البيع بالمشاهدة فيما لا يكال ولا يوزن - الكلام في بيع بعض أجزاء الشيء 

الكتاب : التنقيح في شرح المكاسب - الجزء الثاني : البيع-2   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4405


الكلام في بيع المشاهد

قد عرفت أنّه يعتبر الكيل والوزن في المكيل والموزون كما أنّه يعتبر العدّ والذرع في المعدود والمذروع للقطع بعدم الفرق بينها ، وأمّا ما ليس من قبيل المكيل ولا الموزون ولا المعدود ولا المذروع فلا مانع من بيعه بالمشاهدة وذلك كما في الأراضي والدور لتفاوت قيمتها باختلاف الأنظار ، فإذا اشترى داراً أو أرضاً بالمشاهدة وكانت بنظره كذا مقداراً ثمّ انكشف أنّها أقلّ من ذلك المقدار فلا خيار


ــ[387]ــ

له  ، كما لا إشكال في صحّة بيعه وذلك لأنّه إنّما اشتراها بالمشاهدة ولم يشترط في عقد المعاملة أن تكون كذا مقدار ، نعم لو اشترط في ضمنها أن تكون كذا مقدار وظهرت أقلّ منه فله خيار تخلّف الشرط كما هو ظاهر .

وذهب العلاّمة(1) إلى جواز بيع قطيع الغنم بالمشاهدة ، لأنّ الغنم ليس من المكيل أو الموزون ولا من المعدود والمذروع بل يباع بالمشاهدة لاختلاف قيمته باختلافه من حيث السمن والهزال فلا مانع من بيع القطيع منه بالمشاهدة . واستشكل في ذلك شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه)(2) من جهة الغرر في أمثالها من المعاملات لاختلاف القطيع من حيث العدد والأفراد وهي غير معلومة للمشتري كما هو المفروض فتكون المعاملة جزافية ، وكيف كان فلا مانع في البيع بالمشاهدة إلاّ فيما إذا استلزم الغرر في مورد وبنينا على تمامية أدلّة الغرر من الإجماع أو الرواية ولعلّ ذلك ظاهر .

الكلام في بيع بعض أجزاء الشيء

المبيع تارة يكون تمام الشيء من أوّله إلى آخره وهو ممّا لا إشكال في صحّته واُخرى يكون بعض أجزائه كثلثه المشاع أو ربعه كذلك ، فيكون المشتري حينئذ شريكاً مع البائع في المال بالثلث والربع أو غيرهما ، وهذا أيضاً لا إشكال في صحّته نظير الشركة الأوّلية كما إذا مات أحد وانتقل ماله إلى ورثته فإنّهم يشتركون في تلك الأموال بالنسبة ، فإذا كانوا ثلاثة فالمال بينهم بالثلث وإذا كانوا اثنين فهو بينهما بالنصف ، وإذا فرضنا أحدهما بنتاً وثانيهما ابناً فثلثاه للابن وثلثه للبنت ولعلّ ذلك

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) التذكرة 10 : 84 المسألة 47 .

(2) المكاسب 4 : 245 .

ــ[388]ــ

واضح ، وكيف كان فبيع بعض أجزاء الشيء يتصوّر على أقسام وصور :

الصورة الاُولى : أن يشتري كسراً مشاعاً كما إذا اشترى منّاً من الحنطة الموجودة في الخارج من غير أن يعلم بأنّ نسبة المنّ إلى مجموع الحنطة بالعُشر أو بالربع أو بغيرهما من المقدار وذلك للجهل بمقدار مجموع الحنطة ، فالبائع لا يدري أنّ المشتري يشترك معه في ثلث ماله أو في ربعه ولكنّه يعلم أنّه يشترك معه في المال بنسبة المنّ إلى مجموع الحنطة فإن كانت هي بالثلث فبالثلث وإن كانت بالربع فبالربع وهكذا ، فمقدار المبيع معلوم ولكن أنّه بأيّة نسبة من الثلث أو الربع غير معلوم .

ولا إشكال في صحّة المعاملة في هذه الصورة للعلم بمقدار المبيع وتعيين النسبة في الواقع وعلم الله ، ولا يضرّ الجهل بها في صحّة البيع بعد العلم بمقدار المبيع ، وهذا لا يختصّ بالحنطة بل يجري ويصحّ في بيع دار من الدارين أو عبد من العبدين بالاشاعة بأن يكون المشتري شريكاً مع البائع في الدارين والعبدين بالنصف نصف من هذه الدار ونصف آخر من الدار الاُخرى ونصف من هذا العبد ونصف آخر من العبد الآخر ، هذا .

ولكن حكي عن العلاّمة (قدّس سرّه)(1) الإشكال في صحّة بيع عبد من عبدين أو شاة من شاتين وإن ذهب إلى الصحّة في مثل منّ الحنطة ، ولكن لا فرق بينهما إلاّ في أنّ العبد لا يطلق على النصف من عبد والنصف من عبد آخر فلا يصحّ أن يقال عرفاً إنّ له عبداً ، وهذا أمر راجع إلى مقام الإثبات ولا يضرّ بصحّة المعاملة في مقام الثبوت ، إذ لا مانع من إطلاق العبد وإرادة النصفين من عبدين مع علم المتبايعين بالمراد سيّما إذا صرّح بالمراد في العقد ، وأمّا اعتبار الصراحة والحقيقة في المعاملات وأنّ المعاملات لا تصحّ بالألفاظ المجازية أو الكنائية فقد عرفت في

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) التذكرة 10 : 86 .

ــ[389]ــ

محلّه أنّه على تقدير اعتباره إنّما يعتبر في نفس البيع والاجارة ونحوهما بأن لا يقول بعت ويريد منه الاجارة وبالعكس ، وأمّا في متعلّقات البيع والمعاملة فلا مانع من استعمال المجاز أو الكناية بل الغلط أيضاً كما مرّ ، وفي المقام قد ذكر البيع بالصراحة وقال بعت وإنّما الإجمال أو المجاز في متعلّقه وهو العبد وقد عرفت أنّه لا يوجب البطلان سيّما مع نصب القرينة أو التصريح بالمراد.

ثمّ إنّ ما ذكرناه في المقام لا يختصّ بما إذا كانت الأجزاء متساوية القيمة بل يجري فيما إذا كانت قيمتها مختلفة أيضاً ، كما أنّه لا يختصّ بما إذا كانت أجزاؤه مجتمعة بل يصحّ فيما إذا كانت الأجزاء متفرّقة كما إذا باعه منّاً من حنطة التي مقدار منها في هذا المكان ومقدار منها في مكان آخر وذلك ظاهر .

الصورة الثانية : أن يكون المبيع من قبيل الكلّي في الخارج وهذه هي التي جعلها شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه)(1) ثالث الأقسام في المقام ونحن قدّمناها على الثاني لنكتة تظهر عن قريب إن شاء الله تعالى .

المبيع تارة يكون كلّياً في الذمّة بأن لا يضاف إلى شيء وله اعتبار عند العقلاء ويعتبرونه مالا فلذا لا مانع من جعل مثله صداقاً في نكاح أو ثمناً في معاملة بأن يجعل الصداق مائة دينار الثابتة على ذمّة زيد ، واُخرى يكون كلّياً مضافاً إلى ما في الخارج كبيع صاع من صبرة معيّنة ، ومعنى كونه كلّياً أنّ الخصوصيات والتشخّصات في أفراد الصيعان كلّها مملوكة للبائع ولم تنتقل منه إلى المشتري فلذا ليس له المطالبة بخصوص حصّة معيّنة ، إذ للبائع أن يجيب أنّك إنّما اشتريت صاعاً من الحنطة لا بهذه الخصوصية وهذا ظاهر .

الصورة الثالثة : التي هي الصورة الثانية في كلام شيخنا الأنصاري وهي ما

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المكاسب 4 : 253 .

ــ[390]ــ

إذا كان المبيع فرداً غير معيّن ونكرة مردّدة بين الأفراد لا كلّياً كما في الصورة الثانية ولا معيّناً في الواقع كما في الصورة الاُولى بل حصّة غير معيّنة واقعاً ولا ظاهراً وهذا هو الذي يعبّر عنه بالنكرة والفرد المنتشر بين الأفراد الذي لا تعيّن له بحسب الواقع
وقد وقع الكلام في صحّة المعاملة حينئذ وبطلانها ، وحكي عن المحقّق الأردبيلي(1)أنّه ذهب إلى البطلان . وربما أورد على صحّتها بالجهالة تارة والإبهام اُخرى والغرر ثالثاً ، ورابعاً بأنّ الملك صفة وجودية تحتاج إلى محلّ تقوم به كسائر الصفات والفرد المردّد غير متحقّق في الخارج حتّى تقوم به صفة الملك كما هو ظاهر ، هذا .

والأولى أن يتكلّم في إمكان هذه الصورة واستحالتها حتّى لا نحتاج إلى التكلّم في الصحّة والفساد بعد وضوح استحالتها فنقول : الظاهر أنّ هذه الصورة في حدّ نفسها غير معقولة ، لأنّه إن اُريد بالفرد المنتشر الفرد غير المعيّن في الواقع الذي لا خصوصية له ولا تشخّص فيه بوجه فهذا أمر لا يوجد في الخارج بوجه ، لأنّ الفرد الموجود في الخارج لا معنى لعدم تشخّصه وتعيّنه ، لأنّ الوجود عين التشخّص ولا يوجد في الخارج فرد من دون خصوصية ، فالمبيع أمر غير موجود فعلا كما أنّه لا يوجد إلى أبد الدهر دائماً فالمعاملة باطلة حينئذ بلا إشكال .

وإن اُريد منه الفرد غير المعيّن ابتداءً والمعيّن بعد ذلك واقعاً كما إذا باع صبرة أو عبداً يُعيّنه بعد ذلك ، فإنّ العبد الذي يعيّنه بعد ذلك أمر معيّن في علم الله والواقع وإن كان مجهولا عنده ابتداء ، فهذا أمر آخر وراء الفرد المنتشر الذي لا تعيّن له في الواقع لما عرفت من أنّه معيّن في علم الله تعالى ومجهول عنده ، فلا يرد عليه شيء من الايرادات المتقدّمة إلاّ الجهالة ، فإن كانت الجهالة بهذا المقدار أيضاً موجبة للبطلان فنلتزم ببطلان المعاملة وإلاّ فلا .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) مجمع الفائدة 8 : 181 ـ 182 .

ــ[391]ــ

وأمّا إيراد الابهام فقد عرفت أنّه غير مبهم في الواقع والغرر منتف لفرض تساوي الأفراد والأجزاء بحسب القيمة ، كما أنّ الفرد متحقّق موجود في الواقع فلا مانع من أن يعرضه الملك أبداً ، فلا إشكال فيه إلاّ الجهالة وهي إنّما تضرّ فيما إذا قلنا بأنّ الجهالة عند المشتري توجب البطلان وإن كان معلوماً في الواقع ونفس الأمر وكيف كان فهذه الصورة خارجة عن الفرد المنتشر كما عرفت .

فالمتحصّل من جميع ذلك : أنّ الصورة الاُولى وهي بيع كسر مشاع كمنّ ونحوه ممّا تكون النسبة فيه معيّنة في الواقع وإن لم يعلم بها المتبايعان صحيحة وممّا لا إشكال فيه ، لأنّ البائع إنّما يعلم أنّ المشتري صار شريكاً معه في ماله بمقدار نسبته إلى المال كنسبة المنّ إليه ، وأمّا أنّه أي مقدار من الثلث أو الربع فلا علم له به بوجه وقد عرفت أنّ المعاملة في هذه الصورة صحيحة .

وأمّا الصورة الثانية وهي بيع الكلّي في الخارج فهي أيضاً ممّا لا إشكال في صحّته كما أنّه أمر متعارف بين العقلاء ، وذلك لأنّ كثيراً من المعاملات الواقعة بين المتعاملين إنّما هي من قبيل بيع الكلّي في الخارج ، هذا مضافاً إلى صحيحة بريد عن أبي عبدالله (عليه السلام) « عن رجل اشترى عشرة آلاف طنّ من القصب من أنبار فيه ثلاثون الف طنّ ثمّ بعد ذلك وقع فيه نار فاحترق منه عشرون طنّ وبقي عشرة آلاف طنّ ، فقال (عليه السلام) العشرة آلاف طنّ التي بقيت هي للمشتري  »(1)وذلك لأنّها إنّما تنطبق على بيع الكلّي في الخارج دون صورة اشتراء القصب بوجه مشاع كما في الصورة الاُولى وإلاّ فلازمه اشتراك المشتري مع البائع في المقدار الباقي لا اختصاص الباقي بالمشتري فقط وهذا ينطبق على اشتراء العشرة بنحو الكلّي في الخارج ، وبما أنّها تنطبق على الباقي فلذا حكم (عليه السلام) باختصاصها به لما مرّ من

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 17 : 365 / أبواب عقد البيع وشروطه ب19 ح1 .

ــ[392]ــ

أنّ لازم الاشاعة الاشتراك وهو يقتضي الشراكة في الباقي  ، وكيف كان فبيع الكلّي أمر لا غرابة فيه بل هو أمر متعارف وقع في زمان الشارع فلا مانع من أن تشمله العمومات ، هذا مع أنّ وجود ذلك وتحقّقه في زمانه (عليه السلام) غير معتبر في شمول العمومات له .

وأمّا الصورة الثالثة فقد عرفت أنّه إن اُريد من الفرد المردّد والمبهم أنّ المبيع أمر لا تعيين فيه في الخارج ولا في علم الله تعالى بل أمر مبهم من جميع الجهات ولا خصوصية فيه بوجه ، فالمعاملة حينئذ باطلة لأنّ مثل ذلك ممّا لم يوجد إلى الآن ولا سيوجد بعد ذلك بل هو أمر غير ممكن ، إذ الفرد الموجود لا يمكن أن يكون عارياً من جميع الخصوصيات والتشخّصات ، وإن اُريد منه ما هو معيّن في الواقع وغير معيّن عند المتبايعين كما إذا باع أحد عبدين يعيّنه فيما بعد حيث إنّ ما يعيّنه بعد ذلك أمر معيّن في علم الله تعالى فصحّته تبتني على عدم اعتبار العلم بالمبيع وعدم كون الجهالة ولو عند المتبايعين موجبة للبطلان .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net