أقسام الوقف الذي يجوز بيعه وما لا يجوز 

الكتاب : التنقيح في شرح المكاسب - الجزء الثاني : البيع-2   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 7940


وأمّا الكلام في الجهة الثانية : فقد ذكر بعض أنّ المسوّغ أمر واحد وهو ما إذا وقع بين الموقوف عليهم اختلاف يخاف أو يظنّ من تلف المال والأنفس ، وذكر بعض غير ذلك سيجيء الكلام فيه تفصيلا إن شاء الله تعالى .

والكلام في الجهة الاُولى فعلا يقع في الوقف المؤبّد وهو على قسمين : لأنّه يكون تارة مثل عتق العبد في كونه تحريراً وفكّ ملك يعني يجعل الواقف ماله محرّراً وغير قابل للملكية وهذا مثل المساجد ولذا لو غصبها غاصب لا يكون ضامناً . والظاهر أنّه لم يستشكل أحد في عدم جواز بيعه إلاّ أنّ عدم جوازه ليس من جهة كونه وقفاً بل لما ذكره كاشف الغطاء(1) من أنّه لا يصحّ بيعه لا لعدم تمامية الملك بل لعدم أصل الملك ، بداهة أنّه بعد جعله محرّراً لا يكون قابلا للملك مثل العبد إذا اُعتق وصار حرّاً ، ولكنّه (قدّس سرّه) ذكر أنّه تجوز إجارته مع مراعاة الآداب اللازمة له إذا كان مسجداً وصرف منافعها في غيره من الأوقاف ، وهذا ممّا لا يمكن المساعدة عليه لأنّه لا دليل على جواز إجارته بعد ما لم يكن ملكاً لأحد ، والاجارة تقع في ملك مَن بعد ما فرضنا أنّه لا مالك له ، بل يمكن أن يقال إنّه بعد اليأس عن الانتفاع به يصير من المباحات بمعنى أنّه يجوز لكلّ أحد أن يتصرّف فيه بالزرع ونحوه مع مراعاة الآداب اللازمة له إذا كان من المساجد والمشاهد من دون أن يكون مالكاً له بالاحياء.

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) شرح القواعد (مخطوط) : 84 .

ــ[264]ــ

واُخرى لا يكون من قبيل التحرير وهو على قسمين : لأنّه قد يكون وقفاً خاصاً على أشخاص خاصّة مثل الذرية وقد يكون وقفاً عاماً على الجهة . أمّا الوقف الخاص فهو ملك للموقوف عليهم بنحو من الملكية بحيث ليس لهم التصرّف فيه مثل تصرّف الملاّك في أملاكهم . والذي يدلّنا على ذلك أي كونه ملكاً للموقوف عليهم بنحو من الملكية نفس كلمة « على » في قول الواقف وقفت عليهم ، بداهة أنّه في صورة عدم الملك لم يكن له هذا التعبير الدالّ على الضيق والضرر وليس هذا إلاّ من جهة تضيّق دائرة الملكية يعني أنّهم مالكون لهذا الشيء الموقوف غاية الأمر دائرة الملكية مضيّقة عليهم ، وبالجملة إنّ نفس هذا التعبير يدلّ على الملكية وإلاّ لم يكن وجه لهذا التعبير لكون رجوع المنفعة إليهم نفعاً لا ضرراً . والذي يشهد على هذا ما ذكره الفقهاء من أنّه يشترط في المبيع أن يكون طلقاً فلا يجوز بيع الوقف فاحترزوا عن بيع الوقف باشتراط كون المبيع ملكاً طلقاً لا مجرد كونه ملكاً . فالظاهر جواز بيعه عند عروض المجوّز ، لأنّ الملكية كانت تامّة لهم غاية الأمر كانت مضيّقة ، ولم يكن بيعه جائزاً لأجل المانع فإذا عرض له المجوّز يرتفع المانع ويجوز بيعه  .

وأمّا القسم الثاني من الوقف وهو ما يكون وقفاً عاماً من دون أن يكون مثل المساجد في كونه تحريراً وفكّاً للملك بل هو يبقى في ملك الموقوف عليهم ، فهو على قسمين : القسم الأول ما يكون وقفاً لجهة عامّة مثل الوقف على العلماء والفقراء والسادات مثل الحمّامات والدكاكين بأن تكون منفعة هذه الاُمور راجعة إليهم ومملوكة لهم فإنّ معنى وقف هذه الاُمور لهؤلاء الجماعة رجوع منفعة هذه الاُمور إليهم وكونها مملوكة لهم فيجوز لهم الانتفاع بها مباشرة كما يجوز لهم إجارتها والانتفاع باُجرتها .

والظاهر أنّ هذه الاُمور أيضاً ملك لهم بعين ما ذكرناه في الوقف الخاصّ من

ــ[265]ــ

دلالة نفس « على » في قول الواقف وقفت عليهم ، كما أنّ الظاهر أنّه لا مانع من جواز البيع عند عروض المسوّغ والمجوّز له ، والفرق بين هذا وبين الوقف الخاص أنّه في الوقف الخاص يكون الشيء الموقوف ملكاً للأشخاص بنحو الاشاعة بخلافه في المقام بداهة أنّ الشيء الموقوف ليس ملكاً للعلماء بالاشاعة بأن يكون كلّ واحد من العلماء مثلا مالكاً لمقدار من الوقف بنحو الاشاعة بل هو ملك للجهة . وبعبارة اُخرى أنّ دائرة الملك سعة وضيقاً تختلف بكثرة الموقوف عليهم وقلّتهم في الوقف الخاص بخلافه في هذا القسم بل هو باق على حاله على أي حال ، وكيف كان فلا فرق في جواز البيع بين هذا القسم وبين الوقف الخاص عند عروض مجوّز البيع .

والقسم الثاني من الوقف العام ما يكون وقفاً للعلماء أو لجميع الناس مثلا ولكنّه على نحو ليس لهم إجارته ونحوها بأن لا تكون المنفعة راجعة إليهم مثل القسم الأول ، بل وقف عليهم لأن ينتفعوا منه مباشرة لا لأنّ يؤجر وتصرف منافعه فيهم وهذا مثل المدارس والخانات الواقعة في الطرق والقناطر ، وقد يعبّر عن هذا القسم في لسان العلماء بملك الانتفاع دون المنفعة ، ولكنّه ذكرنا في موطنه أنّ مرجع هذا أيضاً إلى ملك المنفعة غاية الأمر المنفعة بالمباشرة لأنّ الانتفاع فعل الشخص وكيف يكون الشخص مالكاً لفعل نفسه ، فهو مالك للمنفعة لكن في جهة خاصّة ولا مانع من التعبير عنه بملك الانتفاع مسامحة من باب ضيق العبارة .

وكيف كان الظاهر كون الشيء الموقوف مثل القناطر والمدارس أيضاً ملكاً للجهة غاية الأمر يكون ملكاً مضيّقاً والمنفعة أيضاً مملوكة ملكاً مضيّقاً ، فالفرق بين هذا القسم والقسم السابق أنّه في القسم الأول تكون العين ملكاً للجهة لكن محبوسة لا طلقاً والمنفعة تكون ملكاً لهم طلقاً فيجوز لهم المعاوضة عليها والانتفاع بثمنها وفي القسم الثاني كما لا تكون العين مملوكة للجهة طلقاً كذلك المنفعة لا تكون طلقة بل هي أيضاً محبوسة بمعنى اشتراط صرفها في جهة خاصّة وهي الانتفاع بها

ــ[266]ــ

مباشرة  ، وليس لهم إجارته ونحوها من التصرفات الواقعة من الملاّك بل لهم أن يجلسوا في المدارس والخانات إذا كانوا من الموقوف عليهم كما إذا وقف الخان على أن يسكن فيه الزوّار أو المسافرون .

وكيف كان ، يدلّ على الملكية في هذا القسم كلمة « على » بالتقريب الذي قدّمناه في الوقف الخاص ، ومضافاً إلى هذا يدلّ على ما ذكرناه : السيرة المستمرّة على الضمان ففي الوقف الخاص إذا غصب أحد العين الموقوفة على الذرّية مثلا أو شيئاً من منافعها يعتبره العقلاء ضامناً لهم ، وفي الوقف العام بكلا قسميه يعتبرونه ضامناً للجهة وليس ذلك إلاّ من جهة أنّهم يعتبرون العين والمنفعة ملكاً لهم . فعليه لا مانع من جواز البيع عند عروض المجوّز ، وما ذكره الشيخ(1) والميرزا(2) (قدّس سرّهما) من إلحاق هذا القسم بالمساجد في عدم كونه ملكاً لأحد بل فكّاً وتحريراً للملك مثل تحرير العبد لم يظهر لنا وجهه .

بقي الكلام في مثل المشاهد والحسينيات ، والكلام في هذه الاُمور يقع تارة في أرض هذه الاُمور واُخرى في مثل الأخشاب والآجر والقنديل ونحوها من الآلات والأسباب .

أمّا الكلام في الأول ، فالظاهر أنّه يكون مثل المساجد في كونه تحرير ملك حيث يجعل الواقف الأرض وقفاً لتكون معبداً ومزاراً فتصير محرّرة مثل المساجد من جهة عدم ملاحظة تمليك أحد أو جهة من الجهات فلا يجوز بيعها أبداً .

وأمّا الكلام بالنسبة إلى الآلات الموضوعة في المشاهد والمساجد والحسينيات فهي تارة لا تكون إلاّ لأجل الزينة وتعظيم شعائر المساجد والمشاهد

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المكاسب 4 : 60 .

(2) منية الطالب 2 : 280 .

ــ[267]ــ

مثل القناديل المعلّقة في المشاهد الشريفة وغير القناديل من الآلات الموضوعة فيها لأجل التزيين ، ومن الظاهر أنّ هذه الاُمور وقف وملك لنفس المساجد والمشاهد والانتفاع منها يكون بالتزيين وليس في هذه الاُمور ملاحظة تمليك المسلمين وانتفاعهم أصلا وهي من مصداق الوقف على الموقوفات وسيجيء الكلام عن قريب إن شاء الله تعالى أنّه لا يعتبر أن يكون المالك من ذوي الشعور بعد ما كانت الملكية أمراً اعتبارياً يعتبره العقلاء في هذه الموارد .

واُخرى تكون الآلات الموضوعة في المشاهد والمساجد مثلا وقفاً للمسلمين المصلّين في المسجد أو زوّار المشهد ولكنّه جعل محل الانتفاع منها المسجد والمشهد من دون أن يكون فيها تزيين للمشهد والمسجد مثل المبردات الموضوعة في المشاهد المشرّفة والمساجد المكرّمة لأن ينتفع الزوّار والمصلّون عند الزيارة والعبادة منها .

وثالثة يلاحظ فيها كلتا الجهتين من انتفاع المسجد بالتزيين وانتفاع الناس والظاهر في هذا القسم أيضاً أنّه وقف على نفس المسجد والمشهد لا على الزوّار والمصلّين ، ويؤكّد ذلك ما هو المتعارف في إنشاء وقفه فإنّه يعبّر عنه بالوقف على المسجد ونحوه لا على المصلّين والزائرين ، وكيف كان يجوز بيع جميع هذه الاُمور عند عروض المسوّغ وصرف ثمنها على المسجد ونحوه في القسم الأوّل والثالث وعلى المصلّين والزائرين في القسم الثاني .

وأمّا الكلام بالنسبة إلى الأجزاء المحدثة للمسجد كما إذا سقّف أحد سقف المسجد فالظاهر أنّه ليس مثل نفس مكان المسجد الذي قلنا إنّه تحرير ملك لا يجوز بيعه ، بل هو من قبيل سائر الموقوفات على المسجد يجوز بيعه عند عروض المجوّز ولا ينافي ذلك إجراء أحكام المسجد فيه .

ومثل السقف باب المسجد ونحوه من أجزائه المحدثة ، فإذن لا مانع من جواز بيعه عند عروض المجوّز لأنّه ليس من نفس المسجد بل هو سقف المسجد أو بابه  .

ــ[268]ــ

ومن هنا ظهر حكم الأجزاء غير المحدثة كما إذا فرضنا أنّ أحداً بنى لنفسه داراً وبنى فيها سقفاً وأبواباً ونحوها ثمّ وقفها مسجداً ، فالظاهر أنّ وقف المجموع ينحل إلى جعل الأرض مسجداً وجعل غيره وقفاً على المسجد ، وذلك لأنّ المسجد إنّما هو اسم للفضاء والمكان وأمّا غيره من التراب والآجر والأخشاب فليس بمسجد ، ولذا لو انتزع وجعل في مكان آخر لم يلحقه أحكام المسجد نظير الكعبة والصفا والمروة ونحوها ممّا هو اسم للفضاء ولذا لو فرض نعوذ بالله انهدام الكعبة وجب الطواف حول ذاك الفضاء والتوجّه إليه في الصلاة والكون في ذلك الفضاء الخاص في الحجّ مثلا ، ويشهد لهذا ما أفاده الميرزا(1) ونعم ما أفاد من أنّ المناسب للمسجدية التي هي تحرير للملك دائماً أن يتعلّق بما هو قابل للدوام والاستمرار وما هو قابل له هو الفضاء دون غيره ، فإذن يجوز بيع حيطان المسجد وجذوعه وبابه إلى غير ذلك ممّا يتعلّق به عند طروّ المسوغ ويصرف ثمنها على المسجد فإنّها مملوكة له من غير فرق بين الصورتين .

وأمّا ثوب الكعبة فقد ورد فيه في رواية مروان « يبيع ما أراد ويهب ما لم يرد وينتفع به ويطلب بركته ، قلت أيكفّن به الميّت ؟ قال : لا »(2) ولذا وقع الكلام في أنّه كيف يجوز بيعه مطلقاً بدون مسوغ على ما هو مقتضى إطلاق الحديث .

والظاهر أنّه ليس وقفاً أصلا بداهة أنّه يعتبر في الوقف التأبيد ومن المعلوم أنّ ثوب الكعبة يتجدّد في كل سنة سنة ، ومن جهة عدم كونه وقفاً جوّز الإمام (عليه السلام) بيعه ، وأمّا نهيه (عليه السلام) عن التكفين به فلأجل احترام الكعبة ولذا قال (عليه السلام) ويطلب بركته ، وقد سمعنا أنّه جعل موضع في مصر وقفاً على هذا يعني

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) منية الطالب 2 : 282 .

(2) الوسائل 3 : 44 / أبواب التكفين ب22 ح1 .

ــ[269]ــ

وقف وجعل منافعه لأن يشترى بها ثوب للكعبة في كل سنة ، فعليه لا مانع من جواز بيعه .

إذا عرفت هذا فاعلم أنّه بقيت في المقام صورة واحدة من صور الوقف وهي عبارة عن الوقف على الموقوفات مثل الحمّامات والدكاكين الموقوفة على المسجد والمدرسة ونحوهما ، والظاهر أنّ هذه الاُمور ملك لنفس المسجد ونحوه والمالك لهذه الاُمور هو المسجد والمدارس والمشاهد .

لا يقال : إنّ المدارس والمساجد والمشاهد ليس فيها شعور حتّى تكون مالكة لهذه الاُمور . فإنّه يقال : إنّه لا يعتبر أن يكون المالك ذا شعور بعد ما كانت الملكية من الاُمور الاعتبارية ويعتبرها العقلاء أيضاً في هذه الموارد ، ويترتّب عليه أنّ المنافع التي تحصل من تلك الاُمور تكون ملكاً طلقاً للمسجد والمدرسة ونحوهما نظير ما يكون وقفاً على الكلّي أو الذرّية كما إذا فرضنا أنّ دكّاناً كان وقفاً على العلماء أو الذرّية فكما أنّ منافع تلك الاُمور تكون ملكاً طلقاً لهؤلاء الجماعة كذلك تكون منافع هذه الاُمور ملكاً طلقاً للمسجد والمدرسة وللمتولّي أن يتصرّف فيها بما يراه صلاحاً بلا اعتبار عروض مجوّز للتصرّف أصلا فله أن يشتري بمنافع هذه الاُمور شيئاً ويجعله وقفاً على نفس المسجد مثلا ، نعم لابدّ في جواز بيع نفس الموقوف على الموقوفات من عروض مسوّغ ومجوّز فافهم .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net