ــ[111]ــ
بل الأقوى ((1)) حرمته بمجرد النشيش (1) وإن لم يصل إلى حد الغليان
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) النشيش ـ كما قيل ـ هو الصوت الحادث في الماء أو في غيره قبل أخذه بالغليان وهو في بعض الأواني أوضح وأشد من بعضها الآخر وفي السماور أظهر . وهل يكفي ذلك في الحكم بحرمة العصير وكذا في نجاسته ـ على تقدير القول بها ـ أو أن موضوعيهما الغليان ؟
ذهب الماتن إلى الأول وتبعه عليه غيره ، ولعله اعتمد في ذلك على موثقة ذريح «سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول : إذا نش العصير أو غلى حرم» (2) حيث عطف الغليان فيها على النشيش وظاهر العطف هو التغاير والاثنينية . هذا ولكنها معارضة بحسنة حماد عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: «لا يحرم العصير حتى يغلي» (3) وغيرها من الأخبار الواردة في عدم حرمة العصير قبل أن يغلي ، فانها ظاهرة في عدم العبرة بالنشيش الحاصل قبل الغـليان غالباً ، ومع المعارضة كيف يمكن الاعتماد على موثقة ذريح . على أن لازمها أن يكون اعتبار الغليان وعطفه على النشيش لغواً ظاهراً ، لأنه مسبوق بالنشيش دائماً ، فلا مناص معه من حمل النشيش في الموثقة على معنى آخر ـ كنشيشه بنفسه ـ أو حمل الغليان فيها على موارد يتحقق فيها الغليان من دون أن يسبقه النشيش ، كما إذا وضع مقدار قليل من العصير على نار حادة كثيرة فانها تولد الغليان فيه دفعة ، ولا سيما إذا كانت حرارة الاناء المصبوب فيه العصير بالغة درجة حرارة النار ، فان العصير حينئذ يغلي من وقته من غير سبقه بالنشيش .
وكيف ما كان ، فالاستدلال بالموثقة مبني على أن تكون الرواية كما رواها في الوسائل والوافي بعطف الغليان على النشيش بلفظة «أو» لكنها لم تثبت كذلك ، لأنّ شيخنا شيخ الشريعة الاصفهاني (قدس سره) نقل عن النسخ المصحّحة من الكافي عطف أحدهما على الآخر بالواو ، وأن العصير إذا نش وغلى حرم (4) ، وعليه فلا تنافي
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) بل الأحوط .
(2) ، (3) الوسائل 25 : 287 / أبواب الأشربة المحرمة ب 3 ح 4 ، 1 .
(4) إفاضة القدير : 4 .
ــ[112]ــ
بين اعتبار كل من الغليان والنشيش ـ الذي هو صوته ـ في ارتفاع حلية العصير ، وبما أنه (قدس الله سره) ثقة أمين وقد روى عطف أحدهما على الآخر بالواو فلا مناص من الأخذ بروايته لاعتبارها وحجيتها ، وبه يرتفع التنافي عن نفس الموثقة كما ترتفع المعارضة بينها وبين حسنة حماد المتقدمة ونظائرها .
ثم إذا أخذنا برواية الوافي والوسائل وهي عطف أحدهما على الآخر بلفظة «أو» فلا بد في رفع المعارضة أن يقال : إن النشيش لم يثبت أنه أمر مغاير مع الغليان بل هو هو بعينه ـ على ما في أقرب الموارد ـ حيث فسّر النشيش بالغليان وقال : نش النبيذ : غلى (1) . وأما تفسيره بصوت الغليان كما عن القاموس (2) وغيره فالظاهر إرادة أنه صوت نفس الغليان لا الصوت السابق عليه ، وعليه فهما بمعنى واحد ، وبهذا المعنى استعمل النشيش في رواية عمّار (3) الواردة في كيفية طبخ العصير حيث قال : «وخشيت أن ينش» فانّ معناه خشيت أن يغلي ، وليس معناه الصوت المتقدِّم على غليانه لأنه لا وجه للخشية منه .
وهذا الذي ذكرناه وإن كان يرفع المعارضة بين الموثقة والحسنة إلاّ أنه لا يكفي في رفع التنافي عن نفس الموثقة ، لأنه لا معنى لعطف الشيء على نفسه والقول بأنه إذا غلى العصير أو غلى حرم ، فلا بد في رفعه من بيان ثانوي وهو أن يقال : إن النشيش وإن كان بمعنى الغليان كما مر إلاّ أنه ليس بمعنى مطلق الغليان ، وإنما معناه غليان خاص وهو غليان العصير بنفسه أو أنه مما ينصرف إليه لفظه ، فالغليان بالنار لا يطلق عليه النشيش ولم يرَ استعماله بهذا المعنى في شيء من الأخبار ، لأنّ الغليان ـ كما في خبر حمّاد ـ هو القلب أعني تصاعد الأجزاء المتنازلة وتنازل الأجزاء المتصاعدة ، وهو إنما يتحقّق بالنار ولا يتأتّى في الغليان بنفسه ، وعليه فالنشيش أمر والغليان أمر آخر ، ومعه لا يبقى أي تناف في الموثقة فكأنه (عليه السلام) قال : إن غلى العصير بنفسه أو
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) أقرب الموارد 2 : 1301 .
(2) القاموس المحيط 2 : 290 .
(3) المتقدِّمة في ص 107 .
|