الكلام في صحّة بيع المشروط عليه مع تعذّر الشرط 

الكتاب : التنقيح في شرح المكاسب - الجزء الخامس : الخيارات-3   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 5529


الجهة الثانية : أنّ الشرط إذا تعذّر وخرجت العين عن ملك المشروط عليه بعقد آخر مناف لمقتضى الشرط كما إذا اشترط عليه بيعه من زيد وهو باعه من عمرو ، أو اشترط عليه وقفه وهو باعه وهكذا ممّا يكون منافياً للاشتراط ، فهل العقد الواقع على المال صحيح حينئذ مع أنه مخالف لمقتضى الشرط أو أنه باطل ، أو


ــ[96]ــ

يفصّل فيه بين ما إذا قلنا بأنّ الاشتراط لا يقتضي إلاّ مجرد حكم تكليفي محض أعني وجوب الوفاء بالشرط فقط من دون أن يوجد ذلك حقّاً للمشروط له على المشروط عليه ، أو أنكرنا وجوب الوفاء بالشرط أصلا كما ذهب إليه الشهيد (قدّس سرّه)(1) فضلا عن كونه موجباً للحق ، وبين ما إذا قلنا بأنّ الشرط يقتضي حقاً للمشروط له على المشروط عليه فنلتزم في الأول بصحة العقد الصادر من المشروط عليه الذي هو مخالف لمقتضى العقد ، لأنه لا يستلزم حينئذ إلاّ مجرد المخالفة للحكم الشرعي بوجوب الوفاء وأمّا عقده فصحيح ، ونلتزم في الثاني بالبطلان إذا لم يسبقه الاذن من المشروط له ولم تلحقه إجازة منه لأنه حينئذ بيع شيء تعلّق عليه حق الغير وبيعه باطل ، وأمّا إذا سبقه إذنه أو لحقته إجازته فالعقد أيضاً صحيح ، وهذا هو الذي ذهب إليه شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه) .

وربما يفصل في المقام بتفصيل آخر وهو التفصيل بين سبقه بالاذن من المشروط له فالعقد يصح وبين لحوقه باجازته أي المشروط له فيبطل ، بدعوى أنّ العقد إذا سبقه إذن من له الحق فقد وقع صحيحاً عند إسناده إلى العاقد ، وأمّا إذا وقع بلا إذنه حين إسناده إلى عاقده ثم لحقته الاجازة فلا محالة يقع فاسداً ، لأنه عقد واحد شخصي قد حكم عليه بالبطلان حين صدوره من العاقد فكيف ينقلب إلى الصحة بالاضافة إلى نفس ذلك العاقد بعد ذلك ، والعقد باستمرار الزمان لا يكون متعدّداً .

وقد تقدّم(2) هذا التفصيل من الشيخ أسد الله التستري في بيع الفضولي حيث فصّل في تصحيح العقد الأول بالاجازة المتأخّرة بين العقد الفضولي المصطلح أعني

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الروضة البهيّة 3 : 506 ، الدروس 3 : 216 .

(2) لاحظ المجلّد الثاني من هذا الكتاب الصفحة 14 وما بعدها .

ــ[97]ــ

ما إذا كان العاقد غير من ينسب إليه العقد بالاجازة ، وبين مثل تزويج بنت اُخت الزوجة أو بنت أخي الزوجة ممّا يكون العاقد الفضولي فيه هو المنتسب إليه العقد بالاجازة ، فالتزم في مثل ذلك بصحة العقد المذكور فيما إذا سبقه الإذن من الزوجة وبالبطلان فيما إذا لم يسبقه الإذن ، سواء لحقته الاجازة أم لم تلحقه ، وذلك من جهة أنّ العقد حين صدوره من العاقد إذا حكم عليه بالبطلان لعدم اشتماله على شرط صحته فلا يمكن أن ينقلب إلى الصحة بالاجازة المتأخّرة بالاضافة إلى ذلك العاقد  ، لأنه عقد واحد قد حكم بالفساد بالاضافة إلى العاقد فلا يتّصف بالصحة بالاضافة إليه أبداً ، والعقد الواحد لا يتعدّد بحسب الأزمنة ، وهذا بخلاف الاجازة في الفضولي المصطلح لأنّ العقد وإن اتّصف بالبطلان بالاضافة إلى العاقد إلاّ أنه لا مانع من اتّصافه بالصحة بالاضافة إلى المالك إذا أجاز ، لأنه لم ينسب إليه قبل إجازته ليحكم بصحته له أو بفساده ، بل ينسب إليه باجازته ويحكم بصحته له من حين الانتساب .

هذا ما فصّله الشيخ أسد الله التستري هناك ، والتفصيل المذكور في المقام هو عين هذا التفصيل الذي نقلناه عن الشيخ المذكور ، وقد أجبنا عمّا فصّله الشيخ المتقدّم هناك بوجوه منها : أنّ مقتضى الأخبار(1) الواردة في صحة تزويج العبد بدون إذن مولاه إذا أجازه بعد تزويجه معلّلا بأنه لم يعص الله وإنما عصى سيّده ، عدم الفرق في صحة العقد الصادر فضولياً بالاجازة المتأخّرة بين الفضولي المصطلح وتزوّج بنت اُخت الزوجة أو بنت أخيها ، وذلك لأنّ الأخبار المذكورة تعطي ضابطة كلّية في صحة العقد الفضولي بالاجازة المتأخّرة ، وهي أنّ العقد الصادر الفضولي إن كان معصية وضعية لله تعالى فهو باطل ولا ينقلب إلى الجواز ، وأمّا إذا لم

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 21 : 114 / أبواب نكاح العبيد والاماء ب24 ح1 .

ــ[98]ــ

يكن معصية لله تعالى فتصح بالاجازة المتأخّرة لأنه كان معصية ومخالفة لذلك المجيز فإذا رضي به وأجازه جاز ، وفي العقد المذكور أيضاً إذا رضيت الزوجة وأجازت عقد بنت أخيها أو بنت اُختها جاز ، لأنه لم يكن معصية لله تعالى وإنما كان معصية للزوجة ومخالفاً لحقّها فإذا جازت جاز فهذا التفصيل ساقط ، وأمّا دعوى البطلان مطلقاً فلعلّها من جهة أنّ العقد حينئذ منهي عنه لأنه مناف للوفاء بالشرط الواجب والنهي في المعاملات يوجب الفساد .

ويرد عليه وجوه الأول : أنه ليس في المقام نهي مولوي شرعي عن بيع المشروط عليه ماله من غير من اشترط بيعه منه ، إذ لم يرد عنه نهي وإنما اُمر ببيعه ممّن اشترط بيعه منه وهو لا يقتضي النهي عن بيعه من غيره إلاّ على القول بأنّ الأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضدّه وهو ممنوع .

الثاني : هب أنّ بيعه من غير من اشترط بيعه منه مورد للنهي ولو من جهة اقتضاء الأمر بالشيء للنهي عن ضدّه إلاّ أنّا ذكرنا في محله(1) أنّ النهي في المعاملات لا يقتضي فسادها مطلقاً سواء تعلّق بالسبب أو بالمسبّب أو بالتسبّب .

والثالث : أنّا لو سلّمنا أنّ العقد المذكور منهي عنه شرعاً وسلّمنا أنّ النهي في المعاملات يوجب الفساد ولكنه لا يلزم منه الالتزام بفساد العقد المذكور مطلقاً لأنه إذا رضي به المشروط له إذناً أو اجازة فلا محالة يرتفع النهي عنه ، إذ النهي ليس إلاّ من جهة حق المشروط له وليس نهياً ذاتياً فإذا أسقط حقّه ارتفع النهي ، فدعوى البطلان مطلقاً لا يرجع إلى وجه صحيح .

ومن ذلك يظهر أنّ التفصيل بين كون الوجوب تكليفياً محضاً أو كونه حقيّاً كما ذهب إليه شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه) لا يمكن المساعدة عليه ، لأنّ الوفاء بالشرط

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) محاضرات في اُصول الفقه 4 (موسوعة الإمام الخوئي 46) : 164 فما بعدها .

ــ[99]ــ

ولو قلنا إنه من جهة ثبوت الحق للمشروط له على المشروط عليه إلاّ أنّ هذا الحق لا يتعلّق بالمال والعين وإنما يتعلّق على العقد فلا يكون بيعه بيعاً لمتعلّق حق الغير وليس المقام من قبيل بيع العين المرهونة التي تعلّق عليها حق الغير سيّما مع ملاحظة أنّ الخيار مستقل في المقام ، فلا وجه للتفصيل بين الصورتين إذ في كليهما يكون بيعه مضادّاً لما يجب عليه الوفاء به تكليفاً أو حقّياً وبذلك يثبت للمشروط له الخيار من دون أن يستلزم بطلان العقد أبداً ، فالصحيح هو الالتزام بصحة العقد الصادر من المشروط عليه مطلقاً ، ويشمله عمومات حلّ البيع والوفاء بالعقود ولكن للمشروط له الخيار ولا وجه للبطلان .

ثم لو قلنا ببطلان العقد الصادر من المشروط عليه فيخرج ذلك عن محل الكلام ، لأنّ البحث في تعذّر الشرط ببيع المشروط عليه من غير من اشترط بيعه منه مثلا ، فإذا فرضنا أنّ بيعه باطل والعين لم ينتقل من ملكه فالشرط غير متعذّر لأنه يتمكّن من أن يبيعه ممّن اشترط بيعه منه حينئذ والكلام في تعذّر الشرط وهذا بخلاف ما إذا قلنا بصحة العقد من المشروط عليه لأنه حينئذ يكون داخلا في تعذّر الشرط الذي هو محل الكلام في الجهة الخامسة في عنوان كلام شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه) إلاّ أنه إذا كان المشروط عليه متمكّناً من العمل بالشرط بفسخ عقده لجوازه أو بشرائه منه ثانياً ، وجب عليه ذلك واُلزم عليه بمقتضى الاشتراط ، فيفسخ عقده إن تمكّن أو يشتريه ممّن باعه منه ثانياً ويصرفه في محله .

وهذه الصورة لابدّ من إخراجها عن محل الكلام وفرض البحث فيما إذا لم يتمكّن المشروط عليه من إرجاع العين إلى ملكه ولو بالشراء حتى يتعذّر عليه الشرط ، فإذا كان الأمر كذلك وقلنا بصحة بيعه فقد تعذّر عليه الشرط ويثبت للمشروط له الخيار فهو إن أمضى عقده أي عقد نفسه فهو ولا كلام ، وأمّا إذا فسخ عقده فهل يرجع إلى بدل عينه أو يرجع إلى نفسها بفسخ العقد الواقع عليها من

ــ[100]ــ

أصله أو من حين الفسخ ؟

وجوه قدّمنا صحيحها ولا مزية له على ما تقدّم إلاّ في أنّ العلاّمة (قدّس سرّه)(1) ذكر في هذه المسألة أنه إذا فسخ المشروط له يرجع بنفس عينه بانفساخ العقد الواقع عليها من المشروط عليه إلاّ فيما إذا كان الواقع عليها هو العتق فإنه حينئذ يرجع بقيمتها لا نفسها بفسخ العتق ، لأنّ العتق مبني على التغليب .

وهذا الكلام من العلاّمة (قدّس سرّه) ممّا لم يفهم له معنى محصّلا أبداً ، لأنّ معنى بناء العتق على التغليب هو أنّ العبد إذا اُعتق منه جزء يسري الحرية إلى جميع أجزائه ومنه ضمان أحد الشريكين لحصة شريكه في العبد إذا اُعتق نصفه أي حصة نفسه ، ولكنّه لمّا كان سبباً لحرية نصفه الآخر أيضاً يضمن لشريكه قيمة ذلك النصف وهذا معنى غلبة الحرية والعتق ، لا أنّ معناه أنه إذا أعتق ملك الغير يكون هذا موجباً لحريته والمفروض أنّ فسخ المشروط له يكشف عن أنّ عتق المشروط عليه وقع في غير ملكه فيبطل .

فالصحيح ما ذكرناه من صحة العقد مطلقاً وللمشروط له الخيار وأنه إذا فسخ يرجع ببدل العين مطلقاً ، لأنّ العقد الصادر من المشروط عليه صدر من أهله ووقع في محله ولا وجه لبطلانه . بقيت هناك مسألة أنّ الخيار لا يسقط بالتصرف في العين ونتعرّض لها في العنوان الآتي إن شاء الله تعالى .
ــــــــــــــــ

(1) التذكرة 10 : 270 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net