الكلام في فسخ الوكالة المشترطة في ضمن عقد لازم - وجوب القيام بالشرط تكليفاً 

الكتاب : التنقيح في شرح المكاسب - الجزء الخامس : الخيارات-3   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 6589


وثانيهما : أنه إذا اشترط وكالة المشتري مثلا في أمر في ضمن المعاملة بنحو شرط النتيجة فهل له فسخ وكالته بعد ذلك وأنها ترتفع بالفسخ أو لا ولو فيما إذا قلنا


ــ[82]ــ

بحرمة فسخه من جهة استفادة وجوب الوفاء بالشرط تكليفاً من أدلّة الشروط ولكنه ارتكب الحرام وفسخ الوكالة فهل يرتفع بفسخها ، لأنّ اللازم هو كونه وكيلا وقد صار كذلك بالشرط فلا مانع من رفعها بالفسخ بعد ذلك ، أو أنّ الفسخ غير نافذ  ؟

لم يتعرّض شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه) لهذه المسألة صريحاً إلاّ على نحو الاشارة في طي كلماته(1)، والظاهر عدم نفوذ الفسخ حينئذ ، لأنّ الوكالة المشروطة في العقد بنحو شرط النتيجة قد صارت لازمة ولاصقة على المشروط عليه كما هو معنى قوله « المؤمنون عند شروطهم » أو قوله (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) فلا ترتفع برفعها ولا ينعزل بعزله ، فإذا اشترط وكالة المرأة في طلاقها في عقد النكاح فلا ترتفع وكالتها برفعها لأنّها صارت لازمة بالاشتراط ، وعقد الوكالة وإن كان جائزاً إلاّ أنّ الكلام في الوكالة المشترطة في ضمن عقد لازم لا في عقد الوكالة ، فجوازها أي جواز عقدها لا يمنع عن لزوم نفسها عند الاشتراط ، وقد تعرّض السيد (قدّس سرّه) في حاشيته(2) لهذه المسألة واحتمل الجواز أوّلا ثم قوّى اللزوم وعدم انعزاله بالعزل
واستدلّ على ذلك بأنّا نعلم من الخارج أنّ قصد الشارط والمشروط عليه ليس إلاّ الوكالة الدائمة المستمرّة ، وعليه فلا تكون الوكالة مرتفعة ولا ينعزل الوكيل بعزله هذا ما استدلّ به (قدّس سرّه) على عدم ارتفاع الوكالة بالعزل ، وهو غير ما اعتمدنا عليه من الوجه  .

إلاّ أنّ للمناقشة فيما أفاده مجالا واسعاً ، وذلك لأنه لا ينبغي الإشكال في أنّ قصد المتعاقدين ليس هو الوكالة الموقتة بوقت أو المقيّدة بزمان وإنما قصدهما الوكالة

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) سيأتي أنّ السيد (قدّس سرّه) تعرّض لها عن قريب فلا تغفل .

(2) حاشية المكاسب (اليزدي) : 120 ـ 121 من مبحث الشروط .

ــ[83]ــ

على نحو الدوام والاستمرار ، إذ لو كانت الوكالة المقصودة هي الموقتة بوقت لارتفعت بنفسها بعد مضيّ وقتها بلا حاجة إلى عزله وفسخها ، فيكون ارتفاعها مستنداً إلى قصور مقتضيها وهذا خارج عن محل الكلام ، فإنّ المقصود أنّ الوكالة التي لا قصور فيها بحسب المقتضي ولا ترتفع بنفسها لأنّهما قصدا الوكالة الدائمية هل هي لازمة أو جائزة وأنّ له رفعها ، وأنه ما المائز بين هذه الوكالة الدائمية الثابتة بالاشتراط وبين الوكالة الدائمية الحاصلة بعقدها ، ولماذا كانت الوكالة حينئذ جائزة مع أنّ قصدهما هو الوكالة الدائمية ، وكانت الوكالة عند الاشتراط لازمة .

ولا يكفي في إثبات ذلك دعوى أنّ قصدهما هو الوكالة المطلقة فإنه كذلك في عقد الوكالة أيضاً فيحتاج لزومها عند الاشتراط إلى دليل .

فالصحيح ما ذكرناه من أنّ مقتضى « المؤمنون » الخ أنّ المؤمن ملازم لشرطه وهو ملصق عليه لا ينفك عنه ، فلا ترتفع الوكالة المشروطة بالعزل لمخالفته لكونه عند شرطه وملازمته معه ، أو لو ناقشنا في دلالة « المؤمنون عند شروطهم » فنتمسّك بعموم (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)(1) لأنّ العقد حسب الفرض مقيّد بثبوت الوكالة للمشروط له (بمعنى أنّ لزومه مقيّد بثبوتها) ومقتضى عموم (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) وجوب إنهاء العقد على ما هو عليه من العقود إلى آخره ، والوفاء عليه بما له من الأوصاف  ، نعم لو اشترط وكالة الطرف بنحو شرط الفعل بأن اشترط أن يوكّله بعد ذلك وقد وكّله ووفى بشرطه ثمّ فسخها ترتفع بالفسخ لأنّ اللازم عليه حينئذ هو إيجاد الوكالة وقد أوجدها وله أن يرفعها بفسخها كما أنه لا ينافي الوفاء ، ومن هنا لو اشترط كتابة شيء أو خياطته في العقد وهو وفى بهما فكتبه أو خاطه ثمّ مزّقهما وأرجعهما إلى حالتهما الأوّلية لا ينافي ذلك لعنوان الوفاء كما لا يخفى ، ولعلّنا نتكلّم في

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المائدة 5 : 1 .

ــ[84]ــ

ذلك أيضاً في بعض المباحث المناسبة له إن شاء الله تعالى .

ثم إنّ شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه)(1) لمّا قسّم الشروط إلى ثلاثة أقسام أخذ في بيان أحكام الشرط الصحيح وتكلّم في خصوص شرط الفعل وترك غيره وذكر من جملة أحكامه أنه يجب الوفاء به وجوباً تكليفياً ، وهذا كما عرفت لا ينبغي الإشكال فيه لما مرّ من أنه لازم كون المسلم ملازماً لشرطه . ودعوى أنّ الشرط لا يجب الوفاء والعمل به لأنه لا يستفاد من الحديث الحكم التكليفي ، مندفعة بما ذكرناه من أنّ ذلك لازم كون المسلم أو المؤمن عند شرطه وملازماً معه وغير منفك عنه
بل هذا من خصوصيات الإيمان والإسلام فكيف يصح مخالفته وتركه .

ومن جملة أحكامه أنّ الشرط إذا قلنا بوجوب العمل على طبقه وامتنع المشروط عليه من العمل فهل يجبر عليه أو لا ، بمعنى أنّ وجوب الوفاء بالشرط هل هو وجوب تكليفي محض غير مورث لاستحقاق الشارط للعمل من المشروط عليه نظير وجوب الوفاء في النذر فإنّ المنذور له لا يستحق بذلك شيئاً على ذمّة الناذر فإنّ التكليف بالوفاء وجوب محض ولا يصح للمنذور له ولا للشارط مطالبة الناذر أو المشروط عليه بالوفاء إلاّ من باب الأمر بالمعروف ولكنّه لا يختص بالشارط أو المنذور له بل إجباره بالمعروف وظيفة كل مسلم ، أو أنّ هذا الوجوب وجوب حقّي يوجب استحقاق المشروط له للعمل ويصح له مطالبة المشروط عليه بما وعده وشرطه ، وأنه له إجباره لخصوصية فيه وهو كونه مستحقاً لما يطالبه به ؟

قد وقع في ذلك الخلاف بين الأصحاب بين ناف ومثبت ، وربما فصّل بين الشرط الراجع إلى مصلحة أحد المتعاقدين كخياطة ثوبه ونحوها وبين ما لا يرجع إلى مصلحتهما كاشتراط كنس المسجد ، فالتزم بجواز الإجبار في الأول دون الثاني

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المكاسب 6 : 62 .

ــ[85]ــ

كما ربما يفصل بين الشرط الذي هو كالمتعلّقات للعقد نظير اشتراط رهن المبيع عند البائع لعدم اطمئنانه بالمشتري حتى يوثق بثمنه ، وبين الشرط الأجنبي نظير الخياطة ونحوها ، ففي الأول يصح الإجبار لأنه من متعلّقات العقد والعمل به كالعمل بالعقد لازم دون الثاني .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net