هل يجوز الفسخ مع التمكّن من الاجبار ؟ - حكم تعذّر الشرط 

الكتاب : التنقيح في شرح المكاسب - الجزء الخامس : الخيارات-3   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4405


ثم إنه (قدّس سرّه) تعرّض لأمر رابع في المقام : وهو أنّ الخيار الثابت للمشروط له على تقدير عدم وفاء المشروط عليه بما التزمه على نفسه هل هو في


ــ[90]ــ

عرض الإجبار أو أنه في طوله بمعنى أنه إذ تعذّر عليه إجباره ولم يتمكّن منه تنتهي النوبة إلى الخيار وله أن يفسخ العقد حينئذ ، أو أنه مع تمكّنه من الإجبار متمكّن من الخيار أيضاً ؟ نقل عن بعضهم أنّ الخيار في طول الإجبار ، وعن العلاّمة(1) أنّ الخيار في عرضه وأنه مع تمكّنه من الإجبار يتمكّن من الفسخ ثم قوّى (قدّس سرّه) عدم ثبوت الخيار مع التمكّن من الإجبار .

وفي حاشية المكاسب من تقريرات شيخنا الاُستاذ (قدّس سرّه)(2) أنّ هذا البحث بعينه هو البحث السابق ولا اختلاف بينهما إلاّ في مجرد الألفاظ ، واحتمل هناك أن يكون تكراره سهواً من قلم شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه) وتعجّب من أنه كيف تعرّض له ثانياً .

ولا يخفى وضوح الفرق بين المسألتين ، لأنّ البحث في المسألة الاُولى إنما كان متمحّضاً في ثبوت أصل الإجبار وأنه جائز للمشروط له أو لا ، وأمّا في هذه المسألة فالبحث فيها في أنّ الخيار الثابت للمشروط له في عرض الإجبار أو في طوله فالمسألتان متغايرتان لا ربط لاحداهما بالاُخرى ، والعجب من شيخنا الاُستاذ (قدّس سرّه) أنه كيف خفي ذلك عليه مع أنه أمر واضح لا يحتاج إلى إقامة الدليل ولعلّ الاشتباه من قلمه الشريف دون قلم شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه) .

وذكر بعض المحقّقين (قدّس سرّهم)(3) أنّ أصل عنوان هذه المسألة عجيب لأنّ استحالة اجتماع الخيار مع التمكّن من الإجبار بمكان من الوضوح ، والوجه في ذلك أنّا ذكرنا أنّ الشرط ليس هو مجرد الوفاء الاختياري بل يعمّه والوفاء الاجباري

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) التذكرة 10 : 252 .

(2) منية الطالب 3 : 252 .

(3) حاشية المكاسب (الايرواني) 3 : 297 .

ــ[91]ــ

أيضاً ، ومن الظاهر أنّ الخيار إنّما يثبت في المقام بعد تعذّر الشرط ، إذ الكلام في هذا الخيار أعني خيار تعذّر الشرط ، ومع التمكّن من الإجبار لا تعذّر للشرط بل هو ممكن ومعه لا معنى للخيار . وبالجملة فرض التمكّن من الإجبار فرض عدم تعذّر الشرط الذي هو أعم من العمل الاختياري والإجباري ، وفرض عدم تعذّر الشرط فرض عدم الخيار فكيف يجتمع التمكّن من الإجبار مع الخيار .

وما أفاده (قدّس سرّه) متين لو كان المراد بالخيار في المقام خصوص خيار تعذّر الشرط ، إذ مع التمكّن من الإجبار لم يتعذّر الشرط فلم يتحقّق موضوع الخيار حينئذ ، وأمّا لو كان المراد بالخيار الأعم من تعذّر الشرط كما سيأتي فلا وجه لما أفاده  .

وبعبارة اُخرى : أنّا نلتزم بالخيار عند تعذّر الشرط ، ولكن لا من جهة خصوصية في التعذّر بل من جهة أنّه أحد الاُمور الموجبة للخيار ومصداق من مصاديق الموجب للخيار ، وحينئذ يمكن أن يثبت الخيار مع التمكّن من الإجبار لتحقّق موضوع كما سنبيّنه إن شاء الله تعالى ، وعليه فلابدّ من مراجعة مدرك الخيار لنرى أنه يثبت مع التمكّن من الإجبار أو لا يثبت ، إذ عدم إمكان اجتماعهما ليس من البديهيات حتى لا يحتاج إلى دليل .

فنقول : إن كان مدرك الخيار عند تخلّف الشرط هو الاجماع كما ذهب إليه بعضهم فلابدّ فيه من الاقتصار على المورد المتيقّن وهو صورة عدم التمكّن من الإجبار ، وأمّا معها فلا يقين بالاجماع على ثبوت الخيار حينئذ ، فلا محالة يثبت الخيار بعد عدم التمكّن من الإجبار ، وإن كان المدرك لثبوت الخيار قاعدة لا ضرر كما ذهب إليه شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه) فلا يثبت الخيار مع التمكّن من الإجبار أيضاً ، لأنه مع تمكّنه من الإجبار لا يتوجّه عليه ضرر حتّى يدفع بالخيار ، ومن هنا ذكر شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه) أنّ الخيار في طول الإجبار لا في عرضه .

ــ[92]ــ

ولكنّا ناقشنا في كون مدرك الخيار هو قاعدة لا ضرر في بحث خيار الغبن(1)فراجع .

وأمّا إذا كان المدرك للخيار عند تخلّف الشرط هو الشرط الضمني الذي اعتمدنا عليه فالخيار ثابت مع التمكّن من الإجبار ، وذلك لأنّ المشروط له قد علّق التزامه بالمعاملة على وفاء المشروط عليه بالشرط ، وقد ذكرنا أنّ الشرط لابدّ أن يكون مربوطاً بالعقد ، ولا معنى لكونه عبارة عن الالتزام في ضمن الالتزام بأن يكون العقد ظرفاً للشرط فقط بل لابدّ من أن يكون مربوطاً به ، وذكرنا أيضاً أنّ الاشتراط يوجب تعليق أصل المعاملة على التزام المشروط عليه بالشرط بحيث لولا التزامه بالفعل لا تتحقّق المعاملة أصلا ، كما أنّ التزامه بالمعاملة وقيامه عليها معلّق على وفائه بالشرط في الخارج بمعنى أنّ المشروط عليه إن لم يفِ بالتزامه في الخارج فللمشروط له أن لا يفي بالتزامه بالمعاملة .

وبعبارة اُخرى : أنّ التزام المشروط عليه بالشرط وإن كان متحقّقاً بحسب الحدوث ولذا قلنا بتحقّق المعاملة والبيع لحصول ما علّق عليه إلاّ أنه إن التزم بالشرط بحسب البقاء أيضاً فيلتزم المشروط له أيضاً بالمعاملة ، وأمّا إذا لم يلتزم المشروط عليه بالشرط بحسب البقاء فللمشروط له أن لا يفي بالتزامه بالمعاملة فيفسخها ، وعليه فالخيار يثبت للمشروط له بمجرد عدم وفاء المشروط عليه بشرطه وعدم التزامه به بقاء ، ومعنى خياره كونه متمكّناً من رفع اليد عن التزامه وقد عرفت أنه إنما يكون متمكّناً من رفع اليد عن التزامه فيما إذا لم يلتزم المشروط عليه بالشرط بحسب البقاء ، ومعه لا داعي إلى تقييده بعدم التمكّن من الإجبار لأنه كلفة زائدة .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) راجع المجلّد الثالث من هذا الكتا الصفحة 284 .

ــ[93]ــ

وبما ذكرناه ظهر أنّ الخيار في المقام في عرض الإجبار لا في طوله ، ويمكن أن يكون نظر شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه) فيما ذكره في المقام إلى ذلك حيث ذكر (قدّس سرّه) أنّ المقام لا يقاس بامتناع تسليم أحد العوضين ، لأنّ تسليم كل من العوضين إلى مالك الآخر إنّما يجب مع تسليم الآخر فإذا لم يسلم أحدهما فللآخر أن يمتنع عن التسليم ، بمعنى أنّ الالتزام بالتسليم في كل من المتبايعين مشروط بتسليم الآخر وهو ثابت لكل منهما ، وهذا بخلاف المقام لأنّ الالتزام بالعمل بالشرط إنما هو من أحدهما لا من كليهما فإذا لم يفِ بما التزمه فللمشروط له أن لا يفي بالتزامه ، وليس للمشروط عليه الامتناع من الوفاء حتى يفي الآخر بالتزامه كما في مسألة التسليم إذ الالتزام ليس من الطرفين في المقام .

وقد ذكر المحقّق المتقدّم هنا أنّ هذا الكلام من الشيخ (قدّس سرّه) يشبه كلام الأطفال في مقام اللجاج حيث يقول أحدهما للآخر إن لم تعطني لا أعطيك ، وبما ذكرناه عرفت أنّ الأمر ليس كذلك وأنّ هذا الكلام منه (قدّس سرّه) كلام متين ولا يشبه كلام الأطفال ، لأنّ المشروط له قد علّق التزامه بالمعاملة على وفاء المشروط عليه بالتزامه فإذا لم يفِ بما التزمه فلا يجب على المشروط له البقاء على التزامه ، فما أفاده العلاّمة (قدّس سرّه) من أنّ الخيار في عرض التمكّن من الإجبار هو الصحيح .

ثم إنه (قدّس سرّه)(1) ذكر في المقام أمراً خامساً وهو أنه إذا تعذّر الشرط في الخارج من جهة عروض عمىً على من التزم بالخياطة أو شلل ونحوهما فلا يثبت للمشروط له إلاّ الخيار وله أن يفسخ المعاملة حينئذ ، ولا يثبت له الأرش بأن يطالب المشروط عليه بما به التفاوت بين قيمة الشيء مع الشرط كالخياطة وقيمته بدونه .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المكاسب 6 : 73 .

ــ[94]ــ

وربما يقال بثبوت الأرش في موارد تعذّر الشرط لتفاوت قيمة المبيع مع الاشتراط وقيمته بدونه . وثالثاً يفصّل بين الشروط التي تقابل في نفسها بالمال كاشتراط خياطة الثوب لأنّ لها قيمة في نفسها واشتراط مال العبد في شرائه فيلتزم فيها بالأرش عند تخلّفها وتعذّرها ، وبين شرط الأوصاف ممّا لا يقابل بالمال في نفسه وإنما يوجب زيادة قيمة المشروط نظير اشتراط القدرة على الكتابة في العبد أو القدرة على الطبخ وغيرهما من الأوصاف الكمالية الموجبة لاختلاف قيمة الموصوف فيلتزم بعدم الأرش فيها.

ولا يخفى عليك أنّ الشروط سواء كانت من شرط الأوصاف أو غيرها ممّا لا يقابل بالمال في المعاملات ولا يقع شيء من الثمن في مقابلها بل الثمن بتمامه يقع في مقابل ذات المبيع ، وعليه فلا وجه للأرش ومطالبة ما يختصّ بها من القيمة مطلقاً وإنما التزمنا بالأرش في خيار العيب من جهة النصوص لا من جهة مطابقته للقاعدة  ، وقد أصرّ السيد (قدّس سرّه) في حاشيته(1) على ثبوت الأرش في تخلّف الشروط بدعوى أنها وإن لم تقابل بالمال في مقام الانشاء وعالم الظاهر إلاّ أنها تقابل بها في عالم اللبّ والواقع ، وقد تقدّم ذلك في بحث خيار العيب(2) وبه أثبت (قدّس سرّه) كون الأرش على وفق القاعدة ، وأجبنا عنه هناك بأنّ المعاملات ممّا ليس له عالمان ظاهر وواقع وصورة ولبّ بل صورتها لبّها ولبّها صورتها ، لأنها ليست إلاّ اعتبارات نفسانية مبرزة بمبرز في الخارج وهي إمّا موجودة أو معدومة ولا معنى لثبوتها لبّاً دون صورة ، وعليه فلا يثبت للمشروط له عند تخلّف الشروط وتعذّرها إلاّ الخيار دون الأرش كما عرفت .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) حاشية المكاسب (اليزدي) : 130 مبحث الشروط .

(2) في المجلّد الرابع من هذا الكتاب الصفحة 348 ـ 349 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net