(مسألة 2) : هل يجوز أخذ الاُجرة على القضاء من المتخاصمين أو غيرهما؟ فيه إشكال . والأظهر الجواز (2) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــ (2) وذلك لما حقّقناه في محلّه من أنّ الوجوب لا يمنع عن أخذ الاُجرة على الواجبات (1) ، وكذا قصد القربة إذا كانت تعبّديّة . وعلى ذلك قلنا : إنّ في كلّ مورد دلّ دليل على عدم جواز أخذ الاُجرة عليها وأ نّه لا بدّ من الإتيان بها مجّاناً فهو ، وإلاّ فلا مانع من أخذها ، وبما أنّ في المقام لا دليل على عدم جواز أخذ الاُجرة من المتخاصمين أو من غيرهما على القضاء ـ ما عدا دعوى الإجماع على ذلك وهو غير ثابت ـ فالأقوى جوازه .
وقد يستدلّ على عدم جواز أخذ الاُجرة على القضاء بصحيحة عمّار بن مروان ، قال : قال أبو عبدالله (عليه السلام) : «كلّ شيء غلّ من الإمام فهو سحت ، والسحت أنواع كثيرة ، منها : ما اُصيب من أعمال الولاة الظلمة ، ومنها : اُجور القضاة واُجور الفواجر ، وثمن الخمر والنبيذ المسكر ، والربا بعد البيّنة ، فأمّا الرشا يا عمّار في الأحكام فإنّ ذلك الكفر بالله العظيم وبرسوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) » (2) .
ولكنّ الظاهر أ نّها ناظرة إلى الاُجور التي كان القضاة يأخذونها من الولاة
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) كتاب الاجارة (مستند العروة الوثقى : 381) .
(2) الوسائل 17 : 95 / أبواب ما يكتسب به ب 5 ح 12 .
ــ[7]ــ
الظلمة ، وذلك بقرينة أنّ كلمة : «منها» لم تتكرّر في اُجور الفواجر وثمن الخمر وما بعد ذلك فالظاهر أنّ الضمير في قوله : «ومنها اُجور القضاة» يرجع إلى الموصول في جملة : «ما اُصيب من الأعمال الولاة» ، ومعنى ذلك : أنّ الأموال التي تصاب من أعمال الولاة التي منها اُجور القضاة سحت ، فلا دلالة فيها على أنّ الأجر على القضاء محرّم مطلقاً حتى إذا لم يكن القاضي من عمّال ولاة الجور وكان قضاؤه حقّاً .
ثمّ إنّه لا إشكال في جواز ارتزاق القاضي من بيت مال المسلمين ، لأ نّه معدّ لمصالحهم ، ومن الظاهر أنّ منها القضاء فيما بينهم ، حيث يتوقّف انتظام اُمورهم عليه .
وأمّا ما في صحيحة عبدالله بن سنان ، قال : سُئِل أبو عبدالله (عليه السلام) عن قاض بين قريتين يأخذ من السلطان على القضاء الرزق «فقال : ذلك السحت» (1) .
فهو أجنبي عن المقام ، فإنّ الظاهر منها هو أ نّه منصوب من قبل السلطان الجائر ، فلا يكون قضاؤه مشروعاً .
ويدلّ على ذلك ـ مضافاً إلى ما ذكر ـ قول أمير المؤمنين (عليه السلام) في عهده إلى مالك الأشتر: «وأكثر تعاهد قضائه (القاضي)، وافسح له في البذل ما يزيح علّته وتقلّ معه حاجته إلى الناس» (2) ، وطريق الشيخ إلى عهده (عليه السلام) إلى مالك الأشتر معتبر (3) .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 27 : 221 / أبواب آداب القاضي ب 8 ح 1 .
(2) الوسائل 27 : 223 / أبواب آداب القاضي ب 8 ح 9 .
(3) الفهرست: 37/ 119.
|