كون الشرط هو القدرة المعلومة لا القدرة الواقعية 

الكتاب : التنقيح في شرح المكاسب - الجزء الثاني : البيع-2   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4008


ثمّ إنّ المعتبر في القدرة هي القدرة المعلومة للمتبايعين لا القدرة الواقعية فقط وقال الشيخ (قدّس سرّه) أنّه لو باع ما يعتقد التمكّن منه فتبيّن عجزه في زمان البيع وتجدّدها بعد ذلك صحّ ، ولو لم تتجدّد بطل ، ولا يخفى أنّه لم نفهم ما يريده الشيخ (قدّس سرّه) وذلك لأنّ الصور في هذا المقام أربعة :

الصورة الاُولى : ما إذا كان البائع في الواقع قادراً على التسليم وكان المتبايعان أيضاً عالمين بذلك ، ففي هذه الصورة لا إشكال في صحّته ولا خلاف .

الصورة الثانية : ما إذا لم يكن البائع قادراً على التسليم وكان المتبايعان

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المكاسب 4 : 192 .

ــ[343]ــ

أيضاً عالمين بذلك ، فحينئذ أيضاً لا إشكال ولا خلاف في بطلانه سواء قلنا إنّ الدليل على اعتبار القدرة نهي النبي (صلّى الله عليه وآله) عن بيع الغرر أو قوله (صلّى الله عليه وآله) «  لا تبع ما ليس عندك » كما لا يخفى .

الصورة الثالثة : ما إذا كان البائع في الواقع قادراً ولكن المتبايعين لم يكونا عالمين بذلك ، فحينئذ إن قلنا بأنّ الدليل على اعتبار القدرة قوله (صلّى الله عليه وآله) «  لا تبع » الخ فلا مانع من القول بصحّة البيع لكون البائع قادراً ومسلّطاً عليه في الواقع وإن لم يكن عالماً بذلك ، وإن قلنا إنّ الدليل عليه نهي النبي (صلّى الله عليه وآله) عن بيع الغرر فالحقّ بطلان العقد لوجود احتمال الخطر الذي هو عبارة عن الغرر وبديهي أنّ وجود القدرة في الواقع مع عدم علمهما به لا يكون موجباً لرفع احتمال الخطر الذي هو حالة نفسانية كما لا يخفى .

الصورة الرابعة : ما إذا لم يكن المبيع في الواقع مقدور التسليم ولكن كان المتبايعان معتقدين أنّه مقدور ، فحينئذ إن قلنا بأنّ الدليل على اعتبار ذلك هو قوله (صلّى الله عليه وآله) « لا تبع » فلابدّ من الحكم ببطلان العقد لعدم كون البائع مسلّطاً عليه وقادراً على تسليمه واقعاً فيكون مشمولا لقوله (صلّى الله عليه وآله) « لا تبع ما ليس عندك » حال البيع ، وبديهي أنّ تجدّد القدرة بعد ذلك لا يخرج البيع عمّا وقع عليه من كونه من بيع ما ليس عندك ، فما ذكره شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه) من التفصيل بين تجدّد القدرة بعد البيع وعدمه لا وجه له .

وأمّا إذا قلنا بكون الدليل عليه نهي النبي (صلّى الله عليه وآله) عن بيع الغرر فالحقّ صحّة البيع إن قلنا إنّ قوام الغرر بالجهل . وبعبارة اُخرى أن يكون احتمال الخطر له موضوعية في ذلك لعدم صدق الغرر حينئذ لأنّ المفروض اعتقاد المتبايعين بالقدرة ، وأمّا إذا قلنا إنّه لا موضوعية للجهل واحتمال الخطر بل هو طريق محض إلى الهلاك الواقعي كما ذكرناه قبلا فيما إذا علما بعدم القدرة ، فالظاهر بطلان البيع لأنّ

ــ[344]ــ

المفروض عدم قدرة البائع على التسليم كما لا يخفى ، هذا كلّه فيما إذا كان البيع من المالك .

وأمّا إذا كان من الغير كما إذا كان البائع وكيلا عن المالك فحينئذ يكون الغير تارة وكيلا في إجراء الصيغة فقط بأن يكون بمنزلة الآلة واُخرى يكون وكيلا مفوّضاً  ، فإن كان بالوجه الأوّل فالمناط في القدرة وعدمها هو الموكّل لعدم كون قدرة الوكيل دخيلا في صحّة المعاملة وعدمها ، بداهة أنّ المفروض أنّه أجنبي عنه .

وأمّا إذا كان بالوجه الثاني بأن يكون وكيلا مفوّضاً ، فحينئذ إن كان الوكيل قادراً على التسليم يكفي في صحّة العقد سواء كان الموكّل أيضاً قادراً أو لم يكن قادراً ، وسواء كان المشتري عالماً بعدم قدرة الموكّل أو جاهلا بداهة انتفاء الغرر لأنّ المفروض قدرة الوكيل على التسليم وعدم كونه مشمولا لقوله (صلّى الله عليه وآله) «  لا تبع » الخ ، لأنّ المفروض كون المال تحت يده من حيث إنّه وكيل مفوّض وأمّا إذا لم يكن الوكيل قادراً عليه ولكنّه كان الموكّل قادراً على التسليم فلابدّ في صحّة العقد علم المشتري بقدرة المالك حتّى يرتفع احتمال الخطر وإلاّ يكون العقد باطلا لأجل كونه غررياً .

وبعبارة واضحة : أنّه يعتبر علم المشتري بقدرة المالك في صورة عدم قدرة الوكيل المفوّض ولا يعتبر علمه بقدرة المالك عند قدرة الوكيل المفوّض على التسليم  . وربما يقال في صورة عدم قدرة الوكيل إنّه يعتبر في صحّة البيع في هذه الصورة مضافاً إلى علم المشتري بقدرة المالك أن يكون المالك راضياً برجوع المشتري عليه وكذا المشترى راضياً برجوعه عليه ، وعلى هذا بنى فساد العقد الفضولي لعدم كون الفضولي قادراً على التسليم قبل الاجازة ، وقدرة المالك إنّما يؤثّر لو بني العقد عليها وكان المالك راضياً به حال العقد والمفروض عدم رضاه حال العقد .

ــ[345]ــ

ثمّ أورد على نفسه بأنّه لا يقال بأنّا نفرض الكلام فيما إذا حصل للفضولي اطمئنان ووثوق بإرضاء المالك ويطمئن أنّ المالك لا يخرج عن رأيه وكلامه ، فعليه يكون الفضولي حال العقد قادراً على التسليم ، ثمّ أجاب عنه بوجهين : أحدهما : أنّ هذا الفرض خارج عن بيع الفضولي لمصاحبة الإذن للبيع وكونه مقارناً معه فيخرج عن الفضولية . وثانيهما : أنّ المدّعى أعمّ من هذه الصورة ، بداهة أنّ القائلين بصحّة الفضولي لا يقصرون الحكم على هذا الفرض ، هذا ملخّص كلامه .

وذكر شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه)(1) أنّ ما ذكره من المبنى وما فرّع عليه من بطلان الفضولي والاعتراض الذي ذكره بعده ثمّ أجاب عنه كلّها محلّ نظر وتأمّل  .

أقول : أمّا عدم صحّة أصل المبنى فبداهة أنّه لم يعتبر في صحّة العقد إلاّ القدرة على التسليم والتسلّم وأمّا رضا المشتري بالرجوع على المالك عند عدم قدرة الوكيل وكذا رضا المالك برجوع المشتري عليه فلا دليل عليه ، بل ليس للمشتري إلاّ التسلّم من أي شخص كان ، ويكون نظره إلى مرحلة مبادلة ماله بمال آخر وتسلّم المبيع والمفروض تحقّقه ، وأمّا اعتبار رضاه بأن يكون التسليم من نفس المالك فهو كما ترى ، وأمّا اعتبار رضا المالك فهو موجود بعين الوكالة بداهة أنّ يد الوكيل يده وبيعه بيعه ، وعلى أي حال يكون المال مطلوباً من الموكّل ومحسوباً منه فرضاه موجود بمحض الوكالة . وأمّا عدم صحّة تفريع بطلان الفضولي عليه على فرض تسليم المبنى فمن جهة ما ذكرناه مراراً أنّ المعتبر في باب الفضولي إنّما هو قدرة المالكين عند تمامية العقد وانتساب العقد إليهما والمفروض أنّ العقد يكون منسوباً إلى المالك عند إجازته ، والمفروض قدرته على التسليم أيضاً في مرحلة الاجازة

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المكاسب 4 : 194 .

ــ[346]ــ

والعقد الكذائي إنّما يكون مشمولا لعموم أدلّة الوفاء بالعقد من حين الاجازة ، وأمّا الفضولي فهو أجنبي بالمرّة عن العقد كما لا يخفى ، وهذا بخلاف المقام بداهة أنّ العقد من زمان وقوعه وحدوثه ومن الأول مشمول لأدلّة وجوب الوفاء بالعقد فكيف يقاس المقام بباب الفضولي .

وأمّا عدم صحّة الاعتراض على نفسه ، فلأنّ قدرة الفضولي على التسليم غير مؤثّرة لكونه أجنبياً كما عرفت ، وأمّا عدم صحّة جوابه الأول عن الاعتراض فلوجهين : أحدهما أنّه قد ذكرنا مراراً أنّ مقارنة العقد بالرضا لا يكون موجباً لخروج البيع عن الفضولية ما لم يكن في المقام إذن سابق أو إجازة مقارنة مع العقد . وثانيهما : أنّه على فرض تسليم ذلك أيضاً فالمقام ليس من هذا القبيل لأنّ المفروض أنّ الفضولي يطمئن بارضائه فيما بعد لا حين العقد ، وليس رضا المالك مقارناً مع العقد بل هو متأخّر عنه .

ولا يخفى أنّه لو سلّمنا جميع ما ذكره هذا القائل فلابدّ من تسليم ما ذكره أخيراً بقوله إنّ القائلين بصحّة الفضولي لا يقصرون الحكم على هذا الفرض ، ولم يظهر لنا وجه التأمّل في هذا لشيخنا الأنصاري (قدّس سرّه) ومن المحتمل أن يكون مراده (قدّس سرّه) من قوله : وفيما ذكره من مبنى مسألة الفضولي إلى آخر كلامه رفع في الجنّة مقامه التأمّل والمناقشة في المجموع من حيث المجموع لا كلّ واحد واحد بالخصوص حتّى الجواب الأخير أيضاً فافهم وتأمّل جيّداً .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net