سقوط أجل الدين باسقاط المشتري له - شهرة وجوب القبض على البائع عند حلول الأجل 

الكتاب : التنقيح في شرح المكاسب - الجزء الخامس : الخيارات-3   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4177


وأمّا في مقام الاثبات فإن كان اللفظ ولو بتبع بعض القرائن ظاهراً في أحد الأوجه الثلاثة فتتبع القرينة ، وأمّا إذا كان خالياً عن جميع القرائن فاللفظ حسب الجري الخارجي والارتكاز الثابت عند العقلاء في معاملاتهم له ظهور في أنّ التأخير حق للمشتري فقط دون البائع ، وعليه فإذا أسقطه وتبرّع بدفعه يجب على البائع القبول لأنه ماله ، فما ذهب إليه بعض العامّة هو الصحيح .

وأمّا الاجماع فلعلّه مستند إلى احتمال أنه حق لكل من البائع والمشتري .

المقام الثاني : أنّ الحق إذا كان للمشتري وقد أسقطه فهل يسقط باسقاطه بحيث لو طالبه البائع بعد ذلك يجب عليه القبول ، أو أنه لا يسقط باسقاطه ولا يجب عليه القبول مع مطالبة البائع أيضاً ؟

ربما يقال بعدم سقوطه باسقاطه وأنّ المشتري لا يجب عليه ردّه مع مطالبة البائع ماله لوجوه خمسة :

أحدها : ما ذكره المحقّق الكركي في جامع المقاصد(1) من أنّ التأجيل إنما ثبت في ضمن عقد لازم كالبيع أو القرض وهو من خصوصياته ، وكما أنّ العقود اللازمة لا ترتفع باسقاطها فكذلك خصوصياتها لا ترتفع باسقاطها فلا ترتفع إلاّ بالتقايل فقط .

وفيه : أنّ خصوصيات العقد اللازم ليست كالعقد اللازم ، بل هي من الحقوق وهي ممّا يسقط باسقاطها ، إذ ثبت بالقاعدة أنّ لصاحب الحق أن يتجاوز عن حقّه أفلا ترى أنه إذا باع شيئاً أو استأجر الخيّاط لخياطة ثوبه واشترط عليه لنفسه أمراً

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) جامع المقاصد 5 : 41 .

ــ[260]ــ

له أن يسقط حقه ويتجاوز عنه ، ولعلّه (قدّس سرّه) تنبّه لما ذكرناه فذكر الوجه الآتي .

ثانيها : وهو أنّ التأخير حق لكل من المشتري والبائع فإذا تجاوز المشتري عن حقّه فحق البائع بحاله ، فالتأخير لا يسقط باسقاط المشتري ، هذا .

وفيه أوّلا : أنّ التأخير كما عرفت حق ثابت لخصوص المشتري كما مرّ .

وثانياً : أنّا لو أغمضنا وبنينا على أنه حق لكل منهما فهو لا يمنع عن وجوب الردّ على المشتري فيما إذا أسقطه المشتري ثم طالبه البائع بماله كما هو محل الكلام وذلك لأنّ المشتري قد أسقط حقّه على الفرض والبائع أيضاً أسقطه بمطالبته من المشتري ، وبعد اسقاطهما لا وجه لعدم وجوب القبول على المشتري فإنّ المانع عنه إن كان هو حق المشتري فالمفروض أنه أسقطه ، وإن كان هو حقّ البائع فالمفروض أنه يطالب بماله وهو إسقاط لحقّه ، ولعلّه (قدّس سرّه) تنبّه لما ذكرناه أيضاً فذكر وجهاً ثالثاً .

ثالثها : حاصله أنّ حق التأخير حق واحد قائم بمجموع المشتري والبائع لا أنه حقّان ، وإذا كان حقّاً واحداً فهو لا يسقط إلاّ بتراضيهما وتقايلهما ولا يسقط باسقاط هذا وحده وذاك وحده .

ويدفعه : أنّ التأخير حق للمشتري فقط وعلى تقدير الاغماض فهو حق ثابت لكل منهما على وجه الاستقلال ، فإنّ ثبوت حق واحد وقيامه بالمجموع كما في إرث الخيار القائم بمجموع الورثة يحتاج إلى دليل خاص وهو مفقود في المقام ، نعم لو تم ما أفاده صغرى وثبت أنّ الحق واحد قائم بهما فلا بأس بما أفاده ، إلاّ أنّ الكلام في ثبوت الصغرى كما هو ظاهر .

رابعها : ما ذكره العلاّمة (قدّس سرّه)(1) في المقام : وهو أنّ التأجيل من

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) التذكرة 10 : 258 .

 
 

ــ[261]ــ

أوصاف العقد وتوابعه وهي لا تكون مستقلّة في الثبوت والسقوط وإنما يثبت أو ترتفع بتبع العقد ، وهي نظير ما لو اشترط وصف الجودة في الحنطة أو وصفاً آخر ككونها من مزرعة خاصّة فكما هو لا يسقط باسقاطه مستقلا فكذلك التأجيل في المقام ، هذا .

ولا يخفى أنّ هذا الوجه أردأ ممّا ذكره المحقّق الكركي وذلك أمّا أوّلا : فبالنقض فإنّ ما ذكره لو تم لاقتضى عدم سقوطه حتى بالتقايل فإنّه على الفرض غير مستقل في الثبوت والسقوط باسقاط أحدهما أو كليهما ، اللهمّ إلاّ بالتقايل في أصل العقد حتى يرتفع بارتفاعه وهو خلاف المفروض ، فإنّ الكلام فيما إذا بقي العقد بحاله وأسقط التأجيل فقط .

وأمّا ثانياً : فبالحلّ وبيان الفارق بين اشتراط التأجيل ووصف الجودة في الحنطة ، فإنّ الوصف المذكور قيد للمبيع بمعنى أنّ المبيع في الذمّة حينئذ حصة خاصّة من الحنطة وارتفاعه يوجب ارتفاع المبيع ، وهذا بخلاف الاشتراط فإنه أمر خارج عن المبيع والثمن فلو قيس ينبغي قياس شرط التأجيل باشتراط وصف الصحة في العين الخارجية فإنّه أيضاً خارج عن المبيع ولكنه يسقط بالاسقاط فكذا الشرط في المقام ، فهذه الوجوه لا ترجع إلى محصّل ومن هنا ذكر شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه)(1) وجهاً آخر وهو :

خامسها ومحصّله : أنّ مرجع اشتراط التأجيل والتأخير في المعاملة إلى إسقاط البائع حقّه عن مطالبة ماله إلى انقضاء الأجل ، وهذا الساقط لا يعود ثانياً باسقاط المشتري التأجيل والتأخير ، فإنّ المشتري لا ولاية له على إثبات حق للبائع بعد إسقاطه باشتراط التأجيل ، ونظير ذلك ما إذا باع وتبرّأ عن عيوب المبيع

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المكاسب 6 : 214 .

ــ[262]ــ

الذي هو بمنزلة إسقاط خيار العيب فإنه لا يعود بعد ذلك باسقاط اشتراط التبرّي
إذ ليس للمشتري ولا للبائع جعل حق الخيار بعد إسقاطه فإنه لا وقع له فيما إذا لم يتحقّق في ضمن العقد كما هو المفروض ، هذه خلاصة ما أفاده (قدّس سرّه) في المقام .

ويدفعه أمران : أحدهما أنّ ما أفاده لو تم لمنع عن صحة الاقالة أيضاً ، فإنّ الساقط لا يعود بالاقالة ولا بغيرها ، ولا يثبت باقالتهما خيار لأحد ، ولا حق للبائع فإنه بعد إسقاط حق الخيار بالتبرّي من العيوب إذا تقايلا ورضيا بأن يثبت للمشتري الخيار لما يتحقّق الخيار أصلا ، مع أنه (قدّس سرّه) معترف بصحة الاقالة وسقوط التأجيل بها .

وثانيهما : أنّ إرجاع اشتراط التأجيل إلى إسقاط حق المطالبة بلا موجب فإنّ جواز المطالبة كما أسلفناه سابقاً ليس من قبيل الحقوق القابلة للاسقاط وإنما هو حكم شرعي غير قابل للسقوط .

والذي يدلّنا على ما ذكرناه : مضافاً إلى أنه لا دليل على كونه من الحقوق القابلة للسقوط ، أنّ البائع إذا أسقط حق مطالبته حين المعاملة ثم ندم وطالب المشتري بماله يجوز له ذلك بلا خلاف ويجب على المشتري القبول ، وهذا كاشف عن عدم كون جواز المطالبة من الحقوق ، بل الصحيح أنّ مرجع اشتراط التأجيل والتأخير إلى جعل حق للمشتري في إبقاء مال البائع عنده كما في الأعيان الخارجية فإنه إذا باع داره واشترط بقاء الدار تحت يده إلى سنة ليسكنها يثبت له حق وسلطنة بها يتمكّن من تأخير ردّ العين إلى المشتري ، وكذا الحال في الكلّيات وما في الذمم فإنه إذا اشترط التأخير في ردّ الثمن إلى البائع معناه أنه جعل لنفسه حقّاً في تأخير ردّ مال البائع ، فمرجع اشتراط التأخير إلى إثبات حقّ للمشتري لا إلى إسقاط حق البائع ، إذن فلا مانع للمشتري من أن يتجاوز عن حقّه ويسقطه باسقاطه  ، فما نسب إلى بعض العامّة وبعض الأصحاب من سقوط التأجيل باسقاط

ــ[263]ــ

المشتري هو الصحيح .

الكلام فيما إذا كان الثمن أو الدين حالاًّ

أو صار كذلك بانقضاء الأجل

إذا كان الثمن حالا في نفسه أو صار كذلك باسقاط المشتري التأجيل أو بانقضاء الأجل ، فهل يجب على البائع قبض ماله وهو الثمن فيما إذا أراد المشتري دفعه إليه أو لا يجب ؟ فيه خلاف وتمام البحث بالتكلّم في جهات :

الجهة الاُولى : ذهب المشهور إلى أنّ البائع يجب عليه قبض الثمن عند حلول أجله فيما إذا ردّه المشتري ، فإنّ عدم قبضه الثمن إضرار على المشتري وهو مرفوع في الشريعة المقدّسة ، فإذن يجب عليه القبض ، ثم رتّبوا عليه أنه إذا امتنع عن القبض فهل يجب على الحاكم إجباره عليه أو لا يجب ؟

والظاهر عدم وجوب القبض على البائع عند حلول الأجل ، والوجه في ذلك  : أنّ الضرر المتصور ترتبه على ترك قبض البائع قسمان : ضرر خارجي من نقص في مال المشتري أو نفسه أو عرضه ، وضرر اعتباري ككونه مديوناً للبائع وهو نقص على وجاهته وشرافته عند الناس ولا يرضى بخجلته بذلك .

أمّا الضرر الخارجي فالمفروض أنه لا يترتّب على المشتري شيء من ذلك بترك البائع القبض فإنه لا يصير بذلك مريضاً ولا يذهب مال من كيسه ولا يرد خسارة على عرضه وهذا ظاهر .

وأمّا الضرر الاعتباري فهو وإن ترتّب على المشتري في بعض الموارد كما عرفت إلاّ أنه لا كلّية له ، فإنّ مثل البنوك لا يتضرّر بكونها مديونة لبعض لأنّ شغل البنك أن يكون مديوناً لبعض وطالباً من آخر ، وكونه مديوناً ليس ضرراً عليه ، إلاّ أنّ الكلام في أنّ منشأه هل هو عدم قبض البائع الثمن أو منشأه حكم الشارع أو

ــ[264]ــ

العقلاء ببقاء ذمّته مشغولة بمال الناس ، لا ينبغي الإشكال في أنّ عدم قبض المالك لماله لا يكون موجباً لتضرّر شخص آخر وإنما الضرر ينشأ عن حكم الشارع أو العقلاء بأنه مديون وذمّته مشغولة بمال الغير ، وحيث إنه ضرري فنرفعه بالحديث وأنّ ذمّته ليست مشغولة بمال الغير ، وأمّا إثبات وجوب القبض على البائع بذلك فلا فإنه يرفع الحكم الضرري لا أنه يثبت حكماً آخر . نعم لو قبضه البائع يكون ذلك مسقطاً لما في ذمّة المشتري ، إلاّ أنّ تركه القبض لا يوجب بقاء اشتغال ذمّته كما عرفت ، هذا كلّه في هذه الجهة .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net