3 ـ حكم الاجازة بعد الردّ 

الكتاب : التنقيح في شرح المكاسب - الجزء الاول : البيع-1   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4282


التنبيه الثالث

أنّ الاجازة في بيع الفضولي إنّما تؤثّر فيما إذا لم يسبقها الردّ من المالك ، إذ مع الردّ تنفسخ المعاملة فلا يبقى شيء تكون الاجازة مؤثّرة فيه ، وقد استدلّ عليه شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه)(1) بوجوه ثلاثة :

الأوّل : الإجماع على بطلان الاجازة فيما إذا كانت مسبوقة بالردّ .

ويدفعه : أنّ الإجماع لا أساس له في المقام لما نقل من أنّ المسألة كانت مسكوتاً عنها إلى زمان الشهيد (قدّس سرّه) ومعه كيف يطمئن الإنسان بأنّ الحكم قد وصل يداً بيد من زمن المعصومين (عليهم السلام) هذا ، مضافاً إلى أنّا نحتمل استنادهم في هذا الحكم إلى الوجوه الآتية ومعه لا يمكن استكشاف قول المعصوم (عليه السلام) منه ، ومن الواضح أنّ ضمّ شيء غير حجّة إلى غير الحجّة لا يكون حجّة .

الثاني : أنّ العقد ربط التزام بالتزام آخر ، والارتباط إنّما يحصل فيما إذا لم

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المكاسب 3 : 426 .

ــ[494]ــ

يكن هناك قاطع في البين ، والردّ يقطع الارتباط بينهما ، وهذا نظير رجوع الموجب عن الايجاب فإنّه يمنع عن اتّصال القبول بالايجاب .

وفيه : أنّ الردّ لو كان من طرف الأصيل في الفضولي لكان لما أفاده وجه وفي مثله لا تؤثّر الاجازة من المالك ، لأنّ الردّ يرفع العقد فلا يبقى هناك شيء تلحقه الاجازة ، وأمّا إذا كان من طرف المالك فتصريحه بعدم القبول وعدم انتساب العقد إليه لا يقطع الارتباط ، لأنّ لفظ « لا أقبل » ليس أزيد من عدم الرضا واقعاً ، فكما أنّه إذا لم يكن راضياً بما أصدره الفضولي أوّلا ثمّ رضي به لا يمنع عدم رضاه الواقعي عن الاتّصال بين الالتزامين ، فكذلك الحال فيما إذا صرّح بعدم القبول ثمّ أجازه بالالتماس ونحوه .

وبالجملة : أنّ عدم الاجازة يوجب عدم انتساب العقد إليه سواء كان بالتصريح بعدم القبول أو من أجل السكوت ، وبالاجازة يسند العقد إليه ، ولا مانع من أن يمنع عن الانتساب إليه أوّلا ثمّ يقبله وينسبه إلى نفسه بالاجازة ثانياً ، كما أنّ الأمر كذلك في الايجاب والقبول فإنّه إذا لم يقبل الايجاب أوّلا ثمّ قبله بعد ذلك ، لا يوجب ذلك الانقطاع بينهما أبداً ، فالحكم في المقيس عليه لا نسلّمه فكيف في المقيس  .

مضافاً إلى أنّ القياس في غير محلّه ، لأنّ العقد في الفضولي قد تمّ سابقاً والاجازة إنّما هي لأجل الانتساب فالردّ إنّما يقع بعد العقد ، وأمّا في الايجاب والقبول فالردّ إنّما هو قبل القبول وتمامية العقد وكم فرق بين الموردين .

الثالث ، وهو العمدة : أنّ الردّ كالاجازة في أنّ المالك بمقتضى عموم « الناس مسلّطون على أموالهم »(1) يتمكّن من أن يمضي العلاقة الواقعة على ماله فضولةً كما

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) عوالي اللآلي 3 : 208 ح49 ، بحار الأنوار 2 : 272 .

ــ[495]ــ

يتمكّن من أن يقطعها ، فإنّ قابلية المال للانتقال إلى المشتري وشأنية ذلك المعبّر عنها بالقوّة والمادّة الهيولائية أمر حدث بالبيع الفضولي ، والمالك بمقتضى عموم السلطنة يرفع تلك الشأنية ويصيّرها كالعدم بعد ما كانت حادثة بالبيع الفضولي وبعد ارتفاع ذلك لا يبقى معنى للاجازة .

وبالجملة : أنّ الردّ والاجازة في المقام كالفسخ والامضاء في البيع الخياري فكما أنّ الفسخ يقطع العلاقة الحاصلة بين المال والمشتري وبعده لا معنى للامضاء والانفاذ ، فكذلك الحال في المقام ، هذا .

والكلام في ذلك يقع من جهتين : الجهة الاُولى في كبرى أنّ « الناس مسلّطون على أموالهم » هل يوجب مشروعية التصرفات المشكوكة بحسب الحكم التكليفي أو الوضعي ، أو أنّه ليس مشرّعاً لجوازها أبداً ، وقد مرّ في أوائل البيع(1) أنّ الحديث مضافاً إلى ضعف سنده وعدم انجباره بعمل الأصحاب ، إنّما يدلّ على أنّ المالك ليس محجوراً وممنوعاً عن التصرّف في ماله كالصغير والمجنون والمفلّس ، وأمّا أنّ هذا التصرّف جائز تكليفاً أو وضعاً فهو ساكت عنه ويقتضي عدم المنع عن التصرّفات الجائزة كما لا يخفى ، فلذا إذا اشترى لباساً وشكّ في جواز لبسه من جهة أنّه من مختصّات النساء ، فلا يمكن إثبات جواز اللبس بعموم « الناس مسلّطون على أموالهم » وأنّ اللبس من أحد التصرّفات ، وعليه فبما أنّا نشكّ في أنّ المالك هل يجوز أن يتصرّف في ماله بقطع العلاقة الحاصلة بالبيع على نحو لا يصحّ بالاجازة المتأخّرة  ، فلا يمكن التمسّك بعموم السلطنة في إثبات صحّته وجوازه .

الجهة الثانية : في الصغرى وأنّه هل حدث بالبيع الفضولي شيء في المال حتّى نرفعه بعموم « الناس مسلّطون على أموالهم » بناءً على أنّه يثبت الجواز في

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في الصفحة 80 وما بعدها .

ــ[496]ــ

التصرّفات المشكوك جوازها وصحّتها ، أم لم يحدث هناك شيء في المال كي نتمسّك بالعموم ؟ الظاهر أنّ المعاملة الفضولية لم تحدث شيئاً في المالين أبداً ، إذ لو حدث هناك شيء وأمكننا رفع ذلك بعموم « الناس مسلّطون الخ » لدلّ ذلك على بطلان الفضولي رأساً ، لأنّ إيجاد شأنية الانتقال في المال مخالف لسلطنة المالك على ماله هذا بحسب النقض .

وأمّا حلّ الإشكال : فهو أنّ المعاملة الفضولية لا تحدث شيئاً في المال حتّى نرفعه بالعموم ، وأمّا شأنية الانتقال ونحوها فهي إنّما كانت حادثة من الابتداء بقوله تعالى (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) و (تِجَارَةً عَنْ تَرَاض) وغيرهما من العمومات الدالّة على صحّة نقل المال من ملك إلى ملك آخر ، فإنّها تقتضي قابلية المال للانتقال بالبيع وبما أنّ أحد جزأي الناقل متحقّق في المقام ، فلا محالة تتوقّف فعلية تلك الشأنية على الجزء الآخر وهو الاجازة ، كما أنّ الحال كذلك في الايجاب والقبول فإنّ الايجاب لا يحدث شيئاً غير موجود ، إذ قابلية الانتقال في المال مستندة إلى تشريع الشارع وتجويزه للبيع ، نعم بعد ما تحقّق أحد جزأي العقد في مورد فلا محالة تتوقّف فعلية تلك القوّة على الجزء الآخر .

وبعبارة واضحة : أنّ إجازة المالك بعد بيع الفضولي ليست إلاّ كجواز بيع ماله بنفسه ، بل الاجازة هي البيع حقيقة فكما كان له بيع ماله للغير وإخراجه عن تحت سلطنته بعموم « الناس مسلّطون » على نحو المباشرة ، فكذلك له أن يجيز البيع الواقع على ماله ويسنده إلى نفسه ، وهذا كان ثابتاً له بالعمومات الدالّة على جواز البيع والمعاملات ، غاية الأمر أنّه في المعاملة المباشرية يحتاج إلى إيجاب وقبول ، وأمّا في الفضولي فأمره سهل لتحقّق بعض أجزاء العقد بنفسه فيحتاج إلى إيجاد جزئه الأخير ، وهذا نظير القبول في البيع الذي به يتحقّق الانتقال .

وبالجملة : أنّه لم يثبت هناك بالبيع الفضولي علقة على المال أو شيء آخر حتّى

ــ[497]ــ

نرفعها بعموم السلطنة ، وحقّ الاجازة كان ثابتاً عليه قبل المعاملة بالعمومات ، لأنّه ليس إلاّ عبارة عن حقّ البيع . مضافاً إلى أنّ حديث السلطنة ليس مشرّعاً ولا يدلّ على جواز التصرّفات المشكوك جوازها تكليفاً أو وضعاً .

فالمتحصّل : أنّ ما أفاده السيّد الطباطبائي (قدّس سرّه)(1) من أنّ الردّ قبل الاجازة لا يوجب بطلان المعاملة ولا يرتفع به موضوع الاجازة هو الصحيح وقياس الردّ على الفسخ في المعاملات الخيارية قياس مع الفارق ، لأنّ الملكية قد حصلت هناك سابقاً والفسخ يرفع الملكية المتحقّقة فلا يبقى مورد للامضاء بعد الفسخ ، وهذا بخلاف المقام فإنّ الملكية لم تحصل للمشتري كما لم يحصل هناك شيء غيرها حتّى يرفع بالردّ ، وغاية ما هناك أنّ انتساب العقد إلى المالك مفقود مع الردّ ولا مانع من أن يتحقّق بالاجازة بعد ذلك .

والعجب من شيخنا الاُستاذ (قدّس سرّه)(2) حيث قاس الردّ بالاجازة وذكر أنّ الردّ بعد الاجازة كما لا يكون نافذاً ولا محالة يقع لغواً ، فكذلك الاجازة بعد الردّ لا تقع صحيحة فتكون لغواً ، هذا .

ولكنّك خبير بأنّ الاجازة توجب انقطاع سلطنة المالك عن المال كالبيع والهبة ، وبعده لا معنى للردّ لأنّه صار ملكاً للغير ، وهذا بخلاف الردّ قبل الاجازة فإنّ غاية ما يترتّب عليه عدم بيع المالك فقط ، وهذا لا ينافي بيعه بعد ذلك . فالمتحصّل أنّ الردّ قبل الاجازة لا يترتّب عليه شيء ، هذا .

وربما يقال كما قيل : إنّ حديث السلطنة على تقدير تسليم شموله للردّ في المقام والالتزام بتشريعه الجواز في كلّ مورد شككنا في صحّة التصرّف وجوازه تقع

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) حاشية المكاسب (اليزدي) : 159 .

(2) منية الطالب 2 : 94 .

ــ[498]ــ

فيه المعارضة من حيث شموله لكلّ من الردّ والاجازة ، فنفوذ الردّ قبل الاجازة بمقتضى السلطنة عليه يكون معارضاً بنفوذ الاجازة بعد الردّ ، لأنّها أيضاً من أنواع السلطنة على المال ، هذا .

ولا يخفى أنّا لو بنينا على أنّه يشمل الردّ في المقام فلا تقع المعارضة بينه وبين السلطنة على الاجازة ، لأنّهما ليسا متعارضين وليس أحدهما في عرض الآخر كما لا يخفى ، لأنّه بشموله للردّ يرفع موضوع الاجازة المتأخّرة ويصير العقد كالعدم فما معنى تعارضهما حينئذ ، نعم لا مانع من شمول الحديث لكلّ واحد من الردّ والاجازة على حدة ، فإذا تقدّم أحدهما فلا يبقى مجال للآخر كما عرفت .

ثمّ إنّه يؤيّد ما ذكرناه من أنّ الردّ قبل الاجازة لا يترتّب عليه شيء : الصحيحة(1) الواردة في بيع الوليدة ، لأنّا وإن ذكرنا سابقاً أنّ أخذ الولد يمكن أن لا يكون ردّاً إلاّ أنّها لا تخلو عن الاشعار فيما ذكرناه فراجع(2) هذا .

ثمّ إنّ شيخنا الأنصاري(3) أورد على الاستدلال بهذه الصحيحة على صحّة الاجازة بعد الردّ بأنّ الردّ الفعلي كأخذ المبيع غير كاف في تحقّق الردّ ، بل لابدّ فيه من إنشاء الفسخ والردّ . ثمّ أجاب عنه بأنّ الفسخ والردّ في المقام ليس بأولى من الفسخ في المعاملات اللازمة (الخيارية بالعرض) وقد صرّحوا بحصول الفسخ فيها بالفعل . ثمّ ردّ هذا الجواب بأنّ الفعل الذي يحصل به الفسخ في المعاملات هو فعل لوازم ملك المبيع كالوطء والعتق ونحوهما لا مثل أخذ المبيع ، هذا .

ولكنّه لا يمكن المساعدة عليه ، إذ لا إشكال في أنّ تحقّق الفسخ بالفعل في

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 21 : 203 / أبواب نكاح العبيد والاماء ب88 ح1 .

(2) الصفحة 381 وما بعدها .

(3) المكاسب 3 : 426 .

ــ[499]ــ

المعاملات اللازمة أولى من تحقّق الفسخ بالفعل في المقام ، لأنّ المفروض أنّ المال ملك للمشتري حينئذ وقد خرج عن ملك البائع لا محالة ، وحينئذ فيمكن الالتزام بأنّ الردّ الفعلي يقتضي الفسخ مطلقاً سواء كان من قبيل لوازم الملك كالوطء أو كان من غيرها كأخذ المبيع أو المفتاح من يد المشتري ، وذلك من أجل أنّه لا وجه لتصرّف البائع في مال الغير ولو بأخذ مفتاحه فيما إذا كان المبيع داراً لأنّه تصرّف حرام ، فاقدامه على ذلك يدلّ بالالتزام على الفسخ ورجوعه إلى ملكه ، فإنّ المسلم لا يرتكب الحرام ظاهراً ، وهذا بخلاف المقام فإنّ المال ماله ولم ينتقل إلى الغير بعدُ فتصرّفاته فيه ولو كان بالوطء لا يقتضي الفسخ ولا يكشف عن الردّ ، حيث إنّ تصرّفاته صحيحة حينئذ وليست محرّمة حتّى يقال إنّ المسلم لا يرتكب الحرام وأنّه يكشف عن الردّ والفسخ .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net