسان أو سهو القلم .

ثمّ إنّه بعد إرادة العين الشخصية من الموصول لا يمكن الاستدلال به على بطلان الفضولي أيضاً ، لأنّ الظاهر منه بحسب صدره إرادة بيع شيء لنفسه مع أنّه غير مالك له حين المعاملة على أن يمضي فيشتريه من مالكه ويدفعه إلى من باعه منه  ، وهذا خارج عمّا نحن بصدد تصحيحه وهو بيع الفضولي للمالك ، هذا أوّلا .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) روي مضمونه في الوسائل 18 : 47 / أبواب أحكام العقود ب7 ح2 ، كما روى نصّه في مسند أحمد 3 : 402 ، 434 .

(2) راجع الفقه على المذاهب الأربعة 2 : 164 وما بعدها ، 240 ، 304 .

(3) منية الطالب 2 : 28 .

ــ[408]ــ

وثانياً : أنّا لو تنزّلنا عن ذلك وقلنا إنّ الحديث غير ظاهر فيما ادّعيناه فلا محالة يكون مجملا ، إذ لا نعلم المراد منه حينئذ ونحتمل إرادة مطلق بيع ما هو خارج عن ملكه ، كما نحتمل إرادة خصوص البيع لنفسه على أن يمضي ويشتريه ويدفعه إلى المشتري فلا يمكن التمسّك به في المقام .

وثالثاً : أنّ الحديث على تقدير تماميته إنّما يقتضي بطلان بيع الفضولي فقط وأمّا إذا استند البيع إلى المالك باجازته بحيث صحّ أن يقال فلان باع داره فلا محالة يخرج عن كونه بيع ما ليس عنده ، لأنّه بيع لما هو عنده وهو مالك له بالفرض ، هذا كلّه .

مضافاً إلى أنّ الحديث لو كان ظاهراً في العموم وشاملا لكلا الاحتمالين ولكنّه لا يكون مانعاً عن الفضولي ، لأنّه حينئذ قابل للتخصيص بمقتضى الروايات الخاصّة المتقدّمة الواردة في تصحيح الفضولي التي عمدتها صحيحة محمّد بن قيس لخصوصيّتها وكونها ناصّة على جواز بيع الفضولي للمالك فيما إذا أجاز فتكون مخصّصة للحديث ، هذا ما أفاده شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه) في المقام .

وقد أورد عليه شيخنا الاُستاذ(1) بأنّ النسبة بين الحديث والروايات المتقدّمة هي التباين لا العموم والخصوص ، وذلك لأنّ الوجه في توهّم أنّ الحديث عام إنّما هو ملاحظة أنّ النبي قد نهى عن بيع ما ليس عنده سواء كان لنفسه أم للمالك وسواء أجازه المالك أم لم يجزه ، والروايات المتقدّمة دلّت على أنّه إذا كان للمالك وأجازه المالك صحيح ، فتكون أخصّ من الحديث فتوجب تخصيصه لا محالة .

ولكن الأمر ليس كما اُفيد ، وذلك لأنّا لا نحتمل إرادة النهي عن بيع ما ليس عنده لنفسه أو للمالك مع عدم إجازته ، لأنّ بطلان ذلك بمكان يغني عن النهي

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) منية الطالب 2 : 29 .

ــ[409]ــ

وكيف يحتمل المسلم أن يكون بيع البستان الفلاني صحيحاً إذا كان لنفسه أو للمالك ولو لم يجزه مالكه ، ويكون بيع الجار دار جاره ماضياً مع عدم إجازة صاحبها ، فهذا ممّا لا يحتمله عاقل ولا يحتاج إلى نهي ، وعليه فالنهي وارد في خصوص ما إذا كان البيع للمالك مع اجازته ، والفرض أنّ هذه الصورة بخصوصها وقعت مورداً للجواز في الروايات المتقدّمة فتكون النسبة بينهما هي التباين لا محالة ، هذا .

ولا يخفى عليك أنّ ما أفاده (قدّس سرّه) ذهول عن طريقة الجاهلين ومن جهة عدم التوجّه إلى أفعال الظالمين والمسلمين غير المبالين بالدين ، أفلا ينهبون أموال الناس ويبيعونها والناس يشترون منهم ، وهذا في زماننا كثير فكيف بزمان الجاهلية فإنّ النهب والسرقة كان شعارهم وكانوا يفتخرون بذلك بينهم ، أفلا يصحّ مع ذلك أن ينهاهم النبي (صلّى الله عليه وآله) بقوله « لا تبع ما ليس عندك » ومن الظاهر أنّ نهيه (صلّى الله عليه وآله) بمكان من الصحّة والمتانة ليرتدعوا بذلك عن بيع أموال الناس ، وعليه فالنسبة بينهما عموم وخصوص فيتقدّم الروايات عليه لا محالة ، هذا .

وربما يقال(1) إنّ النسبة بينهما هو العموم من وجه ، لأنّ الحديث عام من جهة عدم تخصيصه النهي بصورة الاجازة وعدمها ، بل نهى عن البيع مطلقاً سواء تعقّبه الاجازه أم لا ، وخاصّ من جهة أنّه بمعنى لا تبع مال الناس فعلا لتشتريه من مالكه بعد ذلك فتدفعه إلى المشتري ، وبالجملة أنّه ينهى عن خصوص البيع لنفسه ، وأمّا الروايات المتقدّمة فهي عامّة من جهة عدم تخصيصها بخصوص البيع لنفسه ، بل قد صرّحت بجوازه سواء باعه لنفسه أو باعه لمالكه ، ولكنّها خاصّة من جهة تقيّدها بصورة الاجازة من المالك ، ومع ذلك كيف تتقدّم الروايات على الحديث ، هذا .

ولا يخفى أنّه يرد على ذلك وجوه قد تنبّه المستشكل لبعضها :

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) كما في حاشية المكاسب للايرواني 2 : 230 .

ــ[410]ــ

الأوّل : أنّه على هذا التقدير يخرج الحديث عمّا نحن فيه ، إذ الكلام في المقام إنّما هو في خصوص البيع للمالك لا لنفسه لأنّه مسألة اُخرى سيجيء الكلام فيها إن شاء الله تعالى وقد فرض أنّ الحديث خاصّ ببيع الفضولي لنفسه فلا يعارض الروايات المتقدّمة المجوّزة لبيع الفضولي للمالك مع الاجازة ، فعمومية الحديث لكلّ من البيع لنفسه وللمالك هي الحجر الأساسي للمعارضة ، وذلك لأنّ مورد التعارض حينئذ هو خصوص بيع الفضولي لنفسه مع التعقّب بالاجازة ، وهذه هي المسألة الآتية بعينها ولا ربط لها بما نحن فيه كما لا يخفى .

الثاني : هب أنّ النسبة بينهما هو العموم من وجه ولكن قاعدة المعارضة بينهما تقتضي تساقطهما والرجوع إلى العمومات ، وهي تقتضي الصحّة كأوفوا بالعقود وغيره ، هذا تمام الكلام في الحديث .

ومنه يظهر الجواب عمّا ورد من أنّه « لا بيع إلاّ فيما يملك » و « لا طلاق إلاّ فيما يملك » و « لا عتق إلاّ فيما يملك » و « أنّه لا يجوز بيع ما ليس بملك » .

هذا كلّه بناء على قرائتها بصيغة المبني للمعلوم ، وأمّا إذا قرأناها مبنيّاً للمجهول فتصير كلّها خارجة عمّا نحن فيه وتكون دليلا على بطلان بيع ما هو غير مملوك كالسمك في البحر وكذا عتق العبد قبل استرقاقه وطلاق المرأة قبل تزوّجها بأن يطلّقها أوّلا ثمّ يتزوّجها ليؤثر الطلاق بعد النكاح .

بقيت في المقام ثلاث روايات إحداها : صحيحة محمّد بن القاسم « في رجل اشترى من امرأة من آل فلان ـ يعني بني العبّاس على ما في حاشية السيّد (قدّس سرّه)(1) ولم يصرّح به تقيّةً ـ بعض قطائعهم إلى أن قال (عليه السلام) قل له يمنعها أشدّ

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) حاشية المكاسب (اليزدي) : 139 .

ــ[411]ــ

المنع فإنّها باعت ما لم تملكه »(1) وإيراد هذه الصحيحة في المقام خال عن السداد لأنّها قد منعت عن إقباض الثمن للفضولي ، وهذا ممّا لا مانع منه سواء صحّ البيع الفضولي أم فسد ، فلا دلالة للرواية على الفساد بل هي مؤيّدة لصحّة البيع الفضولي إذ لم يعلّل الإمام (عليه السلام) فيها المنع عن إقباض الثمن ببطلان البيع بل علّله بأنّها باعت ما لم تملكه ، مع أنّه لو كان باطلا لكان التعليل به أولى وأنسب .

وثانيتها : ما عن الإمام المهدي (عجّل الله تعالى فرجه الشريف) « الضيعة لا يجوز ابتياعها إلاّ عن مالكها أو بأمره أو رضىً منه »(2).

وثالثتها : صحيحة محمّد بن مسلم الوارد في أرض بفم النيل اشتراها رجل وأهل الأرض يقولون هي أرضنا وأهل الاُستان يقولون من أرضنا ، فقال لا تشترها إلاّ برضا أهلها(3).

أمّا الرواية الثانية فلا دلالة فيها على بطلان الفضولي ، لأنّ غاية ما هناك أن تكون الرواية نظير الآية المباركة (لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاض)(4) الدالّة على اشتراط البيع بالرضا ، وقد عرفت الجواب عنها سابقاً وقلنا إنّها على تقدير تمامية دلالتها إنّما تمنع عن بيع الفضولي بالاضافة إليه وأمّا إذا اُضيف إلى المالك باجازته فلا ، لأنّه حينئذ تجارة عن تراض ، وكذلك الحال في الرواية ، هذا .

مضافاً إلى أنّ جعل الرضا في الرواية مقابلا للأمر يكشف عن أنّ الاجازة

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 17 : 333 / أبواب عقد البيع وشروطه ب1 ح2 .

(2) الوسائل 17 : 337 / أبواب عقد البيع وشروطه ب1 ح8 .

(3) الوسائل 17 : 334 / أبواب عقد البيع وشروطه ب1 ح3 .

(4) النساء 4 : 29 .

ــ[412]ــ

كافية في صحّة البيع ، إذ عرفت أنّ المراد بالرضا هو الرضا المبرز لا مجرد الرضا النفساني ، فلو اُريد بالرضا في الرواية الرضا السابق أو المقارن لكان ذكره مستدركاً  ، لكفاية الأمر وكونه مغنياً عن ذكر الرضا ثانياً فلابدّ أن يراد به الرضا المتأخّر أعني الاجازة ، هذا .

مع أنّا لو أغمضنا النظر عن جميع ما ذكرناه وسلّمنا أنّها تقتضي البطلان فلا مانع من أن نقيّدها بالروايات المتقدّمة الدالّة على صحّة الفضولي وعدم اعتبار الرضا المقارن وكفاية المتأخّر منه .

وأمّا الرواية الثالثة فالجواب عنها هو الجواب عمّا تقدّمها فلا نعيد .

فتحصّل من جميع ما ذكرناه : أنّ بيع الفضولي صحيح ولا إشكال فيه ، هذا كلّه في السنّة  .

وأمّا الإجماع فقد ادّعاه الشيخ (قدّس سرّه)(1) إلاّ أنّ المحصّل منه غير حاصل قطعاً حتّى أنّ الشيخ بنفسه خالفه في النهاية(2) التي قيل إنّها آخر مصنّفاته وبنى على صحّة الفضولي ، وكذا غيره من المتقدّمين والمتأخّرين ، ومعه لا مجال لدعوى الإجماع المحصّل بوجه . وأمّا المنقول فهو مضافاً إلى عدم حجّيته في حدّ نفسه موهون في المقام بذهاب جلّ الأصحاب من المتقدّمين والمتأخّرين إلى صحّة البيع الفضولي ومع الاطمئنان بخطأ المخبر عن الحدس كيف يكون حجّة ومورداً للاعتماد ، فإنّ الإجماع المنقول الذي هو إخبار عن الحدس لا يزيد على غيره من الأخبار الآحاد التي هي إخبار عن الحسّ ، لأنّه إذا علمنا بخطأ المخبر عن الحسّ لا يمكننا الاعتماد عليه فكيف بما إذا كان الإخبار مستنداً إلى الحدس ، وذلك ظاهر .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الخلاف 3 : 168 كتاب البيوع المسألة 275 .

(2) النهاية : 385 .

ــ[413]ــ

وأمّا الدليل العقلي فبيانه أنّ بيع مال الغير تصرّف فيه عرفاً ، والتصرّف في مال الغير بدون إذنه منهي عنه ، فيكون بيع مال الغير بدون إذنه منهياً عنه ، والبيع المنهي عنه فاسد لاقتضاء النهي في المعاملات للفساد ، فينتج أنّ بيع مال الغير بدون إذنه فاسد .

وأجاب عنه الشيخ بخمسة وجوه(1):

الأوّل : منع الصغرى الاُولى وأنّ العقد على مال الغير متوقّفاً لاجازته غير قاصد لترتيب الآثار عليه ليس تصرّفاً فيه . وهذا الجواب صحيح .

الثاني : منع الكبرى الاُولى ، فإنّه ليس كلّ تصرّف في مال الغير منهياً عنه لجواز مثل الاستضاءة بنور الغير والاصطلاء بناره ، فلو فرض أنّ العقد على مال الغير تصرّف فهو من هذا القبيل ممّا استقلّ العقل بجوازه .

وفيه : أنّ استقلال العقل بجواز مثل هذا التصرّف بحيث يكون مثل حكمه بحسن العدل وقبح الظلم ممنوع ، نعم دعوى القطع بجوازه له وجه لكنّه أوّل الكلام وما نرى من عمل عامّة الناس في بعض التصرّفات كدقّ باب الغير فهو من جهة قيام السيرة القطعية على ذلك ، أو قيام أمارة نوعية على رضا المالك ، لا من جهة استقلال العقل بجوازه ، ففي كلّ مورد قام الدليل على جوازه أو على رضا المالك به فهو ، وإلاّ فيكون داخلا في عموم عدم جواز التصرف في مال الغير .

الثالث : أنّه قد يفرض الكلام فيما إذا علم الإذن في هذا من المقال أو الحال بناءً على أنّ ذلك لا يخرجه عن الفضولي . وهذا الجواب لا ينافي الاستدلال على الفساد موجبة جزئية .

الرابع : منع دلالة التحريم والنهي على الفساد .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المكاسب 3 : 371 .

ــ[414]ــ

وأورد عليه المحقّق النائيني(1) بأنّ الحرمة إنّما لا توجب الفساد إذا رجعت إلى السبب من حيث إنّه فعل من أفعال البائع كحرمة البيع وقت النداء ، لعدم الملازمة بين حرمة السبب وعدم ترتّب المسبّب ، وأمّا إذا تعلّقت بالمسبّب كما هو مبنى الايراد الخامس فلا ينبغي الإشكال في فساده كبيع المصحف من الكافر ، لأنّ من شرائط صحّة العقد القدرة ، والنهي عن الشيء يقتضي سلب قدرة المكلّف عنه شرعاً .

ويرد على ما ذكره أخيراً في وجه الفساد أوّلا : النقض بما لو كانت المعاملة واجبة كما لو شرط بيع داره في ضمن عقد لازم ، فإنّ الواجبات أيضاً غير مقدورة شرعاً ، غاية الأمر أنّ النهي يسلب القدرة عن الفعل والأمر يسلب القدرة على الترك ، ولا يمكن الالتزام بفساد المعاملات الواجبة .

وثانياً : أنّ ما تكون المعاملات مشروطة به هي القدرة العقلية لا الشرعية .

فالصحيح في تقريب وجه عدم دلالة النهي في المقام على الفساد أن يقال : إنّ النهي لم يتعلّق بعنوان المعاملة وإنّما تعلّق بعنوان آخر يتّحد مع المعاملة وجوداً  ، وهو التصرف في مال الغير الصادق على المعاملة فرضاً ، وهذا النهي لا يدلّ على الفساد وإنّما يدلّ على الحرمة التكليفية ، نعم إذا كان النهي متعلّقاً بعنوان المعاملة لدلّ على الفساد مثل النهي عن بيع الغرر ، لكن لا لما ذكره المحقّق النائيني من استلزامه عدم القدرة وهو يقتضي الفساد ، بل من جهة ظهور النهي حينئذ في الفساد ، فيكون ارشادياً نظير النهي المتعلّق بالموانع في المركّبات مثل « لا تكفّر في الصلاة » فإنّه إرشاد إلى مانعية التكفير ، فهذا الجواب الرابع من الشيخ متين جدّاً .

الخامس : أنّه لو دلّ هذا التحريم على الفساد لدلّ على بطلان البيع بمعنى عدم

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) منية الطالب 2 : 31 .

ــ[415]ــ

ترتّب الأثر عليه وعدم استقلاله في ذلك ، ولا ينكره القائل بالصحّة ، وحاصله أنّ البيع بعد الاجازة يكون بيع المالك ، فيكون صحيحاً من هذه الجهة لا من جهة استناده إلى العاقد .

وهذا الجواب وإن ارتضاه المحقّق النائيني إلاّ أنّه مردود بأنّ هذا الجواب بعد تسليم أنّ إنشاء البيع تصرّف منهي عنه وأنّ النهي يقتضي الفساد ، وعليه فيكون نفس الانشاء فاسداً وملغى في نظر الشارع وغير قابل لترتّب الأثر عليه حتّى بعد الاجازة ، فإنّ لحوق الاجازة بالانشاء الفاسد غير مجد .

بقي الكلام فيما أفاده السيّد (قدّس سرّه) في حاشيته(1) في المقام وملخّصه : أنّ الفضولي إذا باع شيئاً معلّقاً على إجازة المالك يكون باطلا لأجل التعليق في البيع هذا .

والظاهر أنّه اشتباه منه (قدّس سرّه) لأنّ التعليق على ما يتوقّف صحّة البيع عليه ممّا لا يوجب البطلان نظير قول الزوج فلانة طالق إن كانت زوجتي ، أو بعتك إن اشتريت أو رضيت ، وإجازة المالك في المقام من هذا القبيل .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net