الأقوال في معنى القبض - بيع المكيل والموزون ثانياً قبل قبضهما 

الكتاب : التنقيح في شرح المكاسب - الجزء الخامس : الخيارات-3   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 7123


ــ[286]ــ

الكلام في مفهوم القبض وأحكامه

قد ذكروا للقبض معان متعدّدة وقالوا إنه عبارة عن التحويل والنقل .

وعن آخر أنّ معناه التخلية .

وعن ثالث التفصيل بين المنقول وغير المنقول . وربما يظهر من كلمات شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه) أنّ القبض بمعنى التخلية في غير المنقول بالاجماع .

وعن رابع التفصيل بين الحيوان وغيره وفي الحيوان بين العبد وغيره ، إلى غير ذلك من التفاصيل التي تعرّض لها شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه)(1).

والظاهر أنّ القبض ليست له حقيقة شرعية ولا حقيقة متشرّعية وإنما هو باق على معناه العرفي ، ولم يستعمل في لسان الشارع أو المتشرّعين في معنى خاص غيره  ، ومعناه العرفي واضح ، ولا يكاد يلتبس على أحد من أهل العرف والعرب ولا على غيرهم فيما يرادف القبض من سائر اللغات ، وهو عبارة عن الأخذ باليد أو الأخذ على نحو الاطلاق وعن الاستيلاء على الشيء وكونه تحت يده واختياره . وبعبارة اُخرى القبض هو ما يتحقّق به الغصب وهذا هو معناه العرفي وهو واحد
ولكنّه يختلف باختلاف موارده ومحقّقاته ، فقبض كلّ شيء بحسبه ، فقبض الدراهم عبارة عن أخذها باليد التي هي عضو مخصوص ، أو عبارة عن جعله في صندوق كما

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المكاسب 6 : 241 ـ 243 .

ــ[287]ــ

إذا قال للمشتري ضع الثمن في صندوقي ، كما أنّ قبض الدار عبارة عن الاستيلاء عليها لأنّها لا يمكن أن تقع في اليد التي هي عضو خاص . وقبض الفرس وغيره من الحيوانات الكبيرة بالتسلّط عليه ولو بأخذ لجامه أو بركوبه على ظهره وهكذا .

والمتحصّل : أنّ قبض كل شيء بحسبه ومعناه واحد والاختلاف في الموارد والمحقّقات ، وعليه ففي كل مورد ورد فيه لفظ القبض نحمله على هذا المعنى العرفي ما لم يقم دليل على إرادة معنى آخر منه .

وربما يرد في لسان الدليل عنوان القبض وتقوم القرينة على إرادة معنى آخر منه غير معناه العرفي بحيث يكون إطلاق القبض عليه مبنيّاً على ضرب من المسامحة  ، وهذا كما ورد من وجوب إقباض المبيع على البائع ووجوب إقباض الثمن على المشتري أو وجوب تسليمه ، فإنّ المراد بالاقباض فيهما لا يمكن أن يكون هو المعنى العرفي أي جعل المبيع مقبوضاً للمشتري ، فإنّ القبض فعل للمشتري وأمر خارج عن تحت قدرة البائع فكيف يكلّف البائع على ما لا يقدر عليه ، وكذلك الحال في طرف المشتري ، فمنه يعلم أنّ المراد بالاقباض والتسليم في مثلهما هو التخلية بين المال ومالكه ورفع الموانع عن أخذه لا جعله مقبوضاً للطرف كما هو ظاهر النبوي (صلّى الله عليه وآله) « على اليد ما أخذت حتى تؤدّيه »(1) فإنه ظاهر في وجوب الأداء المتوقّف على قبض المالك ، فإنّ التأدية في الخارج لا تحصل إلاّ به ، إلاّ أنه كما مرّ في محلّه ضعيف فلابدّ من حمله أيضاً على التخلية .

ويمكن أن يقال : إنّ المراد بالتأدية في الرواية أيضاً ما ذكرناه ، فإنّ تأدية الغاصب ليست إلاّ التخلية ورفع سلطنته عن مال غيره ، فإنّ تأدية كل شخص

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المستدرك 14 : 8 / كتاب الوديعة ب1 ح12 .

ــ[288]ــ

بحسبه وسيأتي تحقيق حال المسألة في محلّها إن شاء الله تعالى .

وربما يرد عنوان القبض في لسان الدليل ويتردّد بين المعنيين ويشك في أنه بمعنى التخلية أو بمعنى القبض العرفي وهذا كما في ضمان المبيع على بائعه ما لم يقبضه من المشتري فإنه يتردّد في مثله في أنّ الضمان هل يرتفع عن البائع بمجرد التخلية بين المبيع والمشتري وعن المشتري بمجرد تخليته بين الثمن والبائع ، أو لا يرتفع حتى يحصل القبض في الخارج ، وسيأتي تحقيق هذه المسألة أيضاً في محلّها .

ولكن شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه) أشار في المقام إلى تلك المسألة وأفاد : أنّا إن استفدنا في الحكم بالضمان على النبوي (صلّى الله عليه وآله) أعني قوله « كل مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بائعه »(1) فلابدّ من إرادة المعنى الأول منه وهو اعتبار قبض المشتري في ارتفاع الضمان عن البائع .

كما أنّا إن استندنا إلى رواية عقبة بن خالد(2) « حتى يقبض المتاع ويخرجه من بيته » فلابدّ من إرادة المعنى الثاني وهو كفاية مجرد التخلية في ارتفاع الضمان ، وذلك لأنّ قوله « حتى يقبض » وإن كان ظاهراً في قبض المشتري إلاّ أنّ تعقيبه بقوله « ويخرجه من بيته » بعد الاتّفاق على عدم اعتبار الاخراج من البيت في ارتفاع الضمان لا عند الشيعة ولا عند السنّة ، وتعيّن حمله على الكناية عن رفع السلطنة عن المال ورفع الموانع عن قبض مالكه ، يكون قرينة على إرادة التخلية من القبض ، وتحقيق هذه المسألة يأتي في محلّها إن شاء الله تعالى .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المستدرك 13 : 303 / أبواب الخيار ب9 ح1 .

(2) الوسائل 18 : 23 / أبواب الخيار ب10 ح1 .

ــ[289]ــ

ثم إنّ شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه) تعرّض في المقام لمسألة اُخرى وهي ما تقدّم في محلّه(1) من أنّ بيع المكيل والموزون بعد شرائهما لا يجوز قبل قبضهما ، كما أنه اشتملت الأخبار على النهي عن بيع المكيل والموزون بعد شرائهما من دون كيله أو وزنه ثانياً إمّا على نحو الكراهة وإمّا على نحو الحرمة فيما إذا باعهما بغير بيع التولية أعني البيع بلا مرابحة وإيكال البيع إلى المشتري ، وأمّا إذا باعهما بالتولية فلا مانع من بيعهما بلا كيل أو وزن ، ووقع الخلاف على ما في المسالك(2) في أنّ المعتبر والرافع للنهي في بيع المكيل والموزون هل هو أمران أحدهما القبض والآخر كيله ووزنه ثانياً ، أو أنّ المعتبر والرافع للكراهة أو الحرمة شيء واحد وهو كيله أو وزنه فالقبض فيهما بمعنى الكيل والوزن ، وسيأتي تحقيق هذه المسألة أيضاً في محلّها كما مرّ ذكر منها في بيع المكيل والموزون .

وكيف كان ، فهاتان المسألتان اللتان تعرّض لهما شيخنا الأنصاري في المقام غير مربوطتين بتحقيق مفهوم القبض كما هو ظاهر فإنّهما مسألتان اختلافيتان لابدّ من التعرّض لهما في محلّهما ، وقد عرفت مفهوم القبض عرفاً ، وعليه يحمل القبض في كل مورد ورد فيه كما في البيع والهبة والرهن والصرف والوقف ونحوها حتى يقوم دليل على إرادة معنى آخر منه .
ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) ] لم نعثر عليه في مظانه [ .

(2) المسالك 3 : 243 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net