اشتراط تعيين مدّة الخيار - مبدأ خيار الشرط 

الكتاب : التنقيح في شرح المكاسب - الجزء الثالث : الخيارات-1   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 7251


الأمر الثالث : أنه تارةً تكون المدة عند اشتراط الخيار معلومة كشهر أو شهرين أو ما دامت الحياة فقد عرفت أنّ صحته ممّا لا ريب فيه حتى اشتراط الخيار إلى آخر الحياة ، وقد نقلنا مناقشة شيخنا الاُستاذ في صحة اشتراط الخيار إلى آخر الحياة وأجبنا عنها بوجهيها كما تقدّم . واُخرى تكون المدة مجهولة كاشتراط الخيار إلى قدوم الحاج أو إلى نزول المطر وغيرهما ممّا لا نعلم بأصل تحقّقه أوّلا لاحتمال أن لا يقدم أحد من حجاج البلد كما إذا كان حجّاجه قليلين كشخصين أو ثلاثة وقد أقاموا في بلدة اُخرى كالشام ولم يرجعوا إلى بلادهم ، ولاحتمال أن لا ينزل المطر أصلا ، ولا نعلم بزمانه ثانياً لأنّا نحتمل تقدّمه وتأخّره ، فزمان حصوله مجهول إذ لا زمان معيّن لقدوم الحاج أو نزول المطر ، والمعروف المشهور بينهم هو بطلان الاشتراط في هذه الصورة ولهم في تقريب بطلانه وجوه ثلاثة :

الوجه الأول : أنّ هذا الاشتراط غرري لعدم تعيّنه حسب الفرض والشرط


ــ[193]ــ

الغرري فاسد .

وهذا الوجه مبني على رواية العلاّمة(1) من أنّ النبي (صلّى الله عليه وآله) نهى عن الغرر ، وأمّا بناءً على ما هو المشهور في رواية الحديث من أنه نهى عن بيع الغرر(2) فلا يصح الاستدلال على بطلان الشرط بحديث الغرر ، إذ المفروض أنّ المنهي عنه هو البيع الغرري لا مطلق الغرر حتى يشمل الشرط فيما إذا كان غررياً . وكيف كان فإذا فسد الشرط فيبتني إفساده البيع على القول بأنّ الشرط الفاسد مفسد للمشروط .

الثاني : أن يقال إنّ اشتراط الخيار في مدة مجهولة على خلاف السنّة ، لأنّ الشرط غرري .

وهذا الوجه مبني على تفسير الشرط بنفس الالتزام والاشتراط ، فإنّ الغرر على تقدير تحقّقه فإنما هو في نفس الاشتراط ، وأمّا إذا فسّرنا الشرط بالمشروط به كما هو المراد فيما دل على النهي عن الشرط المخالف للكتاب والسنّة فإنّ معناه النهي عن المشروط به والملتزم به الذي يخالف الكتاب والسنّة كاشتراط ترك أحد الواجبات أو اشتراط فعل أحد المحرّمات كالزنا والغيبة فإنّ الملتزم به حينئذ مخالف للكتاب والسنّة وهو الغيبة والزنا ، لا أنّ نفس الالتزام والاشتراط مخالف لهما كما في المقام وليس الملتزم به في المقام غررياً .

وهذا الوجه هو الذي ذكر شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه)(3) أنه يشبه الأكل من القفا حيث إنه في إبطال البيع يتمسك بأنّ شرطه غرري والفساد منه يسري إلى

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) التذكرة 10 : 51 ، المختلف 5 : 267 .

(2) الوسائل 17 : 448 / أبواب آداب التجارة ب40 ح3 .

(3) المكاسب 5 : 115 .

ــ[194]ــ

المشروط فيكون البيع فاسداً ، مع إمكان إبطال البيع من الابتداء بدعوى أنّ البيع غرري لسراية الغرر من الشرط إلى المشروط .

الثالث : هو أنّ البيع غرري من جهة جهالة المدة التي اشترط فيها الخيار وهذا هو الذي اعتمد عليه شيخنا الأنصاري ، فإن قام اجماع على بطلان الاشتراط فيما إذا كانت المدة مجهولة فلا مانع من أن نقول بفساد اشتراط الخيار عند الجهل بالمدة ، لأنّ الغالب هو التشاح عند جهالة المدة المضروبة للخيار لأنها مورد اهتمام العقلاء ، فنستفيد من الاجماع أو من مذاق الشارع أنه ليس راضياً بهذا الاشتراط المستلزم للتشاح ، وأمّا إذا لم يقم في البين إجماع فللمناقشة في جميع هذه التقاريب الثلاثة مجال ، والوجه في ذلك هو أنه ـ مضافاً إلى ما قدّمناه في مسألة اشتراط العلم بمقدار الثمن(1) من عدم ثبوت نهي النبي الخ وكونه ضعيفاً ـ إن اُريد بالغرر الجهالة بأن يكون معنى نهى النبي عن بيع الغرر نهى النبي عن بيع فيه جهالة ، فلا إشكال في أنّ البيع في المقام غير مجهول للعلم بالثمن والمثمن ومقدارهما ، والجهل بالخيار والشرط لا يوجب جهالة في الثمن والمثمن ، وكون ذلك موجباً للجهل بفسخ من له الخيار وأنه يفسخ المعاملة غداً أو بعد يومين لا يمنع عن صحة البيع ، لأنّ الحال كذلك في جميع الخيارات حتى فيما إذا كانت المدة معلومة ككونها إلى شهر ، فإنّ مَن عليه الخيار لا يدري أنّ المشروط له الخيار هل يفسخ العقد في زمان كذا أو في زمان آخر  ، فلا يكون هذا موجباً للبطلان في البيع هذا ، مضافاً إلى أنّ الغرر بمعنى الجهل غير ثابت كما ذكرناه في محله وقلنا إنّ الغرر بمعنى الخطر دون الجهل .

وإن اُريد منه الخطر فأي خطر في المعاملة فيما إذا كانت مدة الخيار مجهولة لأنّ الخطر بمعنى أن يذهب ماله سدى وبلا عوض ، وهذا غير متوجه في المقام ، لأنه

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) راجع المجلد الثاني من هذا الكتاب الصفحة 360 .

ــ[195]ــ

إذا فسخ فيردّ الثمن ويأخذ المثمن وإذا لم يفسخ فيأخذ الثمن ولا يطالب بالمثمن
فعلى أيّ حال أحد المالين واصل إليه إمّا هذا أو ذاك فلا خطر في البين ، وكون ذلك موجباً للخطر في المعاملة من جهة عدم معلومية فسخ ذي الخيار وأنه يفسخ أو لا يفسخ أصلا لا يمنع عن صحة المعاملة لتحقّقه في جميع الخيارات حتى في خيار الشرط فيما إذا كانت المدة معلومة ، للجهل بأنّ ذي الخيار يفسخ أو لا يفسخ .

فإلى هنا تحصّل أنه لا غرر في شيء من الشرط والبيع فلا مانع من الالتزام بصحة الشرط والمعاملة في هذه الصورة لشمول إطلاق مثل قوله « المؤمنون عند شروطهم » له ، هذا كلّه فيما إذا اشترط الخيار مدة مجهولة ولكنها كانت متعيّنة بحسب الواقع وعلم الله كما في قدوم الحاج ونزول المطر .

وأمّا إذا اشترط الخيار وعلّقه على ما لا تعيّن له في الواقع ونفس الأمر أيضاً كما إذا اشترط الخيار مدة فإنّ المدّة ممّا لا تعيّن له في علم الله ونفس الأمر أيضاً ، أو لم يذكر المدة أصلا كما إذا قال : لي الخيار ، فالظاهر بطلان هذا الاشتراط ، وهذا لا من جهة الجهل والغرر بل من جهة عدم إمكان الامضاء الشرعي في هذه الصورة ، لأنهما إنما أنشئا الخيار إلى مدة أو بلا ذكر المدة أيضاً(1) وهذا مما لا تعيّن له واقعاً وفي علم الله حتى يمضيه الشارع ويقول بصحة هذا الاشتراط ونفوذه ، والشارع إنما يمضي ما له تعيّن في الواقع ويحكم بأنّ الخيار إلى ذلك الزمان ، فإذا لم يكن الزمان متعيّناً حتى في علم الله فما معنى إمضاء الشارع ، وعليه فمقتضى القاعدة هو البطلان عند اشتراط الخيار على نحو الاهمال أو اشتراطه إلى مدة بلا تعيين .

وربما يقال : إنّ الخيار عند إهمال التعيين واشتراطه مدة أو بلا ذكر المدة أيضاً

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) إنما أنشآ الخيار إلى مدة أو بلاد ذكر مدة كقوله : لي الخيار ، غفلة حتى يصح منهما الانشاء .

ــ[196]ــ

ثلاثة أيام ، وقد نقلوا لذلك أخبار وروايات ، ولا يخفى عليك أنّ هذه الأخبار لو صحت وكانت متحققة في محلها فلا شك حينئذ في الحكم بالخيار ثلاثة أيام عند ذكر المدة في اشتراط الخيار أو اشتراطه على نحو الاهمال نظير حكم الشارع ثلاثة أيام للخيار في الحيوان سواء التفت إليه المتعاملان أم لم يلتفتا ، وفي المقام أيضاً نقول  : المتعاملان أو من اشترط له الخيار على خيار ثلاثة أيام تعبّداً من الشارع وإن لم يكونا ملتفتين إلى ذلك بل كانا قصدا الخيار إلى مدة مجهولة المقدار .

إلاّ أنّ الكلام في ثبوت تلك الأخبار ، والظاهر أنه لم ترد رواية بهذا المضمون بين الأخبار ، وأمّا ما حكي عن الشيخ (قدّس سرّه)(1) من وجود أخبار الفرقة فهو لا يدل على وجود رواية وردت في المقام حتى يكون ذلك منه في حكم الارسال وتكون الاجماعات المنقولة موجبة لانجبارها ، إذ لا معنى لانجبار رواية لم ينقل لنا عينها ولا أثرها ، والانجبار على تقدير القول به إنما يصح فيما إذا رويت رواية لها دلالة على حكم إلاّ أنّ سندها ضعيف فيقال حينئذ إنّ الشهرة توجب انجبار ضعفها بحيث لو كانت حكيت لنا تلك الرواية لاستفدنا منها ذلك الحكم ، وأمّا مجرد نقل رواية لم يرو لنا عينها ولا دلالتها ، لا هو في جامعيه ولا غيره من المحدّثين في كتب الأخبار ، فلا يثبت به وجود الرواية ، إذ لو كانت هناك رواية لنقلها هو في جامعيه أو غيره من المحدّثين ، فالظاهر أنّ الشيخ قد استفاد هذا الحكم باستنباطه من ملاحظة بعض الأخبار كروايات خيار الحيوان وغيرها ، وإلى تلك الروايات أشار بقوله لوجود أخبار الفرقة ، لا أنّ المراد بها هو رواية خاصة دلّت على هذا الحكم وقد صدر منه (قدّس سرّه)(2) نظير ذلك في صلاة المسافر في باب السفر للصيد حيث

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الخلاف 3 : 20 ذيل المسألة 25 .

(2) لاحظ الخلاف 1 : 588 ، المسألة 350 .

ــ[197]ــ

حكم فيه بالتمام مستدلا بقوله لأخبار الفرقة ، إلاّ أنّا وجدنا تلك الأخبار التي أشار إليها الشيخ هناك بخلاف المقام ، وعليه فإذا اشترط الخيار أو اشترطه مدة بلا تعيين فالظاهر بطلان الاشتراط لما مرّ فلا نعيد .

مبدأ خيار الشرط

مبدأ هذا الخيار إنما هو على حسب جعل المتعاقدين فإذا اشترطا الخيار إلى مدة معيّنة وقد عيّنا مبدأ الخيار فتحسب المدة من ذلك الزمان الذي جعلاه مبدأً للخيار ، وهذا مما لا إشكال فيه ، وإنما الكلام فيما إذا أطلقا ولم يعيّنا المبدأ فالظاهر أنّ المبدأ حينئذ من حين العقد ، لأنه المتبادر من الاطلاق .

وقد ذكر شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه)(1) أنه إذا شرط خيار الغد كان مبدؤه من طلوع فجر الغد ، ولكنه مبني على أن يكون اليوم عبارة عن طلوع الفجر إلى الغروب وفيه كلام وإشكال ، وقد ذكرنا في بحث الصلاة(2) أنّ اليوم اسم لطلوع الشمس إلى غروبها ، وأنّ الشمس ما دامت تحت الأرض يحسب من الليل على خلاف في محلّه .

وكيف كان فقد ذهب الشيخ(3) والحلّي(4) إلى أنّ مبدأ الخيار أي خيار الشرط عند الاطلاق من حين التفرق ، هذا .

وقد تقدّم وجه ذلك في خيار الحيوان وهو أنه إذا كان مبدأ خيار الحيوان أو

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المكاسب 5 : 120 .

(2) شرح العروة 11 : 188 ـ 191 وأيضاً ص269 .

(3) الخلاف 3 : 33 المسألة 44 من كتاب البيوع .

(4) السرائر 2 : 247 .

ــ[198]ــ

الشرط من حين العقد للزم اجتماع خيارين في زمان واحد وهما خيار المجلس وخيار الحيوان أو هو وخيار الشرط ، ولكنّك عرفت الجواب عن ذلك وقلنا إنه لا مانع من اجتماعهما ، فإنّ الخيار كالقصاص وإن لم يكن قابلا للتعدّد ولا للتأكّد إلاّ أنه من جهة تعدّد أسبابه في حكم المتعدّد فراجع ، هذا .

مضافاً إلى أنّ لازم جعل مبدأ خيار الشرط من حين التفرّق فراراً عن محذور اجتماع الخيارين في زمان واحد هو جعل مبدأ خيار الشرط بعد ثلاثة أيام في خيار الحيوان ، لأنّ جعله من حين العقد مستلزم لمحذور الاجتماع أيضاً ، وهذا مما لا يلتزم به القائل في خيار الحيوان ولا يرضى بجعل مبدأ خيار الشرط بعد ثلاثة أيام في خيار الحيوان ، فلا وجه لجعل مبدأ الخيار من حين التفرق .

بل ذكر شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه)(1) أنه لو جعل مبدؤه من حين التفرق بطل الشرط لأدائه إلى جهالة مدة الخيار ، إذ لا يعلم أنّ مدة زمان المجلس ساعة أو نصف يوم أو أقل أو أكثر ، وبما أنّ مبدأ خيار الشرط من منتهى خيار المجلس ومنتهاه مجهول ، فيكون مبدأ خيار الشرط مجهولا ، والجهل بالمدة على مذاق المشهور يوجب البطلان ، فلا يصح جعل مبدأ الخيار من حين التفرق ، هذا .

ولكنّك عرفت أنّ الجهل بالمدة لا يمنع عن الاشتراط ، بل يمكن أن يقال في خصوص المقام إنّ الجهالة لو قلنا بأنها مانعة عن صحة الاشتراط في غير المقام لا تكون مانعة عنها في خصوص المقام فيما إذا كان منتهى خيار الشرط معلوماً معيّناً وهذا كما إذا وقع العقد أوّل يوم الخميس وقد اشترطا الخيار إلى غروب ذلك اليوم وهو يوم الخميس ، أو اشترطا الخيار إلى سنة من حين العقد ، وذلك للعلم بأنّ المشتري مثلا يتمكّن من الفسخ إلى آخر تلك المدة المعينة ، غاية الأمر أنه لا يعلم

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المكاسب 5 : 120 .

ــ[199]ــ

الاستناد وأنه بعد نصف ساعة من زمان البيع هذا التمكن من الفسخ مستند إلى خيار المجلس أو إلى خيار الشرط ، والجهل بالاستناد مع العلم بمنتهى الخيار غير مانع عن الاشتراط أبداً .

نعم ، لو كان منتهى خيار الشرط غير معيّن كما إذا اشترط الخيار من حين التفرق إلى سنة أو إلى شهر ، لكان ذلك موجباً لجهالة مدة خيار الشرط للجهل بزمان التفرق فلا يدري أنه بعد نصف يوم حتى تحسب السنة بعد نصف يوم أو أنه بعد ساعة حتى تحسب السنة بعد ساعة ، وباختلاف مبدأ السنة يختلف انتهاؤها فتكون المدة مجهولة ، وهذا بخلاف المثالين المتقدّمين فإن حين العقد إلى سنة أو أوّل يوم الخميس إلى غروبه مضبوط معيّن لا اختلاف فيه ، هذا .

ثم إنّ المقام يزيد على خيار الحيوان بإشكال آخر : وهو أنّ خياري المجلس والحيوان مجعولان بجعل إلهي ، وأمّا في المقام فخيار الشرط فيه مجعول بنفس المتبايعين ، والمتبادر من جعلهما الخيار إلى مدة كذا هو جعل الخيار في زمان لولا هذا الخيار لكان العقد لازماً ، وهذا إنما يتحقق فيما إذا كان مبدأ الخيار بعد الافتراق ، إذ لو كان من حين العقد لما كان العقد فيه لازماً لولا هذا الخيار .

وفيه أوّلا : أنّه لا وجه لهذا التبادر بوجه .

وثانياً : أنّ هذا لو تم فإنما يتم فيما إذا كان المشتري أو البائع الذي يجعل لنفسه الخيار عالماً بخيار المجلس ، وأمّا إذا كان جاهلا بخيار المجلس فكيف يمكن أن يقال إنّهما إنّما يجعلان الخيار في زمان لولا هذا الخيار لكان العقد لازماً ، فلابدّ أن يكون مبدؤه بعد الافتراق ، إذ المفروض أنّهما جاهلان بخيار المجلس فلا يدريان أنّ البيع حين العقد غير لازم حتى لا يجعلا فيه الخيار .

وثالثاً : أنّ هذا لو تم لاقتضى أن يكون خيار الشرط في بيع الحيوان من حين انقضاء الثلاثة ولم يلتزم أحد بذلك ، هذا .

ــ[200]ــ

ثم إنّ شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه)(1) ذكر وجهاً آخر في المقام : وهو أنّ مبدأ الخيار لو كان هو زمان الافتراق بحكم الشارع للزم أن لا تكون العقود تابعة للقصود ، لأنّ قصدهما هو جعل الخيار من زمان العقد لا من زمان الافتراق .

وأورد عليه شيخنا الاُستاذ (قدّس سرّه)(2) بأنّ تخلّف العقود عن القصود إنما هو فيما إذا قصد المتعاملان أحد المتباينين كالهبة مثلا والشارع حكم عليهما بالمتباين الآخر كالبيع ، أو قصد الانقطاع والشارع حكم عليهما بالدوام بناءً على تباينهما وأمّا إذا كان التخلّف بواسطة تضيّق دائرة مقصود المتعاقدين فهذا لا يكون من تخلّف العقود عن القصود ، وهذا كما إذا باع ما يملك وما لا يملك معاً والشارع حكم بأحدهما دون الآخر ، أو قصد المتعاقدان الملكية في الهبة والوقف من حين العقد والشارع حكم بالملكية بعد الاقباض فيهما ، وكذا في الصرف والسلم حيث إنّ قصدهما حصول الملكية من زمان العقد والشارع إنما أمضاهما بعد التقابض والوجه في ذلك هو انحلال القصد إلى قصدين أو أكثر والشارع يمضي أحدهما دون الآخر ويضيق بذلك دائرة مقصود المتبايعين .

وبالجملة : أنّ أمثال ذلك خارج عن باب تخلّف العقود عن القصود ، وفي المقام وإن كان قصدهما الخيار من حين العقد ، إلاّ أنه لا مانع من أن يحكم الشارع بالخيار من حين التفرق ويخرج حصّة خاصة من الزمان وهي زمان العقد إلى زمان الافتراق عن الحكم بالخيار ، لأنه تضييق دائرة المقصود لا من باب تخلّف العقود عن القصود ، هذا .

وما أورده شيخنا الاُستاذ (قدّس سرّه) مبني على أن يكون مبدأ الحكم بالخيار

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المكاسب 5 : 121 .

(2) منية الطالب 3 : 76 .

 
 

ــ[201]ــ

هو زمان العقد ، وعليه فلا يكون حكم الشارع بالخيار من ذلك الزمان أي من زمان الافتراق من باب تخلّف العقود عن القصود ، ولكن الظاهر أنّ مراد شيخنا الأنصاري توجه الاشكال فيما إذا كان مبدأ الحكم بالخيار هو زمان التفرّق وأنه إذا قصد الخيار من زمان العقد والشارع حكم عليه بالخيار من زمان الافتراق لزم تخلّف العقود عن القصود ، وعدم ورود هذا الايراد على هذا التقدير أمر ظاهر لا خفاء فيه ، وذلك لأنهما إذا قصدا الخيار من حين العقد إلى سنة وحكم الشارع عليهما بالخيار من زمان الافتراق لزم تخلّف العقود عن القصود ، لأنّ زمان المجلس وافتراقهما إذا كان بمقدار نصف يوم فالشارع أضاف إلى مقدار السنة من حين العقد نصف يوم ، وأنهما بعد مضي سنة من حين العقد على الخيار إلى نصف يوم ، وإذا كان زمان الافتراق ساعة يضيف الشارع ساعة إلى مقدار السنة ويحكم بخيارهما فيها مع أنهما لم يقصدا الخيار إلاّ من حين العقد إلى سنة وقد انقضت ، أمّا الخيار بنصف يوم أو بساعة بعد السنة ، فهو غير مقصود لهما مع أنّ الشارع حكم على خلاف قصدهما بالخيار ، فيلزم تخلّف العقود عن القصود .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net