تصوير بيع الكلّي في الخارج - بيع صاع من صبرة 

الكتاب : التنقيح في شرح المكاسب - الجزء الثاني : البيع-2   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4307


تصوير بيع الكلّي في الخارج

وبعد ذلك يقع الكلام في تصوير بيع الكلّي في الخارج فنقول : ربما يقال إنّ بيع الكلّي في الخارج عبارة عن بيع كلّي في الذمّة مشروطاً بأن يكون ذلك من الصبرة المعيّنة في الخارج ، وعليه يتعيّن أن يكون المبيع هو الحنطة في الصبرة المعيّنة وهو ظاهر . ويدفعه : أنّ هذا البيع في الذمّة مشروطاً بأن يكون من صبرة خارجية وإن كان صحيحاً في حدّ نفسه إلاّ أنّه خارج عن بيع الكلّي في الخارج ، والوجه في ذلك أنّ البائع عند بيع الحنطة في الذمّة مثلا مشروطاً بالشرط المذكور يتمكّن من أن يؤدّي المبيع من غير الصبرة المشروطة في البيع لأنّه أيضاً حنطة وليس خارجاً عن المبيع غاية الأمر أنّ للمشتري خيار تخلّف الشرط عند الالتفات إلى الحال ، ولكن البائع يكون قد أدّى ما عليه لصدق المبيع على غير الحنطة الموجودة في الصبرة أيضاً  ، وهذا بخلاف بيع الكلّي في الخارج فإنّ البيع وقع على ما في الصبرة من الحنطة بحيث لو أدّاها من غير الصبرة المعيّنة لم يؤدّ ما في ذمّته وللمشتري أن يطالبه بالأداء

ــ[398]ــ

لا أنّ الذمّة قد فرغت ولكن المشتري على خيار ، وعليه فلا يمكن أن يكون بيع الكلّي في الخارج عبارة عن بيع شيء في الذمّة مشروطاً بأن يكون من صبرة معيّنة خارجاً .

واُخرى يقال : إنّ بيع الكلّي في الخارج عبارة عن بيع كلّي في الذمّة مقيّداً بأن يكون من صبرة معيّنة في الخارج ، وعليه فلابدّ للبائع من أن يؤدّيه من الصبرة المعيّنة لتقيّد المبيع بكونه منها بحيث لو أدّاه من غيرها لم يؤدّ ما في ذمّته ، وبذلك يندفع الإيراد المتوجّه على الوجه الأول كما ذكرناه ، هذا .

ويرد عليه أنّ دائرة الكلّي في الذمّة وإن كانت تتضيّق بما اُخذ فيه من القيود التي توجب انحصار الفرد في الخارج بحيث لا ينطبق إلاّ عليه ولا يصدق على الكلّي المتحقّق في غيره ، وبذلك يفترق هذا الوجه عن الوجه السابق حيث إنّ الكلّي كان شاملا فيه لغير الصبرة المعيّنة لعدم تقييده بشيء ، وهذا بخلاف الوجه الثاني فإنّه مقيّد بالصبرة المعيّنة ومع ذلك لا يخرج عن كونه كلّياً لأنّ الكلّي لا يصير جزئياً بما اُخذ فيه من القيود الموجبة لانحصار مصاديقه في فرد معيّن ، إلاّ أنّ لازم ذلك أن لا يلحقه التلف حيث إنّ التلف ممّا يعرض على الموجود الخارجي ولا يتّصف الكلّي بالتلف أبداً ، مثلا إذا فرضنا تلف الحنطة الموجودة في الصبرة بأجمعها فلا يصحّ أن يقال إنّ المبيع تلف فيما إذا كان البيع واقعاً على الكلّي المقيّد بما ينطبق على الصبرة المعيّنة لأنّ الكلّي لا معنى لتلفه فلا يوجب تلف الصبرة انفساخ المعاملة ، نعم يكون تلفها موجباً لتعذّر وجود ذلك الكلّي في الخارج ، والبيع لا ينفسخ بالتعذّر بل للمشتري أن يرجع إلى البائع بمثله أو قيمته ، لا أنّ المعاملة تنفسخ بتلف الصبرة كما هو ظاهر ، وهذا بخلاف بيع الكلّي في الخارج فإنّ تلف الصبرة حينئذ يوجب تلف المبيع ويلحقه حكمه من الانفساخ ، وكيف كان فلا يمكن أن يقال إنّ بيع الكلّي في الخارج عبارة عن بيع الكلّي في الذمّة بالاشتراط أو بالتقييد كما في الوجهين

ــ[399]ــ

المتقدّمين .

وثالثة يقال كما عن شيخنا المحقّق (قدّس سرّه)(1) أنّ بيع الكلّي في الخارج عبارة عن بيع الكلّي من دون تقييده بالذمّة ولا بالوجود الخارجي بل المبيع هو نفس الكلّي وطبيعي الوجود من دون إضافته إلى الذمّة ولا إلى الوجود الخارجي .

ويرد عليه : مضافاً إلى ما أوردناه على الوجهين المتقدّمين ، أنّ المبيع حينئذ لا خصوصية له بشيء ولا تعيّن له في صقع من الأصقاع وقد ذكرنا سابقاً أنّ مثل ذلك لم يخلق ولا يخلق أبداً ، لأنّ الموجود الخارجي لا يخلو عن شيء من الخصوصيات والتشخّصات ، هذا .

ويرد عليه إيراد ثالث : وهو أنّ بيع الكلّي من دون إضافته إلى شيء من الذمّة أو الخارج لا يقبل البيع عند العقلاء ، إذ لابدّ فيه من أن يضاف إمّا إلى الذمّة أو إلى الخارج ومع قطع النظر عنهما لا يكون عند العقلاء مورداً لشيء من الاعتبارات  ، هذا.

والظاهر أنّ بيع الكلّي في الخارج عبارة عن بيع الكلّي الخارجي المحدود بحدود معيّنة وتوضيح ذلك : أنّا كما نتصوّر الجامع بين جميع الأفراد الموجودة في الخارج ونعبّر عنه بمفهوم الوجود في مقام التعبير عن ذلك الجامع ونتعقّل حقيقته ونعبّر عنه بحقيقة الوجود وواقعه ، كذلك لنا أن نتصوّر الجامع بين أفراد معيّنة من الوجود دون جميع الأفراد كما إذا تصوّرنا الجامع بين عشرة أفراد وعبّرنا عنه بالحنطة الموجودة في الصبرة المشخّصة لأنّ هذا هو الجامع بين الأفراد والطبيعي المتصوّر في ضمن جميع الأفراد ، غاية الأمر على نحو التضييق لا التوسعة على نحو يشمل جميع الأفراد ، وهذا الجامع بين أفراد الوجود المضيّق بالقيود أمر له تعيّن

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) حاشية المكاسب (الاصفهاني) 3 : 334 .

ــ[400]ــ

بحسب الواقع وهو الحنطة والكلّي الموجود في ضمن كلّ واحد من هذه الأفراد العشرة وقد باعه البائع على سبيل البدلية دون الاستغراق ، وبما أنّ المعاملة وقعت على الكلّي الجامع بين الأفراد لا يكون المشتري مالكاً لشيء من الخصوصيات الفردية بل كلّها مملوكة للمالك والتعيين بيده ، وهذا أمر يعتبره العقلاء فيما بينهم من المعاملات بل قد وقع نظيره في الشرعيات أيضاً كما في صحيحة الأطنان المتقدّمة مضافاً إلى معهوديته في الاجارة ونحوها كما إذا استأجر أحداً للخياطة في مكان خاص بين مبدأ ومنتهى فإنّ معناه أنّ المستأجر قد ملك الخياطة الكلّية من الأجير ولكن لا على سريانها وإطلاقها بل الخياطة الواقعة بين هذا المبدأ والمنتهى على سبيل البدلية ، فله أن يخيطه في هذه النقطة أو النقطة الثانية الموجودة بين المبدأ والمنتهى ، ولا يمكنه المطالبة بالخياطة في نقطة خاصّة منها لأنّ المؤجر إنّما ملّكه كلّي الخياطة لا شيئاً من الخصوصيات ، وبالجملة أنّ البيع لمّا كان أمراً اعتبارياً لم يكن مانع من اعتباره في مثل الجامع بين أفراد مخصوصة كالحنطة الموجودة في صبرة معيّنة  . فتحصّل أنّ الكلّي في الخارج عبارة عن الكلّي بنحو صرف الوجود المحدود بحدّ خاص فلا فرق بينه وبين الكلّي في الذمّة إلاّ من حيث الاضافة والتحديد كما عرفت .

الكلام فيما لو باع صاعاً من صبرة

لا إشكال ولا خلاف في أنّ بيع الصاع من الصبرة يحمل على الكلّي في الخارج فيما إذا علمنا بأنّ المتبايعين قد قصدا منه البيع على نحو الكلّي في الخارج ، لأنّ العقود تابعة للقصود ولو فرضنا ظهور الكلام في غير الكلّي في الخارج أيضاً ، وذلك لما أشرنا إليه سابقاً من أنّ اشتراط الصراحة أو الظهور في المعاملات إنّما هو في نفس العقود والمعاملات دون المتعلّقات ، وعليه فلا مانع من أن يقصد بيع الكلّي في

 
 

ــ[401]ــ

الخارج في مثل بيع صاع من صبرة ولو كان ذلك ظاهراً في بيع الكسر المشاع .

كما أنّه لا ينبغي الإشكال في حمله على الكسر المشاع فيما إذا أحرزنا أنّهما قد قصدا الاشاعة منه ولو فرضنا ظهوره في بيع الكلّي في الخارج ، وأمّا إذا علمنا أنّ أحدهما قصد الاشاعة وثانيهما الكلّي في الخارج فلا إشكال في فساد المعاملة حينئذ لعدم تطابق الإيجاب والقبول ، وهذا كلّه ممّا لا إشكال فيه .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net