حكم تصرّف غير ذي الخيار بالاجارة 

الكتاب : التنقيح في شرح المكاسب - الجزء الخامس : الخيارات-3   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4635


الأمر الرابع : إذا قلنا بجواز التصرّف في زمان الخيار لغير ذي الخيار وقد تصرّف من عليه الخيار في المال باجارته من ثالث ثمّ فسخ ذو الخيار فهل فسخه ذلك يوجب انفساخ الاجارة من جهة أنّ صحّتها تمنع عن دفع العين إلى المالك


ــ[186]ــ

الفاسخ فالاجارة منافية للفسخ ، أو أنّه لا يوجب الانفساخ بل ترجع نفس العين إلى مالكها مسلوبة المنافع ، مع أنّه على خلاف مقتضى الفسخ فإنّ قانون الفسخ يقتضي رجوع كلّ من العوضين إلى ملك مالكهما على نحو خرجا عن ملكهما والمالان خرجا عن ملكهما واجدين للمنافع ، لأنّ المالك حين دفعها إلى المشتري قد دفعها إليه من المنافع فكيف ترجع إليه مسلوبة المنافع .

ثمّ إنّه على تقدير رجوعها إليه مسلوبة المنافع هل يضمن المشتري أي الموجر بدل المنافع الفائتة عن المالك ويجب عليه ردّه إلى المالك أو لا ؟

ذكر شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه)(1) في المقام احتمالين واقتصر عليه ولم يذكر شيئاً آخر .

ولكن الظاهر كما ذكره شيخنا الاُستاذ (قدّس سرّه)(2) أنّ الاحتمال الثالث وهو رجوع العين إلى مالكها مسلوبة المنافع من دون وجوب ردّ بدل منافعها إلى المالك ساقط ولم يحتمله أحد وإلاّ لجاز ذلك في جميع موارد الخيار حتّى في بيع الخيار فيوجر العين خمسين سنة ويعتذر عند فسخ المالك بأنّ المنافع تلفت ولا يجب عليّ بدلها وعليه فالأمر يدور بين الاحتمالين الأوّلين فإمّا أن يقال إن فسخ ذي الخيار يوجب انفساخ الاجارة كما نسب إلى المحقّق القمّي (قدّس سرّه)(3) أو يقال برجوع العين إلى مالكها مسلوبة المنافع مع وجوب ردّ بدلها إليه جمعاً بين الحقّين .

وكيف كان ، إذا آجر غير ذي الخيار ما انتقل إليه ثمّ تعقّبت بفسخ من له الخيار فهل هذا يكشف عن بطلان الاجارة وكأنّها كالعقد الفضولي يتوقّف على

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المكاسب 6 : 155 .

(2) منية الطالب 3 : 320 .

(3) جامع الشتات 3 : 432 .

ــ[187]ــ

إجازة المالك للبيع ، أو أنّها وقعت صحيحة لصدورها من المالك غاية الأمر أنّ الفسخ يوجب ردّ بدل المنافع المستوفاة بالاجارة إلى البائع ؟

ذهب المحقّق القمّي (قدّس سرّه) في أجوبة مسائله إلى أنّ فسخ البائع مثلا يكشف عن عدم تملّك المشتري للمنافع وبما أنّه آجر ما ليس يملكه فلا محالة تقع الاجارة أيضاً باطلة .

واختار شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه) ما ذهب إليه المشهور من صحّة الاجارة لصدورها من مالك المال وملكيته مطلقة مستعدّة للبقاء والدوام ، ومعها لا وجه لبطلان الاجارة أبداً(1) ولا يقاس المقام بباب الوقف للبطون فإنّ البطن الأول وإن لم يتمكّن من إجارة العين الموقوفة إلى الأبد فإنّها تبطل بموته إلاّ أنّه من

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) والظاهر أنّ في عبارة شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه) سقطاً حيث إنّه بعد ما عنون المسألة بقوله : هل يجوز إجارة العين في زمان الخيار بدون إذن ذي الخيار ؟ فيه وجهان من كونه ملكاً له ، ومن إبطال هذا التصرف لتسلّط الفاسخ على أخذ العين ، قال : ولو آجره من ذي الخيار أو بإذنه ففسخ لم تبطل الاجارة وعلّله بقوله : لأنّ المشتري ملك العين إلى آخر ما أفاده . ومن الظاهر أنّ هذه التعليلات لا تناسب صحّة الاجارة من ذي الخيار أو بإذنه بل هي علّة لصحّة الاجارة من غير ذي الخيار بدون إذن ذي الخيار فكأنّ هناك سقطاً
والصحيح أن تكون العبارة قبل هذا التعليل هكذا : وعلى القسم الأوّل ـ أعني الاجارة من غير إذن ذي الخيار فإنّه ذكر قسمين حينئذ أحدهما اجارته من غير اجازة ذي الخيار وثانيهما إجارته منه أو بإذنه ـ الظاهر هو الصحّة لأنّ المشتري ملك العين ملكية مطلقة الخ . مضافاً إلى أنّ مخالفة المحقّق القمّي وذهابه إلى بطلان الاجارة بالفسخ مختصّ بما إذا آجره بدون إذن ذي الخيار وأمّا فيما إذا آجره منه أو بإذنه فهو قائل بصحّة الاجارة فلا وجه لنقل خلافه فيما إذا آجره منه أو بإذنه ، وهذه أيضاً قرينة على أنّ كلامه بعد التعليل إلى آخره راجع إلى القسم الأوّل .

ــ[188]ــ

جهة عدم المقتضي لاجارته فإنّه لم يتملّكه إلاّ موقتاً إلى مماته ، وملكية المنافع تابعة لملكية الأعيان فلا محالة كانت ملكية المنافع أيضاً موقتة بالموت فلا تصحّ إجارته إلى الأبد .

وأمّا في المقام فقد عرفت أنّ الملكية مطلقة ومستعدّة للدوام والبقاء وله أن يتصرّف في المال ما يشاء فلا تبطل إجارته بالفسخ ، ومن هنا لو اشترى مالا فآجره ثمّ تعقّبه التفاسخ بينهما لا يكون ذلك كاشفاً عن بطلان الاجارة بل لم يحتمله أحد ، وليس هذا إلاّ من جهة أنّ صحّة الاجارة تتوقّف على ملكية المال آناً ما قبلها والمفروض أنّ المال ملك الموجر قبل إجارته فتقع الاجارة صحيحة .

وهذه المسألة مبتنية على ما تقدّم وحاصله : أنّ جعل الخيار في معاملة معناه تحديد الملكية بالفسخ ، إذ لا يعقل جعل الملكية المطلقة للمشتري مع جعل ملكيته لنفسه إذا فسخه فإنّهما من اجتماع المتضادّين ، وفي المقام أيضاً البائع إنّما ملك المال للمشتري موقتاً ومحدوداً بفسخه على نحو القضية الحقيقية (لعدم معلومية أصل الفسخ ولا زمانه) فالملك بعد الفسخ ملك للبائع الفاسخ ، ومن الظاهر أنّ ملكية المنافع تابعة لملكية المال فلا محالة تكون منافع المال في المقام بعد الفسخ راجعة إلى البائع أيضاً ، والمفروض أنّ المشتري قد استوفى جميع منافع المال بالاجارة فتكون إجارته واقعة على ملك الغير لا محالة فتقع باطلة بفسخ البائع لا محالة ، فما أفاده المحقّق القمّي (قدّس سرّه) من أنّ فسخ البائع يكشف عن عدم كون المنافع مملوكة للمشتري في غاية المتانة .

وعليه فيكون المقام نظير ملكية البطن الأول في الوقف فكما أنّ ملكيته للعين ومنافعها محدودة إلى مماته وتقع إجارته بأزيد من ذلك باطلة ، فكذلك الحال في المقام إذ المفروض أنّ المشتري لم يتملّك العين ولا منافعها إلاّ إلى زمان فسخ البائع فاجارته العين بأكثر من ذلك تقع باطلة لا محالة .

ــ[189]ــ

ولا وجه لقياس المقام بالتفاسخ فإنّ التفاسخ والموت والبيع ونحوها وإن كانت غاية للملكية أيضاً فإنّ المشتري إنّما يتملّك المال مقيّداً بعدم بيعه أو بعدم طروّ التفاسخ عليه لا على نحو الاطلاق وإلاّ للزم اجتماع المتضادّين بعد بيعه أو التفاسخ إلاّ أنّ الفرق بين التفاسخ والفسخ في أنّ التفاسخ يترتّب على ملكية المشتري للمال ومن شؤون سلطنته عليه ولأجلها يتمكّن من التفاسخ أو البيع وإلاّ فلا قدرة لغير المالك على شيء منهما ، وهذا بخلاف الفسخ فإنّه ليس ناشئاً عن سلطنة المشتري على المال وإنّما هو يقع قهراً عليه لأنّه حدّ لمالكيته وسلطنته ، فحال التفاسخ حال الوكيل المفوّض المتمكّن من توكيل شخص آخر ولو على نحو يمكنه عزل ذلك الوكيل الأول فإنّ هذا التوكيل والعزل من شؤون وكالة الوكيل الأوّل ، وعليه فالمشتري عند التفاسخ مسلّط على المال وله سلطنة التصرّف في المال ومنافعه ولو كانت تلك السلطنة مغيّاة بالتفاسخ ونحوه ، وذلك نظير السلطنة الخارجية فترى أنّ أحداً له رئاسة الجمهور أو مقاماً آخر ولكنّها موقتة بأربعة سنوات ، وترى رئيساً آخر له الرئاسة على نحو الاطلاق حتّى أنّه يتمكّن من نقلها إلى ابنه ، فإنّ سلطنته حينئذ ولو كانت بالأخرة مقيّدة بعدم جعلها لابنه وإلاّ فمع نقلها إليه لا تبقى سلطنته ولا تجتمع سلطنته مع سلطنة ابنه ، إلاّ أنّ خلع تلك السلطنة وجعلها لابنه من شؤون سلطنته وليس نقلها إلى ابنه نظير انتهاء أمد السلطنة المقيّدة بأربعة سنوات .

وكيف كان ، فللمشتري في التفاسخ سلطنة مطلقة غير مقيّدة بشيء قهري كما في الفسخ وله أن يتصرّف فيه على أي وجه أراد ، فإذا آجر ماله ثمّ تفاسخا فلا يكون ذلك كاشفاً عن بطلان إجارته لوقوعها في ملكه وسلطنته كما عرفت ، وما أشبه المقام بالموت فإنّ ملكية المالك للمال مقيّدة بعدم الموت لا محالة إلاّ أنّه إذا آجر داره مدّة مديدة كخمسين سنة ثمّ مات فهل تقع إجارته هذه باطلة أو أنّها صحيحة من جهة إطلاق سلطنته عليه ، وليس للورثة دعوى بطلان الاجارة بعد صدورها

ــ[190]ــ

عن المالك المسلّط على إجارة ماله .

وعليه فالاجارة فيما إذا تعقّبها الفسخ بالخيار تقع باطلة لوقوعها في ملك غيره ، ولعلّه إلى ذلك نظر المحقّق القمّي (قدّس سرّه) في ذهابه إلى بطلان الاجارة وإن لم يصرّح بما ذكرناه ، هذا كلّه فيما إذا وقعت الاجارة من دون إذن البائع أو غيره ممّن له الخيار.

وأمّا إذا أذن من له الخيار في إجارة المال المنتقل إلى من ليس له الخيار ، فلا ينبغي الإشكال في عدم بطلان الاجارة حينئذ ، فإنّ بطلانها على تقدير القول به إنّما كان مستنداً إلى حقّ ذي الخيار وبعد إذنه لا يبقى مانع عن صحّة الاجارة كما هو ظاهر .

إلاّ أنّ الكلام في أنّ مجرد إذنه في الاجارة وإن لم يؤجر المشتري في الخارج يوجب سقوط خياره ، أو أنّ المسقط لخياره إنّما هو الاجارة في الخارج نظير إذن المرتهن في بيع مال الرهانة فإنّ مجرّد الإذن لا يسقط حقّ المرتهن وإنّما المسقط هو البيع الخارجي ولذا يتمكّن من أن يرجع في إذنه قبل وقوع البيع خارجاً ؟

ذكر شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه)(1) أنّه إذا أذن البائع في الاجارة ثمّ وقعت الاجارة في الخارج فلا محالة يكون هذا موجباً لسقوط خياره ، إمّا لدلالة الإذن على الالتزام بالعقد عرفاً ، وإمّا لأنّ التصرف تفويت لمحل هذا الحق ، وأمّا إذا أذن في الاجارة ولكنّها لم تتحقّق في الخارج بعدُ فهو بمجرده لا يكون مسقطاً لخياره كما في إذن المرتهن فإنّ المسقط هو العمل في الخارج ، ثمّ بعد ذلك اختار كفاية مجرد الإذن في سقوط الخيار بدعوى أنّه يكشف عن رضاه بالعقد وأيّده برواية السكوني(2)

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المكاسب 6 : 157 .

(2) الوسائل 18 : 25 / أبواب الخيار ب12 ح1 .

ــ[191]ــ

الواردة في أنّ عرض الشيء على البيع التزام بالمعاملة وقد قاسه بتقبيل المشتري للجارية في أنّ التقبيل كما يكفي في سقوط الخيار لكشفه عن رضا المقبّل بالبيع فكذلك الإذن يكشف عن رضا الآذن في سقوط خياره .

والعجب من شيخنا الاُستاذ (قدّس سرّه)(1) حيث نسب إلى شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه) القول بعدم كفاية مجرد الإذن في سقوط الخيار مع أنّ كلامه أخيراً صريح في كفايته في السقوط ، نعم في أوائل كلماته ذهب إلى عدم الكفاية .

وكيف كان ، إذا أذن البائع للمشتري في إجارة المبيع فعلى مسلكنا من أنّ الملكية محدودة في موارد الخيار بالفسخ إن كان إذنه متعلّقاً بأن يؤجره المشتري لنفسه فلا محالة يكون الإذن موجباً لسقوط خياره ، وذلك لأنّه لا معنى لإذن المالك في إجارة ملك الغير لنفس المشتري ، إذ المفروض أنّ المال بعد الفسخ ملك للبائع لا للمشتري فكيف يؤجره لنفسه بعد الفسخ أيضاً ، فالدلالة العقلية قائمة على أنّ البائع جعل ملكية المشتري مطلقة باسقاط خياره وبعد ما صار المال ملكه فلا محالة تصحّ إجارته.

وأمّا إذا أذن في إجارة المال من غير تقييد بكونها للمشتري فهي لا تكشف عن إسقاطه الخيار ، لأنّه أذن في الاجارة التي تقتضيها القاعدة ، ومقتضى القاعدة أنّ ملكية المنافع تابعة لملكية الأعيان وحيث إنّ المال قبل الفسخ ملك للمشتري ومنافعه له ، فالاجارة في مقابل تلك المنافع تصحّ عن المشتري ، وبما أنّه بعد الفسخ ملك للبائع ومنافعه له فتصحّ الاجارة بعد الفسخ للبائع ، وليس في هذا الإذن دلالة على إسقاط الخيار . نعم ثمرة هذا الإذن عدم وقوع الاجارة بعد الفسخ فضولية عن البائع ، هذا كلّه بناءً على مسلكنا .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) لاحظ منية الطالب 3 : 321 .

ــ[192]ــ

والمتحصّل على ما سلكناه : أنّ ذا الخيار إذا أذن في إجارة المال للمشتري من ثالث فلا محالة يكون هذا إسقاطاً لخيار نفسه بجعل ملكية المشتري مطلقة ، وذلك لأنّ صحّة الاجارة تابعة لتملّك عين المال فإنّ تملّك المنافع من دون تملّك العين في الموجر غير ممكن ، فالإذن في تمليك المنفعة معناه كون المشتري مالكاً للمال إلى الأبد ولولاه لما تصحّ إجارته ، وأمّا بناءً على ما سلكه شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه) والمشهور من كون ملك المشتري مطلقاً فقد عرفت أنّه (قدّس سرّه) منع أوّلا عن دلالة الإذن الساذج على سقوط الخيار ثمّ قوّى سقوطه به بدعوى أنّه يكشف عن رضاه بالعقد وأنّه ليس بأدون من تقبيل المشتري في بيع الجارية ، وأيّده برواية السكوني الدالّة على أنّ عرض المبيع للبيع رضىً بالبيع .

ولا يخفى أنّه لا وجه لسقوط الخيار بالإذن في الاجارة حينئذ على مسلكهم لأنّه نظير إذن المرتهن في بيع العين المرهونة والمشتري مالك للمبيع ولا تتوقّف إجارته على ملكه كما على مسلكنا حتّى يدّعى أنّ الإذن معناه جعل ملك المشتري مطلقاً ، فإنّ الإذن في الاجارة حينئذ إذن فيما تقتضيه القاعدة فلا يكشف عن سقوط الخيار بوجه . بل يمكن دعوى دلالة إذن المرتهن على إسقاط حقّه بأنّ الراهن لم يكن له بيع العين المرهونة فالإذن فيما ليس له كاشف عن أنّه أسقط حقّه وبه صار الراهن متمكّناً من بيع العين ، وهذا بخلاف المقام فإنّ المشتري متمكّن من إجارة العين كما ذكره شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه) ولو بدون إذن ذي الخيار ، فالإذن في مثله لا يكشف عن شيء لأنّه إذن في شيء تقتضيه القاعدة ، هذا كلّه في الإذن الساذج .

وأمّا الإذن المتعقّب بالتصرف فهل يكون مثله موجباً لسقوط الخيار أو لا ؟ ذكر شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه)(1) أنّه يوجب السقوط واستند فيه إلى وجهين :

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المكاسب 6 : 157 .

ــ[193]ــ

أحدهما دلالة الإذن على إسقاط الخيار عند العرف ، ثمّ ناقش فيه . وثانيهما أنّ التصرف الواقع تفويت لمحلّ هذا الحقّ وهي العين بإذن صاحبه ، هذا .

ويمكن المناقشة فيما أفاده (قدّس سرّه) : بأنّ كون الإذن من ذي الخيار كاشفاً عن إسقاط الخيار عند العرف لا يكون بلا سبب ، فلابدّ من أن تكون الاستفادة المذكورة عرفاً مستندة إمّا إلى دلالة الإذن في الاجارة على إسقاط الخيار بالمطابقة وإمّا إلى دلالته على إسقاطه بالالتزام .

أمّا دلالة الإذن على إسقاط الخيار بالمطابقة فهي معلومة العدم ، لوضوح أنّ معنى أذنت لك في الاجارة ليس هو إسقاط الخيار.

وأمّا دلالته عليه بالالتزام فهي أيضاً منتفية ، لأنّ الإذن في الاجارة حينئذ لم يوجب زيادة على ما كان ثابتاً بطبعه وفي نفسه ، إذ المفروض بناءً على ما اختاره شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه) من نفوذ تصرفات المشتري في المال بدون إذن ذي الخيار جواز الاجارة للمشتري ونفوذها منه على حسب القاعدة ، لما أفاده شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه) من أنّه مالك للمال ملكية مستمرّة مطلقة ما لم يطرأ عليها فسخ ، فتكون إجارته صحيحة وواقعة في ملكه وهي نافذة ، فصحّة الاجارة ونفوذها ثبتا بطبعهما وفي نفسهما مع قطع النظر عن إذن ذي الخيار كما هو مختاره (قدّس سرّه) فالإذن حينئذ في الاجارة إذن فيما هو ثابت في نفسه وبطبعه ، فهل يكون الإذن فيما هو ثابت موجباً لسقوط الخيار ، مثلا إذا اشترى أحد ثوباً وقال له البائع البسه فهل يكون إذن البائع في لبسه موجباً لسقوط خيار البائع لو كان ، فإنّ الإذن لم يثبت شيئاً زائداً على ما ثبت في نفسه ، فلا دلالة فيه على سقوط الخيار .

ومن هنا يظهر أنّ ذا الخيار لو أذن للمشتري في غير الاجارة من التصرّفات المعدمة للمال حقيقة أو حكماً كالأكل والبيع لا يكون هذا موجباً لسقوط خياره على مسلكنا من تحديد الملكية بالفسخ ، لأنّ البيع والأكل وغيرهما من التصرّفات كانت

ــ[194]ــ

ثابتة في نفسها وجائزة في طبعها لصدورها ممّن له سلطنة واختيار ، والإذن في مثله لا يوجب تحقّق شيء زائد على ما كان ثابتاً في نفسه ، نعم إنّما اخترنا الاسقاط في الاجارة لنفسه من جهة أنّها تتبع الملك ولولاه لما يعقل صحّة الاجارة ، ولذا قلنا إنّ الإذن في الاجارة لنفسه معناه جعل ملكية المشتري مطلقة وغير مقيّدة بالفسخ ليكون مالكاً للمال مطلقاً وتصحّ إجارته لوقوعها في ملكه .

وكذا الحال في إذنه في الاجارة من الأجنبي على مسلك الشيخ والمعروف فإنّ الاجارة على مسلكهم كسائر التصرفات المُعدمة للمال على مسلكنا في أنّها صحيحة ونافذة فلا يكون الإذن في مثله موجباً للفسخ ولاسقاط الخيار ، نعم لو أذن لثالث في إجارة المال يكون هذا موجباً أي كاشفاً عن الفسخ ، إذ لا معنى لتجويز تصرّف غير المالك فالإذن يثبت لشيء زائد . وأمّا سقوطه في مثل تقبيل الجارية ولمسها فهو وإن كان كذلك إلاّ أنّه ليس من جهة دلالته على الرضا بالمعاملة ، فإنّ التقبيل واللمس بل الوطء لا يكشف عن الرضا ولا يمنع عن الفسخ فإنّه ربما يقصد الردّ بعد وطئها ، بل الوجه في سقوط الخيار بمثله إنّما هو النصّ(1) الدالّ على مانعية التقبيل أو الوطء من الردّ .

والمتحصّل : أنّه على مسلك المشهور لا يكون إذن ذي الخيار في الاجارة ملازماً لاسقاط خياره كما لا يكون ملازماً معه في الإذن في التصرفات الناقلة ، إذ لا مانع من تجويزها بقصد الفسخ بعدها والرجوع إلى بدلها كما لا يخفى .

والمتحصّل : أنّ في المقام جهات للكلام :

الاُولى : في صحّة إجارة من ليس له الخيار ، فقد عرفت أنّ الفسخ عندنا كاشف عن بطلان الاجارة بعد الفسخ لأنّه غاية لملك المشتري وبعده لا ملك له حتّى

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 18 : 13 / أبواب الخيار ب4 ح1 ، 2 ، 3 .

ــ[195]ــ

تصحّ إجارته .

الثانية : في أنّ الإذن من ذي الخيار بنفسه هل يكشف عن سقوط الخيار وأنّه إسقاط له أو لا ، وعرفت أنّه على مسلكنا ملازم لاسقاط الخيار لا على مسلك المشهور .

الثالثة : أنّ الإذن مع التصرف مسقط لخيار المجيز أو لا ، وقد عرفت أنّه لا وجه لكونه موجباً لسقوطه كما لا وجه لما أفاده شيخنا الأنصاري في وجهه .

ولا يخفى أنّ الإذن الساذج لو قلنا بكونه مسقطاً للخيار فلا يبقى لمسقطيه التصرف المتعقّب للإذن مجال ، فإنّ الساقط بالإذن لا يعقل أن يكون ساقطاً مرّة ثانية بالتصرف .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net