1 ـ اشتراط المالية في العوضين 

الكتاب : التنقيح في شرح المكاسب - الجزء الثاني : البيع-2   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4647


ــ[226]ــ

الكلام في شرائط العوضين

قد ذكر الشيخ (قدّس سرّه)(1) أنّه يشترط في البيع كون كل واحد من الثمن والمثمن مالا ، وأن يكون ممّا ينتفع به منفعة مقصودة للعقلاء ، وكل مورد علمنا بعدم كونه مالا فلا إشكال في عدم جواز البيع كالخنافس والديدان ، كما أنّه لا إشكال في جواز البيع فيما إذا كان العوضان مالا . ثمّ ذكر (قدّس سرّه) وأمّا إذا شككنا في كونه مالا فإن كان أكل المال في مقابله أكلا للمال بالباطل فالظاهر فساد المقابلة ، وما لم يتحقّق فيه ذلك فإن ثبت دليل من نصّ أو إجماع على عدم جواز بيعه فهو وإلاّ فلا يخفى وجوب الرجوع إلى عمومات صحّة البيع والتجارة وخصوص قوله (عليه السلام) في المروي عن تحف العقول : « وكلّ شيء يكون لهم فيه الصلاح من جهة من الجهات فكلّ ذلك حلال بيعه » الخ(2).

وفيما ذكره (قدّس سرّه) مواقع للنظر منها : ما ذكره (قدّس سرّه) من مقالة اعتبار كون العوضين مالا فإنه ممّا لم يقم عليه دليل كما ذكرناه مراراً وقدّمناه في أوّل كتاب البيع(3) فإنّ المعتبر تحقّق الغرض العقلائي ولو كان شخصياً وقد مثّلنا لذلك بما إذا

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المكاسب 4 : 9 .

(2) تحف العقول : 333 .

(3) راجع المجلّد الأول من هذا الكتاب الصفحة 18 .

ــ[227]ــ

رأى أحد خطّ جدّه مثلا عند شخص وكان مشتاقاً إليه فطلبه منه فأبى عن إعطائه إلاّ بالبيع فلا مانع من صحّة بيعه وشرائه ، وكذا في مثل العقارب والديدان والخنفساءإذا كان في بيعها وشرائها غرض عقلائي لأجل الدواء ونحوه ، والحاصل أنّه لا دليل على اعتبار المالية في العوضين . وأمّا ما ورد في كلام المصباح(1) من أنّ البيع عبارة عن مبادلة مال بمال فلا حجّية فيه ، لأنّ أهل اللغة في مقام شرح الاسم لا في تحديد المعنى الحقيقي كما هو الظاهر .

ولو سلّمنا ذلك فغاية ما يترتّب على ذلك عدم شمول أدلّة إمضاء البيع للمعاوضة الواقعة على ما لا يتموّل وهذا لا يمنع من شمول قوله تعالى : (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) ونحوه فيحكم بصحّة المعاوضة المذكورة ، وقد ذكرنا في بعض تنبيهات المعاطاة وشيّدنا أركان ما قلناه هناك من عدم كون بعض ما هو المتداول بين الناس بيعاً بل معاوضة مستقلّة برأسه كما ربما يبدّل أحد عباءه مع عباء شخص آخر وغير ذلك ممّا يقع التبديل بين الشقصين بين الناس من دون أن يلاحظوا الثمنية والمثمنية في أحد من المتاعين والشقصين ، وبديهي أنّ مثل هذه المعاملات ليس من البيع في شيء ولذا لو سئل عن كل واحد من المتبادلين هل بعت مالك فيقول في جوابه لا بل بدلته فراجع نفسك واجعل الانصاف بين يديك ، وهذا ظاهر كما لا يخفى على الناقد البصير ومع ذلك كلّه نحكم على هذه المعاوضات بالصحّة تمسّكاً بعموم (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) .

ومنها : ما ذكره ثانياً من أنّه إذا شككنا في كون شيء مالا فإن كان المال في مقابله أكلا للمال بالباطل فلا إشكال في عدم الجواز بناءً على ما ذكره في تفسير معنى الآية الشريفة فراجع ، وذلك أنّه إذا شككنا في كون شيء مالا نشكّ في كون مقابله

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المصباح المنير : 69 .

ــ[228]ــ

أكلا للمال بالباطل ، ومع احتمال كونه مالا كيف يكون لنا العلم بأنّه أكل مال بالباطل وليس هذا إلاّ جمعاً بين المتناقضين ، وأمّا على المبنى المختار عندنا فالآية أجنبية عن محلّ الكلام رأساً .

ومنها : ما ذكره أخيراً من قوله : وإلاّ فلا يخفى وجوب الرجوع الخ وقد عرفت في أوّل الكتاب(1) عدم كون ما نقل عن تحف العقول رواية لأجل وجود القرائن التي نبّهنا عليها هناك ، وعلى فرض كونها رواية فهي ضعيفة بالإرسال . وأمّا التمسّك في هذه الموارد بالعمومات فمن أظهر مصاديق التمسّك بالعام في الشبهات المصداقية كما هو الظاهر لأهل الفنّ .

ثمّ ذكر (قدّس سرّه) أنّهم احترزوا باعتبار الملكية عن بيع ما لا يكون ملكاً كالماء والكلاء والسماك والوحوش قبل الإصطياد .

ولعمري أنّه لم يتقدّم منه (قدّس سرّه) اعتبار الملكية في العوضين بل ذكر (قدّس سرّه) أنّه يشترط أن يكون العوضان مالا وبديهي أنّه لا ملازمة بين كون شيء مالا وكونه ملكاً بل النسبة بينهما العموم من وجه كما هو الواضح ، هذا .

مضافاً إلى أنّ الملكية معتبرة في بيع الأعيان الشخصية لأجل الروايات الواردة في المقام مثل قوله (صلّى الله عليه وآله) : « لا بيع إلاّ في ملك »(2) و «  لا بيع فيما ليس عندك »(3) بحيث لولا هذه الروايات لم يكن مانع عن بيع ما ليس عنده ثمّ اشتراؤه ودفعه إلى المشتري ، والمراد من اعتبار كون العوضين ملكاً في الأعيان الشخصية معناه اللغوي يعني أن يكون تحت سلطانه ولذا قلنا في بعض تحقيقاتنا

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) لاحظ مصباح الفقاهة 1 (موسوعة الإمام الخوئي 35) : 7 وما بعدها .

(2) المستدرك 13 : 230 / أبواب عقد البيع وشروطه ب1 ح3 . (مع اختلاف يسير) .

(3) الوسائل 18 : 47 / أبواب أحكام العقود ب7 ح2 (باختلاف يسير) .

ــ[229]ــ

المتقدّمة(1) من أنّه لا مانع من جعل متعلّق الحقّ كحقّ التحجير ثمناً في البيع ، وأمّا في بيع الكلّي في الذمّة فلا يعتبر الملكية بلا إشكال وخلاف بين الفريقين كما صرّح الإمام (عليه السلام) بذلك في بعض الأخبار(2) نقضاً على المخالفين كما تقدّم منّا في بعض المباحث السابقة فراجع .

ثمّ ذكر (قدّس سرّه) بعد ذلك أيضاً ما هذا لفظه : واحترزوا أيضاً به ـ يعني باعتبار الملكية ـ عن الأرض المفتوحة عنوة ، ووجه الاحتراز عنها أنّها غير مملوكة لملاّكها على نحو سائر الأملاك الخ ، ولعمري أنّه كان الأولى له (قدّس سرّه) أن يقيّد الملكية في هذا المقام بالطلقية لكون الأراضي المفتوحة عنوة ملكاً للمسلمين غاية الأمر ليست ملكاً طلقاً ، ثمّ تعرّض لبيان كيفية التملّك وأقسام الملكية وتفصيل ذلك : أنّ الملكية تتصوّر على وجوه :

منها : ما إذا كانت العين والمنافع ملكاً للمالك كما في الأموال والأملاك الشخصية المتعارفة كمالكية الإنسان لداره ونحوها من أمواله .

ومنها : ما لا تكون العين ملكاً له بل تكون المنافع ملكاً له حتّى قبل القبض كما في الوقف الخاصّ بداهة أنّ الموقوف عليهم في الوقف الخاصّ يتملّكون المنافع بوجه المشاع حتّى قبل القبض كما هو واضح .

ومنها : ما تكون المنافع فقط مملوكة بعد القبض مثل الوقف العامّ كما في الوقف على العلماء والمؤمنين .

ومنها : ما لا تكون العين ملكاً لأحد إلاّ بعد القبض كما في باب الزكاة والخمس بناءً على كونهما متعلّقين بالعين وكون عنوان السادات والفقراء مشتركاً مع

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) راجع المجلّد الأوّل من هذا الكتاب الصفحة 25 ، 34 .

(2) الوسائل 18 : 46 / أبواب أحكام العقود ب7 ح1 ، 3 .

ــ[230]ــ

من عليه الزكاة والخمس ، وبديهي أنّ السادات والفقراء قبل قبض العين لا يكونون مالكين للعين فضلا عن منافعها ولذا لو مات أحد من الفقراء أو السادات قبل القبض وبعد تعلّق الخمس والزكاة لا يرثه وارثه كما هو واضح .

إذا عرفت هذا فاعلم أنّ الملكية الموجودة في الأراضي المفتوحة عنوة ليست من قبيل تلك الاُمور التي ذكرناها وتلونا عليك بل الملكية هنا نحو ملكية مستقلّة ومعناها صرف منافعها في مصالح المسلمين وأمرها في يد ولي الأمر وله تمليكها لكل شخص أراد ورأى فيه مصلحة لعامّة المسلمين .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net