دخول الليلتين المتوسطتين في الثلاثة أيّام - مسقطات خيار الحيوان 

الكتاب : التنقيح في شرح المكاسب - الجزء الثالث : الخيارات-1   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4859


الكلام في معنى اليوم في الأيام الثلاثة

وأنّ الليالي أيضاً داخلة في الأيام الثلاثة أو لا ؟ ربما يقال إنّ اليوم عبارة عن أربعة وعشرين ساعة ، فمعنى الثلاثة أيام هو اثنتان وسبعون ساعة ، فإذا وقع البيع

ــ[170]ــ

في أوّل ليلة الأربعاء فلا محالة تنتهي الثلاثة في آخر يوم الجمعة وتكون الليالي الثلاثة أيضاً داخلة في الخيار .

واُخرى يقال : إنّ مفهوم اليوم عبارة عن بياض يوم من طلوع الشمس إلى غروبها في مقابل الليل كما في الاستعمالات القرآنية (سَبْعَ لَيَال وَثَمَانِيَةَ أَيَّام)(1)ونحوه ، ويحتاج إرادة الزائد على ذلك من اليوم إلى دليل كما في يوم الصوم حيث دلّ الدليل على أنّ يومه من طلوع الفجر لا من طلوع الشمس ، وعليه فالليالي خارجة عن الأيام ، إلاّ أنّ الليلتين المتوسطتين لا إشكال في دخولهما في الخيار من جهة أنّ الخيار مستمر في ثلاثة أيام ولا يمكن معه إخراج الليلتين المتوسطتين عن الخيار لاستلزامه انقطاع الخيار والمفروض أنّ الخيار مستمر وغير منقطع ، كما أنه إذا عقد في أوّل الليل أو في أثنائه لابدّ من أن يحكم عليه بالخيار في ذلك الزمان فتكون الليلة الاُولى بأجمعها أو بنصفها أيضاً داخلة في الحكم بالخيار ، وهذا من جهة العلم الخارجي بعدم انفكاك الخيار عن العقد ، ففي أيّ زمان تم فيه البيع والعقد فلابدّ من أن يحكم عليه بالخيار من ذلك الزمان ، إذ لو حكمنا عليه بالخيار من أوّل طلوع الشمس للزم انفكاك الخيار عن العقد بمقدار ليل أو نصف ليل وهو كما ترى ، فلابدّ في مفروض المثال من الالتزام بدخول الليلة الاُولى أيضاً كالليلتين المتوسطتين وهذا لا من جهة أنّ الليل داخل في مفهوم اليوم بل من جهة الاستمرار في الليلتين ومن جهة عدم الانفكاك في الليلة الاُولى .

وربما يقال : بدخول الليلة الثالثة أيضاً ، بدعوى أنّ المفروض أنّ الليلتين المتوسطتين داخلتان في الحكم ، فلو لم يحكم بدخول الليلة الثالثة أيضاً للزم الاختلاف في أفراد الأيام الثلاثة ، حيث إنّ المراد في يومين منها هو أربعة

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الحاقة 69 : 7 .

ــ[171]ــ

وعشرين ساعة ، وفي اليوم الثالث منها يراد باليوم بياضه من دون دخول الليل فيه هذا .

وقد أجاب عن ذلك شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه)(1) بأنّ دخول الليلتين المتوسطتين ليس من جهة دخولهما في مفهوم اليوم ، بل من جهة استمرار الخيار وحيث لا يمنع خروج الليلة الثالثة عن استمرار الخيار فلذا لا نحكم بدخولها كالمتوسطتين ، وملخّص ما أفاده شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه) في المقام : أنّ المراد باليوم هو طلوع الشمس إلى غروبها ودخول الليلتين المتوسطتين من جهة استمرار الخيار ، كما أنّ دخول الليلة الاُولى لو وقع العقد في أوّلها أو في أثنائها من جهة عدم انفكاك الخيار عن العقد . وما أفاده (قدّس سرّه) متين بأسره .

بقي الكلام في كفاية التلفيق في اليوم وعدمها ، مثلا إذا عقد في ظهيرة يوم فتنتهي الثلاثة في ظهيرة اليوم الرابع حتى يتلفّق النصف من هذا اليوم والنصف من اليوم الرابع ويصير يوماً وبانضمامه إلى اليومين المتوسطين تتم الثلاثة ، أو أنّ التلفيق لا يكفي في صدق اليوم ؟ وهذه المسألة غير مختصة بالمقام بل هي جارية في مسألة الحيض وقصد الاقامة ونحوهما .

والظاهر كفاية التلفيق لأنّ الظاهر من اليوم هو مقدار بياضه ولا خصوصية فيه لكونه ما بين الطلوع والغروب ، فإذا انضم نصف البياض من هذا اليوم ونصف البياض من اليوم الرابع يكفي ذلك في صدق اليوم .

وممّا يدلّ على ما ذكرناه : أنه من البعيد جداً أن تحيض المرأة في أول طلوع الشمس بل غالباً تحيض في أثنائه أو وسطه ، فعدم احتسابها ذلك من أيام حيضها يحتاج إلى دليل ، وكان لازماً عليهم (عليهم السلام) البيان والتنبيه على ذلك وهو

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المكاسب 5 : 95 .

ــ[172]ــ

مفقود  ، وكذا المسافر فانه لا يحضر البلد في أول طلوع الشمس حتى إذا قصد الاقامة في ذلك البلد يحسبه يوماً واحداً وإنما يحضره في وسط اليوم وأثنائه فالظاهر أنّ التلفيق كاف فيقيم في البلد تسعة أيام ونصف اليوم العاشر وبانضمامه إلى نصف اليوم الذي ورد فيه البلد تتم عشرة أيام ، وبذلك يصدق أنه أقام عشرة أيام كما يصدق ذلك في إقامة سنتين أو سنة واحدة ملفّقة نصفها من هذه السنة ونصفها الآخر من السنة المتقدّمة ، فيقال إنّي أقمت في البلد الكذائي سنة أو سنتين ، وكذا في الساعة الملفّقة نصفها من هذه الساعة ونصفها الآخر من الساعة الثانية ، وهذا ظاهر  .

الكلام في مسقطات خيار الحيوان

الأول من المسقطات : اشتراط سقوطه في العقد . الثاني : إسقاطه بعد العقد وقد تقدّم الكلام في هذين المسقطين في خيار المجلس وتعرّضنا هناك لما اُورد عليهما فراجع ، وعليه فلا حاجة إلى التعرّض لهما في المقام إلاّ أنّ شيخنا الأنصاري(1) ذكر في المقام كلاماً يجري في خيار المجلس أيضاً ، وهو أنه لا إشكال في عدم سقوط الخيار بالاضافة إلى بعض المبيع دون بعضه كما إذا أراد أن يسقط خياره في نصف الحيوان أو ربعه أو ثلثه دون نصفه الآخر أو ثلاثة أرباعه الباقية ، والوجه في عدم صحة ذلك أنّ المبيع أمر واحد وهو مجموع النصفين بشرط الاجتماع ، وهو إمّا أن يقبله وإمّا أن يردّه وليس له ردّ نصفه وإبقاء نصفه الآخر حتى يصير شريكاً مع البائع في المبيع .

وأمّا إسقاط بعض الخيار بحسب استمرار زمانه كاسقاطه في اليوم الأول من

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المكاسب 5 : 97 .

ــ[173]ــ

الأيام الثلاثة في خيار الحيوان أو إسقاطه في إحدى الساعتين اللتين فرضناهما زمان خيار المجلس فهو أمر جائز ، لأنّ حق الخيار ينحل إلى خيارات متعدّدة حسب تعدّد الآنات في زمان الخيار ، لأنه ليس معنى الخيار إلاّ ملك فسخ العقد وهو كما يكون مالكاً لفسخ العقد في هذا الزمان كذلك يكون مالكاً لفسخه في الزمان الثاني والثالث وهكذا ، وله أن يرفع يده عن حقّه في زمان وإسقاط خياره المختص بهذا الزمان دون حقّه في الزمان الثاني كما هو ظاهر .

الثالث من المسقطات : التصرف في الحيوان ، وكلماتهم في المقام مضطربة غاية الاضطراب وأقوالهم فيه مختلفة ، ومنشأ الاختلاف هو اختلاف الروايات الواردة في المقام واختلاف الأنظار في تفسيرها وملاحظة مقتضى القاعدة الأوّلية في المقام ، ولا ينبغي الاشكال في أنّ مقتضى القاعدة الأوّلية سقوط الخيار بكل ما دلّ على الرضا بالبيع سواء كان لفظاً أم كان من الأفعال فيما إذا صدرت عن الاختيار والالتفات ، لكشفها حينئذ عن الرضا بالعقد بحسب البقاء وإسقاطه الخيار ، وذلك لما مرّ في باب المعاطاة من أنّ الفعل كاللفظ والقول في وقوع كل عنوان من عناوين العقود والايقاعات به إلاّ في مثل الطلاق والنكاح وغيرهما ممّا دلّ الدليل فيه على عدم وقوعه بالفعل ، ومن هذه الموارد المقام فلا مانع من أن يوجب الفعل سقوط الخيار لكشفه عن الرضا بالعقد بحسب البقاء ، فهو نظير الاسقاط بالقول .

وهذه الكبرى أعني سقوط الخيار بشيء من الأفعال الكاشف عن رضا الفاعل والمتصرف بالعقد بحسب البقاء ممّا لا كلام فيها ولا إشكال ، إلاّ أنّ الكلام في تحقق الصغرى لتوقف الكبرى على تحقق صغرياتها ، وهذا إنما يتحقّق مع العلم بالحال والتفاته إلى أنّ التصرف مسقط للخيار شرعاً ، فإنّ مثله يكشف عن رضا المتصرف بسقوط الخيار وإبقاء العقد ، وأمّا إذا تصرف في المبيع جاهلا بحكمه شرعاً ولم يدر أنّ التصرف مسقط فتصرف في الحيوان بأرقى أنحاء التصرفات كما إذا كان

ــ[174]ــ

المبيع أمة فوطأها ، فهذا وأمثاله كيف يكون كاشفاً عن الرضا بالعقد ، إذ ربما يتصرف فيها لأجل أن يدفعها إلى صاحبه بعد التصرف فيها ، ومثل ذلك لا يكون موجباً لسقوط الخيار ، والوجه فيه أنّ التصرف المسقط للخيار يتوقف على قصد عنوان الاسقاط لا محالة لأنه كأحد الأفعال الاختيارية لفاعله ، ولا يمكن أن يتحقّق التصرف المزيل من دون علمه بالحال وعدم قصده الاسقاط ، وإن ذهب شيخنا الاُستاذ(1) إلى سقوطه بمجرد التصرف حتى في صورة جهل المتصرف بالحال بدعوى أنّ بعض العناوين لا يتوقف حصوله على القصد والارادة ، إلاّ أنّ الحق أنه كأحد الأفعال الاختيارية للفاعل ولا يمكن أن يتحقّق بلا قصد .

وكيف كان ، فالأفعال ممّا يسقط بها الخيار فيما إذا كانت كاشفة عن الرضا بالعقد ، وذلك لأنه لم يرد نصّ في كيفية الاسقاط وأنه بالفعل أو باللفظ ، بل كل شيء يكون مبرزاً لرضا الطرف بالبيع يجوز الاسقاط به .

فالمتحصّل : أنّ التصرف المبرز للرضا من المسقطات في المقام .

وأمّا سائر التصرفات في المبيع سيّما إذا كانت غير مسبوقة بالاختيار والالتفات ، فلا وجه لاسقاطها الخيار ، نعم قد ورد في بعض الصحاح أنّ مطلق إحداث الحدث في الحيوان مسقط للخيار سواء كان على نحو الاختيار أو من غير التفات ، منها صحيحة ابن رئاب « فإن أحدث المشتري فيما اشترى حدثاً قبل الثلاثة أيام فذلك رضى منه ولا شرط له »(2) ومثلها صحيحة الصفّار(3) وعليه فكل فعل صدق عليه أنه حدث أي زيادة على خلقته الأصلية أو نقيصة عنها فلا

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) منية الطالب 3 : 69 .

(2) الوسائل 18 : 13 / أبواب الخيار ب4 ح1 (مع اختلاف يسير) .

(3) نفس المصدر الحديث 2 .

ــ[175]ــ

محالة يوجب سقوط الخيار مطلقاً صدر عن القصد والاختيار أو عن الجهل والغفلة  .

ثم إنّ الروايات قد أطبقت على تطبيق الحدث على ما ليس داخلا تحت الحدث حقيقة نظير التقبيل واللمس للجارية بل النظر منها إلى ما لا يجوز النظر إليه لغير زوجها أو مالكها مع أنها ليست من الأحداث حقيقة لعدم كونها تصرفاً موجباً لزيادته على أصله أو نقيصته عنه ، إلاّ أنّ الامام (عليه السلام) طبّقه عليها حيث قال في صحيحة ابن رئاب « قيل له وما الحدث ، قال إن لامس أو قبّل أو نظر منها إلى ما كان محرّماً عليه قبل الشراء » فيكون ذلك تعبّداً من الشارع في التطبيق فلا محالة نأخذ بذلك التطبيق تعبّداً ونحكم بسقوط الخيار بمثل هذه التصرفات التي اُطلق عليها الحدث في الرواية ، وأمّا في غير عنوان الحدث حقيقة أو تعبّداً فلا نلتزم بسقوط الخيار به سواء كان من الأفعال الكبيرة أو الأفعال الصغيرة ، بل لو قلنا بأنّ كل تصرف من أنحاء التصرفات يسقط الخيار لكان جعل الخيار لغواً ظاهراً ، إذ لا يخلو المبيع والحيوان من التصرف فيه بعد بيعه ولو بأخذه وسحبه إلى الدار أو ركوبه لأجل الاختبار أو لأجل إيصاله إلى الدار أو بأمره باغلاق الباب أو مشيه خلفه فإذا فرضنا أنّ تلك الأفعال والتصرفات تقتضي سقوط الخيار فأيّ فائدة في جعل الخيار في بيع الحيوان حينئذ ، فيكون جعله من اللغو الظاهر .

وبالجملة : أنه لا دليل لنا على أنّ الأفعال الحقيرة أو الجليلة توجب سقوط الخيار في غير عنوان الحدث ، بل الدليل قام على عدم سقوطه بغير الحدث من الأفعال ، وهذا الدليل هو صحيحة الصفّار(1) حيث سئل في ذيلها عن سقوط الخيار بالحدث أو الركوب فأجاب (عليه السلام) بأنه إذا أحدث حدثاً فقد وجب الشراء ولم يتعرّض إلى أنّ الركوب أيضاً يسقط الخيار ، وحيث إنّ السائل جعل الركوب في

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) تقدّم مصدره آنفاً .

ــ[176]ــ

مقابل الحدث فمنه يعلم أنّ الحدث غير شامل له وأنّ مثل الركوب الذي هو من أجلى التصرفات لا يوجب سقوط الخيار .

وبعبارة اُخرى : أنّ الأدلة الدالة على لزوم العقود تقتضي الحكم باللزوم ولا يمكن الخروج عمّا تقتضيه تلك الأدلة إلاّ بدليل ، ثم قام الدليل على عدم اللزوم في بيع الحيوان ثلاثة أيام ، ولا يمكن الخروج عمّا يقتضيه ذلك الدليل الدال على عدم لزوم البيع إلى ثلاثة أيام إلاّ بدليل آخر يدل على لزوم العقد ، وهذا الدليل إنما قام في الاسقاط بالفعل أو باللفظ بل بالاشارة أيضاً وفي مطلق الحدث وفي الموارد التي طبّق الامام (عليه السلام) الحدث عليها تعبّداً ، وأمّا في غير هذه الموارد فلا دليل على سقوطه وصيرورة العقد لازماً ولعلّه ظاهر .

فالمتلخّص : أنّ الاسقاط فعلياً كان أم لفظياً يوجب سقوط الخيار ، كما أنّ الحدث أيضاً يوجب السقوط بمقتضى الأخبار الواردة في المقام ، وإنما الكلام في أنه هل هناك مسقط آخر غير الاسقاط الفعلي أو القولي وغير الحدث ، أو المسقط ينحصر بهما ، وقد عرفت أنّ كلمات الفقهاء مضطربة في المقام غاية الاضطراب ومنهم من جعل المدار في السقوط على الرضا الشخصي ، ومنهم من جعل المدار على الرضا النوعي ، وثالث جعل كل تصرف من المسقطات في الحيوان حتى أمثال قوله أغلق الباب ، فلابدّ من النظر إلى روايات الباب حتى نرى أنها تدل على أنّ كل تصرف من المسقطات وإن لم يعدّ من الحدث ، لأنّ الحدث هو ما يوجب التغيّر في الحيوان لا مطلق التصرف كما هو واضح ، أو أنها لا تدلّ على ذلك .

فنقول : من النصوص الواردة في المقام صحيحة علي بن رئاب « فإن أحدث المشتري فيما اشترى حدثاً قبل الثلاثة أيام فذلك رضى منه ولا شرط له »(1) وإلى

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 18 : 13 / أبواب الخيار ب4 ح1 (مع اختلاف يسير) .

ــ[177]ــ

هنا دلّت بمقتضى إطلاقها على أنّ كل حدث يسمّى بذلك عرفاً فهو يوجب سقوط الخيار ، كان ذلك الحدث منه بقصد إسقاط خياره أم لم يكن ، والحدث كما أشرنا إليه هو ما يوجب تغيّراً في الشيء ، ولكنه ينافي ذلك ظهور قوله بعد ذلك « قيل له وما الحدث ، قال : إن لامس أو قبّل أو نظر منها إلى ما كان محرّماً عليه قبل الشراء » والوجه في التنافي أنّ اللمس والتقبيل والنظر إلى ما كان محرّماً عليه قبل الشراء ليس من الحدث قطعاً ، لما عرفت من أنّ الحدث هو ما يوجب تغيّراً في المبيع ، واللمس وأخويه لا يوجب التغيّر كما هو ظاهر ، وعليه فيدور الأمر في هذا الذيل بين أمرين  :

أحدهما : أن يقال إنها تمثيل لمطلق التصرف في المبيع ، ومعناه أنّ كل تصرف يحرم على غير المالك فهو يوجب سقوط الخيار ، واللمس وأخويه من التصرفات المحرّمة لغير المالك ، فمن هذه الجهة ذكرها الامام (عليه السلام) في تفسير الحدث وعليه فتدلّ الصحيحة على أنّ كل تصرّف محرّم على غير المالك مسقط للخيار حتى مثل الأمر باغلاق الباب بل حتى الخلوة مع الأمة بناء على أنّ الخلوة مع الأجنبية محرّمة توجب السقوط وإن لم يكن ذلك تغيّراً في المبيع .

وثانيهما : أن يقال إنّ المناط في السقوط هو الحدث ، ومعنى الحدث ما تقدّم من كونه موجباً لتغيّر في المبيع ، وأمّا هذه الأمثلة فهي حكومة من الشارع في تطبيق الحدث عليها عنده وإن لم يكن منه واقعاً ، وعليه فيكون المسقط ثلاثة : الاسقاط الفعلي والقولي والحدث ، والأمثلة المذكورة أعني اللمس وأخويه ، ولا يحكم بسقوط الخيار بمطلق التصرف ما لم يطلق عليه الحدث عرفاً أو كان داخلا في الأمثلة المتقدّمة ، والرواية لو لم تكن ظاهرة في الحمل على الاحتمال الثاني غير ظاهرة في الأول منهما ، فتكون مجملة لا محالة .

ومنها : صحيحة الصفّار كتبت إلى أبي محمد (عليه السلام) « في الرجل اشترى

ــ[178]ــ

دابة من رجل فأحدث فيها حدثاً من أخذ الحافر أو نعلها أو ركب ظهرها فراسخ أله أن يردّها في الثلاثة أيام التي له فيها الخيار بعد الحدث الذي يحدث فيها أو الركوب الذي يركبها فراسخ ؟ فوقّع (عليه السلام) إذا أحدث فيها حدثاً فقد وجب الشراء إن شاء الله تعالى »(1) وهذه الرواية كما تراها جعلت الركوب في مقابل الحدث وهو كذلك ، لما مرّ من أنّ الحدث هو ما يوجب تغيّراً في المبيع ، والركوب خارج عن ذلك لا محالة ، وهي لو لم تكن دالة على أنّ مطلق التصرف كالركوب لا يوجب السقوط حيث سأله عن سقوطه بالحدث والركوب فأجاب بأنّ أحدهما وهو الحدث يوجب السقوط فتكون ظاهرة في أنّ الركوب الذي هو من التصرفات لا يوجب السقوط ، فليست بدالّة على سقوطه بمطلق التصرف لا محالة وأنها إمّا تدلّ على عدم السقوط به وإمّا ساكتة ولا تدلّ على سقوطه بمطلق التصرف ، وإنّما تدلّ بمقتضى جواب الامام (عليه السلام) على أنّ الحدث يوجب السقوط وهو غير التصرف كما هو ظاهر .

ومنها : ما عن قرب الاسناد « قلت له أرأيت إن قبّلها المشتري أو لامس ؟ قال فقال (عليه السلام) : إذا قبّل أو لامس أو نظر منها إلى ما يحرم على غيره فقد انقضى الشرط ولزم البيع »(2) وهذه الرواية غير مشتملة على الحدث والتصرف وإنما صرّحت بسقوط الخيار باللمس وأخويه ، ومقتضى إطلاقها عدم الفرق في سقوط الخيار بين أن يكون قاصداً بهذه الأفعال للسقوط أو كان قاصداً بها عدم السقوط كما إذا أراد أن يقبّلها ثم يفسخ عقدها أو لامسها ثم رفع اليد عنها ، فإنّ مقتضى إطلاقها سقوط الخيار بأحد هذه الأفعال مطلقاً .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 18 : 13 / أبواب الخيار ب4 ح2 .

(2) الوسائل 18 : 13 / أبواب الخيار ب4 ح3 (مع اختلاف يسير) .

ــ[179]ــ

وهذه الروايات الثلاث لا يستفاد من شيء منها أنّ مطلق التصرف المحرّم على غير المالك يسقط الخيار ، بل إنّها دلّت على أنّ الحدث يوجب السقوط كما أنّ هذه الأفعال المذكورة من اللمس وأخويه توجب السقوط ، وأمّا مطلق التصرف فلا .

بقي الكلام في قوله (عليه السلام) في صحيحة علي بن رئاب « فذلك رضى منه ولا شرط » وفي ذلك احتمالات أربعة كما ذكرها شيخنا الأنصاري(1).

أحدها : أن يكون المراد بقوله « فذلك رضى منه » هو الرضا الشخصي بمعنى أنّ تلك التصرفات تكشف عن رضا الفاعل والمتصرف ببقاء البيع شخصاً أي رضا شخصياً ، فيكون المدار في سقوط الخيار هو الرضا الشخصي ولولاه لم يسقط الخيار  ، وإنما حكم (عليه السلام) بسقوطه بهذه الأفعال من جهة كشفها عن الرضا الفعلي ببقاء المعاملة ولو بحسب الغالب ، فإنّ المتصرف باللمس وأخويه يكون غالباً راضياً بلزوم المعاملة .

ويدفعه : أنّ تلك التصرفات لا تكشف عن الرضا الفعلي ولو بحسب الغالب  ، لأنّ غالب الناس لا يلتفت إلى أنّ في الحيوان خيار ثلاثة أيام ، بل يمكن دعوى ذلك في حق بعض المحصّلين كالمبتدئين حيث لا يدري بل ولا يحتمل أن يكون في بيع الدجاج خيار ثلاثة أيام ، وإن التفت فإنّما يحتمله في أمثال بيع الفرس ونحوه من الحيوانات الكبار ، هذا .

مضافاً إلى أنّ الخيار لا يختص بالمسلمين لثبوته في بيع الكفّار أيضاً ، مع أنّ غير المسلم لا يلتفت إلى الخيار بوجه فكيف يمكن مع ذلك دعوى أنّ تلك الأفعال تكشف عن إسقاطه الخيار وعن رضاه الشخصي بالبيع ، فهذا الاحتمال ساقط .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المكاسب 5 : 100 ـ 102 .

ــ[180]ــ

وثانيهما : أن يراد بالرضا في قوله (عليه السلام) « فذلك رضى منه » الرضا النوعي بمعنى أنّ تلكم الأفعال كاشفة عن الرضا النوعي بالبيع ، فيكون المناط في سقوط الخيار هو التصرف الذي له ظهور نوعي في الالتزام بالمعاملة وإن لم يكن له دلالة على الرضا في خصوص المقام ، إلاّ أنّ المدار على ما يدلّ عليه نوعاً ، نظير ظهور الألفاظ في الكشف عن معانيها فإنّها متبعة وإن لم يكن له كشف عن الارادة في خصوص المورد .

وهذا الوجه أيضاً كسابقه في السقوط ، لعدم كشف تلكم الأفعال عن الرضا ولو نوعاً بعد ملاحظة أنّ أغلب الناس غافلون عن مثل ذلك الخيار فكيف يكون لها كشف عن إسقاط الخيار الذي لا يلتفت إليه المتصرف حسب الفرض ، وعليه فيبقى في البين الوجهان الأوّلان في كلام شيخنا الأنصاري ومرجعهما إلى شيء واحد وهو أن تكون الجملة أعني قوله « فذلك رضى منه » نفس الجزاء أو أنها حكمة له وذكر شيخنا الأنصاري أنه بناء على هذين الاحتمالين يكون كل تصرف مسقطاً وإن علم عدم دلالته على الرضا من جهة حكم الشارع بأنّ هذا التصرف رضى بالبيع تعبّداً ، أو أنه يوجب نفي الخيار من جهة كشفه عن الرضا النوعي بالمعاملة .

وفيه : أنّ الرواية وإن دلّت على أنّ الحدث رضى منه ، وظاهره أنّ نفس الحدث رضىً وأنّهما متّحدان ، وبما أنه غير مراد لأنّ الحدث فعل خارجي والرضا فعل قلبي فكيف يكون أحدهما عين الآخر ، فلا محالة يكون معناها أنّ الحدث رضا فعلي وإجازة فعلية للمعاملة ، ولازمه أن يكون كل حدث مسقطاً للخيار لأنه رضا فعلي ، إلاّ أنه لا يستفاد منها أنّ كل تصرف يسقط الخيار ، لأنّ الرضا إنّما حمل في الرواية على الحدث لا على التصرف ، ومعناها أنّ كل حدث رضا عملي لا كل تصرف ، وهذا الذي ذكره مبني على تفسير الحدث بالتصرف ثم الحكم بأنّ كل تصرف يسقط الخيار ، مع أنه لا وجه له ، وأحدهما غير الآخر كما هو واضح .

 
 

ــ[181]ــ

فالمتحصّل إلى هنا : أنّ المسقطات ثلاثة : الاسقاط الفعلي أو القولي لعدم اختصاصه بالقولي بل كل فعل قصد به إسقاط الخيار يكون مصداقاً للاسقاط لا محالة ، والحدث مطلقاً سواء قصد به الاسقاط أم لا ، واللمس وأخويه كما مرّ وعرفت أنه مقتضى الجمع بين الروايات الواردة في المقام ، وأمّا مطلق التصرف فلا يكون مسقطاً للخيار .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net