اشتراط كون المجيز جائز التصرف حين الاجازة - اشتراط وجود مجيز حين العقد 

الكتاب : التنقيح في شرح المكاسب - الجزء الثاني : البيع-2   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4660

  

ــ[1]ــ

ــ[2]ــ

ــ[3]ــ


الكلام في المجيز

والكلام فيه يقع في أُمور :

الأول : يشترط في المجيز أن يكون جائز التصرّف حال الاجازة لا محالة فلو كان مجنوناً أو سفيهاً أو محجوراً عن التصرفات حال الاجازة فلا اعتبار باجازته كما هو ظاهر، وهذا من دون فرق بين القول بالكشف والنقل ، وذلك لأنّ الكلام في شرائط المجيز من جهة أنه تصرّف في المال فيعتبر في المتصرف أن يكون جائز التصرف في المال، وأمّا أنّ أثر الاجازة الصادرة منه ـ بعد الفراغ عن صحّتها  ـ أي شيء هل تؤثّر في الملكية من حين العقد أو من حين الاجازة فهو مطلب آخر لا ربط له بشرائط المجيز ، وإنّما هو راجع إلى مقدار تأثيرها كما لا يخفى .

الثاني : أنه اشترط بعضهم في صحة الفضولي وجود مجيز حين العقد واستدلّ عليه العلاّمة (قدّس سرّه)(1) بأنّ صحّة العقد في حال العقد مع فقد المجيز ممتنعة فإذا امتنع في زمان امتنع دائماً ، لأنّ المستحيل لا ينقلب إلى الامكان بعد الاستحالة فوجود المجيز بعد العقد ممّا لا أثر له ، هذا أوّلا .

وثانياً : أنّ المشتري يتضرّر حينئذ لامتناع تصرّفه في العين لاحتمال عدم الاجازة بعد ذلك ، ولا في الثمن لاحتمال صدور الاجازة من المالك ، ومقتضى شمول

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) القواعد 1 : 124 .

ــ[4]ــ

قاعدة لا ضرر له عدم صحّة المعاملة فيما إذا لم يكن مجيز للعقد حين المعاملة ، هذا .

وعدم المجيز للعقد حين المعاملة يتصوّر على وجوه :

أحدها : عدم ذات المجيز وفقد ذات من شأنها الاجازة للعقد ، وهذا غير متحقّق على مسلك الإمامية كما حكي عن البيضاوي(1) إذ لا يتصوّر ملك بلا مالك يجيز العقد ، لأنّ الإمام (عليه السلام) موجود في كل عصر وهو الولي على الأموال على الاطلاق ، بل لا يتم ذلك بناء على مسلك الجماعة أيضاً لأنّهم يرون الخلفاء أولياء على الأموال .

والحاصل أنّ فرض عدم ذات المجيز لا يتم في الأموال ، وأمّا في غيرها كما في زواج الصغير والصغيرة مع عدم وليّهما أو جدّهما والبناء على أنه لا ولاية لغير الأب والجدّ في نكاح الصغيرين كما هو أحد الأقوال في المسألة فلا مانع منه .

ثانيها : عدم المجيز بوصف التمكّن من الاجازة وإن كانت ذاته متحقّقة إلاّ أنه حين المعاملة غير حاضر ولا يتمكّن من الوصول إليه كما إذا وقعت المعاملة في بر لا يمكن الوصول فيه إلى المالك ، أو كان المالك نائماً أو كان بعيداً أو كان وليّه غائباً فلو لم يكن له مالك أبداً فالإمام (عليه السلام) أيضاً لا يمكن الوصول إليه .

وثالثها : عدم المجيز شرعاً وإن كانت ذاته متحقّقة ويتمكّن من الاجازة أيضاً  ، إلاّ أنّ الشارع منعه عن الاجازة كما إذا باع الفضولي مال اليتيم على خلاف المصلحة فإنّ الولي لا يمكنه الاجازة حينئذ لأنه على خلاف مصلحة اليتيم كما إذا باعه بنصف قيمته ونحوه ثمّ حال الاجازة بعد المعاملة صار بيعه على وفق المصلحة لحكم أو قانون حكومي يقضي بتخريب أمثال تلك الدور من دون دفع ثمن أصلا .

فأمّا الأوّلان فلا ينبغي التكلّم في اعتبارهما أبداً ، إذ لا دليل على اشتراط

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) حكى عنه الشيخ في المكاسب 3 : 432 .

ــ[5]ــ

ذات المجيز أو المجيز بوصف التمكّن من الاجازة في صحة المعاملات ، واشتراطهما خال عن الوجه بالكلّية ، بل ما ورد في صحّة زواج الصغيرين أدلّ دليل على عدم اعتبارهما في صحة الفضولي ، إذ لم يستفصل فيها بين وجودهما حال العقد وعدمه .

وكذا الحال في الوجه الثالث إذ لا يعتبر في صحة الفضولي أن يكون له مجيز حال العقد شرعاً بل العبرة بوجود المجيز حال الاجازة ، والذي يوضّح ذلك ملاحظة عكس المسألة أعني ما إذا كان بيع مال اليتيم على وفق المصلحة حين العقد ثمّ ترقّت قيمة المال حين الاجازة وكانت إجازة البيع على خلاف المصلحة فهل للولي إجازة العقد الصادر من الفضولي حينئذ بدعوى أنه كان على وفق مصلحة اليتيم ، ومن الظاهر أنّ الاجازة حينئذ لغو حيث إنّ استناد البيع للولي وبيعه المال إنّما هو بالاجازة والمفروض أنه على خلاف المصلحة فلا محالة تبطل الاجازة في مثلها ، لأنّ اقتراب مال اليتيم إنّما يجوز فيما إذا كان على وفق المصلحة فقد قال الله تعالى : (وَلاَ تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)(1) وقبل الاجازة لم يتحقّق بيع للولي حتّى يكون العبرة بزمان العقد ، وإنّما هو يتحقّق حين الاجازة فالاعتبار بزمانها ، والمفروض أنّ البيع حينها على خلاف المصلحة فتبطل الاجازة .

ومنه يظهر الحال في المقام وأنّ كون البيع حين المعاملة على خلاف المصلحة لا يمنع عن صحة الاجازة فيما إذا كان البيع حين الاجازة على وفقها ، فإنّ العبرة إنّما هي بزمان الاجازة كما لا يخفى ، فوجود المجيز للعقد حينه على نحو يتمكّن من الاجازة شرعاً غير معتبر في صحة المعاملة كما هو ظاهر .

فالمتحصّل : أنه لا يعتبر في الفضولي أن يكون له مجيز حال العقد ، لا بذاته ولا بوصف التمكّن من الاجازة عقلا ولا بوصف التمكّن منها شرعاً ، بل الأول غير

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الاسراء 17 : 34 .

ــ[6]ــ

متصوّر على مسلك الامامية ، والثاني أيضاً لا دليل على اعتباره بوجه ، بل الغالب أنّ المالك غير متمكّن من الاجازة حين العقد لعدم علمه أو لنوم ونحوهما وهو ظاهر  ، كما أنّ الثالث لا دليل على اعتباره لما مرّ ، والروايات الواردة في صحة الفضولي لم تستفصل بين وجود المجيز بذاته أو بوصف الاجازة عقلا أو شرعاً وعدمه ولعلّه ظاهر .

بقي الكلام فيما استدُلّ به(1) للعلاّمة (قدّس سرّه) على المدّعى في المقام : أمّا الاستدلال بلزوم الضرر على المشتري فهو ـ بعد انتقاضه بما إذا تمكّن المالك من الاجازة عقلا وشرعاً ولكنّه لا يجيز العقد ولا يردّه فإنه لا يلتزم ببطلان المعاملة حينئذ بل يذهب إلى الالتزام بالخيار أو إجبار المالك على أحدهما فلماذا لا يلتزم بهما في المقام ـ مندفع بأنّ ذلك مبني على لزوم العقد بالنسبة إلى الأصل في المعاملات الفضولية قبل الاجازة كما ذهب إليه شيخنا الأنصاري(2) ولكنّك عرفت أنّ العمومات لا تشمله قبل إجازة المالك أبداً ، بل للأصيل أن يتصرّف في ماله تصرّف الملاّك في ملكهم لاستصحاب عدم الاجازة في الأزمنة المتأخّرة.

وأمّا استدلاله عليه بأنّ صحة المعاملة والحال هذه ممتنعة فإذا امتنع في زمان امتنع دائماً ، فلم نفهم ماذا أراد هذا الرجل العظيم بهذا الكلام ، فإنّ الامتناع تارةً امتناع ذاتي نظير استحالة اجتماع النقيضين والتسلسل والدور والخلف الذي مرجعها إلى استحالة اجتماع النقيضين وارتفاعهما ، ومثله لا إشكال في امتناعه إلى الأبد ، لأنّ المستحيل لا ينقلب عن امتناعه بمرور الزمان ولا يختلف الحال فيه باختلاف الحالات ، فلا يحتمل إمكان اجتماع النقيضين في زمان من الأزمنة أبداً

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المستدلّ هو المحقّق الثاني في جامع المقاصد 4 : 72 .

(2) المكاسب 3 : 414 .

ــ[7]ــ

وأُخرى يكون الامتناع امتناعاً بالغير كامتناع المعلول لعدم علّته أو المشروط لعدم شرطه ، وهذا لا مانع من تبدّله إلى الوجوب بالغير بعد وجود علّته أو شرطه فضلا عن تبدّله إلى الامكان ، وصحّة البيع في المقام من هذا القبيل لأنّها إنّما كانت ممتنعة حال العقد لفقد علّتها وشرطها فبعد ما تحقّقت العلّة فلا مانع من صيرورة الصحّة واجبة بالغير ولعلّه ظاهر .

وبعبارة أُخرى : الامتناع حين المعاملة إنّما هو من أجل عدم علّتها وهي بيع الولي ، والوجوب بعد الاجازة من جهة وجود علّته وهي البيع المتحقّق بالاجازة .

فالمتحصّل : أنه لا وجه لاشتراط وجود ذات المجيز ولا المجيز بوصف الاجازة عقلا ولا بوصف التمكّن منها شرعاً في صحة المعاملات الفضولية أبداً ولعلّه ظاهر .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net