الفرق بين خيار الغبن والتفليس - حكم التغيّر بالامتزاج 

الكتاب : التنقيح في شرح المكاسب - الجزء الثالث : الخيارات-1   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4375


بقي الفرق بين خياري الغبن والتفليس فهل يجري ما ذكرناه في المقام في خيار التفليس أيضاً أو أنه يختص بخيار الغبن فقط ؟

ذكر شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه)(1) أنّ ما ذكرناه في المقام لا يجري في خيار التفليس ، وذلك للفرق بينهما من حيث إنّ حقّ المغبون في المقام كان متعلّقاً بالأرض قبل تلك التصرفات من الغرس والزرع ونحوهما ، وأمّا في خيار التفليس فحق الغارس متقدّم وسابق على حقّ الفاسخ ، لأنّ الخيار إنّما نشأ من الفلس وهو إنّما وجد بعد الغرس أو الزرع ، فحقّ الغارس مقدّم على حقّ الفاسخ على عكس المقام ، هذا .

ولا يخفى أنّ الوجه في جواز قلع المالك هو عدم حقّ الإبقاء للغارس ، وهذا لا يفرّق فيه بين سبق حقّ المالك أو سبق حقّ الغارس ، ولا أثر للتقدّم والتأخّر فيما إذا كان للمتأخّر أثر ، فإنّ الحقّ السابق حينئذ يتزاحم بالحقّ المتأخّر بقاء وإن لم يكن متزاحماً معه حدوثاً ، فالصحيح عدم الفرق بين الخيارين من هذه الجهة .

نعم ، هناك كلام في أنّ من له الخيار في خيار التفليس هل يتمكّن من الفسخ

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المكاسب 5 : 197 .

ــ[387]ــ

مع حدوث تلك التصرفات في المال كما يتمكّن منه في المقام أي في خيار الغبن ، أو أنّ حدوث هذه التصرفات يمنع عن الفسخ كما يمنع عن رجوع الواهب في الهبة وهذا لأنه بعد تصرف الموهوب له في المال لا حق للواهب في الرجوع لاشتراط بقاء المال بحاله في جواز الرجوع في الهبة ، وفي خيار التفليس على خلاف وكلام حيث إنه إذا كان المبيع قرطاساً مثلا فكتب فيه المشتري دورة فقه أو اُصول ثمّ عرضه الفلس ، أو رجع الواهب في الهبة فهل ترى جواز أخذ الجزوات من المشتري أو الموهوب له حينئذ ، وكيف كان فتفصيل الكلام في ذلك موكول إلى محلّه وهو باب التفليس .

ثم إنّه إذا قلنا بجواز القلع في هذه المقامات فهل يتصدّى المغبون ويباشر القلع بنفسه أو أنّه يطالب الغارس بذلك ؟ وحيث إنّ قاعدة الاتلاف لم يرد عليها مخصّص في المقام فالظاهر عدم جواز المباشرة للمغبون لاستلزامه الضمان لأنه إتلاف لمال الغير ، والمفروض أنّه لم يوضع فيه على وجه الغصب حتى لا يبقى له احترام ، وعليه فيطالب الغارس بملكه وأن يردّه إليه كما أخذه حسب القانون الدارج بين العقلاء ، لأنّهم يرون لزوم ردّ ما اُخذ كما أخذ ، دون قاعدة اليد لضعف روايتها ، فإن قلع غرسه ودفعه إليه فهو ، وإلاّ فيرجع إلى الحاكم فهو يلزم الغارس بالقلع أو يرخّص المغبون بقلعه من باب ولايته .

وهذا نظير المسألة التي ذكرها شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه) وهي ما لو دخلت أغصان شجر الجار إلى ملكه فإنّ القاعدة تقتضي الضمان فيما إذا أتلفها صاحب الملك لأنّها ملك الغير ، فلابدّ من مطالبة مالك الشجر بذلك ، وإلاّ فيرفع أمره إلى الحاكم كما سبق تفصيله ، ولا فرق بينها وبين المقام ، إذ لا يفرق فيما ذكرناه بين دخول ملك الغير إلى ملكه باختياره أو بلا اختياره ، إذ في كليهما يطالب المالك بتفريغ ملكه عن ملكه ، نظير ما إذا دخل حماره إلى داره فإنّ المكلّف بالإخراج هو

ــ[388]ــ

مالك الحمار دون مالك الدار فلا تغفل . هذا تمام الكلام في مسألة تصرّف الغابن في المال بالغرس ونحوه .

بقي الكلام في أنّ الغارس الغابن إذا أراد قلع شجره فهل لمالك الأرض الامتناع ومنعه لاستلزام القلع نقص ملكه بالحفر ، أو لا يجوز للمالك منعه عن تخليص ملكه ؟ ذكر شيخنا الأنصاري(1) فيه وجهين ، ولم أفهم لتردّده (قدّس سرّه) في المسألة (كما هو ظاهر قوله فيه وجهان) وجهاً بعد تصريحه قبل ذلك بأسطر بأنّ كل واحد من المالكين يتمكّن من تخليص ملكه عن ملك الآخر وليس لأحدهما منع الآخر عنه ، فتردّده في المقام مع ما صرّح به قبل ذلك بما عرفت متناقض ومتناف ، إذ مقتضى عدم تسلّط المالكين على منع الآخر عن إفراز ملكه عدم جواز المنع عن القلع ، وغاية الأمر أنّ القلع إذا استلزم نقصاً في ملك المالك بحفره فعليه تدارك الضرر لأنه نشأ من قبله ، وأمّا منع الغارس عن القلع فلا وجه له بوجه ، إذ لا يجب على الغابن بعد الفسخ إلاّ ردّ مال الغير إليه ، وأمّا ردّه مع إضافة الغرس فلا مقتضي له أبداً ، هذا كلّه فيما إذا كان التغيير بالزيادة العينية .

وأمّا إذا كان التغيير بالامتزاج فقد ذكر شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه)(2) أنّ المال الممتزج تارةً ينعدم بالامتزاج ويستهلك في المال الآخر وهذا كما في الملح أو الفلفل في الطعام أو الزيت فيه ، وكماء الورد الممتزج مع الزيت أو العطر المختلط به أي بالزيت ، فإنّ الممتزج في الأمثلة مستهلك في المال الآخر ولا وجود له بعد الامتزاج عرفاً ، وفي هذه الصورة لا تحصل بينهما الشركة ، لأنه في حكم التالف فيرجع فيه إلى قيمته .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المكاسب 5 : 198 .

(2) المكاسب 5 : 199 .

ــ[389]ــ

واُخرى لا يستهلك الممتزج في الآخر ولا يعد تالفاً ، وهذا تارةً من قبيل امتزاج الجنس بجنسه واُخرى من امتزاج الجنس بغير جنسه ، أمّا إذا امتزج بغير جنسه نظير العسل الممتزج مع الخل فيحتمل فيه الشركة كما يحتمل التحاقه بالصورة المتقدّمة وصيرورته كالمعدوم لتغيّر حقيقته . وأمّا إذا امتزج بجنسه فإن كان الجنسان متساويين فلا محالة تثبت فيه الشركة بين المالكين ، وكذلك الحال فيما إذا كان أحدهما أردأ من الآخر فإنّهما يشتركان ، إلاّ أنّ الكلام حينئذ في أنّ مالك الأجود يستحقّ أرش النقص أو تفاوت الرداءة من الجنس أو من ثمنه ، واحتمل فيه وجوهاً .

وأمّا إذا امتزج بما هو أجود منه فاحتمل (قدّس سرّه) فيه الشركة في المالية كما احتمل الشركة في نفس المالين ، هذه خلاصة ما أفاده في المقام .

وما ذكره بطوله مناقض لما أفاده في مسألة تصرف المغبون في المال وحصول الامتزاج بفعله ، فإنّه ذهب هناك إلى أنّ الامتزاج يلحق بالتلف ، وقد قوّيناه فيما أفاده وقلنا إنّ مقتضى قانون الفسخ رجوع كلّ من المالين إلى مالكهما لا رجوع مقدار من المالين ومقدار آخر من مال شخص آخر إليه ، فإنّ أحد المالين إذا امتزج بمال وحصلت الشركة بينهما بالامتزاج فلا يمكن ردّ نفس ذلك المال إلى مالكه الأوّل ونفرضه الغابن مثلا ، بل إذا رددنا مقداراً من المال المشترك إلى الغابن حينئذ فقد دفعنا إليه مقداراً من ماله ومقداراً من مال نفس المغبون الممتزج بمال الغابن على الفرض ، وهذا ممّا لا يقتضيه قانون الفسخ ، ولذا قلنا برجوع المغبون أو الغابن إلى القيمة حينئذ ، لأنّ المال حينئذ في حكم التالف ، فراجع .

وعليه فمقتضى ما أفاده هناك أن يحكم في المقام بأنّ جميع صور الامتزاج كصورة التلف فيرجع فيها إلى القيمة لا محالة ، وكيف كان فكلامه في المقامين متناقض ، إذ لا يفرق في إلحاق الامتزاج بالتلف بين الامتزاج الحاصل بتصرّف

ــ[390]ــ

المغبون والامتزاج الناشئ بتصرّف الغابن ، فإنّ حكم الامتزاج حكم التلف مطلقاً فيرجع فيه إلى القيمة .

نعم ، يستثنى من ذلك صورة واحدة وهي ما إذا امتزج أحدهما بالآخر وصار مستهلكاً ومنعدماً فيه فإنّ مثل هذا الامتزاج لا يوجب الاشتراك قطعاً ومثله لا يمنع عن رجوع مالكه إليه بالفسخ ، إذ المانع عن الرجوع كان هو الشركة وقد عرفت أنّها لا تحصل في المقام ، ولا تتغيّر العين عمّا كانت عليه ، سواء أوجب زيادة قيمة المال المستهلك فيه كما إذا مزج عطر شخص في زيته ليستحسن ريحه وتترقّى قيمته ، أم لم يوجب زيادة أيضاً كما إذا امتزج كوز من ماء حلو في حوض من ماء مرّ ، وهذه الصورة كما نستثنيها في المقام نستثنيها فيما إذا حصل المزج بتصرف المغبون فإنّه أيضاً لا يمنع من الفسخ ، لعدم استيجابه الاشتراك ولا تغيّراً مانعاً عن رجوع المال إلى مالكه ، وعليه فلا وجه لما أفاده (قدّس سرّه) في المقام هذا  .

إلاّ أنّه لا بأس بالتكلّم في أحكام المزج وأقسامه في المقام تبعاً لشيخنا الأنصاري (قدّس سرّه) وإن كان خارجاً عن محلّ الكلام .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net