وممّا استدلّ به شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه)(1) على اللزوم قوله تعالى : (لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ)(2). والاستدلال بها على اللزوم يتوقّف على أمرين :
أحدهما : أنّ المراد بالباطل هو الباطل العرفي وأنّ كل تصرّف عُدَّ في العرف باطلا حرام إلاّ أن يدلّ دليل شرعي على جوازه وعدم كونه من الباطل ، وهذا كما في حقّ المارّة والشفعة ونحوهما لأنّهما باطلان عرفاً لو لم يدل عليهما دليل شرعي .
وثانيهما : أنّ فسخ أحدهما وتصرفه في المال من دون رضا الآخر من الباطل عرفاً ، وبعد ضمّ أحد هذين الأمرين إلى الآخر يثبت أنّ الفسخ والتصرف في المال باطل وحرام ولا يكون نافذاً لا محالة ، هذا .
ولكن للمناقشة في الأمرين مجال ، وذلك لعدم الدليل على أنّ المراد بالباطل هو الباطل العرفي ، لأنّ الألفاظ موضوعة للمعاني النفس الأمرية والواقعية لا للمعاني المقيّدة بما يراه العرف ، نعم رؤية العرف ونظره طريق إلى الواقع فيما إذا أمضاها الشارع لا أنّها جزء للمعاني ، وعليه فالمراد بالباطل هو الباطل الواقعي في مقابل الحق والثابت ، وبهذا المعنى صحّ قول الشاعر : ألا كل شيء ما خلا الله باطل
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) المكاسب 5 : 20 .
(2) النساء 4 : 29 .
ــ[34]ــ
لعدم ثبوت غيره تعالى وأنّ غيره من الأشياء زائل تالف وليس بحق بل الحق هو الله جلّ شأنه ، ومعه فلا يمكن الاستدلال بالآية في المقام لأنّا نشك في أنّ الفسخ والتصرف في المال باطل واقعاً أو حق ، ومع الشك في ذلك لا يصح التمسك بالعام لأنّ الشبهة مصداقية .
فالاستدلال بجملة المستثنى منه بمجردها غير صحيح ، نعم لو ضمّت إلى جملة المستثنى فيستفاد من مجموعها اللزوم ، لأنّ المركّب منها يدلّ على حصر سبب حلّ التصرّف والأكل بالتجارة عن تراض ، لأنّ الاستثناء من أدوات الحصر ومن الواضح أنّ الفسخ من دون رضا الآخر ليس من التجارة عن تراض فلا يكون موجباً لحل الأكل والتصرفات ، هذا كلّه بناءً على أنّ المراد بالباطل هو الباطل الواقعي في مقابل الحق .
وأمّا بناءً على أنّ المراد بالباطل هو الباطل العرفي كما ادّعاه شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه)(1) فحينئذ إن قلنا بأنّ الموارد الخارجة عن النهي خارجة عن عنوان الباطل العرفي بالتخصيص ـ بمعنى أنّ مثل حقّ المارّة والشفعة والخيار من الباطل العرفي حقيقة إلاّ أنّ الشارع خصّصها وأخرجها عن حكم الحرمة مع كونها داخلة في الموضوع ـ فلا مانع من التمسك بعموم (لاَ تَأْكُلُوا) الخ لاثبات عدم جواز الفسخ وعدم نفوذه ، لأنه باطل عرفاً ولم يرد مخصّص يخرجه عن الحكم ، وهذا ظاهر .
وأمّا إذا قلنا بأنّ موارد ترخيص الشارع خارجة عن الباطل العرفي حقيقة كما ذكره شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه) فلا يصحّ التمسّك بالعموم لاثبات عدم تأثير الفسخ ، وذلك لأنّ الموضوع للحكم حينئذ ليس هو الباطل العرفي بمجرده بل الباطل العرفي بقيد أن لا يرخّص فيه الشارع ، وإلاّ فهو مع ترخيصه ليس من
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) المكاسب 5 : 20 .
ــ[35]ــ
الباطل الموضوع للحكم ، وصدق هذا العنوان المقيّد بعدم ترخيص الشارع على الفسخ غير معلوم ، إذ نحتمل أنّ الشارع رخّص فيه كما نحتمل عدمه ، فنشك في أنّ الفسخ هل هو من أفراد الموضوع للحكم أو من غيرها ، ومع الشك في الموضوع لا مجال للتمسك بالعموم .
|