وعليه لابدّ من التكلّم في مقامين : أحدهما ما ذكره السيد (قدّس سرّه) من أنه إذا تبرّأ البائع من العيب وسقط به خياره فهل يسقط به جميع أحكامه من ضمان البائع للمبيع فيما إذا تلف في زمان الخيار الشأني أي الذي لو لم يتبرّأ منه البائع لثبت أو أنّ الساقط بالتبرّي إنّما هو خصوص الخيار ردّاً وأرشاً دون مثل الضمان فيما إذا تلف المبيع في زمانه مستنداً إلى العيب الذي تبرّأ إليه منه ، فإن كان هذا مراد شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه) كما نسبه إليه السيد (قدّس سرّه) مع الاعتراف بكونه خلاف ظاهر عبارته من جهة تعليل الشهيد (قدّس سرّه) بقوله : ويحتمل الضمان لبقاء علاقة
ــ[225]ــ
الخيار ، بمعنى أنّ الخيار وإن سقط بالتبرّي إلاّ أنّ علقته باقية وهي تقتضي الضمان لقاعدة كل مبيع تلف في زمن الخيار فهو ممّن لا خيار له .
فالتحقيق خلاف ما أفاده (قدّس سرّه) أمّا أوّلا : فلأنّ ظواهر الأدلّة التي استفيد منها كون تلف المبيع في زمن الخيار ممّن لا خيار له هي الخيار الفعلي دون الخيار الشأني كما في المقام ، وأنّ التلف في زمان الخيار الفعلي ممّن لا خيار له لا في زمان الخيار الشأني ، ومن هنا لا يلتزم بذلك فقيه في غير خيار العيب من الخيارات كخيار المجلس فيما إذا أسقطاه ثم تلف المبيع بدعوى أنه تلف في زمان الخيار الشأني أي لو لم يسقطاه لثبت ، وهذا ظاهر .
وأمّا ثانياً : فلأنّ ذلك لو تم وسلّمنا أنّ التلف في زمان الخيار الشأني ممّن لا خيار له للزم منه الحكم بكون التلف من مال من لا خيار له إلى الأبد وإلى يوم القيامة ، لتحقّق الخيار الشأني في جميع الأزمنة ، لأنه لو لم يسقطه أو لم يتصرّف فيه أو لم يعلم بالعيب لثبت إلى الأبد ، فيكون البائع ضامناً للمبيع فيما إذا استند تلفه إلى العيب الذي تبرّأ منه إلى يوم القيامة وهذا ممّا لا يتفوّه به فقيه فضلا من إسناده إلى جميعهم وجعل المخالف هو الشهيد فقط .
وأمّا ثالثاً : فلأنّ التلف ممّن لا خيار له إذا كان في زمان الخيار يختص عند شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه) بخصوص خيار الحيوان والشرط لورود النص فيهما وخيار المجلس إلحاقاً له بهما ، ولا يجري في غيرها من الخيارات كخيار العيب ونحوه حتى فيما إذا كان فعلياً فضلا عمّا إذا كان شأنياً ، فما أفاده (قدّس سرّه) ونسبه إلى الأصحاب ممّا لا معنى محصّل له أبداً .
وثاني المقامين وهو الذي يوافقه ظاهر كلام شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه) وصريح بعض الكلمات : هو أنه إذا تبرّأ البائع من العيب وبه سقط ذلك الخيار إلاّ أنه كان للمشتري خيار آخر كخيار الحيوان ونحوه وقد تلف في الثلاثة من جهة العيب
ــ[226]ــ
الذي تبرّأ منه البائع ، فهل يكون التبرّي من العيب موجباً لعدم ضمان البائع تلف المبيع في زمان الخيار بدعوى أنه تبرّأ منه ، أو أنّ التبرّي لا يوجب إلاّ سقوط الخيار لا غيره من الأحكام ، والتلف من مال البائع في زمان الخيار من قبيل الأحكام لا الحقوق ، ولا يرتفع بالتبرّي لعدم ربط به ، وإطلاق أدلّة الضمان فيما إذا تلف في زمان الخيار فلا يرتفع الضمان حتّى فيما لو صرّح بأنه تبرّأ من العيب وأسقطه بحيث لا يضمنه لو تلف المبيع في زمان الخيار كي لا يرد إشكال القصور في مقام الاثبات وذلك لأنه لم يدل دليل على ارتفاع الضمان بالتبرّي حتى يلحقه بالحقوق لما تقدم من أنه لا فرق بين الحق والحكم إلاّ في أنّ الحق يقبل السقوط والمفروض أنه لم يدل دليل على أنّ التبرّي يرفع الضمان .
ثم إنّ الشهيد (قدّس سرّه)(1) صرّح بأنه لو تبرّأ البائع من عيب فتلف به في زمان خيار المشتري فالأقرب عدم ضمان البائع ، وكذا لو علم المشتري به قبل العقد أو رضي به بعده وتلف في زمان خيار المشتري ، ويحتمل الضمان لبقاء علاقة الخيار المقتضي لضمان العين معه ، وظاهره أنّ إسقاط الخيار بالتبرّي أو بعلم المشتري بالعيب قبل العقد أو برضاه به بعده تشترك في رفع ضمان البائع عند تلف المبيع في زمان الخيار وقد عرفت أنّ التحقيق خلافه ، بل الظاهر ضمان البائع به لاطلاق أدلّة الضمان وعدم ربط له بخيار العيب وعدمه .
ثم إنّ ما علّل به احتمال ضمان البائع من بقاء علقة الخيار ممّا لا يرجع إلى محصّل ولم نفهم مراده (قدّس سرّه) .
ثم ذكر (قدّس سرّه) أنه أقوى إشكالا من الأول ما إذا استند تلف المبيع في زمان الخيار إلى العيب الذي تبرّأ منه وإلى العيب الآخر الذي لم يتبرّأ منه ، والوجه
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الدروس 3 : 283 ] لكنّ فيه : لضمان العين معيبة [ .
ــ[227]ــ
في كونه أقوى إشكالا هو أنّا إذا قلنا بارتفاع الضمان بالتبرّي من العيب فلا يسقط به الضمان في المقام لوجود عيب آخر لم يتبرّأ منه مع استناد التلف إليه ، هذا .
والصحيح أنه لا فرق بين هذه الصورة والصورة المتقدّمة في أنّ التبرّي لا يرفع الضمان كان هناك عيب آخر أم لم يكن استند إليه التلف أم لم يستند .
ومن جملة الموارد التي قيل بسقوط الردّ والأرش فيها : ما إذا زال العيب عن المبيع قبل العلم به ، فإنّهم ذكروا أنّ زواله قبل العلم به موجب لسقوط كل من الردّ والأرش ، بل صريح بعضهم أو ظاهره سقوطه فيما إذا زال بعد العلم به قبل الردّ على ما حكاه شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه)(1) ثم تعرّض لما أسّسه الشافعي من أنّ الزائل العائد كأنه لم يزل أو كأنه لم يعد ، وذكر أنه لم يرد في دليل ولا يمكن الأخذ به على نحو الكلّية ، بل لابدّ من اتّباع الدليل في كل مورد ، ولا يعتمد على ما ذكره الشافعي لأنه محض الاستحسان في العبارة .
ثم فصّل (قدّس سرّه) بين الردّ والأرش وأفاد أنّ زوال العيب قبل الردّ إنّما يمنع عن الردّ فقط ، لأنّ موضوعه على ما دلّت عليه الروايات هو المبيع المعيب فإذا فرضنا ارتفاع عيبه فلا يبقى لردّ المعيب موضوع ، ومن هنا لا يمكن استصحابه لارتفاع موضوعه ولا أقل من الشك في بقائه ، فإذا لم تشمل الروايات ما إذا زال عيبه قبل الردّ ولم يمكن استصحابه فتشمله أدلّة اللزوم وبها يحكم بعدم الخيار في الردّ ، وأمّا الأرش فهو لا يسقط بزوال العيب قبل الردّ لأنّ موضوعه وقوع العقد على المعيب سواء ارتفع العيب بعد ذلك أم لم يرتفع ، فله المطالبة بالأرش لوقوع العقد على أمر معيب وسقوطه بعد ثبوته يحتاج إلى دليل ، هذا .
ولا يخفى يمكن أن يقال بعدم الفرق بين الردّ والأرش في السقوط والثبوت
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) المكاسب 5 : 324 .
ــ[228]ــ
لأنّا إذا بنينا على أنّ وصف الصحة يقابل بالمال عند وقوع العقد على المبيع ، وقلنا بأنّ الأرش على طبق القاعدة فما أفاده وإن كان تامّاً على هذا القول وللمشتري المطالبة بما يقابل وصف الصحة لعدم وصولها إليه ويسقط الردّ لعدم بقاء العيب حين الردّ ، إلاّ أنّ لازم ذلك كما تقدّم اشتغال ذمّة البائع بالأرش من حين البيع لا من حين المطالبة وهو ممّا لا يلتزم به هو (قدّس سرّه) ولا ينبغي الالتزام به أيضاً ، فلا محيص من أن يكون الأرش على خلاف القاعدة وثابتاً بالأخبار على وجه التعبّد ، وعليه فلا يفرق بين الردّ والأرش ، لأنّ كلاهما ثبت بالتعبّد وكما أنّ موضوع الردّ هو المعيب كذلك موضوع الآخر .
وبعبارة اُخرى : في الموضوع الواحد وهو المبيع المعيب حكم بالردّ على تقدير عدم إحداث شيء فيه وبالأرش في ذلك الموضوع على تقدير إحداثه ، فإذا ارتفع العيب وزال فلا يبقى موضوع لشيء من الردّ والأرش ، إذ لا مبيع معيوب .
|