حكم الزرع الذي زرعه الغابن إذا أراد ردّ الأرض 

الكتاب : التنقيح في شرح المكاسب - الجزء الثالث : الخيارات-1   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4922


وأمّا إذا حصل التغيّر في الملك بالزيادة العينية كما إذا كان الثمن أرضاً وقد بنى فيها الغابن بناءً أو غرس فيها أشجاراً أو نقش فيه نقوشاً بخيوط موجودة فيه فيما إذا كان الثمن من قبيل الأثواب والأقمشة ، أو بغير ذلك من الزيادات العينية الموجودة في المال ، فإذا فسخ المغبون في أمثال هذه الموارد فهل يتمكّن من إلزام الغابن بقلع الزيادات الحاصلة بفعله عن المال أو لا يتمكّن ؟ فيه خلاف وأقوال .

وبعبارة اُخرى : لا إشكال عندهم كما هو كذلك في أنّ الغابن إذا كانت له أموال وأجناس في مكان قد اشترى ذلك المكان من المغبون وكانت قيمة تلك الأجناس في هذا المكان أغلى وأكثر منها في مكان آخر ، إذا فسخ المغبون يلزمه بتخلية مكانه من الأجناس ، لأنّ الأموال والأجناس في هذا المكان لا يختلف ولا يتغيّر عمّا هي عليه فيما إذا وضعت في مكان آخر ، وإنّما تختلف قيمتها السوقية فقط ولا يحصل فيها أيّ تغيّر أو نقص في عينها ، وليس للغابن الامتناع بدعوى أنّي أتضرّر بتخلية المكان ووضع أجناسي في مكان آخر لأنّ قيمتها في غير هذا المكان أنقص ، وذلك لأنّ المغبون ليس بضامن لما يرد عليه من الضرر فيما إذا كان منشؤه مجرد اختلاف القيمة السوقية ما لم يحصل بذلك نقص في أعيان تلك الأجناس وهذا الحكم ممّا لا خلاف فيه بينهم .

وإنّما اختلفوا في أنّ المقام أيضاً ملحق بهذه المسألة ، لأنّ المغبون مالك الأرض ويطلب ملكه ، أو أنّ بينهما وبين المقام فرقاً من جهة أنّ أموال الغابن في

ــ[377]ــ

المسألة المتقدّمة لا تتغيّر عمّا هي عليه عند وضعها في مكان آخر وإنّما تختلف قيمتها السوقية فقط ، وأمّا في المقام فالبناء المقلوع متباين للبناء غير المقلوع لأنه إذا قلع خرج عمّا هو عليه من وصف البناء ويصير أخشاباً وأحجاراً ، وكذلك الشجر فإنه إذا قلع من الأرض فلا محالة يصير خشباً ويخرج عن كونه شجراً ، وبين الشجر والخشب فرق ظاهر ، فلا يقاس المقام بالمسألة المتقدّمة المتّفق فيها على جواز تخلية المغبون مكانه من أجناس الغابن .

وكيف كان ، الأقوال في المسألة ثلاثة :

الأوّل : أنّ المغبون متمكّن من إلزام الغابن بالقلع بلا أرش نظير المسألة المتقدمة حيث كان المغبون مسلّطاً فيها على إلزام الغابن بتخلية المكان بلا وجوب أرش عليه .

الثاني : عدم تمكّنه من إلزامه بالقلع .

والثالث : تسلّطه على إلزامه بالقلع مع دفع الأرش إلى الغابن ، لتفاوت الشجر بحسب القيمة قبل القلع وبعده ، هذا .

وتفصيل الكلام في المقام : أنّ ملكي المالكين إذا كان أحدهما أجنبياً عن الآخر ولم يكن له حقّ وعلقة على الآخر ، لا إشكال في أنّ مالك الأرض متمكّن حينئذ من قلع الملك الآخر عن ملكه من دون أن يجب عليه شيء وهذا نظير موارد الغصب كما إذا غصب أحد أرضاً وبنى فيها بناءً شاهقاً قيمته أضعاف قيمة الأرض فإنّ ذلك الملك أعني البناء ليس له حقّ ولا ربط بالملك الآخر وهو الأرض ولمالكها مطالبة الغاصب بتخريب البناء ودفع أرضه خالية عنه إليه ، وليس لأحد منع المالك عن ذلك أبداً ، والوجه في ذلك أنّ ملك المالك غير محدود بحدّ والملكية المطلقة غير المحدودة بشيء تقتضي جواز قلع أشجار الغاصب وبنايته وهو ظاهر .

ومن ذلك موارد البيوع الفاسدة لالتحاقها بالغصب من تلك الناحية

ــ[378]ــ

فلمالك المثمن مطالبة المشتري بتخلية أرضه ومتاعه عمّا أحدثه فيها ، وليس لأحد منعه عن ذلك .

وأيضاً من ذلك جميع موارد التصرّفات الصحيحة فيما إذا انتهت مدّتها كما إذا استأجر أرضاً بمدّة سنة فأحدث فيها بناءً وغرس فيها أشجاراً  ، أو استعارها لمدّة سنة فأحدث فيها شيئاً ، فإنّ هذه التصرفات الصادرة من المستأجر والمستعير سائغة في أثناء هذه المدّة ، ولكنّها إذا انقضت فللمالك مطالبة ملكه وأرضه خالية عن جميع ما أحدثوه فيها من البناء والغرس أو غيرهما  ، ولعلّ ذلك ظاهر ولا إشكال فيها ، هذا قسم .

ويقابل ذلك قسم آخر وهو ما إذا كان لأحدهما حقّ مكث وبقاء في الآخر وبينهما علقة وربط ، وهذا كما إذا وهب أحد الأرض لأحد ولديه ووهب الأشجار الموضوعة فيها لولده الآخر ، فإنّ الأرض المملوكة لأحدهما إنّما صارت ملكه مشغولة بتلك الأشجار أو الأبنية وليس له إلزام الآخر بقلعها عن الأرض ، فإنّ الثاني إنّما ملك الأشجار بوصف أنّها أشجار ولم يتملّك الأخشاب ، والأشجار بعد قلعها أخشاب ، وبالجملة ليس لمالك الأرض قلعها أبداً ، ونظيره ما إذا باع الأرض لشخص والأشجار من شخص آخر .

ومنها أيضاً : ملك الزوجة وإرثها من المثبتات في الأرض كالشجر والبناء فإنّ الورثة ليس لهم إلزامها بقلع حصّتها من المثبتات ، لأنّها إنّما ملكتها بما هي مثبتات وأبنية وأشجار لا بما هي أخشاب وأحجار ونحوهما ، ووجهه أنّ الملكية محدودة من الابتداء وليست ملكية مطلقة حتّى تقتضي جواز قلع أشجار المالك الثاني لما عرفت من أنّه إنّما ملك الأرض المشغولة بالأشجار ، وهذه الصورة أيضاً ممّا لا إشكال فيها من حيث عدم جواز إلزام مالك الأرض لمالك الشجر والبناء بقلعهما  ، وذلك ظاهر .

ــ[379]ــ

وإنّما الكلام في القسم الثالث وأنه إذا اشترى أو باع أحد شيئاً وفرضنا الثمن أرضاً وكانت المعاملة غبنية من طرف البائع وقد تصرف الغابن في الأرض بغرس الأشجار وبناء الأبنية ونحوهما ، فهل يلحق بالقسم الأول وأنّ المالك يتمكّن من إلزام الغابن بتخلية أرضه وقلع شجره وملكه غير محدود ، أو أنّه ملحق بالقسم الثاني وأنّ المالك ليس له قلع أشجار الغابن وتخريب أبنيته وأنّ الملكية فيه محدودة وليست مطلقة .

والوجه في ذلك : أنّ الغابن هل بتصرّفه ذلك قد استوفى منفعة الأرض ما دامت مشغولة بالأشجار والبناء نظير ما إذا آجرها من مستأجر حيث سبق أنّ الغابن حينئذ قد استوفى بذلك منفعة الأرض إلى منتهى مدّة الاجارة ، وعليه فليس للمالك قلع تلك الأشجار كما ليس له إبطال الاجارة لأنّهما استيفاء للمنافع ، وغاية الأمر أنّ الغابن يغرم للمغبون اُجرة مثل المنافع التي استوفاها من أرضه ، أو أنّ ذلك ليس من باب الاستيفاء ولا يقاس بالاجارة ، لأنّ ملكية المنافع أمر اعتباري يمكن أن نعتبر أحداً مالكاً لمنافع عشر سنوات مستقبلات ، وأمّا في المقام فهو استيفاء خارجي وتصرّف في الملك وإنّما يكون ذلك من باب الاستيفاء فيما إذا قلنا بعدم جواز قلع المالك وهو أوّل الكلام فكيف يقاس أحدهما بالآخر ، بل للمالك أن يستلم ملكه ويطالبه بتفريغ ملكه عمّا أحدثه فيه ، هذا .

والتحقيق هو الوجه الثاني وأنّ المالك له إلزام الغابن بتفريغ ملكه عن شجره وبنايته ، لأنّ ملكه قبل ذلك لم يكن مشغولا بتلك الاُمور والملكية مطلقة غير محدودة ، والفسخ ليس إلاّ إرجاع الملك السابق على ما هو عليه ، فليس لأحد منع المالك عن ذلك ولعلّه ظاهر ، وقد عرفت الفرق بينه وبين الاجارة ، هذا .

ثمّ إنه هل يجب على المغبون ردّ أرش الشجر المقلوع إلى الغابن لتفاوت قيمته

ــ[380]ــ

مع قيمة الشجر حال كونه منصوباً على الأرض كما ذهب إليه في المسالك(1) وقوّاه بعضهم ومنهم شيخنا الاُستاذ (قدّس سرّه)(2) أو ليس على المغبون شيء ؟ الظاهر هو الثاني ، خلافاً لما ذهب إليه في المسالك ، وذلك لأنه يجب على الغابن ردّ المال إلى مالكه كما أخذه منه ، وحيث إنّ الأرض حينما أخذها الغابن لم تكن مشغولة بالشجر وغيره فيجب على الغابن تفريغ أرض المغبون عمّا أحدثه فيها ، ولا يجب في ذلك أرش أو غرامة على المغبون .

وكيف كان ، فلا موهم لوجوب الأرش على المغبون إلاّ أمران : أحدهما دليل نفي الضرر حيث إنّ الغابن يتضرّر بقلع أشجاره بلا أرش . وثانيهما : احترام مال المسلم فإنّ ذلك يقتضي حرمة الأشجار والبناء لأنّهما من أموال الغابن فكيف يسوغ قلعها وهدمها بعد صحة تلك التصرفات في حدّ نفسها ، فإنّها صدرت من أهلها ووقعت في محلّها ، فهي محترمة لا محالة واحترامها يمنع عن جواز قلعها وهدمها بلا أرش ، وسيأتي الجواب عن هذين الوجهين بعد توضيح لما تقدّم فنقول :

إنّ الأقوال في المسألة ثلاثة :

أحدها : أنّ مالك الأرض مسلّط على القلع بلا أرش واختاره العلاّمة في المختلف(3).

وثانيها : عدم تسلّطه على القلع مع الأرش ولا بدونه ، وهذا منسوب إلى المشهور .

وثالثها : تسلّطه عليه مع الأرش كما ذهب إليه في المسالك .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المسالك 4 : 111 ، 204 .

(2) منية الطالب 3 : 150 .

(3) المختلف 5 : 376 المسألة 347 .

 
 

ــ[381]ــ

أمّا ما ذهب إليه المشهور فلعلّ الوجه فيه أنّ الغابن بغرسه قد استوفى منفعة الأرض ما دام غرسه باقياً نظير ما إذا آجرها قبل فسخ المغبون فلا يتمكّن المغبون من إبطال الاجارة ولا من قلع الأشجار المنصوبة على الأرض ، نعم يجب على الغارس دفع اُجرة المثل للمالك كما ذكرناه فيما إذا آجرها الغابن قبل فسخ المغبون وذلك من جهة استيفائه منافع ملك الغير فيجب عليه الخروج عن عهدتها بدفع الاُجرة .

وقد أجبنا عن ذلك : بأنّ المقام لا يقاس بباب الاجارة من أجل أنّ تمليك المنافع أمر اعتباري يمكن أن يملّك الغابن أحداً منافع خمسة سنوات قبل فسخ المغبون ، وأمّا الغرس فليس ذلك استيفاء للمنافع استيفاء ما دام الغرس وإنّما هو تصرّف في الأرض ، فللمالك أن يقلعه ، وإنّما يكون ذلك استيفاء فيما ذا أثبتنا عدم جواز قلعه على المالك ، وهذا كما ترى لا يثبت بمجرد الغرس لأنه أوّل الكلام وعليه فلا يبقى لما ذهب إليه المشهور وجه ، لأنّ المالك إنّما يستحق الأرض الخالية عن الشجر فإذا رآها مشغولة به فله أن يقلعه ، هذا .

وأمّا القول الثالث أعني تسلّطه عليه مع الأرش ، فالوجه فيه أنّ الغارس إنّما يملك الشجر المنصوب على الأرض ، وهذا يمنع عن قلع شجره ، لأنّ المقلوع هو الحطب وليس بشجر ، فلا يصح قلعه لأنّه موجب لتضرّر الغارس ، وليس المقام من قبيل وضع الغارس أو غيره متاعه في مكان حتى يصح لمالك المكان تخلية ملكه لأنّ المتاع الموضوع في المكان بعينه هو المتاع الموضوع في مكان آخر بعد تخلية المكان الأول منها ولا يوجب هذا نقصاً وتبديلا في المتاع وإن اختلفت قيمتها بحسب المكانين ، وهذا بخلاف المقام حيث إنّ ملكه قبل قلعه شجر وبعده ينقلب حطباً ، وكيف كان فقلع شجر الغابن بلا ردّ الأرش إليه ضرر ، كما أنّ الغابن إذا قلعه بنفسه يجب عليه طمّ حفره حتّى لا يتضرّر المالك بذلك .

ــ[382]ــ

وبالجملة : أنّ الدليل على وجوب ردّ الأرش أمران : أحدهما دليل لا ضرر لتضرّر الغارس بقلع أشجاره بلا ردّ أرشها . وثانيهما : قاعدة الاحترام التي أشار إليها شيخنا الاُستاذ (قدّس سرّه) حيث إنّ مال المسلم كدمه فكيف يذهب هدراً بقلعه وقلبه من الشجر إلى الحطب .

أمّا الجواب عن الوجه الأول فيمكن بوجوه : منها أنّ قلع شجر الغارس بعد الفسخ ليس ضرراً عليه بل هو منع عن المنفعة العائدة إليه ببقاء شجره على أرض المالك بأن يقال إنه إنّما ملك نصب الشجر على الأرض مدّة خمسة سنوات أو أقل أو أكثر إلى أن يفسخ المالك ، ولم يملك نصبه إلى الأبد .

وبعبارة اُخرى : أنّ ملكه لألف درهم أعني قيمة الشجر حال كونه منصوباً على الأرض ملكية محدودة وموقتة بوقت الفسخ ، وليس ملكاً أبدياً حتى يتضرّر بقلع الشجر بعد الفسخ وصيرورة قيمته خمسمائة درهم ، بل إنّما كان مالكاً للألف إلى هذا الزمان ملكاً محدوداً ، وكان مقتضى ملكيته قاصراً عن الشمول إلى زمان بعد الفسخ ، وعليه فقلع شجره لا يوجب نقصاً في ملكه وماله بل به ينتهي أمد ملكه . نعم لو أبقى الشجر على مكانه يترتّب عليه نفع زائد فيكون القلع مانعاً عن النفع لا موجباً للضرر ، إذ الضرر هو النقص في المال أو في النفس أو في العرض ولا نقص في شيء من الثلاثة في المقام . أمّا الثانيان فواضح ، وأمّا الأول فلما مرّ من أنّ ملكية الألف محدودة إلى زمان الفسخ ، فلا ملكية له بعده حتّى يوجب القلع نقصاً فيه
وهذا ظاهر .

وأضف إلى ذلك : أنّا لو سلّمنا أنّ القلع ضرر على الغارس فهل يكون دليل نفي الضرر موجباً لتضرّر أحد لأجل دفع الضرر عن شخص آخر ، ولأجل عدم تضرّر الغارس يلقى المالك في ضرر دفع الأرش حتى يرتفع به ضرر الغارس ، فما تقصير المالك ولماذا أغرم الأرش مع أنه مالك للأرض وأراد فسخه وله مطالبة

ــ[383]ــ

ملكه كما أعطاه وهو الملك الخالي عن الشجر ، مع وضوح أنّ دليل لا ضرر لا يتكفّل لأمثال ذلك وهو ظاهر ، وسيأتي عن ذلك جواب ثالث سنذكره بعد أجوبة الدليل الثاني لاشتراكهما من ناحية ذلك الجواب .

وأمّا الجواب عن قاعدة الاحترام فهو أنّ غاية ما يقتضي قاعدة احترام مال المسلم عدم جواز إتلافه وعدم جواز التصرّف فيه وعدم ذهاب ماله هدراً ، ومن هنا التزمنا بضمان من أتلف مال غيره ناسياً أو غافلا لأنه مال محترم فيجب تداركه
ولكن القاعدة لا تقتضي حرمة قلع الشجر المنصوب على ملك الغير والمفروض أنّ الملك راجع إلى المغبون وليس للغارس نصب الشجر في ملكه وله قلع ذلك ، اللهمّ إلاّ أن يكون له حقّ الابقاء وهو مفروض العدم ، وإلاّ فلو كان له ذلك الحقّ فلماذا جاز قلعه مع الأرش .

فالمتحصّل : أنّ شيئاً من القاعدتين لا يقتضي الأرش ، إذ لو اقتضيا الأرش في المقام لتوجّه عليهما جواب ثالث وهو النقض بما إذا غرس أحد في ملك الآخر شجراً نسياناً أو جهلا أو غفلة بحيث لم يصدق عليه عنوان الغاصب ، أو فرضنا أنه اعتمد على اليد فاشترى منها فغرس فيها شجراً ثمّ تبيّن أنه ملك الغير ، أليس للمالك قلع هذه الأشجار حينئذ ، أفتقتضي القاعدتان وجوب الأرش على المالك لاحترام مال المسلم وتضرّره ، كلاّ ثمّ كلاّ ، والوجه في ذلك أنّ قاعدة احترام مال المسلم لا تقتضي عدم جواز قلع الشجر فيما إذا غرس في ملك الغير .

وعليه فالصحيح هو الوجه الأول وملخّصه : أنّ المالك متسلّط على قلع الشجر أو هدم البناء بلا وجوب أرش عليه ، هذا كلّه في الجواب عن الوجهين السابقين أعني قاعدتي الاحترام ونفي الضرر .

ــ[384]ــ

وهناك وجه ثالث يستفاد من كلام شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه)(1) وهو أنّ مالك الغرس لا يستحق على مالك الأرض البقاء كما لا يستحقّ مالك الأرض على مالك الغرس اُجرة أو حقّاً آخر ، إذ الغارس إنّما يملك الشجر المنصوب بما أنّه منصوب ، كما أنّ مالك الأرض يستحق الأرض لا غيره ، ولكل واحد منهما تخليص ملكه عن ملك الآخر ، وليس لمالك الأرض منع الغارس عن قلع شجره ، لأنه ملكه وله أن يتصرف فيه بتبديلها خشباً ولو كان متعلّق ملكه هو الشجر بوصف أنه منصوب إلاّ أنه حقّه ، وليس للمالك منعه عنه ، كما أنّ مالك الغرس لا يتمكّن من منع المالك عن مطالبة ملكه الخالي عن الشجر ولكل منهما مطالبة ملكه ، فإن تصدّى مالك الغرس لتخليص شجره عن ملك مالك الأرض فعليه طمّ أرض المالك ، كما أنّ المالك إذا تصدّى لقلع شجر الغارس وتخليص ملكه فعليه أرش الشجر ، فإنّ الغارس كما عرفت إنّما يملك الشجر بوصف الشجرية والنصب ، والشجر المقلوع حطب وليس بشجر ، فتبديل الشجر حطباً يوجب الضمان ، هذا ملخّص ما أفاده عدّة في المقام .

ويرد عليه : أنّ النقص وإن كان يتوجّه على مالك الغرس بقلع الشجر وتبديله إلى الحطب لا محالة إلاّ أنّه أمر غير راجع إلى مالك الأرض ، فإنّ المالك إنّما يطالب الغارس بملكه كما أخذه ، ودفع ملكه إليه بما هو ملكه أعني الملك الخالي عن الشجر يستدعي قلع شجر الغارس ، فهو أمر غير مربوط بالمالك أبداً وإلاّ للزم الحكم بالضمان فيما إذا غرس أحد في أرض غيره نسياناً وغفلة أو اعتماداً على قاعدة يد أو استصحاب ثمّ ظهر خلافه ، فإنّ مالك الأرض يطالب أرضه من الغارس ولا يتوجّه عليه ضمان تبديل الشجر خشباً ، وعليه فالصحيح ما أفاده العلاّمة (قدّس

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المكاسب 5 : 197 .

ــ[385]ــ

سرّه) في المختلف من أنّ المالك له قلع ما غرسه الغابن بلا توجّه أرش عليه .

بقي الكلام فيما ذكره صاحب المسالك(1) من التفصيل بين الغرس والزرع حيث حكم في الزرع بابقائه مع الاُجرة دون الغرس وقد علّله بأنّ للزرع أمداً ينتظر بخلاف الغرس فلا يكون إبقاؤه مع الاُجرة ضرراً على مالك الأرض بخلاف الغرس ، هذا .

فإن أراد (قدّس سرّه) التفصيل بينهما من حيث إنّ للزرع أمداً ولا أمد للغرس  ، ففيه : أنّ الغرس ليس من الاُمور التي لا أمد لها ، بل له أيضاً أمد معيّن ويقولون إنّ أطول الأشجار عمراً هو النخيل فإنه يبقى مائة عام وغيره كذا مقدار فلا يبقى فرق بينهما إلاّ من جهة قصر المدّة في الزرع ، لأنّ غاية أمده ثلاثة أشهر أو ستة وطولها في الشجر ، فإن أراد الفرق بينهما بذلك أي بقلّة المدّة وبطولها ، فيدفعه : أنه لا فرق بين طولها وقصرها ، فإنّ الوجه في جواز قلع المالك عدم حقّ الابقاء للغارس وهذا كما ترى لا يفرّق بين قصر المدّة وطولها ، إذ للمالك في كليهما مطالبة الغارس بأرضه كما أخذ ، ولا يجوز التصرف في ملك الآخر بدعوى أنّ التصرف فيه مع الاُجرة لا يوجب ضرراً على المالك ، إذ لو تمّت هذه الدعوى لجاز التصرّف في ملك الغير بزرعه ونحوه ولو على وجه الغصب ، فإنّ دفع الاُجرة إليه يمنع عن الضرر  ، وغاية الأمر أنه قد ارتكب محرّماً أيضاً ، مع أنّ هذا ممّا لا يرضى به أحد .

وكيف كان فلا فرق بينهما أي بين الغرس والزرع إلاّ ما ذكره شيخنا الاُستاذ (قدّس سرّه)(2) في توجيه كلام صاحب المسالك من أنّ الأرض المعدّة للزرع لا يكون بقاء الزرع فيها موجباً لتضرّر المالك مع دفع الاُجرة إلى المالك ، وهذا بخلاف

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المسالك 4 : 111 .

(2) منية الطالب 3 : 152 .

ــ[386]ــ

بقاء الأشجار فإنه يوجب الضرر على المالك لا محالة .

وهذا الفرق كلام صوري لا أساس له لتأتّيه في غير الزرع أيضاً فيقال إنّ الأرض المعدّة للغرس لا يكون بقاء الغرس فيها موجباً لتضرّر المالك مع دفع الاُجرة إليه ، فلا يمكن الاعتماد على أمثال ذلك ، إذ التصرف في ملك الغير بغرسه أو بزرعه ينافي سلطنته المطلقة على ماله بحيث يتمكّن من غرسه أو زرعه أو غيرهما من التصرفات .

فالمتحصّل : أنه لا فرق بين الغرس والزرع فيما ذكرناه أبداً .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net