إذا كان المتلف هو المشتري أو البائع - حكم إتلاف الأجنبي 

الكتاب : التنقيح في شرح المكاسب - الجزء الخامس : الخيارات-3   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 3958


وأمّا إذا كان التلف مستنداً إلى فاعل بالاختيار فلا يخلو إمّا أن يكون المتلف هو المشتري وإمّا أن يكون هو البائع وإمّا أن يكون أجنبياً .

أمّا إذا كان المتلف هو المشتري فلا ينبغي الإشكال في عدم جريان القاعدة في مثله ، لأنّ مدركها إن كان هو الخبرين المتقدّمين فهما منصرفان عن مثل المقام وإن كان هو الاجماع فهو أيضاً غير متحقّق عند إتلاف المشتري ، وإذا كان هو السيرة فمن الواضح أنها لا تجري فيما إذا كان المتلف هو نفس المشتري ، فلا يكون إتلافه حينئذ موجباً لانفساخ المعاملة لأنه هو الذي أتلف ملكه ، وهذا فيما إذا كان المشتري عالماً بالحال وأنه ملكه ممّا لا خلاف فيه ، وكذا فيما إذا كان جاهلا بأنه ملكه ولكن جهله لم يكن مستنداً إلى البائع كما إذا اشترى من البائع شاة وكان له شاة اُخرى أيضاً وأراد المشتري أن يسرق تلك الشاة الثانية من البائع فسرقها وذبحها وبعد إتلافها ظهر أنها شاة نفسه ، فإنّ المشتري حينئذ وإن أتلف ملكه جاهلا بالحال ولكن جهله ذلك غير مستند إلى البائع ، فمثله أيضاً لا يوجب الانفساخ كما عرفت .

وأمّا إذا كان مستنداً إلى البائع كما إذا باعه خبزاً ثم قدّمه إلى المشتري وهو جاهل بالحال فأتلف ملك نفسه جاهلا بالحال ولكنه كان بتسبيب من البائع ، فهل

ــ[305]ــ

يكون ذلك داخلا في إتلاف البائع أو أنه يوجب انفساخ المعاملة ؟

ذكر شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه) أنّ إتلاف المشتري بتسبيب البائع إن كان مستنداً إلى إغرار البائع كما إذا قدّمه إليه عالماً بأنه ملك المشتري ، فلا بأس بالحاقه باتلاف البائع الذي يأتي حكمه ، هذا .

ولكن الظاهر أنّ هذا الاتلاف لا يحسب من إتلاف المشتري على كل حال سواء كان البائع غاراً أم لم يكن كما إذا قدّمه إليه جاهلا بأنه ملك المشتري ، فإنه لا يصدق في هذه الموارد أنّ المشتري قبض ماله وأتلفه ، ومن هنا لو غصب طعام أحد ثم قدّمه إليه فأكله مالكه من غير علم بأنه ملك نفسه ، لا يكون هذا كافياً في حصول القبض وإقباض الملك لمالكه ، كان الغاصب عالماً بالحال أم لم يكن .

فالظاهر أنّ هذه الصورة من أحد مصاديق إتلاف البائع وحكمها حكمه كما سيأتي إن شاء الله تعالى .

وأمّا إذا كان الاتلاف مستنداً إلى البائع فهو أيضاً ليس بمورد للقاعدة لانصراف الروايتين وعدم انعقاد الاجماع وعدم تحقّق السيرة العقلائية في مثله وشيخنا الأنصاري (قدّس سرّه)(1) احتمل في المقام اُموراً :

منها : أن يكون إتلافه موجباً لانفساخ المعاملة إلحاقاً له بصورة التلف السماوي فيرجع المشتري بثمنه .

ومنها : أن يكون البائع ضامناً للمبيع لأنه ملك للمشتري وقد أتلفه بغير إذنه فيضمنه بقيمته من دون أن يكون العقد منفسخاً ، لعدم جريان القاعدة في المقام كما مرّ .

ومنها : تخيير المشتري بين انفساخ المعاملة لأنه من مصاديق تلف المبيع قبل

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المكاسب 6 : 276 .

ــ[306]ــ

قبضه وهو يوجب الانفساخ ، وبين مطالبة البائع بالقيمة أو المثل لأنّ المبيع ملكه وقد أتلفه البائع فهو له ضامن .

ومنها : أن يكون المشتري مخيّراً بين أن يفسخ العقد لتعذّر تسليم المثمن وهو يوجب الخيار فيرجع إلى البائع بثمنه ، وبين إمضائه ومطالبة البائع بالمثل أو القيمة من دون أن يكون العقد منفسخاً .

وهذه الاحتمالات كل واحد منها في نفسه ممّا لا بأس به إلاّ احتمال تخيير المشتري بين الانفساخ وبين مطالبته البائع بالقيمة أو المثل فإنّ التخيير بينهما غير معقول ، إذ معنى الانفساخ هو أنّ المعاملة باطلة وهي كالعدم ، ومعنى رجوعه إلى البائع أنّ المعاملة صحيحة والبائع يضمن بدل مال المشتري ، والجمع بينهما غير ممكن .

مضافاً إلى أنّ الانفساخ حكم شرعي والرجوع إلى القيمة فعل للمشتري ولا معنى لتخييره بينهما فإنّ أحدهما خارج عن اختياره .

والصحيح من هذه الاحتمالات هو الاحتمال الأخير وهو أنّ المشتري مخيّر بين فسخ المعاملة ورجوعه بثمنه وبين إمضائه ورجوعه إلى البائع بقيمة ماله أو مثله  ، فإنّ المشتري لمّا لم يصل إليه ملكه ثبت له الخيار بين الفسخ والامضاء ، كما أنّ البائع أتلف ملكه فيضمن بدله من المثل أو القيمة .

وأمّا إذا كان المتلف هو الأجنبي فربما يلحق ذلك بصورة التلف السماوي كما إذا كان المتلف ممّن لا يمكن الوصول إليه فتنفسخ المعاملة حينئذ والمشتري يرجع بثمنه .

وأمّا إذا كان المتلف ممّن يمكن الوصول إليه ولم يلتحق ذلك بصورة التلف فالصحيح حينئذ هو الحكم بتخيير المشتري بين فسخ المعاملة لعدم وصول المثمن إليه فيطالب البائع بثمنه والبائع بعد ذلك يرجع إلى المتلف ، وبين رجوعه إلى المتلف

ــ[307]ــ

ابتداءً ومطالبته بالقيمة أو المثل فإنه لا يمكن حينئذ مطالبة البائع بالقيمة أو المثل بوجه فإنّ يده ليست يداً ضمانية بل يد أمانة ، وإن كان ربما يظهر من كلمات شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه) أنّ يده ضمانية ، ولكنّك عرفت أنه لولا تلك القاعدة الثابتة بالأخبار أو الاجماع أو السيرة لما حكمنا بانفساخ المعاملة وبضمان البائع فلا يكون يده ضمانية .

بقي هناك شيء : وهو أنّ المتلف لو كان هو البائع وفرضنا أنّ المشتري رجع عليه بالقيمة أو المثل فهل يجب على البائع ردّهما إليه فوراً ، أو أنّ البائع له أن يمتنع من دفع القيمة حتى يستلم الثمن ؟

ذكر شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه)(1) أنّ البائع يجب عليه ردّ القيمة فوراً وليس له الامتناع عن دفعها حتى يستلم الثمن فإنه إنما ثبت في نفس المثمن حسب الاشتراط الضمني ، وأمّا إذا تلف المثمن وانتقل الأمر إلى بدله فثبوت حق الامتناع فيه يحتاج إلى دليل وهو مفقود .

والظاهر والله العالم أنّ ضمان البائع للبدل إنما هو من جهة ضمانه للمبدل والمثمن ، فإذا كان متمكّناً من عدم رفع المبدل حتى يستلم الثمن فكذلك يتمكّن من ذلك في بدله أيضاً . وبالجملة أنّ البدل قائم مقام المبدل في جميع شؤونه وأحكامه فله أن يمتنع عن تسليمه حتى يستلم الثمن .
ـــــــــــــــــ

(1) المكاسب 6 : 277 مع مراجعة الهامش أيضاً .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net