حصول الشركة بين المغبون والغابن مع تصرّفه بما يوجب الزيادة 

الكتاب : التنقيح في شرح المكاسب - الجزء الثالث : الخيارات-1   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4140


وأمّا التغيّر بالزيادة فإن كانت الزيادة زيادة في القيمة السوقية فقط من دون حدوث شيء في نفس المال نظير النقيصة في مجرد القيمة السوقية فلا يوجب ذلك مطالبة الغابن من المغبون شيئاً ، بل يردّ إليه نفس المال وأوصافه بلا حق له على المغبون ، إذ المفروض أنه لم يوجد في عين المال وصفاً ولا عمل عملا ، وإنما ترقّت القيمة السوقية بنفسها ، فلا وجه لمطالبته المغبون بالزيادة كما لم يكن للمغبون مطالبة الغابن بالنقيصة عند تنزّل القيمة السوقية ، لما عرفت من أنها لا تدخل تحت يد أحد حتى يضمنها الغابن وهذا ظاهر ، وهذه المسألة أيضاً لم يتعرّض لها شيخنا الأنصاري لوضوحها .

وأمّا إذا زادت قيمتها السوقية بواسطة أمر حدث في العين وهذا كقصارة الثوب أي تنظيفه وتنزيهه عن الوسخ أو تعليم العبد صنعة أو علماً من العلوم الدينية  ، فإنّ ذلك مما يوجب زيادة القيمة السوقية مع إحداث حدث في العين كتنظيف أوساخه أو تعليم شيء من الصنائع ، فالظاهر أنّ الغابن بذلك يصير شريكاً في المال مع المغبون بنسبة تلك الزيادة ، وذلك لأنّ الأوصاف وإن كانت لا تقابل بالمال على وجه الاستقلال إلاّ أنها تقابل به على وجه التبعية للعين ، فهي ملك الغابن لا محالة ، إذ لو لم تكن الأوصاف مقابلة بالمال مطلقاً لما أمكن الحكم بضمانها على الغابن عند نقيصتها ، وكذا لم يمكن مطالبتها من الغاصب مع أنه مما لا إشكال فيه ظاهراً ، فكما أنّ نقيصتها توجب ضمانها على الغابن أو الغاصب ولها مالية حينذاك فكذلك في صورة زيادتها تقابل بالمال ، وبما أنها ملك للغابن فلا محالة يصير شريكاً معه في المال .

وبالجملة : أن تقابل الأوصاف بالمال ظاهر ، فإنّ قيمة المال معها وقيمته بدونها مختلفة ، وليست زيادة القيمة في المال عند وجود الأوصاف إلاّ من جهة تلك

ــ[374]ــ

الأوصاف وهي قيمتها ، هذا .

وربما يورد على القول بالشركة في هذه الصورة : بأنّ الأوصاف كما عرفت لا تقابل بالمال ، والمفروض أنّ الغابن لم يحدث في نفس العين زيادة عينية ، وعليه فلماذا يصير شريكاً مع المغبون في المال ، إذ العين ملك للمغبون ولم يحدث أمر يوجب زواله وانتقال بعضه إلى الغابن .

وهذه المناقشة متينة جدّاً فيما إذا أراد شيخنا الأنصاري من الشركة شركة الغابن مع المغبون في العين ، فإنّ العين كانت ملكاً للغابن ثمّ رجع إلى المغبون ولم يحدث أمر يوجب نقص ملكية المغبون عن العين ، والأوصاف لا تقابل بالمال ، ولم يحدث في العين زيادة عينية فلماذا يصير الغابن شريكاً مع المغبون في العين . وبالجملة أنّ حصول الاشتراك بينهما بلا موجب .

وأمّا إذا أراد (قدّس سرّه) من الشركة الاشتراك في المالية فلا يرد عليه إشكال وذلك لأنّ الأوصاف تقابل بالمال تبعاً كما أشرنا إليه في صورة نقيصة الأوصاف وقد عرفت أنّها مضمونة على متلفها ، فمنه يظهر أنّ لها مالية ، وإذا انتقل العين إلى ملك المغبون فلا تذهب مالية الأوصاف هدراً بل يضمنها المغبون فيكون شريكاً مع الغابن في المالية لا محالة ، بمعنى أنّ الغابن يشترك مع المغبون في مقدار مالية المال وقيمته بنسبة قيمة الشيء مع الأوصاف وقيمته بدونها ، لا أنّه يشترك معه في العين(1) وتظهر الثمرة بينهما في أنّ الوصف إذا زال عن العين بنفسه كما إذا أصبح العبد العالم ولا يدري شيئاً تزول شركة الغابن مع المغبون ، وهذا بخلاف ما إذا كان شريكاً

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) لا يخفى أنّ لازم تبعية الأوصاف للعين في المالية والملكية زوال ملكيتها بخروج العين عن الملك ، فإذا رجع العين إلى المغبون فكيف تبقى مالية الأوصاف في ملك الغابن
وعليه فيسقط ما اُفيد في المتن إلى آخره ، وتتجه مقالة المحقّق النائيني لا محالة فراجع .

ــ[375]ــ

معه في العين فإنّ تلف بعض أجزائه فضلا عن زوال بعض أوصافه لا يمنع عن اشتراكهما ، بل كل ما بقي منه لهما وما زال عليهما .

وممّا ذكرناه يظهر أنّ المال إنّما يقابل نفس الأوصاف التي هي نتائج الأعمال لا أنّ الغابن يستحقّ اُجرة المثل لأعماله ، إذ التفاوت في قيمة المال مع الأوصاف وقيمته بدونها إنّما ينشأ من قبل نفس تلك الأوصاف لا من جهة عمل العامل في المال .

وعليه فلا يفرق في حصول الاشتراك بين كون هذه الأوصاف مستندة إلى فعل الغابن كما إذا نظّف الثوب عن الوسخ أو علّم العبد صنعة من الصنائع ، وكونها مستندة إلى الله تعالى كما إذا أصبح العبد في ملك الغابن عارفاً بالمسائل الدينية وصار من أتقى الأتقياء وبذلك زادت قيمته ، فإنّ صفة التقوى والعدالة في العبيد توجب زيادة قيمتها ، فالغابن بذلك يصير شريكاً مع المغبون ، لأنّ الأوصاف إنّما حدثت في ملكه وقد عرفت أنّ المال إنّما يقع بازاء نفس الأوصاف تبعاً لا بازاء الأعمال الصادرة من الغابن حتّى تكون اُجرة لها ، ومن هنا لو أتعب نفسه في تعليم العبد صنعة أو علماً من العلوم ولكنّه لم يحصل شيئاً منهما ولم يصر بذلك عالماً أو صانعاً ، لا يستحقّ بذلك شيئاً على المغبون مع أنّه عمل أعمالا وأتعب نفسه في تعليمه  ، ولأجل ذلك نقول إنّ المال إنّما يقع بازاء تلك الصفات التي هي نتائج الأعمال لا بازاء تلك الأعمال نفسها .

فما أصرّ عليه شيخنا الاُستاذ (قدّس سرّه)(1) من عدم استحقاق الغابن شيئاً على المغبون ، وعدم صيرورته شريكاً معه فيما إذا حصلت تلك الأوصاف بفعل الله تعالى أو بفعل نفس العبد دون فعل الغابن ، بدعوى أنّ الغابن لم يعمل حينئذ عملا

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) منية الطالب 3 : 148 .

ــ[376]ــ

يستحقّ به اُجرة المثل ولم يزد في العين زيادة عينية حتّى يصير شريكاً مع المغبون  .

فممّا لا يمكن المساعدة عليه ، لما عرفت من أنّ الشركة إنّما هي لأجل حدوث تلك الأوصاف المقابلة بالمال في ملك الغابن ، وليست هي من أجل اُجرة المثل لأعماله ، إذ المال إنّما هو في مقابل الصفات التي هي من نتائج الأعمال لا في مقابل نفسها ، هذه كلّها في التغيّر بالزيادة الحكمية .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net